هناك تباين ملحوظ على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ازاء انطلاق معارك تحرير مدينة الموصل العراقية والتي تعد اخر معاقل تنظيم داعش في العراق والتي تسمى عاصمة الخلافة حسب ادعاء التنظيم، وبهذا الشأن نود ان نبين التباين في الاراء والمواقف على المستويين الاقليمي والدولي وهذا التباين لم يكن وليد اللحظة بدلالة لو عدنا لعام 2014 وبالتحديد لشهر حزيران ابان سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل وما اعقبها من انكسار لقوات الجيش العراقي وتوسع تطاق سيطرة التنظيم على حساب مدن وبلدات يقطن اغلبها العرب السنة ووصولاً لتخوم العاصمة بغداد، بينما كان تعاطي بعض الدول مع هذا الحدث لا يرتقي لمستوى الخطورة التي تهدد العراق ككل والمنطقة العربية اذ كان يصور بعض الاعلام العربي بأن هذه الاحداث هي ثورة عشائر منتفضة تبحث عن حقوقها فيما يصور الاخر بأنها ردود فعل محلية نتيجة سياسات عزل العرب السنة وغيرها من المبررات التي تحاول تجميل صورة ما حدث ، فبالنسبة لتركيا قد لعبت دوراً ريادياً في اسقاط المدينة بطرق عدة ابرزها تسهيل مرور الارهابيين الاجانب عبر حدودها وتقديم الدعم اللوجستي لجماعات غير نظامية داخل المدينة وتجهيز وتدريب مقاتلين هم خارج منظومة الحكومة العراقية كما حصل مع " الحشد الوطني بزعامة محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي " والذي كانت له علاقات وطيدة مع تركيا حتى قبل سقوط المدينة، كما وان القنصلية التركية في الموصل قد بقت تمارس عملها لوهلة من الزمن قبل ان يتم سحبها وهذا مؤشر يدل على وجود تنسيق ما بين الجانبين كما وإنها التزمت الصمت ولم تبادر لإدانة ممارسات التنظيم ناهيك عن عدم اشتراكها بالتحالف الدولي ضد التنظيم ولم تفتح قواعدها إلا بعد قرابة العام من سقوط المدينة .
وفيما يخص الموقف الاوربي فلم يبادر للمساعدة او التحرك ضد التنظيم إلا بعد شعور الدول الاوربية بتهديد حقيقي لأراضيها عبر اعلان التنظيم اقامة دول الخلافة المزعومة ورسم خارطته وصولاً لحدود الدول الاوربية وعندما شن التنظيم هجمات داخل اوربا في فرنسا وبلجيكيا وغيرها قد ايقنت هذه الدول بحجم الخطركما وان موجات الهجرة لأراضيها والتي كان مصدرها العراق وسوريا قد اثقلت كاهلها وشعرت بالخطر لتغلغل عناصر التنظيم بينهم ودخلت على خط التحالف الدولي واتخذت سلسلة اجراءات لمنع تدفق المقاتلين الاجانب للعراق وسوريا او العكس بعدما كانت تغاضى النظر عن نشاط شبكات تجند الشبان للالتحاق بصفوف المقاتلين في سوريا بذريعة مقاتلة النظام فيما اغلبهم يذهب للالتحاق بصفوف تنظيم داعش ليتحول الى خطر و يمثل تهديداً لأراضيها وهنا قد شعرت تلك الدول بخطأ سياساتها السابقة بالتعاطي مع الموضوع السوري ومن بعده العراقي.
وبالنسبة للموقف الامريكي فلم يلتزم باتفاقية الإطار الاستراتيجي ما بينه وبين العراق بحيث وصل التنظيم حدود بغداد فيما كانت الولايات المتحدة تبحث عن اليات وخيارات للرد على خطوة التنظيم وذهبت تبحث عن تحالف دولي لأكثر من ستين دولة لم يكن تأثيره يتلاءم مع حجمه! فيما سارعت للتدخل بعدما اتجه التنظيم صوب اقليم كردستان مهدداً مدينة اربيل بالاجتياح وبعدما سيطر على سد الموصل قبل ان تتم استعادته، وفيما يخص موقف إيران وروسيا فكانتا الاقرب للاستجابة لحالة الخطر فقدمتا الدعم بما يلزم للعراق وعلى كافة الاصعدة وربما يعود السبب نتيجة شعورهم بالتهديد الحقيقي على العراق وعلى مصالحهم وعلى حليفتهم سوريا لاسيما بعدما دعمت الدول الغربية هذه الجماعات المسلحة لمقاتلة النظام السوري حليف إيران وروسيا.
وبعد اكثر من عامين تخللتها احداث جمة على المستويين السياسي والأمني على مستوى الداخل العراقي وأحداث متفاوتة على الصعيد الدولي فعلى المستوى الامني والعسكري العراقي قد استعادت القوات العراقية برفقة متطوعو الحشد الشعبي والعشائري اغلب المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش وصولاً لإعلان انطلاق معارك تحرير مدينة الموصل والتي طال انتظارها نظراً لأهمية المدينة التي تعد اخر معاقل التنظيم في العراق كما وإنها تمثل رمزية عالية للتنظيم باعتبارها مركز تحركهم المحلي والعالمي بالإضافة الى انها تضم قرابة المليون ونص نسمة من ابنائها لا يزالون بداخلها كما وان اهميتها تنبع من موقعها الاستراتيجي الرابط ما بين العراق وسوريا وتركيا بالإضافة الى ان التنظيم يتخذها منطقة عبور ما بين الدول الثلاث ايضاً تضم الموصل طوائف وقوميات مختلفة عرب وكرد وتركمان و طوائف المسلمين والمسيحيين والصابئة والسنة والشيعة و الشبك.
لذلك بعد انطلاق هذه العمليات اختلفت ردود الفعل الدولية ، فالدولة الاوربية سارعت للترحيب والدعم فيما كانت اقوى تلك الردود جاءت من فرنسا التي ارسلت حاملة طائراتها للشرق الاوسط ( شارل ديغول ) وبحسب اعلان الجانب الفرنسي بأنها ستشارك بمعركة استعادة المدينة وإنها رهن اشارة الجانب العراقي ، ايضا على مستوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية قد شاركت بكل ثقلها على مستوى الاستشارة او على مستوى التغطية الجوية في حين يعلل البعض هذا الاهتمام الامريكي بمعركة الموصل وحتى موعد اعلان انطلاقها تعود لقرب موعد انتخابات الرئاسة الامريكية وبغض النظر عن السبب سواء لأسباب داخلية او تصحيح مسار او لدفع داعش نحو سوريا كورقة ضغط على الحليفين الروسي والإيراني ، وأما بالنسبة لموقف الاخرين فرسائل الترحيب وإبداء المساعدة واضحين بعملية الموصل مع ابداء نوعاً من التخوف ان يتم السماح لعبور عناصر التنظيم نحو سوريا مما يزيد سوءاً من الوضع المتدهور اصلاً هناك، وفيما يخص الموقف التركي فزاد تدخلاً عبر تواجد تركي بقاعدة بعشيقة على تخوم الموصل وطالبت بإشراكها بعمليات التحرير مما سبب بموجة عالية من التصعيد ما بين العراق وتركيا وتوتر دبلوماسي عالي المستوى رافقه تصعيد بالمواقف جاء اغلبها نتيجة تصريحات من الرئيس التركي مطالباً بضرورة دخول المدينة وحماية اهلها على حد تعبيره الامر الذي رفضه العراق متهماً تركيا باحتلال اراضي عراقية رافق ذلك تحرك دبلوماسي عراقي للحصول على حشد دولي مساند لمطلب العراق بضرورة انسحاب الاتراك من العراق.
وعلى المستوى العربي فقد سارعت الجامعة العربية لإعلان موقف مؤيد لانطلاق العمليات مع ضرورة الحفاظ على ارواح المدنيين ومراعاة النازحين رافق ذلك الموقف دعما مصرياً للعراق في حربه ضد التنظيم يضاف اليه عدداً من الدول العربية، اما بالنسبة للموقف السعودي والخليجي فكان دون المستوى المطلوب ويحمل رسائل مبطنه عبر اعلانه تأيد العمليات بشرط ان لا يشترك الحشد الشعبي واصفاً الحشد بأنه طائفي يفتك بأرواح السنة وهذا ما رفضته الحكومة العراقية وما نفاه الحشد متهمين السعودية بأنها ليست بمعزل عن دعم التنظيم، وهذا الموقف لا يتلاءم وحجم وأهمية المعركة لان العراق يمثل خط الصد الاول ضد التنظيم كما وإنها ليست ببعيدة عن هجمات وخطورة تنظيم داعش فيما رأى البعض بان هذه المواقف المتشنجة سواء من تركيا او السعودية جاءت نتيجة تخوف من وصول الحشد الشعبي للموصل وبهذا يكون تواجداً مدعوم ايرانياً على حدود الجانب التركي وبنفس الوقت سيقطع خط الامداد ما بين العراق وسوريا وايضاُ تبرر السعودية تحفظها على مشاركة الحشد بأنه يهدف للتغيير الديموغرافي، وبالتالي هذه كلها ادعاءات نابعة من تضرر مصالح تلك الدول بدلالة ان الحكومة العراقية قد اعلنت بعدم دخول الحشد او البيشمركة لداخل الموصل وإنما مهمتهم تطويق المدينة كما وان الامر هو شأن داخلي.
فهذه المواقف وغيرها سواء كانت مؤيدة او متخوفة او معترضة تحتاج الى تحرك يوازيها بمعنى ان صانع القرار العراقي بحاجة الى الاستفادة من ذلك عبر ما يلي :
1- ان يستفيد العراق من كافة الظروف الايجابية لتوظيفها لصالحه على المستوى الاقليمي او الدولي.
2- فتح افاق تعاون مع المجتمع الدولي المؤثر عبر تحرك دبلوماسي هدفه ايصال الحقائق على عكس ما يصوره بعض الاعلام المعادي وبهذا تكون هناك امكانية لكسب تأيد دولي لهذه العمليات.
3- مفاتحة الدول والتي تخشى من انتقال التنظيم اليها بزيادة افاق التعاون ألاستخباري والمعلوماتي لملاحقة المتورطين او الداعمين او الممولين للتنظيم لا سيما في بعض البلدان.
4- طلب المساعدة في مختلف جوانبها سواء عن طريق الدعم اللوجستي او حتى عقد مؤتمرات للحصول على دعم تحت عنوان اعادة اعمار المناطق المحررة.
5- تقديم شكوى على اي دولة يتبين دعمها لذلك التنظيم لا سيما ان معركة الموصل وتحرير المدينة سيفك كثيراً من خيوط التعقيد لا سيما من سهل وجهز ومول التنظيم وعلى الجانب العراقي عدم التهاون مع هذه الدول سواء رفع شكوى بمجلس الامن او مقاطعة اقتصادية او الغاء التمثيل الدبلوماسي وغيرها من اساليب الضغط.
6- ضرورة الابتعاد عن التحيز والانضمام مع طرف على حساب الاخر وان يكون حيادياً بهذه الامور فالأولى الان تحرير وإعادة اعمار المدن ومعالجة ما تم تدميره وعدم الانجرار الى المستنقع السوري ما بعد تحرير الموصل.
اضافةتعليق