الدور السعودي في الحراك الشعبي البحريني

منذ استيلاء آل خليفه على الحكم في البحرين عام 1783م خاض الشعب البحريني صراعا" مريرا" ضد اسره استولت على كل مقدرات البلاد وتحكمت بشؤون العباد متبعه بذلك قوة السيف وشريعة الغاب في احكام سيطرتها لإدارة شؤون الدولة مسنودة بذلك من قبل قوات الاحتلال البريطاني ، فمنذ ذلك الحين بقيت هذه الاسره محافظه على سلطتها في إدارة الحكم بقبضة من حديد بينما دخل الشعب البحريني في هذه الاثناء في صراع مستمر مع السلطة من اجل تحسين الاوضاع السياسيه التي يعيشها البلد . أن الاحداث التي تشهدها البحرين اليوم تمثل حالة تراكمية كانت موجودة سابقا" بفعل الأحداث السابقة التي شهدتها البلاد منذ ايام الاحتلال البريطاني الى يومنا هذا تراكمت بمرور الزمن ووصلت الى ماوصلت اليه اليوم ومن الخطاء أن يفهم البعض أن ما تعيشه البحرين اليوم هو وليد اللحظة ولم يكن موجود سابقا" . انطلقت شرارة الاحداث في البحرين مع انطلاق ثورات مايعرف ب ( الربيع العربي ) حيث اخذ الشعب البحريني يتجشم خيرا" بهذه الثورات وأن كان مختلفا" في البحرين بحكم طبيعة وخصوصية نظامها السياسي ، فبدأ الحراك الشعبي البحريني بعد عام من انطلاق الثورة الليبية فكان ذلك بتأريخ ( 14/شباط/2011م ) يمثل الحراك الشعبي البحريني حالة جديرة بالاهتمام لكونها يتفاعل فيها البعد الطائفي الى جانب أنه حراك نابع من الداخل ولم تتدخل فيه قوى خارجية أي أن من يقوم ويحرك هذا الحراك هم ابناء البلد والقوى السياسية المعارضة والتي تتمثل بالنخبة السياسية ذات الأفكار والرؤى البنائه ، ومن غير المعقول أن يوصف البعض ما يحدث في البحرين بأنه فوضى وشغب وأن كانت لاتصل الى حد الثورة فأنها في نفس الوقت حراكا" شعبيا" منظما" يتصف بالسلمية منذ اليوم الأول لانطلاقه . هناك العديد من الدول غير الراغبة بإحداث تغيير على النظام السياسي البحريني وتحاول بكل جهدها الابقاء عليه سواء كانت هذه الدول إقليمية أم دولية لان بقاء هذا النظام يخدم مصالحها وطموحاتها وخاصة الدول الغربية منها على اعتبار أن منطقة الخليج العربي بئرها النفطي وقواعدها العسكرية الدائمة وحتى الدول الخليجية المجاورة من مصلحتها بقاء النظام البحريني قائما" وهذا ما سوف نسلط عليه الضوء ، وبناءا" على ذلك سوف نتطرق لواحدة من هذه الدول وهي المملكة العربية السعودية . تعد المملكة العربية السعودية من أكثر بلدان دول مجلس التعاون الخليجي تخوفا" لما يحدث في البحرين اليوم وهذا التخوف نابع من الأسباب الآتية :- 1) أن المملكة تشهد بين فترة واخرى خروج عدد من المظاهرات التي يقودها المكون الشيعي لكون الاجحاف الذي يمارس ضدهم واضح جدا" حيث تمارس السلطة تمييزا" عنصريا" قوي اللهجة ضدهم من حيث السكن والتوظيف وحتى الخدمات على اعتبار أنهم أقلية. من هنا حرصت الأسرة الحاكمة في السعودية على مساندة ودعم النظام السياسي البحريني والمتمثل بالأسرة الحاكمة من اجل الحفاظ على سلطتها لان مايحدث في البحرين سوف يؤدي الى قوة موقف الشيعة في المملكة وبالتالي سينتهي بهم الأمر إلى الخروج عن الأسرة الحاكمة وسحب الثقة منها . 2) أن الأحداث الجارية في البحرين لا تؤثر على نظامها السياسي فحسب وانما تؤثر على دول المنطقة بأسرها لكون أنظمة حكمها متشابهة وأن كان اسلوب ادارتها يختلف من دولة الى أخرى ، لكن بالنتيجة أنظمتها وراثية تقليدية وأن اي تغيير في البحرين سواء كان اصلاح أو اسقاط للنظام السياسي القائم سوف يرمي بضلاله على دول المنطقة بأسرها وهذا ما لا تريده المملكة العربية السعودية . 3) قدم الحكم وتصدعه في المملكة سوف يؤدي الى تآكل سلطته وعدم مقدرته على مواجهة التحديات التي قد تواجهه والمتمثلة بالحركات الاحتجاجية الداعية الى الإصلاح ،ونتيجة لرفض النظام الحاكم هذه المطالب فقد تتحول الى الدعوة لإسقاط هذا النظام . 4) هرم وكبر اغلب المشايخ في المملكة العربية السعودية وفقدانها للقوى الشابة في ادارة الحكم وعدم مواكبة التقدم والتطور من ناحية الافكار والرؤى الحديثة لادارة شؤون المملكة، و هذا قد يساهم بصورة مباشرة في إسقاط النظام الحاكم أن لم يسقط تلقائيا" . 5) تخوف المملكة من النمو والتقدم الكبير الحاصل في ايران من خلال دعمها للحركات التحررية والإصلاحية وخاصة في البحرين لكون غالبيتها من الطائفة الشيعية بالإضافة إلى احتمال امتلاكها للسلاح النووي الذي سوف تجاري به الدول العظمى . 6) تخوف المملكة العربية السعودية من نفاد احتياطيها من النفط قبل نفاد نفط الدول المنتجة له علما" أن اغلب آبارالنفط السعودي تتركز في المناطق الشرقية ذات الغالبية الشيعية وبالتالي تخوف الأسرة الحاكمة من سيطرة هذه الطائفة على هذه الآبار . مما تجدر الإشارة إليه أن الأنظمة الملكية أكثر استقرارا" من الأنظمة الجمهورية ، وهذا صحيح حسب رأينا لكون عملية تداول السلطة تكون سلسة وهادئة دون اللجوء الى استخدام القوة في عملية ممارسة الحكم وهي بذلك تبتعد عن استخدام العنف في تبادل السلطة ولكن بالرغم من ايجابية هذه الأنظمة في نفس الوقت تشوبها بعض السلبية من خلال :- 1- يكون تداول السلطة داخل الأسرة الحاكمة حصرا" وهي المسيطرة عليها منذ تسلمها الحكم للمره الاولى الى يومنا هذا ، مثال على ذلك الأسرة الخليفيه التي احتلت البحرين منذ عام 1783م الى هذه اللحظة بالإضافة إلى أسرة آل سعود التي تسلمت الحكم منذ الثلاثينيات الى يومنا هذا . 2- تتم ادارة شؤون البلاد عن طريق هذه الأسر الحاكمة وأفرادها ولا يحق لأحد من أبناء الشعب المشاركة في الحكم وادارة شؤون البلاد وهذه هي نقطة الخلاف في الأنظمة الحاكمة في دول مجلس التعاون . 3- تمسك هذه الأسر بالحكم والاستقتال عليه وعدم السماح لأحد المشاركة فيه وإبداء الرأي وان كانت تنادي بالديمقراطية والحريه وحقوق الانسان فهي مجرد شعارات ترفع من اجل كسب الرأي العام العالمي . أن جوهر الحراك الشعبي في البحرين نابع من سوء إدارة الدولة من قبل الأسرة الحاكمة واستبدادها بالسلطة وممارسة التمييز العنصري والطائفي ضد فئة دون أخرى ، والمثير للاهتمام أن هذه الفئة أكثرية وليست أقلية حيث تتراوح نسبة الشيعة في البحرين مابين (65% ،70% ) مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي الاخرى ، وأن كانت المادة الدستورية المنصوص عليها في دستور البحرين الاول لعام 1973م في المادة الأولى الفقرة ( د ) :(الشعب مصدر السلطات جميعا" ) هي محل الخلاف والصراع فمادامت الأسرة الحاكمة قد نصت على هذا الحق في الدستور اذن لماذا تخالفه على ارض الواقع . اخذ النظام السعودي باتباع واستخدام كافة الوسائل من اجل مساندة النظام الحاكم في القضاء على الثوار من خلال تقديم المساعدات المالية المتمثلة بتمويل مشاريع البنية الأساسية ، والعسكرية التي تمثلت بدخول قوات درع الجزيرة - وهي قوات مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي انشئت عام 1982م – لاخماد الحراك الشعبي البحريني والقضاء عليه نهائيا" من خلال اتباع الوسائل القمعية والوحشية من اجل تخويف الثوار وردعهم لكن الواقع اشار لغير ذلك حيث استمر الشعب البحريني الى يومنا هذا وساعتنا هذه في ممارسة نشاطاته الى حين تحقيق مطالبه المشروعة في ظل هذا الصمت والتعتيم الاعلامي سواء كان إقليميا" أم دوليا" . من هنا أخذت شعوب المنطقة العربية تصبح أكثر وعيا" لما يحدث حولها واخذت تتطلع للأمور من زاوية أخرى وأن كانت نسبة نجاحها وحصولها على الاهتمام الاقليمي والدولي يختلف من بلد الى اخر ، فاذا ماقمنا بمقارنة نصيب الاحداث التي شهدها العالم العربي في كل من : ليبيا وتونس ومصر واليوم سوريا ، في الأحداث الجارية في البحرين نلاحظ مدى الاجحاف بحق هذا الشعب سواء كان اقليميا" أم دوليا" . وإذا كانت المملكة العربية السعودية تخشى من انتقال الثورات والحركات الاحتجاجية إلى أراضيها برفضها للمشروع الإصلاحي في البحرين وسعيها بكل الطرق والوسائل من اجل إسقاطه ، فأن ذلك لا يدوم طويلا" وهذا ما سيثبته المستقبل بكل معطياته .
التعليقات