اردوغان والطاولة السداسية والعوامل المؤثرة في الانتخابات التركية

حالة من الترقّب الكبير  والاهتمام يعيشه العالم في متابعة الانتخابات التركية مع قرب اجرائها المقرر يوم 14/ آيار من الشهر الجاري؛ وذلك بحكم المكانة التي باتت تحتلها الجمهورية التركية على الساحتين (الإقليمية والدولية)، ولاسيما خلال العقديين الماضيين، فهناك من يرجعها إلى الإنجازات الكبيرة التي حققتها تركيا (اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا) بقيادة الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان وحزبه (حزب العدالة والتنمية)، وهناك من يرجع هذا الاهتمام إلى طبيعة الدور الدولي والتدخلات الغربية (الأوروبية والأمريكية) في الانتخابات التركية والعلاقة الجدلية بين الرئيس التركي الحالي والمعسكر الغربي بعد الانقلاب العسكري الفاشل والتعديلات السياسية التي اجراها حزب العدالة والتنمية على النظام السياسي التركي واختلالات علاقته بالغرب وحلف الناتو.  فللمرة الأولى، تصل فيها الانتخابات الرئاسية التركية إلى هذه الحدة، وهذا التنافس المحموم بين المرشحين، أو بين أحزاب الطاولة السداسية "التي تجمع أحزاب المعارضة" وبين حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب اردوغان، فحجم المنافسة يبدو متقاربًا بين احزاب المعارضة السياسية "الطاولة السداسية" التي يتزعمها كمال كليجدار أوغلو، مقابل تحالف "الجمهور" بين أردوغان والحركة القومية وبعض الأحزاب الأخرى. 

هذا التنافس الكبير بين الاحزاب والاسماء المتنافسة على رئاسة الجمهورية التركية، قد تتداخل فيه الصراعات الاقتصادية والسياسية والدولية، إذ تعد نتيجتها مؤثرة على دور تركيا الدولي والإقليمي وعلاقاتها الخارجية؛ لهذا ربما يكون لانتخابات 14 آيار تداعيات على المستوى الداخلي والخارجي. إذ لا احد يستطيع أن يتنبأ بنتيجة الانتخابات التركية القادمة والعوامل المؤثرة ولمن تؤول نتيجتها، على الرغم من أن بعض المؤشرات ترجح كفة حزب العدالة والتنمية والاحزاب المتحالفة معه، إلا أن هناك بعض المؤثرات التي تعمل عليها الاحزاب المتنافسة من أجل كسب الرهان الانتخابي القادم، التي من شأنها أن ترجح كفة تحالف على آخر، وتأتي فئة الشباب التركي الذي عاصر حكم حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 وحتى الآن، العامل الموضوعي الأكبر في طبيعة حسم السباق الانتخابي لرئاسة الجمهورية، فهذا العامل يقدر بخمسة ملايين ناخب تركي، إذ يعادل عددهم قرابة 5.7 في المائة من إجمالي عدد الناخبين الشباب البالغ عددهم 12 مليون ناخب، بالنسبة لمجموع الناخبين الاتراك بشكل عام، والبالغ تعدادهم (64 مليوناً و113 ألفاً و941 ناخباً)، فهذه النسبة التي تشارك لأول مرة، ربما يكون لها رأي مؤثر في نتيجة الانتخابات الرئاسية، ولاسيما أن هذا الجيل يطلق عليه بالتعبير التركي جيل "زد" أو جيل "تكنوفيست"، وهو جيل تربى على التقنية والتطور في عالم الاتصالات والإنترنت والهواتف الذكية، ولذلك فإنه مختلف عن الأجيال السابقة، إذ ترى المعارضة أن هذه الشريحة ناقمة على الحكومة ولهم خيال واسع ومتطلبات رفاهية تعجز الحكومة عن تلبيتها، فيما ترى الحكومة أنهم جيل واعِ ومدرك لتقدم تركيا في ميادين عدة، وأهمها الصناعات الدفاعية والفضائية؛ لهذا افردت الدعايات الانتخابية للأحزاب والتحالفات المتنافسة برامج انتخابية مهمة للشباب التركي أو لجيل تكنوفيست، فقد افرد كل من تحالف الجمهور الذي يتزعمه اردوغان، وتحالف الطاولة السداسية، الذي يتزعمه  كمال كليجدار أوغلو، مهرجانات متنوعة لاستمالة هذا الجيل في صراعهما الانتخابي.  

إن جدلية هذا العامل تنبع من كون هذا الجيل عاصر فترة تولي حكم حزب العدالة والتنمية والاستقرار السياسي الذي شهدته خلال هذه الفترة؛ فلم يشهد هذا الجيل أزمات سياسية وحكومات ائتلافية، ما يجعله أبعد عن معرفة تاريخ البلاد والانقلابات السياسية وطبيعة النظام السياسي ودور المؤسسة العسكرية فيه، وهو ما يدفعه إلى الإحساس بالحاجة إلى التغيير السياسي الذي نشأ وترعرع عليه. فهناك من يعتقد بأن هذا الجيل أقرب إلى المعارضة منه إلى حزب العدالة والتنمية أو تحالف الجمهور، وهذا ما قال به مؤسس ومدير مركز "ميتروبول" للأبحاث واستطلاعات الرأي أوزر سنجار من: "إن توجهات الناخبين الجدد أقرب للمعارضة". إذ توقع سنجار -في حديث للجزيرة نت-أن يصوت "أكثر من نصف الناخبين الجدد لكليجدار أوغلو كرئيس للجمهورية بالانتخابات القادمة". وفي حالة انعقاد جولة ثانية من الانتخابات يوم 28 من مايو/أيار الجاري، سيُضاف لهذه الكتلة 47 ألفا و523 ناخبا آخر يدلي بصوته لأول مرة، لبلوغه في ذلك التاريخ السن القانوني للانتخاب في تركيا وهو 18 عاما. وبالتالي فأن تصويت هذا العدد أو بعضه لصالح المعارضة التركية "الطاولة السداسية" ربما يقلل بشكل كبير من حظوظ فوز الرئيس التركي الحالي رجب طيب اردوغان بولاية آخرى، ولاسيما إذا ما اخذنا نتيجة الانتخابات السابقة التي حصل عليها اردوغان في الانتخابات الماضية "بنظر الاعتبار"، والتي بلغت 52% بالنسبة للحد الادنى من النسبة المطلوبة البالغة 50%. 

أما العامل الآخر فهو العامل الاقتصادي، الذي من شأنه أن يغير قناعة الناخب التركي ويؤثر في نتيجة الانتخابات الحاسمة، فالعامل الاقتصادي، عامل مهم وحاسم في أي انتخابات، وفي تركيا قد يكون حاسم هذه المرة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، ولاسيما في آخر سنتين، في ظل تراجع الليرة التركية إلى مستويات مخيفة في الآونة الأخيرة، إذ بلغت الـ20 ليرة أمام الدولار في مرحلة قد تتفاقم في الفترة القادمة؛ الأمر الذي يمكن أن تستغله المعارضة التركية لصالحها سواء في اقناع قطاع الشباب او من اجل تغيير قناعة الناخبين الذين تضرروا من جراء الاوضاع الاقتصادية وتقلبات سعر صرف العملة التركية أمام الدولار الأمريكي؛ مما دفع بالرئيس التركي في التاسع من الشهر الحالي إلى زيادة الحد الأدنى من الأجور، وزيادة الإنفاق الحكومي وتقليل الجباية كرفع الحد الأدنى للأجور ورواتب الموظفين والمتقاعدين وتسهيل القروض وجدولة الديون ودعم بعض الشرائح، في رد قوي على المعارضة التي طالما اتهمت اردوغان بمسؤوليته عن تراجع المستوى الاقتصادي للمواطن التركي.

فضلاً عن ذلك، هناك بعض العوامل المؤثرة في حسم نتيجة الانتخابات، منها ما يتعلق بالسياسة التركية على المستوى الخارجي والداخلي، ولاسيما علاقتها الخارجية مع المعسكر الغربي، سواء بالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية، وحجم التدخل والتأييد الخارجي، والإعلام السياسي والدعاية الانتخابية، كذلك تعد الأيديولوجيا من أهم العوامل المؤثرة في تصويت الناخبين واستقطاب ميولهم، ونقصد هنا الأيديولوجيا الحقيقية والمتخيلة والانتماءات الحزبية والاصطفافات السياسية والميول الفكرية وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، يعد الزلازل وما رافقه من ظروف سياسية وصعوبات اقتصادية وطريقة تعاطي الحكومة معه، وملف اللاجئين، ولاسيما اللاجئين السوريين، وطبيعة التحالفات السياسية والفكرية، ملفات مهمة في نتائج الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجري في الرابع عشر من الشهر الحالي. 

بالمجمل، كل المؤثرات أعلاه "وبشكل مبدئي" تقف لصالح المعارضة "الطاولة السداسية" ضد تحالف الجمهور وحزب العدالة والتنمية وزعيمه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، إلا أن الاجراءات الحكومية الأخيرة وما رافقها من زيادة الانفاق الحكومي ورفع رواتب الموظفين، وغيرها من الملفات التي تبقى بيد الحكومة التركية، ربما تقلل من تلك العوامل لصالح الرئيس التركي الحالي ونتيجة الانتخابات. 

التعليقات