الأحزاب السياسية الشيعية وتحديات القاعدة الشعبية

قبل الخوض في مضامين الموضوع لا بد لنا من الإشارة إلى إن مقصدنا من استخدام مفهوم الأحزاب السياسية الشيعية جاء لتسليط الضوء على مديات التباعد الحاصل ما بين تلك الأحزاب وبين القواعد الشعبية التي تستند إليها وهذا المفهوم شامل سواء كانت تلك الأحزاب هي " دينية" أي تتبنى مشاريع إقامة الدولة الإسلامية الشيعية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية أم إنها تيارات وقوى تتخذ من التسمية الدينية الشيعية غطاءاً لممارساتها في محاولة لكسب عواطف الناس ، أو حتى إنها أحزاب ذات توجهات وطنية لكنها تظهر نفسها بمظهر المدافع والممثل عن طموح جمهور الشيعة. إذ إن اغلب من وصلوا لدفة الحكم في عراق ما بعد التغيير يتحملون جزءاُ من مسؤولية ما آلت إليه اوضاع القاعدة الشعبية الشيعية لا سيما بعدما استبشرت هذه الجماهير بزوال حقبة حزب البعث خيراً باعتبارهم الاكثر تضرراً من سياسات نظام البعث كما وإنهم اكبر فئات المجتمع تضحية عبر زجهم كوقود لحروب النظام سواء الحرب العراقية الايرانية او غزو الكويت او حتى حرب عام 2003 وهذا لا غبار عليه بدليل أن اغلب الضحايا هم من تلك المناطق، أي مناطق الأغلبية الشيعية لذلك عندما دخلت المعارضة الخارجية أو من بقي يمارس دور المعارضة بصورة سرية وبكلا الحالتين كان من المتوقع أن تبادر هذه القوى الى انتشال جماهيرها الشيعية من واقعهم المرير نتيجة سنوات من الاهمال والاعتقال والتعسف بحقهم وهذا ما كان يطمح إليه رجال الدين عبر تأييد تولي الشيعة لزمام الحكم وحث الجماهير للمشاركة بقوة سواء بالتصويت على الدستور أو انتخاب القائمة الشيعية الموحدة في انتخابات الجمعية الوطنية او عبر حثهم للتطوع بصفوف قوات الأمن بمختلف صنوفها، وكان الغرض من وراء ذلك اموراً عديدة ابرزها عدم اضاعة الفرصة التاريخية بتولي زمام المبادرة والمشاركة بالدور الاكبر في حكم البلاد وإنصاف الفقراء وتحقيق رفاهية المجتمع وإنشاء تجربة يحتذى بها لكن هذه الطموحات قد تبددت والسبب ؟؟؟؟؟ إن هذه القوى بمختلف فروعها لم تحسن ادارة البلاد بالصورة التي تحفظ للشيعة حقوقهم اذ انها انحرفت كثيراً عن الهدف الاساس ودخلت بمشاكل جانبية وعوائق متعددة سواء مع الجانب السني او الكردي وبكل صراحة لم تستطيع ادارة الازمة بشكل منظم وبنفس الوقت لم تطيع توجيهات المرجعية التي لولاها لما وصلت لسدة الحكم ويظهر انزعاج المرجعية جلياً عبر خطب الجمعة عن طريق وكلائها حتى وصل الحال الى تخليها عن التحدث بالأمور السياسية وهذا مؤشر خطير على مدى غضب المرجعية اتجاه من امسكوا زمام السلطة ، وجاء هذا الرد بعد سلسلة مناشدات تهدف من ورائها لمكافحة الفساد وتقليل البطالة وإنصاف الفقراء وتحسين الواقع الأمني وغيرها إلا إنها لم تلق اذاناً صاغية، وهذا بطبيعة الحال يساهم بتراكم الاوضاع السيئة، لذلك الفجوة ما بين الحاكم والمحكوم اخذت تتسع شيئاً فشيئاً اذ وصل الحال بفئات الشعب الى حد اليأس من تحسن اوضاعهم مع تراكم المشاكل السياسية والأمنية والأزمة الاقتصادية والأصعب ما في الأمر لا توجد بوادر حلول تلوح في الافق . مع تراكم هذه الفجوة ما بين الاحزاب الشيعية وقواعدهم بدأ يشعر المواطن الشيعي البسيط بأنه الخاسر الأكبر وهذا الامر لا يطلق جزافاً اذ ان الشيعة هم الأغلبية وهم من يتصدون للحكم وهم القابضون على السلطة من 2003 وبنفس الوقت تعاني قواعدهم الشعبية من ازدياد البطالة وتفشي الامراض وزيادة نسب الفقر وشبه انعدام للخدمات ومع كل ذلك هم المدافع الاول عن العراق ووحدته وهم من يقاتلون بالصفوف الامامية لجبهات القتال وتصدر العدد الأكبر من نسبة الشهداء والأرامل والطامة الكبرى هي ان تشير بعض الاحصائيات شبه الرسمية بزيادة اعداد الايتام قرابة الخمسة مليون يتيم غالبيتهم من مدن وسط وجنوب العراق دون رعاية كافية تؤمن لهم حياة كريمة ومستقبل زاهر وهذه الاعداد مخيفة وستظهر نتائجها الكارثية مستقبلاً ، لذلك ليس من الصدف ان تشيع هذه الايام دعوات بعدم التصويت او المشاركة بالانتخابات اصلاً وهذه تمثل خطورة على مستقبل العملية السياسية اذ إن الأصح أن تحسن القواعد الشعبية لمن تصوت وان لا تكرر الوقوع بالخطأ بإعادة انتخاب المفسدين أو من ثبتت التجربة عدم كفاءتهم بإدارة البلاد وان لا تنخدع بالشعارات مجدداً. مع ذلك أدركت بعض من الأحزاب السياسية الشيعية خطورة الموقف لذلك بدأت تبحث عن أساليب ربما لتصحيح موقفها عبر الاعتراف بالقصور بالسنوات السابقة مبررة ذلك بالتدخل الخارجي ومخاطر الإرهاب وإنها ليست الوحيدة بل هناك من يشارك بالحكم وهم السنة والكرد وليس من المعقول تحميل كل هذه المسؤوليات على جهة واحدة ، وقوى أخرى أخذت تبحث من الان عن تسميات جديدة تنصهر فيها ربما لتجميل صورتها أمام الناخب الشيعي والبعض الآخر بدأ يستخدم شعار الحشد الشعبي سواء بصورة مباشرة أو شبه مباشرة في محاولة لإضفاء نوع من الدعاية باعتباره قد تصدى للإرهاب وحرر المدن في الوقت الذي تعاني بعض فصائل الحشد من انقطاع الرواتب أو قلة الأرزاق أو إهمال عوائل الشهداء فيما ذهب بعضاً من تلك الأحزاب والتيارات إلى درجة التأكيد على عزمه على تشكيل كتل عابرة للطائفية وربما هذه سمة سنراها كثيراً في الانتخابات المقبلة نتيجة ضعف تأثير الورقة الطائفية في المرحلة القادمة ربما لأسباب عدة من أبرزها عدم إنصاف أبناء الطائفة أنفسهم أو لأن الإحداث الأخيرة قد وجدت مناخاً وحدوياً عابراً للطائفية لا سيما عندما تشارك الشيعي والسني والمسيحي بعمليات تحرير المدن. ملخص الكلام هناك تباعد يزداد يوماً بعد يوم ما بين المواطن الشيعي ومابين ممثليه نتيجة لإخفاقات على مدى أل 14 عاماً الماضية حيث لم تلبي هذه القوى طموحات الناخب الشيعي والذي بدوره ايضاً يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية نتيجة اختيارات غير دقيقة أوصلت الأمور الى ما هي عليه ، لذلك تتزايد دعوة مرجعيات النجف لحسن الاختيار وعدم تكرار الأخطاء السابقة وبنفس الوقت على هذه القوى أن تدرك خطورة الموقف عبر التخلي عن الهويات الفرعية وتبني مبدأ الوطنية واختيار أناس تكنوقراط لإدارة مفاصل الدولة وان تعي خطورة التدخل الخارجي بكافة أنواعه والاهم من كل ذلك أن تعالج الآثار التي أحدثتها من سياسات قادت البلد للهاوية ولولا فتوى المرجعية واستجابة الشباب الغيور لكانت داعش في مراكز المدن الشيعية . لذلك ربما يكون اجتماع التحالف الوطني مؤخراً محاولة أخيرة للإسلام السياسي الشيعي لأثبات جدارته والا فان الفشل في تحقيق الأهداف المرسومة من المرجعية والمؤيدة من الجماهير الشيعية سيقود الى تخلي الطرفين عن هذا التحالف وعن كل أحزاب السلطة بشكل علني وصريح قد يطيح بمجمل العملية السياسية.
التعليقات