هل يسير إقليم دارفور على خطا جنوب السودان بعد الاستفتاء؟

الاستفتاء الذي سوف يجري بإقليم دارفور في الفترة من 11 إلى 13 نيسان 2016،هو لتحدد ما إذا كان الإقليم الذي مزقته الحروب سيبقى مقسما إلى خمس ولايات أم سيتم توحيده في كيان واحد يتمتع بقدر من الحكم الذاتي،وجرى الاتفاق على الاستفتاء في اتفاق سلام الدوحة عام 2001 الذي وقع في قطر بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة التي تضم عددا من الجماعات المتمردة الصغيرة،بينما عارض الاتفاق حركتا التمرد الرئيسيتان اللتان بدأتا الصراع في الإقليم وهما حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان . بعد عام من وصول النظام الحالي إلى سدة الحكم في 1989، حاول تغيير ملامح الدولة السودانية التي ظلت سائدة منذ استقلاله في 1956، والتي ورثها عن الاستعمار، فأصدر في عام 1991 مرسوماً جمهورياً أصبح بموجبه السودان دولة اتحادية بتسع ولايات بدلاً من نظام الأقاليم،واعتُبرت اللجان الشعبية للنظام برلمانات ولائية، وقُسمت السلطات إلى ثلاثة مستويات : اتحادية حصرية وولائية حصرية وسلطات مشتركة. ثم أصدر مرسوم آخر في عام 1994، أعاد من خلاله تقسيم الولايات السودانية إلى 26 ولاية، وكان نصيب دارفور ثلاث ولايات (شمال وجنوب وغرب)، قبل أن يعاد تقسيمه إلى خمس ولايات في عام 2012 كجزء من ترتيبات تتصل بالتراضيات القبلية،ويبلغ عدد سكان دارفور حسب آخر إحصاء ( 7.5 ) مليون نسمه أي (23%) من سكان السودان،وتبلغ المساحة الكلية للإقليم ( 510.000) كلم أي خمس مساحة السودان،وتحدها كل من مصر وليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى قبل إعادة ترسيم الحدود التي بترت حدودها مع مصر، يبلغ عدد النازحين في الإقليم حوالي 2.5مليون نسمه يعيشون في 142 معسكر داخل السودان،وهناك أكثر من 100 إلف لاجئ في تشاد وحوالي 60ألف لاجئ في إفريقيا الوسطى هذا عدا الذين قادتهم الأحداث الأخيرة في أواخر 2015 وبدايات هذا العام إلى النزوح وعدد آخر في دول المهجر وآخرين موزعين في إنحاء أخرى من السودان . إن أسباب الصراع في دارفور عديدة ومتداخلة،محليا وإقليميا ودوليا،فقد كان تقسيم إقليم دارفور إلى خمس ولايات أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الصراع الدامي هناك في البداية،وتفجر النزاع في دارفور عام 2003 بعدما حملت قبائل الفور غير العربية السلاح في مواجهة الحكومة السودانية في الخرطوم متهمة إياها بالتمييز بينهم وبين العرب،كذلك هناك امتداد للإقليم في دولة تشاد المجاورة،وهنا تحاول بعض الدول الإقليمية والدولية فصل الإقليم في دولة واحدة،خاصة وان الإقليم يضم الكثير من المعادن على رأسها النفط والغاز والذهب واليورانيوم،وغيرها،كذلك موقعه الاستراتيجي لربط شرق إفريقيا بغربها،إضافة إلى الهدف الأساس وهو تفتيت السودان إلى عدة دول وهو مسعى غربي بالأساس لتقسيم المنطقة. لقد أثار إعلان الرئيس السوداني ( عمر البشير)، حول إجراء استفتاء في إقليم دارفور بحلول شهر نيسان المقبل ، سجالاً واسعاً، سواء داخل ا السودان أو لدى الحركات الدارفورية، فيما اعتبره بعضهم خطوة استباقية من النظام لنتائج الحوار الجاري،كذلك حاول مراقبون الربط بين هذه الخطوة واستفتاء جنوب السودان، والذي أدى إلى انفصال الأخير، ليصبح دولة مستقلة في عام 2011، وخصوصاً أن إقليم دارفور يعيش الظروف نفسها التي أدت إلى انفصال الجنوب. على الرغم من تمسك الحكومة في الخرطوم بإجراء الاستفتاء، على اعتباره استحقاقاً دستورياً، وخصوصاً أنه ورد ضمن اتفاق الدوحة للسلام الذي وقعته الحكومة في عام 2011 مع فصائل دارفورية، ونص على إجراء استفتاء في دارفور بعد عام من توقيع الاتفاق، أي في 2012، والذي تأجل بسبب الأوضاع الأمنية في الإقليم،إلا إن سعى السودان لإجراء الاستفتاء بهذه السرعة جاء لعدة أسباب منها: 1- إن قرار السودان المضي قدما في الاستفتاء من جانب واحد في ظل مقاطعة العديد من الحركات المتمردة وجماعات المعارضة للعملية،هو استغلال حالة التشرذم بين المعارضة في دارفور لمصلحته،إذ إن اغلب حركات المعارضة هي عبارة عن مجموعات قبلية متصارعة فيما بينها،وعدم اتفاقها على موقف واحد سيدفع بها للإبقاء على تقسيم الإقليم إلى خمس ولايات حسب التقسيم القبلي في الإقليم،إذ عمدت الحكومة لتقسيم إقليم دارفور إلى خمس ولايات،أي قبل مرحلة الاستفتاء حيث أضافت ولايتين جديدتين هما شرق ووسط دارفور عام 2012،الأمر الذي يؤكد أن الحكومة تصر على المضي في عملية استفتاء دارفور، وترى أفضلية أن تكون دارفور عبارة عن ولايات بدلاً من الإقليم الواحد بالنظام الذي تسير به حالياً على عكس بعض الحركات المسلحة التي تطالب بأن تكون دارفور في إطار الإقليم الواحد. 2- ويرى محللون أن الحكومة تريد من وراء الخطوة استباق نتائج الحوار الداخلي بين الفصائل في دارفور،والذي قد يفرض ضغوطا عليها من قبل الحركات المسلحة،وإن الحكومة تريد من وراء الخطوة فرض أجندتها في ظل الاستقطاب الحاد بدارفور، لذا هي تتجنب أية حوار بين الفرقاء في دارفور، والذي نص عليه اتفاق الدوحة،إذ تؤكد الحكومة السودانية أن الحوار بين الفرقاء بدارفور يناقش قضايا محلية تتصل بالأراضي والنزاعات القبلية،ومن شأن هذه القضايا أن توحّدهم، وبالتالي يصوتون في الاستفتاء بناء على نتائج الحوار في ما بينهم، لهذا فهي تحاول في ظل الوضع القائم الآن والخلافات الموجودة، إن تكون نتيجة الاستفتاء بدارفور لصالح زيادة الولايات، بحيث تطالب كل قبيلة بولاية،وزيادة عدد الولايات هو سهولة السيطرة عليها، باعتبار أن وجود المناطق في وحدات صغيرة تحت المركز، يسهل من هذه العملية. 3- زيادة الصراع والانقسام الداخلي بيت الحركات المسلحة الرافضة والموافقة على الاستفتاء في دارفور،إذ من شان هذا الصراع بين المجموعات التي تقودها قبائل مختلفة إن يخدم الحكومة السودانية من اجل زيادة سيطرتها على الإقليم،ومن ثم جر القبائل المتنافسة على القبول على زيادة عدد الولايات والمديريات في الإقليم طبقا لمصالحها خاصة وان تقسيم الإقليم إلى خمس ولايات في عام 2012 ،جاء كجزء من ترتيبات تتصل بالتراضيات القبلية،وهذا سوف يكون بصالح حكومة السودان في الأخر. وعلى الرغم من إن المسؤولين حول ملف دارفور ينتقود الآراء الرافضة للاستفتاء وإنها على تصور خاطئ، يقوم على أن العملية مدخل للانفصال،ويعدونه سوء فهم، لأن الاستفتاء سيجري حول الوضع الإداري الدائم للمنطقة، هل تكون إقليماً أم ولايات"،وأكد أنّ الحكومة ماضية في تنفيذ الخطوة لأنها استحقاق دستوري، ولاسيما بعد تضمين اتفاق الدوحة في الدستور،إلا إن هناك عدد من المتابعين والمحللين للشأن السوداني يرون إن هناك مخاوف حقيقية من المضي في إجراء الاستفتاء،ومنها: 1- المشكلة الأكبر أن الاستفتاء المقرر إقامته في دارفور في نيسان القادم ،يفتقر للإجماع السياسي حوله بين الفصائل المسلحة في الإقليم وبينها وبين حكومة السودان،ففي حالة الجنوب هناك أتفاق بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر الوطني علي الاستفتاء،ولكن بالنسبة لدارفور الأمر مختلف حيث لا إجماع علي اتفاق الدوحة نفسه،ولا إجماع علي الاستفتاء الإداري حول دارفور،فحركات دارفور الرئيسة لم توقع علي اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور وفي آخر جولة من جولات التفاوض غير المباشر طالبت كل من العدل والمساواة وتحرير السودان بتأجيل الاستفتاء حول دارفور لما بعد الاتفاق بين هذه الحركات والحكومة،وكثير من الحركات المشاركة في الحوار الوطني دعت لتأجيل الاستفتاء،وهذا يعني أن استفتاء دارفور الإداري لن يحقق الاستقرار ولا السلام في دارفور ولن يؤدي لتطبيق أتفاق الدوحة علي أرض الواقع بالصورة المطلوبة والمرغوب فيها،ومن شأنه أن يضيف عامل جديد للصراع وهو احتدام الخلافات والصراع بين دعاة الولايات وأنصار الإقليم الواحد ،وقد يقود لاحقا إلى تصعيد مطالب هذه الحركات والسعي للاستقلال ويحذون حذو جنوب السودان والذي انفصل عن السودان في عام 2011 بموجب اتفاق سلام أبرم في نيفاشا عام 2005. 2- إن طريقة إجراء الاستفتاء يعتبرها بعض المراقبين للشأن غير واقعية،لأنها تتم بأمر من قبل الرئيس السوداني،واخذ رأي أصحاب الإقليم فقط،دون اخذ رأي عامة الشعب السوداني على مثل هذه القرارات المصيرية،ففي استفتاء الجنوب لم يأخذ رأي كل السودانيين ولكن أنحصر في الجنوبيين وحدهم ،وفي ظل اللقط الذي يدور حول وجود مخطط لتقسيم السودان لعدد من الدويلات يصبح الخوف من الاستفتاء في دارفور أمرا مشروعا،خاصة وإن اتفاق الدوحة جاء في نصوصه تأكيد على توحيد الإقليم (تستكمل اللجنة الفنية المشتركة عملية ترسيم الحدود خلال ستة أشهر من التوقيع على هذا الاتفاق)، وهذا ما يدفع البعض للتخوف من تحول الإقليم إلى دولة، وإلَّا لماذا ترسيم حدود لإقليم داخل البلد؟ خاصة وأن ترسيم الحدود لا يتم إلَّا بين الدول، كذلك هناك مخاوف لدى السودانيين ، فقد قيل من قبل إن جنوب السودان لن ينفصل، وأكد الرئيس (البشير) في مؤتمر صحفي بعد اتفاق نيفاشا بأنه استلم السودان (2.400.000) مليون متر مربع، ولن يسلمه إلَّا بنفس المساحة،إلا انه بارك انفصال الجنوب عام 2011،وحضر حفل الانفصال. 3- يختلف اثنان على أن استفتاء دارفور يعد واحداً من المستحقات للرأي العام الدارفوي وذلك وفقاً لوثيقة الدوحة،ولكن واحدة من شروط اتفاقية الدوحة هي إن لا يتم استفتاء دارفور إلا بعد تحقيق السلام في دارفور، ولا شك في أن عملية الاستفتاء ستجد الكثير من العقبات خاصة في ظل الحرب الدائرة هناك وعدم انضمام بعض الحركات المسلحة لاتفاقية الدوحة وهي التي لابد لها أن تكون ضمن عملية الاستفتاء هذا بالإضافة إلى أن الكثير من أهالي دارفور مازالوا في معسكرات النزوح فكيف ستكون وضعية النازحين بالنسبة لعملية الاستفتاء التي ينبغي لها أن لا تتم إلا بعودة النازحين إلى قراهم،إذن فالإشكال يكمن في أن الوقت الراهن ومؤشرات النزاع لا تزال مستمرة ومتصاعدة بالإضافة إلى أن وثيقة الدوحة توجد فيها عناصر كثيرة لم تستكمل فمن الأفضل أن يتم استكمال وثيقة السلام بالتفاوض مع الأطراف الأخرى من الحركات المسلحة وأن تتم عملية المصالحات والتعايش بحيث أن يكون رأي أي شخص مستقلاً ومنطقياً في الوضع المستقبلي حتى تجري عملية الاستفتاء بشكل سلس من دون أي مشكلات. 4- قد يقود استفتاء دار فور على إثارة المشاكل في مناطق أخرى في السودان،شرقا وجنوبا،والمطالبة على تشكيل الإقليم على غرار دارفور،وهذا قد يقود إلى تفتيت السودان،أو في أحسن الأحوال استمرار الصراعات الداخلية والحروب وانتقالها إلى مناطق جديدة. 5- زيادة الانقسام السياسي والاجتماعي داخل السودان،فقد أثارت الخطوة ردود أفعال قوية داخل ، حيث انقسم النواب بين مؤيد ورافض،خاصة وان النظام السياسي في السودان لا يحضا بأي مقبولية في البلاد،وحذّر نواب من خطورة إجراء استفتاء في الإقليم بالتاريخ المعلن، مطالبين الرئيس بالتراجع عن القرار،وأكدوا أن دارفور لا يحتاج إلى استفتاء في الوقت الحالي وإنما لسلام حقيقي،خاصة وان خطوة الرئيس جاءت مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني وشروع لجانه في إيجاد مخرج للأزمة،إذ يرى العديد من المعارضين للاستفتاء إن الاستفتاء يمثل 2% من نصوص اتفاقية الدوحة وان 98% من الاتفاق كان يركز على حقوق النازحين واللاجئين والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومشاريع البنية التحتية وان التنفيذ لا يتعدي 10% ،وترى الأحزاب المعارضة للاتفاق إن الأولوية ليس الاستفتاء وإنما أوضاع النازحين المزرية وغير الإنسانية وان إعداد النازحين تجاوزت 96 إلف نازح حسب إحصائيات الأمم المتحدة ،كما إن البيئة غير مواتية للمواطنين في دارفور،كما إن المعارضة تؤكد إن هناك تضليل إعلامي وتزييف مقصود مثلا اتفاقية الدوحة تتحدث عن إقليم واحد وتحته ولايات والحكومة تخفي هذه الجزئية وتطرح الولايات وتخفي الإقليم بدعاوي الانفكاك من القبضة المركزية ،وهذا التقسيم علي أساس قبلي تضليل للحقيقة لفتح الدرب لمزيد من التشظي،وترى إن إقامة الإقليم سوف لن يعيد دارفور لسابق عهدها لان هنالك جيل كامل يحمل السلاح وبعيد عن التعليم وهذا تخريب يمتد أثره نحو أربعين وخمسين سنة،وأن الاستفتاء يفتح الشهية إلى المزيد من الصراع القبلي والقبضة الأمنية، لان القبلية أصبحت الوعاء السياسي والاجتماعي والأمني وهذا تردي في النظام السياسي. على الرغم من إن أهمية الاستفتاء بصفة عامة تظهر مستوى من المشاركة الفاعلة فيمن يتم استفتائهم في اتخاذ القرارات المصيرية في البلاد وبالتالي هي نوع من الديمقراطية والشورى في سبيل تجويد الأداء الحكومي ومشاركة المحكومين في قضاء شئؤنهم بصورة مرضية ،إلا إن استفتاء دارفور فانه يصعب إن نسميه كذلك، لان سكان دارفور اليوم، وخاصة المواطن العادي قد لا يعنيه كثيرا إن تكون دارفور إقليما موحدا أم عدة أقاليم، ولا يفكر في إن يحدث ذلك باستشارته أو من دونها، بل هنالك ما هو أهم وأعظم ،فالوضع الأمني المتردي والذي يجعل الكل يخشى على حياته وحياة أسرته، سواء من قصف القوات الحكومية أو هجمات الحركات المسلحة أو العصابات، إضافة إلى أعمال النهب والسلب والاغتصاب، كلها تمثل هموما قصوى تصرفهم عن التفكير في ذاك الاستفتاء وبعدها سبل كسب العيش اليومي هموم ما بعدها هموم ولا يمت إلى العمل السياسي بأي صلات ،فألاهم اليوم لإنسان دارفور كاستحقاق هو المحافظة على حياته كانسان، وتوفير القوت والدواء لهم وان أمكن شيء من التعليم ،هذه هي الأولويات الملحة التي تحتاج لاتخاذ قرارات فورية أما الاستفتاء فانه أمر يمكن تحقيقه لاحقا من خلال جيل متعلم واعي.
التعليقات