تقييم الحركات الجهادية : الجزء الأول : أهداف الجهاديين

استهل سكوت ستيوارت دراسته بالقول : في كثير من الأحيان اقوم بمناظرات وجلسات اعلامية او مقابلات صحفية وانا أُسأل اسئلة من قبيل " بالنظر الى الاحداث في سوريا وليبيا هل الحركات الجهادية أقوى من اي وقت مضى ؟ هو سؤال جيد طبعا لكن لايمكن الرد عليه بسهولة في مقطع صوتي لخمسة ثواني او من خلال اقتباسات مقتضبة لوسائل الاعلام المطبوعة اذ يتطلب شرح مفصل . وأردف قائلاً : عند تقييم الوضع الحالي للحركات الجهادية فمن المفيد استخدام معياريين مختلفين الاول يعنى بأهداف الجهاديين وغاياتهم وتقييم مدى تقدمهم نحو تحقيقها اما الثاني هو ان نلقي نظرة فاحصة على النماذج النظرية التي يتبناها التمرد والارهاب ليتسنى لنا معرفة وضع الشبكات الجهادية المتشددة وجهودها وفيما يلي سيتم التركيز على اهداف الجهاديين وغاياتهم . اهداف الجهاديين وغاياتهم : هناك قناعة واسعة الانتشار مفادها ان الجهاديين مجرد اشخاص مجانين يستخدمون العنف لاجل العنف هذا مجرد كذب بل إن القول بوجود بعض الشخصيات الذهانية والعدائية المناهضة للمجتمع داخل الحركة وان الجهاديين يستخدمون العنف – سواء بالارهاب او التمرد – هو صحيح تماما. ومن الجدير بالذكر ان الارهاب لايرتبط مع جماعة محددة بعينها ؛ بل هو تكتيك استخدم على طيف واسع من الاطراف الفاعلة. وان الارهاب ليس حكرا على انتماء سياسي او جنسية او عرق او عقيدة ، فالجهاديون يوظفون الارهاب كما يفعل المتمردون وان العديد من الوسائل تستخدم لتحقيق اهدافها . يمكن القول إن الجهاديين يسعون لتحقيق أهدافهم من خلال العنف والتضليل على الرغم من اننا يمكننا التساؤل عما اذا كانوا قادرين على تحقيق اهدافهم من خلال تلك الوسائل العنيفة أم لا؟، إلا أننا ببساطة لايمكن ان نناقش حقيقة انهم يوظفون العنف الدولي وبطريقة عقلانية بغية تحقيق أهدافهم المعلنة مع اخذ ذلك بنظر الاعتبار فإننا سنلقي نظرة أعمق على تلك الاهداف . ومن الضروري ان نفهم ان الجهاديين يحركهم دافع لاهوتي وفي الحقيقة ليس هناك تمييز حقيقي بين الدين والسياسة والثقافة في عقيدتهم اذ انهم يعتقدون ان واجبهم الديني يحتم نشر تعاليم الاسلام الخاصة بهم فيما يتعلق بالحكومة والنظام القانوني والمعايير الثقافية التي ترتبط بها ، وهم يعتقدون أيضا انه من اجل نشر تعاليم الاسلام الصحيحة يجب ان تتبع تعاليم النبي محمد (ص ) والمؤمنين الأوائل ، فيما يعتقد جميع المسلمين بان عليهم إتباع القرآن والسنة ولفت الكاتب النظر إلى أن الجهاديين يعطون فسحة صغيرة جدا لتقبل افكار من خارج الدين ويحدون بشدة من استخدام العقل في تفسير النصوص الإلهية . تاريخيا بعد مغادرة محمد (ص) لمكة وانتقاله الى المدينة حيث اسس اول دولة إسلامية في العالم (شرع بعدها هو وأتباعه بالقيام بعمليات عسكرية لمداهمة قوافل خصومهم وفي نهاية المطاف غزا جيش محمد (ص) مكة وجزء كبير من شبة الجزيرة العربية قبل وفاته) . وفي غضون قرن من وفاة النبي (ص) شيد اتباعه امبراطورية واسعة امتدت عبر شمال افريقيا ومعظم اسبانيا في الغرب ووصلت الى حدود الصين والهند في الشرق . ووفقا للكاتب مثلما قام محمد (ص) واتباعه بغزو جزء كبير من العالم فان الجهاديين يسعون لاستعادة هذه الامبراطورية ومن ثم توسيعها لتشمل الارض كلها . ان خطة الجهاديين تقضي باقامة دولة تسمى بـ الامارة التي تُحكم وفقا للمبادئ الجهادية ومن ثم استخدام تلك الدولة كنقطة انطلاق لمزيد من الفتوحات وانشاء الامبراطورية الاكبر المعروفة بـ دولة الخلافة . ويعتقد الكثير من منظري الحركات الجهادية ان الخلافة يجب ان تكون كيانا عابر للحدود تضم جميع اراضي المسلمين وتمتد من اسبانيا ( الاندلس ) في الغرب الى الفلبين شرق البلاد وبعد ذلك تمتد الى الصعيد العالمي وبذلك يصبح على العالم كله الخضوع لها. ومن المفيد ان نذكر هنا ان الحركات الجهادية ليست متجانسة وإنها تتفاوت فيما بينها بالإيديولوجية لا بل حتى الأهداف والغايات ، فعلى سبيل المثال بعض الجهاديين هم ذوي فلسفة وطنية عابرة للحدود اي بمعنى انهم يركزون على اسقاط النظام في بلادهم واقامة امارة قائمة على تطبيق الشريعة وهم غير مهتمين باستخدام تلك الامارة كنقطة انطلاق لاعادة تاسيس الخلافة على نطاق واسع وقد بدا التوتر في هذا النهج بإزاء النهج الاخر العابر للقومية بادياً للعيان في الصومال عندما شب النزاع بين فصائل مختلفة من حركة الشباب . بعض الجهاديين يعتقدون ايضا بعدم امكانية اقامة خلافة عالمية واحدة بسبب الاختلافات بين المسلمين وبدلا من ذلك يسعون الى انشاء سلسلة من الدول الصغيرة التي من شانها ان تمتد الى مناطق اوسع . كتابات وأعمال واحدة من اللمحات الثاقبة في استراتجية القاعدة جاءت بشكل بريد الكتروني صدر عن حكومة الولايات المتحدة عام 2005 من نائب زعيم التنظيم (واميره الحالي ) ايمن الظواهري الى ابو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة ، التوحيد والجهاد ، وهي جماعة جهادية تعمل في العراق وتعهدت بالولاء إلى تنظيم القاعدة والتي غيرت اسمها الى تنظيم القاعدة في العراق وتحولت الجماعة الى مظلة ضمت العديد من الجماعات الجهادية تحت اسم دولة العراق الاسلامية وفي الاونة الاخيرة غيرت اسمها الى الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام . كان خطاب الظواهري الى الزرقاوي لافتاً للنظر لعدة اسباب اذ افصحت عن اهداف تنظيم القاعدة اذ يقول الظواهري " لقد كان اعتقادي دائما ان انتصار الاسلام لن يتحقق حتى يتم تاسيس دولة الاسلام في قلب العالم الإسلامي " كما أشار إلى الخطوة الاولى في هذه الخطة وهي طرد الأمريكيين من العراق ، وكانت المرحلة الثانية إقامة امارة وتوسيعها لتكوين دولة الخلافة ، والمرحلة الثالثة مهاجمة الدول العلمانية المجاورة للعراق ( السعودية والكويت وسوريا والاردن ) وضمها إلى دولة الخلافة ، أما الخطوة الرابعة استخدام قوة دولة الخلافة لمهاجمة اسرائيل . ان الاستراتيجية التي وضعها الضواهري لاقت قبولا لافتا من قبل الجهاديين العراقيين واظهرت اعمالهم اللاحقة ما يثبت ذلك فقد تبنوا حتى الاسم وهو الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام ان التركيز على مفهوم الدولة يعكس رغبتهم في اقامة دولة جهادية فضلا عن ذلك قدمت الحرب الاهلية في سوريا والدولة الاسلامية في العراق الفرصة للاندفاع الى البلدان العلمانية المجاورة لتضافر الجهود من اجل اقامة حكومتهم في الاقليم . ان الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام ليست جماعة جهادية تحاول تأسيس الإمارة فحسب بل ان تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية لم يأل جهداً من اجل الاستيلاء على جنوب اليمن وقد سيطر لمدة وجيزة على رقعة كبيرة من الأرض هناك في أعقاب الثور اليمنية لعام 2011 . كما وتسيطر حركة الشباب وتحكم اجزاء واسعة من الصومال لعدة سنوات حتى الان ( على الرغم من فقدان الجماعة اجزاء كبيرة منها مؤخرا ) ، أما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي فقد انشا مؤقتا امارة في شمال مالي عام 2012 ، كما وحاولت جماعة بوكو حرام النيجيرية فرض سيطرتها على مناطق من شمال نيجريا فيما تسعى الجماعات الجهادية مثل انصار الشريعة الى فرض سيطرتها على اقليم وسط الفوضى التي تعم ليبيا . كما كان الهدف واضحا من انشاء امارة اسلامية في رسالتين كشفت عنهما الاسوشييتد برس في تمبكتو ومالي كتبتا من قبل ناصر الوحيشي ، زعيم تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ، وارسلت الى عبد الملك دروكدال ( المعروف ابو مصعب عبد الودود ) زعيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي . في هذه الرسائل ضمن الوحيشي بعض الدروس والاخطاء في محاولة منظمته اقامة الامارة في اليمن واشار بوضوح الى انه قد اوضح تلك الدروس مع الودود من اجل ان يتلافاها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في اقامة الامارة في مالي لتكون اكثر نجاحا . لكن بدا من الواضح فيما بعد ان مشورة الوحيشي ذهبت ادراج الرياح فبعد مدة وجيزة من اعلان الجهاديين اقامة دولة اسلامية في شمال مالي في نيسان عام 2012 "أزواد " ، دفع الغزو الفرنسي الجهاديين خارج الاراضي التي سيطروا عليها وبذلك انتهت دولة " ازواد " . وفي الختام أشار تقرير سترات فور إلى خطابات دروكدال التي وجدت في مالي التي كتبها الى قادته داعيا اياهم بالامتناع عن السلوك الاصولي وعن استخدام الوحشية المفرطة اذ ان من شان ذلك ان يعرض اهدافهم للخطر، كما افصحت الاتصالات الاخيرة عن انتقادات الظواهري لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي للاخطاء التي ادت الى هزيمتها في مالي . وتظهر هذه الاحداث ان اقامة الامارة كقاعدة للانطلاق من اجل التوسع هو قلب الاستراتيجية الجهادية كما تمثل هدفا مهما لها .
التعليقات