بعد هجمات باريس الدامية... من الممول والمنفذ والمستفيد؟

في يوم الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، اهتزت العاصمة الفرنسية باريس على وقع عدة انفجار، وكانت حصيلة الهجمات المتزامنة في العاصمة باريس إلى أكثر من 130 قتيلا فيما أصيب المئات بجروح، حسب وسائل الإعلام الفرنسية. وقالت وسائل الإعلام الفرنسية إن إحدى الهجمات استهدفت مطعم كمبوديا في الدائرة الـ11 وسط باريس واستخدم المهاجم مسدسا أوتوماتيكيا ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الأشخاص، ومن جهة أخرى، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، سماع دوي انفجارين في ملعب باريس أثناء مباراة كرة قدم بين فرنسا وألمانيا، ودوي إطلاق نار في أماكن متفرقة من العاصمة. هذه الأحداث تذكرنا بحادث مجلة (شارل أيبدو)، إذ شكك الكثير من المفكرين والكتاب والإعلاميين والناشطين في الرواية الرسمية الفرنسية لأحداث باريس، خصوصا ما تعلق بالهجوم المسلح ضد المجلة، وعملية مطاردة المهاجمين المفترضين الذين انتهى بهم الحال بعد يومين بالقتل؛ وذلك بسبب عدة ملابسات وحيثيات ووقائع وصور وتسجيلات بالفعل تدفع إلى التساؤل وتجعل المتتبع يضع الكثير من علامات الاستفهام حول صحة ما تدعيه السلطات الفرنسية، خصوصا إذا علمنا أن كثيرا من هذه الأحداث تقف وراءها أجهزة المخابرات، وهناك عدة أسباب، منها: علم فرنسا بالعملية قبل يوم من الحادثة وعدم إيقافها، وعملية تصوير قتل الشرطي الذي لم تسل منه قطرة دم واحدة ولم يتأذى رأسه مع قوة طلقة الرشاش، واحترافية مهاجمي مقر (شارلي أيبدو) في استعمال السلاح، وترك أحد المتهمين المفترضين بطاقة تعريفه في السيارة، وتصريح إحدى الناجيات بأن أحد المهاجمين أزرق العينين، وانتحار أحد المحققين في الحادثة، وقتل الأخوان كواشي مع إمكانية إلقاء القبض عليهما حيين، لذلك يطرح السؤال التالي، ماذا تستفيد فرنسا من القيام بهذه الهجمات الدامية التي استهدفت القيم في فرنسا ومنها حرية التعبير؟ وأية مكاسب يمكن إن تحققها بعض الدول ومنها أمريكا والسعودية وإسرائيل من القيام بهذه العمليات في بلد حليف ومن أشرس المدافعين عن مصالحهم في المنطقة؟ فرنسا من الدول الأوربية التي تضم في ثناياها على اكبر جالية مسلمة يقدر عددها ب (5) مليون مسلم، اغلبهم من دول المغرب العربي، ويعيشون في ضواحي باريس الفقيرة، وبعض المدن الفرنسية الأخرى، وتعاني فرنسا من مشاكل صعوبة اندماج المسلمين في الضواحي الفقيرة، ومشاكل العنصرية والتهميش، ومظاهر التدين الإسلامي ( التشدد) الذي شنت عليه فرنسا من قبل حرب منع الحجاب في المؤسسات التعليمية، ثم منع النقاب في الشارع العام، وضجة الذبيحة الحلال ومطاعم حلال، إذ انتشر التشدد الإسلامي في أوساط المسلمين في فرنسا، ومحاولة بعض الجهات تجنيد المسلمين في فرنسا للقتال في سوريا والعراق مع المجموعات المسلحة مثل (داعش، والنصرة)، بعضها تتم سرا، والبعض الأخر كان بعلم الحكومة الفرنسية، لتحقيق أهدافها في المنطقة. إضافة إلى الجالية المسلمة الكبيرة تعاني فرنسا أيضا من مشكلة استمرار الهجرة من الشرق الأوسط وإفريقيا، وبإعداد كبيرة جدا، وخاصة الهجرة الأخيرة من العراق وسوريا وليبيا التي فاقت كل التوقعات، والخوف من رجوع المشاركين في ساحات القتال في سوريا والعراق إلى أراضيها مع المهاجرين عبر تركيا، خاصة وان اغلبهم قد تلقى التدريبات على استعمال السلاح. الاحتمال الأول هو إن المخابرات الفرنسية هي من قام بهذه التفجيرات وتسهيل القيام بها، وذلك لإعطاء الحجج لها لتغيير قوانينها لخدمة مصالحها في التضييق على المسلمين الذين صارت التقارير والدراسات تثبت بأنهم سيجتاحون القارة العجوز وتكون لهم الغلبة بعد سنة 2050، ولكي يسهل عليها منع أي مواطن فرنسي مسلم سافر إلى ساحات القتال من العودة مرة أخرى لفرنسا، وخلق عداء شعبي فرنسي ضد المسلمين في فرنسا، لمنع استقبال مهاجرين جدد داخل أراضيها، فتأكيد الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي) على أن الهجرة مشكل كبير تعيشه فرنسا، لصعوبة اندماج المهاجرين، وهي رؤية قد تخدم اليمين المتطرف الذي يطالب بمنع دخول المهاجرين وترحيلهم من البلاد. إذ صرح الرئيس الفرنسي في خطبة له في الجمعية الوطنية الفرنسية في فرساي، إن فرنسا سوف تتخذ عدة إجراءات لمنع وقوع عمليات إرهابية، ومنها، إسقاط الجنسية الفرنسية عن غير المتجنسين بالجنسية الفرنسية حتى لو كان الشخص مولودا في فرنسا، وطرد المقيمين الأجانب، إذا وجد ما يثبت تهديدهم لأمن البلاد، والتشدد في الدخول لفرنسا، واستقبال ألاجئين، وإغلاق المساجد وحل الجمعيات الإسلامية إذا ثبت تأييدها لهذه الإعمال، وأعلن وزير الداخلية الفرنسي (برنار كازنوف)، أنه أصدر، صباح اليوم الاثنين 16 تشرين الثاني 2015، 34 قرارا بالطرد خارج البلاد وإسقاط الجنسية عن ستة فرنسيين، وذلك بعد الهجمات الإرهابية غير المسبوقة التي شهدتها فرنسا الجمعة الماضية، إذ يجيز القانون الفرنسي سحب الجنسية الفرنسية من شخص حصل عليها قبل اقل من خمسة عشر عاما وحكم عليه "بجريمة أو جنحة تشكل عملا "إرهابيا"، وهذا التدبير ممكن فقط إذا كان الشخص المعني يحمل جنسية أخرى وضمن قواعد مشددة قلما استخدمت سابقا، إلا أنها ألان تم تفعيلها بقوة، وهي طريقة جديدة لتقليص عدد المسلمين المقيمين في فرنسا. كما وان هذه الأحداث خلقت تعاطف الرأي العام الوطني والدولي، والتهيئة للقبول بتغيير القوانين، وأولها هو منع دخول حاملي بطاقة (شنكن) إلى أراضيها باستثناء مواطني الاتحاد الأوربي، وتشديد الإجراءات الأمنية من خلال نشر أكثر من (120) إلف شرطي و (1500) عسكري لحفظ الأمن، وتصريح وزير داخليتها بالمطالبة بتعديل (اتفاقية شنغن) التي لها تعلق بحركة مواطني الاتحاد الأوربي، ومطالبة رئيس الوزراء الفرنسي (مانويل فالس) بضرورة تحسين نظام التوقيف والتحقيق وتسهيل نظام التنصت، وعزل السجناء الإسلاميين المتطرفين، القبول بأي قانون يستهدف المسلمين باعتبارهم المتهمين الأوائل بـ(الإرهاب)، وزيادة التضييق على المظاهر الإسلامية مثل الحجاب في الشارع العام. والبحث على موطئ قدم لها في منطقة الشرق الأوسط من خلال مراقبة حركة المسافرين خارج الأراضي الفرنسية، والضغط على بعض دول المنطقة (كدول المغرب العربي ودول الخليج)، من اجل السماح للمخابرات الفرنسية مراقبة المطارات والموانئ في هذه الدول، والاستفادة من المعلومات المخابراتية للمشتبه فيهم من طرف جميع هذه الدول بحجة منع تسلل الانتحاريين إلى أراضيها. وأخيرا تريد فرنسا العودة بقوة إلى مناطق نفوذها التقليدية في الشرق الأوسط كـ( سوريا، وشمال إفريقيا)، ومنع أي منافسة دولية لها، وخاصة المنافسة الأمريكية، إذ أصبحت سوريا منطقة تنازع بين النفوذ الأمريكي والروسي، وشمال ووسط إفريقيا مناطق نزاع بين النفوذ البريطاني الأمريكي، لهذا تريد فرنسا سحب جانب من البساط في الحرب الدولية ضد الإرهاب. الاحتمال الثاني هو: تورط أمريكا في تفجيرات باريس، فبعد تدخل روسيا المباشر في سوريا أحست فرنسا بان نفوذها التقليدي في سوريا -التي كانت محتلة من قبل فرنسا-قد تعرض للتهميش، فلم يكن لفرنسا أي دور فعلي في الأزمة السورية، لا بل وحسب الكثير من المحللين إن فرنسا قد استدرجت من قبل بعض الدول مثل أمريكا لتلعب دورا مدمرا في سوريا من خلال دعم بعض المجموعات المسلحة، من اجل إنهاء أي دور مستقبلي لها في سوريا، على اعتبارها طرف في الأزمة السورية، كذلك توتر علاقاتها مع النظام السوري وإيران. لهذا أرادت فرنسا ومن اجل استباق الأحداث، والمسك بشعرة معاوية في سوريا من جديد، إن تقوم بنوع من المناورة، من خلال تصريحات المسؤولين الفرنسيين بان ليس مشكلة فرنسا مع الرئيس السوري ( بشار الأسد)، وانه من الممكن إن يبقى لفترة انتقالية في سوريا، كذلك زيارة وفد من مجلس النواب الفرنسي لسوريا ولقاءه الرئيس السوري، وهي إشارات على عودة التقارب الفرنسي السوري، معارضة فرنسا أي محاولة تركية أو أمريكية لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، وقيام سلاح الجو الفرنسي بشن غارات على تنظيم ( داعش) في سوريا، كذلك عودة التقارب الفرنسي الإيراني، خاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1، فبعد الاتفاق النووي بأيام بدأت العديد من دول أوربا وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، بإرسال وفود سياسية واقتصادية إلى إيران، وفتح سفاراتها في طهران، والزيارة التي كان من المؤمل إن يقوم بها الرئيس الإيراني حسن روحاني لباريس. ولهذه الأسباب ومن اجل إخراج فرنسا من اللعبة في سوريا، لتبقى بين روسيا وأمريكا، قد تكون أمريكا قد عمدت إلى القيام بعملية تسهيل عبور الإرهابيين إلى فرنسا، من اجل القيام بعمليات تفجير دموية راح ضحيتها المئات من الفرنسيين، من اجل تأجيج الرأي العام الفرنسي ضد حكومته، وانسحابها من محاربة تنظيم (داعش) في سوريا، على غرار البرلمان البريطاني الذي رفض إعطاء تفويض للحكومة بضرب داعش في سوريا، كذلك منع التقارب الأوربي الإيراني الذي بدا يقلق الحكومة الأمريكية، وقد يخرجها من اللعبة في المنطقة. الاحتمال الثالث هو: إن إسرائيل لم تكن بعيدة عن أحداث فرنسا سواء في ( شارل أيبدو)، أو أحداث باريس الأخيرة، خاصة علاقة جهاز الموساد بالأحداث واستهداف مطعم يهودي، في أحداث (شارلي أيبدو)، إن قيام الموساد الإسرائيلي بهذه العمليات جاء من اجل الضغط والتحكم في قيادات الدول المستهدفة مصالحها، والانتقام من فرنسا التي اعترفت بدولة فلسطين، وتصويتها لصالح مشروع إنهاء احتلالها الإسرائيلي للأراضي المحتلة، إثارة دول العالم ضد المسلمين وحصر (الإرهاب) في المسلمين، لإخضاع الحكومات العربية والإسلامية في مشاريع الصهيونية ضد الإسلام الحقيقي، الشامل لجميع مناحي الحياة، والظهور بمظهر الضحية التي تحتاج إلى استمرار تعاطف الغرب المخدوع أو الخانع، إجبار فرنسا على إن تضع بعض المنظمات في خانة الإرهاب وعلى رأسها (حركة حماس)، وهو ما فعل رئيس وزراء إسرائيل (نتنياهو)، عندما طالب في سفارة باريس بتل أبيب بضرورة مواجهة جميع المنظمات الإرهابية بما فيها حماس، محاولة ترحيل ما تبقى من يهود فرنسا، للقيام بالمزيد من عمليات التهجير للفلسطينيين وبناء المستوطنات، وخداع اليهود الفرنسيين بان لهم وطن قومي في فلسطين، وإرغام فرنسا على الخضوع للوبي اليهودي، والقيام بحماية المعابد اليهودية باستمرار. الاحتمال الرابع: هو مشاركة دول خليجية في عملية باريس الأخيرة، وخاصة السعودية، فعلى الرغم من العلاقات القوية بين فرنسا والسعودية، وخاصة بعد أحداث سوريا عام 2011، إلا إن المتابع لهذه العلاقات يرى أنها علاقات مصالح بين الدولتين، وليس علاقات استراتيجية وعلاقات قائمة على التوازن، فرنسا كانت تهدف من وراء علاقاتها مع السعودية وتأييد موقف الرياض في سوريا، هو من اجل الحصول على عقود تسليح بين الدولتين (بعشرات من مليارات الدولارات )، كذلك حصول الشركات الفرنسية على فرص عمل في السعودية، وفي نفس الموقف السعودية كانت ترى في الموقف الفرنسي من سوريا وإيران داعما لها في المحافل الدولية. ولكن ونتيجة تغيير موقف باريس من الأزمة السورية وإيران لتغيير المصالح في المنطقة، إذ إن فرنسا لها مصالح إستراتيجية بعيدة الأمد في سوريا وإيران، وليس همها هو بقاء النظام السوري من عدمه، أو امتلاك إيران لبرنامج نووي أم لا، لهذا اتجهت فرنسا إلى الدعوة إلى حل المسالة السورية سياسيا، من خلال المفاوضات التي تشترك فيها كل الإطراف الداخلية السورية والإقليمية والدولية التي لها اهتمام بالأزمة السورية بما فيها إيران، كذلك إن علاقات فرنسا بإيران بدأت تشهد نوعا من الانفراج بعد الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1، وزيارة عدد من المستثمرين الفرنسيين إلى إيران، كذلك كان من المؤمل إن يزور الرئيس الإيراني ( حسن روحاني) باريس قبل هذه الأحداث، وما قد تحمله هذه الزيارة التاريخية لرئيس إيراني لفرنسا من تقوية العلاقات بين الدولتين، ودخول فرنسا في شراكة اقتصادية مع إيران، خاصة وان السوق الإيرانية سوق واعدة ومحتاجة إلى العديد من الشركات الاستثمارية والخدمية وخاصة في مجال الطاقة، التي سوف تدر المليارات عليها، وسوف يمنح إيران دورا إقليميا في المنطقة، وتأثيرا مباشرا في أحداثها، لهذا فان العديد من الدول وخاصة السعودية، سوف لن تروق لها مثل هذه العلاقات، لأنها سوف تقوي نفوذ إيران في أوربا، خاصة وان فرنسا وقبلها ألمانيا مفتاح إيران لأوربا، وسوف تقوي نفوذ إيران في أحداث سوريا، لذلك أرادت السعودية الانتقام من التقارب الإيراني الفرنسي، بمساعدة الإرهابيين بالقيام بعمليات إرهابية في فرنسا، لثنيها عن مواصلة علاقاتها مع إيران، أو المشاركة في حل سياسي في سوريا قد لا يرضي السعودية. خلاصة القول، مهما كانت الدوافع وراء إحداث باريس الأخيرة، فان فرنسا والغرب والكيان الصهيوني سيجنون منها كثيرا؛ منها زيادة الكراهية للمسلمين في العالم، والدخول بلا قيود للخصوصيات في النظام العالمي الجديد، الذي لا يقبل بقيام دول إسلامية قابلة لتحكيم الشريعة الإسلامية، وفي المقابل لن تجني الدول الإسلامية إلا الخضوع والخنوع، ومزيدا من مسخ مقومات الهوية الإسلامية، فمتى يعي المخدوعون من العرب حقيقة هذه الحرب العالمية عليهم، ويعملوا عقولهم ويفتحوا أعينهم ليتعرفوا على عدوهم الحقيقي الذي يحول دون نهضتهم واسترجاع حقوقهم المسلوبة.
التعليقات