مستقبل الامن في العراق بعد انسحاب التحالف الدولي ومدى تأثيره على القطاعات الاخرى؟

تختلف الآراء السياسية حول مستقبل العراق أو مستقبل العملية السياسية والاستقرار  في العراق اذا ما انسحب قوات التحالف الدولي الذي تقوده القوات الامريكية في العراق، ويأتي هذا الاختلاف بين مؤيد ومعارض، بين من يراه خطراً وخطأً استراتيجياً كبيراً، كونه سيساهم في تقويض التقدم الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي في محاربة الإرهاب في العراق وسوريا، وهذا يعني أن الانسحاب قد تكون له تداعيات كبيرة على المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي، ولاسيما في ظل تنامي التهديدات بعودة تنظيم "داعش" مرة أخرى، أو تداعياته على المشهد الأمني والسياسي في ظل التواجد المسلح لكل الاطراف السياسية بمكوناتها المختلفة والخشية من الصدام المسلح فيما بينها، فضلاً عن ذلك، يرى آخرون أن الانسحاب الأمريكي خطوة إيجابية متقدمة باتجاه تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، بدعوى أن العراق لم يعد بحاجة إلى القوات الأمريكية. لهذا تطرح الكثير من الاسئلة بشأن مستقبل الاستقرار السياسي والامني في العراق بعد الانسحاب الأمريكي ومدى انعكاسه على القطاعات الاخرى وطبيعة علاقات العراق الخارجية؟

قد يختلف المتخصصون واصحاب الشأن بشأن وجود القوات الأمريكية أو قوات التحالف ومدى قدرتها على تحقيق الاستقرار الأمني في العراق، التجربة العراقية اثبتت فاعلية قوات التحالف في القضاء على تنظيم "داعش" وتحقيق الاستقرار الأمني بشكل نسبي، على الرغم من أن وجود القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها في العراق اسهم في انتكاسات أمنية كبيرة في العراق بعد عام 2003، إلا ان هذه الفترة، ولاسيما اثناء تواجد القوات الامريكية، شهدت حالات زعزعة للاستقرار الأمني في العراق بسبب الجماعات المسلحة الإرهابية، كالقاعدة وداعش. وهو ما يثبت بأن مسألة تحقق الاستقرار الأمني في العراق غير مقتصرة على وجود وحضور القوات الامريكية، اذ ان اكثر الشواهد اثبتت إمكانية زعزعة الاستقرار الأمني في العراق بالرغم من وجود وحضور القوات الامريكية؛ لهذا تبقى مسألة تحقيق الاستقرار الأمني ومستقبل الأمن في العراق بشكل عام، مسألة سياسية، مرهونة بالإرادة السياسية الداخلية وبتوافق إقليمي – دولي ومدى قدرة صانع القرار العراقي على قراءة هذا التوافقات وطبيعة انعكاسها على الشأن الداخلي العراقي (سلباً أو إيجاباً). وهي قراءة بحاجة إلى فهم طبيعة المتغيرات السياسية والأمنية التي تجري في المنطقة ومدى تأثيرها على المصالح الوطنية القومية.

إن التغيرات التي تصيب الاستقرار السياسي والامني من الطبيعي جداً أن تنعكس على عملية الاستقرار  الاقتصادي، ولاسيما في ظل الترابط الكبير بين الاقتصاد والسياسة، إلا أن طبيعة الاستقرار الاقتصادي في العراق لا يمكنها ان تتأثر كثيراً بوجود أو عدم وجود القوات الأمريكية في العراق أو التحالف الدولي بشكل مباشر، وأن مسألة الاستقرار الاقتصادي مسألة داخلية، تتوقف بشكل كبير على طبيعة الاستقرار الأمني والسياسي والتوافقات السياسية الداخلية، وهي مسألة مشتركة بين الإرادة الداخلية والإقليمية والدولية، ولعل الإرادة الداخلية هي الفيصل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي على الرغم من وجود بعض التحديات الداخلية والإقليمية المرتبطة ببعض الدولة المجاورة للعراق.

وعن مدى انعكاس الانسحاب الأمريكي والدولي من العراق على علاقاته الخارجية، نستطيع القول: بما أن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لكل دولة، يعكس صورة إيجابية عن طبيعة نظامها السياسي وعلاقاتها الخارجية مع المحيطين (الإقليمي والدولي) ويزيد من حجم الدولة خارجياً وداخلياً، وطالما كانت قوات التحالف الدولي ولاسيما القوات الأمريكية، لها صلة بشكل أو بأخر في حالة عدم الاستقرار في العراق بعد عام 2003، فأن انسحابها قد يسهم في توطيد علاقات العراق الخارجية، مع الاخذ بنظر الاعتبار طبيعة انسحاب تلك القوات: هل هو انسحاب ودي (باتفاق حكومتي العراق والولايات المتحدة الأمريكية) أو الدول ذات العلاقة، او انسحاب غير ودي (تحت القصف والتهديد) ونتيجة للضغط السياسي من قبل بعض القوى والاحزاب التي تجمعها علاقة سياسية وايديولوجية مع بعض الدول الإقليمية، كالاستهداف والتهديد للقوات والسفارة الأمريكية في العراق بعد حادثة المطار في بداية عام 2020؟ لاسيما إذا ما عرفنا أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي بشكل عام كان وما زال داعما لعلاقات العراق الدولية. فضلاً عن ذلك، لا يمكننا الحديث عن بلد كامل السيادة وذا علاقات خارجية محترمة مع وجود القوات الاجنبية (القتالية) على اراضيه بشكل او باخر.

بالمجمل يعد الاستقرار السياسي نقطة الشروع الاولى في اصلاح الوضعين (الأمني والاقتصادي)، ومدى انعكاسهما على علاقات العراق الخارجية، وطالما كانت قوات التحالف الدولي بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، المسؤولة عن هذا الملف في العراق بعد عام 2003، فلا يمكننا أن نبرئ تلك القوات من حالة عدم الاستقرار السياسي التي لازمت العملية السياسية طيلة العقدين الماضيين ولاسيما في العقد الاول، ومساهمتها في تأسيس النظام السياسي الحالي الذي بني على المحاصصة والتوافقية بمشاركة ودعم واسناد من بعض القوى السياسية العراقية. هذا من جهة، من جهة أخرى أن وجود قوات التحالف والقوات الأمريكية (القتالية) في العراق في الوقت الحالي ليس له مبرر سياسي، ولاسيما انه يسهم في حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني من خلال اعطاء الذرائع والحجج للجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية في حمل السلاح خارج سلطة الدولة، بموازاة ذلك هناك حاجة ملحة لوجود قوات (غير قتالية) تكون مهمتها تقديم الدعم الفني واللوجستي للقوات الامنية العراقية، بعيداً عن سياسية المحاور والتدخلات بالشأن الداخلي. لهذا يبدو بأن الامن والاقتصاد والعلاقات الدولية، فضلاً عن الاستقرار السياسي، قضايا غير متعلقة بوجود القوات الامريكية والتحالف الدولي من عدمها، بقدر ما هي مسألة مرتبطة بثقافة وايديولوجية وعقيدة الاحزاب السياسية الحاكمة وطبيعة إدارتها للسلطة في العراق ومدى انعكاس تلك الثقافة لمفهوم الدولة الحديثة وقيمها السياسية والأمنية والاقتصادية المعاصرة.

التعليقات