الاشكالية الابرز للنظام السياسي في العراق انه يفتقد لاهم عناصره وهي الاحزاب السياسية الحقيقية. فــ "الاحزاب والقوى السياسية" في العراق ليست تنظيمات حزبية حقيقية، والكثير منها، وبسبب ايديولوجياتها الدينية، تحرم العمل الحزبي. كما انها لا تؤمن بحرية العبير والارادة الشعبية، وبالتالي لا تنظر للانتخابات بمعناها الحقيقي، بل تنظر لها كوسيلة لتعزيز سطوة ارادتها على الارادة العامة، وبمعنى اخر، تُريد ان تعزز شرعيتها في السيطرة على مفاصل وسلطات ومؤسسات الدولة
المشاركون في الحوار:
الشيخ مرتضى معاش-رئيس مؤسسة الامام الشيرازي العالمية
ا. حيدر الجراح-باحث في مركز الامام الشيرازي للبحوث والدراسات
ا. د. رياض المسعودي-نائب برلماني سابق
ا. احمد جويد المطيري-مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
ا. م. د. علاء الحسيني-أكاديمي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات.
ا. باسم الزبيدي-اعلامي وباحث
ا. م. د. قحطان حسين اللاوندي-أكاديمي وباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية
ا. محمد الصافي-اعلامي وباحث
ادارة الحوار وتحريره-د. حسين احمد السرحان
حددت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، يوم 18 من شهر كانون الأول 2023 المقبل موعداً لإجراء انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023. وهي ثالث انتخابات لمجالس المحافظات بعد انتخابات (2009) و (2013) عدا كركوك التي شهت انتخابات واحدة عام 2005، وفي الانتخابات المقبلة المقررة في كانون الاول 2023 فقد أكد قانون الانتخابات انه سيتم اعتماد التعداد السكاني لعام 1957.
واقر مجلس النواب الإطار القانوني لإجراء الانتخابات بموجب القانون رقم (4) لسنة 2023 “قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018"، ودخل حيز التنفيذ بعد نشره في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4718 في 8/5/2023).
واقر مجلس النواب الاعتماد المالي المخصص لإجراء الانتخابات المحلية ضمن قانون الموازنة الاتحادية 2023 بمبلغ قدره (345.455.000.000) مليار دينار عراقي ومن ضمنها حصة اقليم كردستان العراق.
بالنسبة للناخبين، قال مدير الاجراءات والتدريب في مفوضية الانتخابات، داوود سلمان ان:"الذين لم يحدثوا بياناتهم لغاية هذه اللحظة 6 ملايين ونصف المليون ناخب توزعت بين المتوفين وكذلك المقيمين خارج العراق بالإضافة الى الناخبين ممن يحمل بطاقة قصيرة الامد او التي سحبت منهم في يوم الاقتراع". وعدد الذين حدثوا بياناتهم خلال المدة 20اذار 2022 ولغاية 8 حزيران 2023 بلغ 944771.
في 2 ايلول المقبل ستطلق اول عملية محاكاة لفحص الاجهزة ومعرفة مدى رصانتها والاجراءات والاطلاع عليها بحضور اعلامي واسع جدا". وأكمل "ستكون هنالك أربع عمليات محاكاة اثنان منها في ايلول ومثلها في تشرين الاول المقبل وصولا الى يوم الانتخابات".
التحالفات الانتخابية:
ما إن أعلنت مفوضية الانتخابات في العراق البدء بتسلم طلبات تسجيل التحالفات الراغبة بالمشاركة في الانتخابات المحلية المقررة نهاية العام الجاري للمدة (1/ تموز/ 2023 ولغاية 1/اب/2023)، ثم مددت لغاية 6 اب 2023، وتم تمديدها لاحقا لغاية 13 اب 2023، حتى بدأت معالم التحالفات الجديدة تتضح ولو بشكل بطيء، فيما بدأت القوى السياسية الراغبة بالمشاركة تخوض حراكا لتشكيل التحالفات الانتخابية الجديدة.
وبدأت القوى السياسية العراقية بمختلف مكوناتها وتسمياتها الاستعداد والتحشيد الجماهيري لانتخابات مجالس المحافظات المقبلة والتي ستكون بوابة رئيسة للانتخابات النيابية التي تنتظرها الأوساط السياسية. وبلغ عدد التحالفات 24 تحالفاً بينها 15 تحالفاً جديداً و9 تحالفات قديمة لغاية 1 اب الجاري.
والقانون الانتخابي يدعم حظوظ القوائم الكبيرة ما بعد الانتخابات والتي قد يشهد تحالفات جديدة تضم القوى الاصغر. وأعلن الإطار التنسيقي انه لن يدخل الانتخابات بقائمة واحدة تجمع كل قواه، كون كل القوى لديها طموح في الحصول على منصب المحافظ، كما ان السيطرة على مجالس المحافظات يؤسس لمنجزات سياسية مستقبلية والانتخابات المحلية ستشهد حربا ضارية للفوز بالمقاعد. اذ أعلن ائتلاف دولة القانون عن قراره في خوض الانتخابات بقائمة منفردة، فيما تظهر بوادر تحالف بين تيار الحكيم وحيدر العبادي.
وبهذا لم يستطع “الإطار" الحاكم في البلاد الحفاظ على وحدته في أول تجربة انتخابية يخوضها، إذ قررت عدة قوى من "الإطار" خوض الانتخابات المحلية بقوائم منفصلة وتشكيل تحالفات فيما بينها، في خطوة تكشف عمق الخلاف بين القوى الرئيسة في التحالف الذي شكل الحكومة.
اما التحالفات الجديدة، فهي ناشئة وتجربتها السياسية غير كافية، وسيكون للمال السياسي دوراً كبيراً في التنافس الانتخابي والقوائم الصغيرة ستواجه صعوبة بإقناع الجمهور المدني وتأثيرهم سيكون محددا على الناخبين.
قال هيمن تحسين مدير دائرة الاحزاب والكيانات السياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق لشبكة روداو الإعلامية، الأحد (16 تموز 2023)، "حتى الآن تم تسجيل نحو 270 حزباً سياسياً، رسمياً، لغرض المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات"، مشيرا الى "نحو 15 حزباً آخر، تعتزم المشاركة في الانتخابات، وهي منشغلة بإكمال الإجراءات للحصول على تصريح لذلك".
زيادة على لك هناك تسريبات عن تشكل تحالفات جديدة وهي:
1/ الاعتدال، وهو اسم مرشح لقائمة تضم عمار الحكيم وحيدر العبادي. والاثنين حصلا على نتائج متواضعة في الانتخابات الاخيرة
2/ وتد، تحالف جديد برئاسة نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي ويضم مجموعة من المستقلين المقربين من "الإطار" مثل مصطفى سند وحسين عرب ونيسان زاير المنشقة عن حركة امتداد.
3/ خدمات، بزعامة وزير العمل والقيادي في التحالف الشيعي احمد الاسدي زعيم فصيل جند الامام المنضوي بالحشد.
4/ نصحح، وهي قائمة المجلس الاعلى الاسلامي برئاسة همام حمودي، التي انشقت عن تحالف الفتح.
من واقع التحالفات الانتخابية المعلنة يلاحظ عدة امور منها، ان كل من القوى الرئيسة في " تجمع الإطار التنسيقي" شكلت قوائم ضمت احزاب جديدة متفرعة منها. اما الاحزاب الجديدة والغير منضوية ضمن القوى الكبيرة في قوائم انتخابية، سوف تتلاشى لذلك لا يمكن ان تكون الخارطة السياسية بعيدة عن الحالية المسيطرة على مجلس النواب.
كما ان تجربة الاحزاب الجديدة وطبيعة ادائها السياسي والتشريعي والرقابي في مجلس النواب لا تشجع الناخبين على المشاركة في الانتخابات. اذ لم تهتم الاحزاب والقوى الجديدة بالواقع السياسي ولا تتوافر لديها رؤية سياسية وبرامج لتكون الضد النوعي للأحزاب التقليدية.
تأجيل الانتخابات
هناك رغبة لبعض لأحزاب بتأجيل الانتخابات المحلية، لثلاثة أسباب:
أولها / عدم إكمال قوائمها الانتخابية.
والثاني/ رفض الشارع لعودة مجالس المحافظات.
والثالث/ هو انتهاء ولاية مجلس المفوضين الحالي في المفوضية بالتزامن مع ظهور نتائج الانتخابات. اذ إن "ولاية مجلس المفوضين تنتهي يوم 7 كانون الثاني 2024 (بعد اقل من شهر على اجراء الانتخابات)، ورغم ذلك، فإن مجلس النواب أقر قانون الانتخابات وكلف إدارة هذا المجلس بإدارتها، مع علمه بموعد نهاية ولاية هذا المجلس. علما أن "المادة 7 من قانون المفوضية، تنص على أن ولاية مجلس المفوضين تكون لمدة أربع سنوات غير قابلة للتمديد. وتأجيل إجراء انتخابات مجالس المحافظات، بسبب هذه المشكلة القانونية أمر وارد جداً، ولذا يجب أن يكون هناك حل قانوني سريع لها من قبل مجلس النواب، وبالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى، وبخلاف ذلك لن تكون هناك انتخابات.
اما التيار الصدري، قال قيادي في التيار الصدري، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لم يقرر بعد المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، مبديا عن اعتقاده أن الانتخابات لن تجرى هذا العام. وأضاف القيادي في التيار الصدري أنهم يتلقون إشارات من " الحنانة" ومكتب الصدر تؤكد أن الصدر لا يريد ترك الحكومات المحلية للإطار التنسيقي، لكنه حتى الآن لم يتخذ أي قرار نهائي بشأن الانتخابات.
فيما أعلن قيادي في التيار الصدري في حزيران الماضي لوكالة شفق نيوز، الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، ان "قيادة التيار الصدري قررت المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، والماكنات الانتخابية للتيار في بغداد ومدن الوسط والجنوب، بدأت تعمل بشكل غير معلن من اجل اكمال الترتيبات الفنية واللوجستية". لكن ما هو مؤكد ان التيار الصدري لن يشترك في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) القادمة. وبهذا سوف يتغيب اغلبية أنصار وجماهير التيار الصدري عن المشاركة في التصويت بسبب غياب مرشحين عن التيار الصدري.
مدخلات النظام السياسي بعد 2003 كانت مشوهة ولذلك تولد نظام سياسي في العراق مشوه وازداد تشوها بعد انتخابات تشرين الاول 2021 والتحالفات التي تشكلت بموجبها الحكومة الحالية وهي تحالف واحد مسيطر أطلق عليه تحالف ادارة الدولة ويضم القوى الشيعية – عدا التيار الصدري، والقوى السنية والقوى الكردية. وبعد انسحاب التيار الصدري من عضوية مجلس النواب، تفردت قوى الإطار التنسيقي والقوى الاخرى في تحالف ادارة الدولة في تشكيل المؤسسات الحكومية وزعامتها، فضلا عن السيطرة التامة على مجلس النواب. وبذلك فقد النظام البرلماني اهم اركانه وهو وجود المعارضة النيابية.
اما السلطة في العراق في ظل سيطرة تحالف ادارة الدولة، فأنها تتعامل بموجب منهجيات اقصائية للأصوات المعارضة عبر توجيه الاتهامات، او توظيف القضاء ضد معارضيها، وتوظيف الماكنة الاعلامية ضدهم.
الاشكالية الابرز للنظام السياسي في العراق انه يفتقد لاهم عناصره وهي الاحزاب السياسية الحقيقية. فــ "الاحزاب والقوى السياسية" في العراق ليست تنظيمات حزبية حقيقية، والكثير منها، وبسبب ايديولوجياتها الدينية، تحرم العمل الحزبي. كما انها لا تؤمن بحرية العبير والارادة الشعبية، وبالتالي لا تنظر للانتخابات بمعناها الحقيقي، بل تنظر لها كوسيلة لتعزيز سطوة ارادتها على الارادة العامة. وبمعنى اخر، تُريد ان تعزز شرعيتها في السيطرة على مفاصل وسلطات ومؤسسات الدولة، لأنها تُدرك تماما ان شرعيتها منقوصة. فموجة عدم الرضا كبيرة على المستوى الشعبي واستمرار الازمات والاستثمار فيها لتحقيق مكاسب حزبية فئوية واضح للعيان.
اضافةتعليق