تتمثل مشكلة المياه في العراق في اختلال الميزان المائي من حيث زيادة الاحتياجات المائية مقابل انخفاض الإمدادات المائية، اللازمة لتلبية مجالات الحياة المختلفة، وما يزيد من تعميق المشكلة هو استمرار انخفاض الإمدادات المائية مقابل استمرار الاحتياجات المائية، إذ تشير التقديرات إلى أن تصريفات نهري دجلة والفرات ستستمر في الانخفاض مع مرور الوقت، وستجف تمامًا بحلول عام 2040 بمعنى إن مشكلة المياه في العراق تنمو وتكبر مع مرور الزمن
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية ملتقاه الشهري في سلسلة ملتقيات النبأ الشهرية تحت عنوان " انخفاض الموارد المائية في العراق: الأسباب والتداعيات" وذلك في يوم السبت الموافق 14/8/2021 بحضور نخبة من الأساتذة والباحثين والمشاركين. وقد بدأ الملتقى أعماله بورقة بحثية مقدمة من السيد حامد عبد الحسين الجبوري الباحث في المركز جاء فيها:
"تتمثل مشكلة المياه في العراق في اختلال الميزان المائي من حيث زيادة الاحتياجات المائية مقابل انخفاض الإمدادات المائية، اللازمة لتلبية مجالات الحياة المختلفة.
وما يزيد من تعميق المشكلة هو استمرار انخفاض الإمدادات المائية مقابل استمرار الاحتياجات المائية، إذ تشير التقديرات إلى أن تصريفات نهري دجلة والفرات ستستمر في الانخفاض مع مرور الوقت، وستجف تمامًا بحلول عام 2040(*) بمعنى إن مشكلة المياه في العراق تنمو وتكبر مع مرور الزمن"
ثم تطرق إلى أسباب الاختلال المائي في جانبية الإمدادات والاحتياجات وأهم هذه الأسباب على مستوى الاحتياجات هي:
1- النمو السكاني
2- ارتفاع نسبة الاغمار
3- ثقافة الاستهلاك
4- استصلاح الاراضي
أما على مستوى الإمدادات فهي:
أسباب طبيعية تتعلق بالتغيرات المناخية المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر وانخفاض هطول الأمطار.
أسباب بشرية داخلية كارتفاع نسبة الهدر، وانخفاض مستوى الاستثمار في مشاريع الموارد المائية وارتفاع نسبة التلوث وزيادة معدل السحب للمياه الجوفية، وأخرى خارجية تتعلق بسياسات دول المنبع من خلال حرف مسارات المياه كما في إيران أو تقليص الاطلاقات المائية كما في تركيا.
ثم عرّج على التداعيات وصنفها إلى تداعيات بيئية واقتصادية واجتماعية وسياسية واقليمية.
ثم لخص مشكلة المياه في العراق في ثلاثة أبعاد هي
بُعد عالمي يتعلق بالتغيرات المناخية المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر وانخفاض هطول الامطار.
بُعد اقليمي يتعلق بتعلق بمنابع المياه في العراق، حيث أن أكثر من 70% من مياه العراق تأتي من دور الجوار.
بُعد محلي يتعلق بسوء إدارة الموارد المائية من حيث حجم الاستثمار وكفاءة الاستخدام والتلوث.
وأخيراً اختتمت الورقة بالسؤالين الآتيين لفتح باب امام المداخلات:
السؤال الأول/ ما أسباب انخفاض الموارد المائية في العراق؟
السؤال الثاني/ ما الحلول اللازمة لمعالجة انخفاض الموارد المائية؟
المداخلات:
الدكتور خالد العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
انخفاض الموارد المائية ليس في دول المصب بل هي في دول المنبع أيضاً –بالنسبة للعراق-كونها تقع ضمن المنطقة الحمراء من حيث شحة الموارد المائية، والأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالتغيرات المناخية ومنها ما يتعلق بالاستهلاك ويقف على رأس هذه الأسباب عدم القدرة على التكيّف نظراً لانشغال هذه الدول في مشاكلها السياسية والاجتماعية.
فعلى سبيل المثال دول الخليج لا تتحدث عن شحة الموارد المائية رغم إنها لا تمتلك مصادر للمياه، لان هذه الدول بدأت تتكيف مع هذه المشكلة، حيث بدأت بتحويل مياه البحار للاستخدام البشري سواء في الجانب المنزلي أو الزراعي مما جعل الأمارات على سبيل المثال تحتل مراتب متقدمة في زراعة النخيل.
المياه مشكلة إقليمية ولذا الحلول الفردية للدول المتشاطئة –تركيا، إيران، العراق، سوريا، أفغانستان-هي حلول غير مجدية، لذا نحن بحاجة إن يجلس صناع القرار في المنطقة على طاولة الحوار ويجدوا لنا نظام اقليمي متكامل لمعالجة أزمة المياه وتوثيقه في نصوص قانونية لضمان الحصص المائية.
- الدكتور حيدر آل طعمة/ أستاذ جامعي وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
أشارت العديد من الدراسات والبحوث المختصة بمستقبل الشرق الأوسط، منذ بداية القرن الواحد والعشرين ولغاية الآن، إلى إن الأزمة الحقيقية التي سوف تواجه شعوب المنطقة قريبا هي أزمة المياه، ومن الطبيعي جداً أن يكون العراق أحد أبرز الأطراف المتأثرة بالأزمة نظرا لان منابع نهري دجلة والفرات تقع خارج أراضيه ويمتدان لمسافات غير قليلة في الأراضي التركية.
من جانب آخر، يتصدر فشل الدبلوماسية العراقية الموقف بامتياز، نظرا لضعف أداء وزارة الخارجية في ممارسة الدور الفعال في تعزيز مصالح العراق، على الأقل مع دول الجوار العراقي، خصوصا وان العراق سوق لسلع تلك الدول ومصدر لتدفق العملة الأجنبية اليها، إضافة إلى كونه مصدرا رئيسا للطاقة (خصوصا بالنسبة إلى تركيا).
وكما اعتاد البلد في ملف الأمن والاقتصاد، فان ملف المياه أيضا سيخضع لسياسات ردود الفعل بدلاً من اعتماد الاستراتيجيات الوقائية (متوسطة وطويلة الأجل)، المعتمدة في الدول التي لها حكومات وطنية وطواقم فنية موزعة على المؤسسات الحكومية طبقا للتخصص والخبرة والممارسة.
أسباب الشحة المائية
تلازمت عدة تحديات في تفاقم أزمة المياه في العراق، لعل أبرزها:
1-انخفاض مناسيب المياه المتدفقة من دول الجوار، حيث وصلت لقرابة 50% مقارنة بالسنوات القليلة السابقة، خصوصا من الجارة تركيا، وقد أسهم ذلك في انخفاض الخزين المائي في نهري دجلة والفرات.
2-التغير المناخي الذي تشهده معظم بلدان العالم، وتعاني منه المنطقة بشكل خاص، وما تبعه من هبوط حاد في الأمطار خلال الأعوام الأخيرة.
3-التجاوزات المتزايدة على الحصة المائية سواء في المحافظات او داخل المحافظة الواحدة كانت ومازالت سببا آخر في شحة المياه.
4-ضعف التنسيق مع الدول المجاورة التي أنشأت مشاريع مائية ضخمة وعدم وجود اتفاقيات مناسبة تضمن المصالح العراقية، وزيادة الطلب على المياه فيها لأغراض الزراعة والصناعة زاد من حدة الهبوط الحاصل في المناسيب المتدفقة الى العراق.
5-التحديات الفنية التي تواجه وزارة الموارد المائية نتيجة انخفاض التخصيصات المالية اللازمة، كالترسبات الطينية الكامنة في نهري دجلة والفرات. على سبيل المثال، يوجد في بغداد وحدها أكثر من 20 مليون طن من الترسبات الطينية في قاع نهر دجلة، يتطلب كريها ونقلها خارج حوض النهر شمالا وجنوبا قرابة 217 مليار دينار.
6-انعدام الوعي بين الجمهور بأهمية الماء وضرورة الحفاظ عليه وترشيد استخدامه، فقد أدّى ضعف الوعي المجتمعي إلى عدم القدرة على تنظيم الاستهلاك المائي بطريقة جيدة، وتفاقم ظاهرة الهدر والإسراف في استخدام المياه، خصوصا مع وجود تجاوزات خطيرة على شبكة المياه لكافة محافظات العراق.
7-ضعف الإجراءات الحكومية الرادعة بحق المتجاوزين على شبكات المياه والحصص المائية المقررة وضعف أنظمة الجباية والغرامات، مما زاد من حجم التجاوز والهدر في المياه.
8-تخلف وسائل الري واستخدام الطرق البدائية في إرواء المحاصيل الزراعية أسهم ايضا في تفاقم أزمة شحة المياه في العراق.
9-إحدى الأسباب الرئيسة لتفاقم أزمة المياه وعدم التوصل لحلول عقلانية خلال العقود الأربع الماضية مع الدول المتشاطئة للعراق كان ربطها بملفات لا تمت بصلة للمياه وانما ارتبطت بملفات سياسية وأمنية.
الحلول المقترحة:
1-الشروع الفوري والمباشر بإزالة كافة التجاوزات على الحصص المائية، سواء كانت للأغراض الزراعية أو الاستخدامات الأخرى، المنزلية، الصناعية، الخدمية وغيرها، ومحاسبة المتسببين بالتجاوزات.
2-إلزام وزارة الموارد المائية بإعداد خطة لتوزيع الإيرادات المائية على المحافظات، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بحسب الكثافة السكانية ونشاط كل محافظة.
3-منع إصدار الموافقات من قبل وزارة الموارد المائية، لإنشاء بحيرات أسماك ترابية جديدة، وإعادة النظر بالإجازات الممنوحة لبحيرات الأسماك القديمة، وتقنين الاستخدام المنزلي للمياه، باعتماد تقنية التحسس الضوئي للمياه أو الحنفيات الذكية.
4-تطبيق القوانين والتعليمات الملزمة لجميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمختلط، بمنع تلويث مصادر المياه بأي نوع من الملوثات.
5-التوسع بنشر استخدام تقنيات الري الحديثة، كالري بالتنقيط وحسب طبيعة المحصول الزراعي، كونها الوسيلة الفاعلة لتقنين استخدام المياه للأغراض الزراعية، إضافة إلى مساهمتها في الحد من تغدق وتملح التربة.
6-تخصيص مبالغ إضافية، من الوفرة النفطية المتحققة، في دعم وزارة الموارد المائية في جهودها لكري الأنهر والقضاء على نبات زهرة الشمبلان فضلاً على البدء التدريجي في تغليف الأنهار الرئيسة والفرعية لأجل تقليل نسب الفاقد.
7-ممارسة الضغوط الدبلوماسية والاستعانة بقوانين البلدان المتشاطئة لأجل التوصل الى اتفاقات جديدة مع تركيا تؤمن الحصة المستقبلية من المياه المتدفقة الى العراق وضمن توقيتات زمنية يتم الاتفاق عليها.
-الدكتور اسعد كاظم شبيب/ أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة:
تعود قلة الموارد المائية إلى أسباب عديدة منها ما يرجع إلى شحة الموارد بفعل السياسيات المتبعة من قبل دول الجوار، كون المياه تمثل مصدر مهمة لإنعاش الزراعة والثروة الحيوانية، ومع قلة المياه تحولت الكثير من الأرضي إلى خربات وعشوائيات، الأسباب الأخرى تكمن في رغبة الكثير من الناس القاطنة في المناطق الريفية بترك العمل هناك وتحول صوب القطاعات الحكومية الرسمية، بعد ان أصبح العمل لا يعود بالنفع الكبير لهؤلاء الناس قياسا بالوظائف الحكومية، إضافة إلى أن هناك أسباب تتعلق بالإهمال الرسمي والمساهمة في تدمير مصادر الإيرادات المائية.
اما عن الحلول فهي تكمن بوضع استراتيجية تنموية شاملة تنهض بالثروة المائية وذلك من خلال تشجيع القطاع الخاص وتوفير البيئة الاستثمارية الآمنة لتتحول الثروات المائية إلى ثروة وطنية تعادل الثروات الوطنية الأخرى كالبترول وما شابه. ومن اجل وضع حد للسياسات المائية لدور الجوار لابد من سعي الحكومات في العراق إلى العمل بدبلوماسية المقايضة من خلال التركيز على الجوانب التجارية التي تشكل عامل مهم بالنسبة لتلك الدول من ناحية الاقتصادية.
-السيد جواد العطار/ نائب برلماني سابق:
يقول الله سبحانه وتعالى: وخلقنا من الماء كل شيء حي، ويقال ان الماء أرخص موجود وأغلى مفقود... انطلاقا من هذا الرؤية أصبح الماء في عالمنا المعاصر جزءا مهما من الأمن القومي للدول عموما والدول المتشاركة في منابع الماء خصوصا ولنا في تجربة نهر النيل تطبيق حي لأهمية الأمن المائي خصوصا في مواقف مصر والسودان تجاه سد النهضة الاثيوبي.
اما في العراق المعروف بنهريه الخالدين دجلة والفرات فان الأمر مختلف تماماً بسبب عدم سعي العراق لترتيب اتفاقيات دائمة تنظم العلاقة مع جارتيه تركيا وإيران حول الحصص المائية منذ عقود طويلة وإهمال الحكومات المتعاقبة لملف الأمن المائي وعدم التفكير بإقامة مشاريع تحفظ للعراق ثروته المائية حيث ان معظم المشاريع الاروائية والسدود تعود الى حقب أوائل القرن الماضي مثل سدة الكوت ومنتصف القرن الماضي مثل بحيرة الثرثار ومنتصف ثمانينات القرن الماضي مثل سد الموصل ولم يقام بعد هذا التاريخ اي مشروع أروائي او تخزيني مهم والى يومنا هذا.
ان الماء اليوم أصبح معضلة كبيرة للعراق بسبب سدود تركيا وتقنينها لحصة العراق دون ضابط او رادع وقطع إيران لروافد دجلة في فصل الصيف، مما أدى إلى نشوء أزمة كبيرة لها تداعيات خطيرة على البيئة والزراعة والصناعة والطاقة الكهربائية وحتى في وصول الماء الى محطات التصفية ودور المواطنين.
ان الأمر يحتاج الى وقفة جادة في موضوع الماء على مستويين: خارجي في تنظيم اتفاقيات دائمة مع تركيا وإيران وسوريا تحفظ حصة العراق من الماء واستمراره طوال العام. وداخلي في إقامة مشاريع استراتيجية لتخزين المياه وبالذات في الاهوار جنوب العراق وسدة لتحويل المياه المهدورة إلى شط العرب والاستفادة منها عند الحاجة.
-السيد علي الطالقاني/ كاتب صحفي:
مشكلة المياه في العراق هي مشكلة فنية زراعية بالأصل، إذ إن أغلب المياه تذهب للجانب الزراعي والعراق لم يطور منظومته الزراعية، حيث توجد هناك طرق فنية للري كالرأي بالتقطير والري بالرش وهناك الري بالفقاعة، حيث كان العراق حتى 2003 يستخدم الطريقتين الأوليتين وأغلبها مصادرها هي الآبار.
المسألة الأخرى التي تتعلق بالملوحة حيث تم علاجها قبل سقوط النظام من خلال البزل حيث تم حفر نهر أسمه "نهر القائد" يمتد من أبو غريب مروراً باليوسفية وحتى المحمودية أسهم في معالجة الملوحة.
المسألة الأخرى هي تبطين الأنهر، حيث يؤدي عدم تبطين الأنهر إلى هدر مزيد من المياه بسبب طبيعة التربة وهي تربة طينية.
ونظراً لطبيعة المشكلة، مشكلة فنية؛ فالحل هو فني عراقي بالمشاركة مع وزارة التخطيط ووزارة الزراعة ووزارة المائية لرسم خطة تؤمن الحصة المائية للعراق.
-السيد أحمد جويد/ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
السبب الرئيس وراء أزمة المياه في العراق هو سوء إدارة الدولة، لأنه إذا كان الخليج يستثمر إطلالته على البحر وتوفير المياه الصالحة للاستخدام فالعراق لديه إطلاله على البحر ولديه مياه جوفية ويمثل العراق منطقة لتجميع المياه الجوفية من دول الجوار حسب ما ذكره أصحاب الاختصاص.
وبناءاً على ما طرحه وزير الزراعة في حكومة عادل عبد المهدي هناك تنسيق وهو الوحيد بين وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية تنسيق جيد، ونمتلك خزين مائي يكفي لسنتين قادمتين من موسم مطر واحد وهو موسم 2009.
وإن التغيرات المناخية لم تحبس المطر عن العراق ودول الجوار، والسيول قادمة من دول الجوار ولو كان هناك تخطيط جيد وخزانات لاستقبال السيول القادمة من إيران وتركيا وخزنها واستخدامها وقت الحاجة لانتفت مشكلة المياه.
ونظراً لغياب التخطيط وغياب السدود وهدر المياه في العراق فالمشكلة هي مشكلة داخلية.
-الشيخ مرتضى معاش/رئيس مجلس أدارة شبكة النبأ المعلوماتية:
إن مشكلة صانع القرار الاستراتيجي لم ينظر للمخاطر البيئية التي تنجم عن سوء إدارة الموارد المائية، حيث تعيش اليوم تركيا وإيران وتركيا نفس المأساة في سوء إدارة صانع القرار لمشكلة المياه فعلى سبيل المثال اليوم تركيا تعاني من جفاف وحرائق وفيضانات وهذا تناقض كبير وهذا دليل على إن السدود التي أنشأها صانع القرار التركي أدت إلى تدمير البيئة التركية وإلى إنتاج كوارث طبيعية.
إن المشكلة في العراق هي مشكلة بيئية وليست مشكلة شحة مياه، وإن تبطين الأنهار ليس جيداً، إذ إن مياه الأنهار تحمل معها من الجبال والوديان العناصر-كالمعادن-المفيدة والتي تكون وراء حيوية التربة وعند تبطين الأنهار ستفقد التربة حيويتها، كما إن تبطين الأنهار يؤدي إلى سرعة سير المياه مما يؤدي إلى ذهاب المياه.
المشكلة الأساس هو عملية التجريف، تجريف البيئة الخضراء، البساتين والمزارع؛ أدت إلى فقدان المياه، إذ إن التجريف هو الذي يؤدي إلى شحة المياه وليس مشكلة المياه تؤدي إلى التصحر، أي إن الأخير هو السبب في شحة المياه، لان التصحر يجعل المياه تنفذ بسرعة بينما لو كانت المياه طينية ستبقى وتتمدد من تحت وتحافظ على بقاء المياه وعدم ذهابها عكس التصحر الذي يؤدي سرعة المياه وانتهاءها.
فعلى سبيل المثال-بناءاً على تقارير تابعتها-إن تجريف الغابات وانطلاق السيول وذهاب المياه أدى إلى تقليل الأنهر-هذا في قناة بنما التي تعتمد على المياه العذبة-فحينما جرّفوا الغابات كانت المياه تذهب بسرعة ولا تبقى، بسبب غياب الأشجار لأنها تحفظ بالمياه بنسبة النصف ثم تعطيها.
إضافة إلى تلوث المياه بفعل الصرف الصحي، حيث يؤدي الى تدمير المياه أكثر من شُح المياه، وذلك بسبب سوء الإدارة.
-الدكتور حسين السرحان/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية وباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية– جامعة كربلاء:
المشكلة في العراق والحل في العراق، بمعنى المشكلة داخلية أكثر مما هي خارجية، ومن الممكن استخدام الأوراق التجارية والتعليمية كأدوات للضغط باتجاه حلحلة المشكلة مع دول المنبع كتركيا وإيران.
يفتقد العراق لنظام ترشيد استهلاك المياه في اغلب المناطق، فضلا عن ضعف استخدام عدادات المياه لمعرفة مستويات الاستهلاك، ناهيك عن ثقافة هدر المياه بشكل عام.
المهم في الموضوع اننا نواجه تحدي خطير يهدد الامن غير التقليدي للدولة العراقية، والذي يشمل الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي وامن المناخ، والأمن المائي جزء من الأمن الاقتصادي. والمشكلة إن صانع القرار في العراق لا يُدرك مدى أهمية الأمن غير التقليدي ومنها الأمن المائي، وهذا الموضوع مهم جداً وإذا لم يتحسسه صانع القرار العراقي سيعاني العراق من مشكلة كبيرة في المستقبل.
-الباحثة نجلة شمعون شليمون/ رئيس ابحاث في البنك المركزي العراقي:
يواجه العراق أزمة مياه تتصاعد مع الوقت وقد تشكِّل تحدياً خطيراً الامر الذي يتطلب ايجاد العديد من الحلول لمواجهته فمشكلة الموارد المائية في العراق تعد مشكلة هيكلية بطبيعتها، اذ تبلغ درجة الإجهاد المائي في العراق (3.7 من 5) وفق مؤشر الإجهاد المائي، لتدرج ضمن قائمة الدول المُصنفة بأن لديها خطورة عالية فيما يتعلق بالشح المائي ومخاطره. وتشير التوقعات حسب المؤشر العالمي أنه بحلول عام 2040 ستصبح بلاد الرافدين أرضاً بلا أنهار بعد أن يجف نهرا دجلة والفرات تماماً، وللتعرف على أسباب الأزمة لابد أن نطلع على تفاصيلها، كالآتي:
اسباب خارجية تتمثل في:
أ-التغير المناخي: يسجل العراق في فصل الصيف درجات حرارة مرتفعة ومن المتوقع ان الحرارة ستزداد ارتفاعًا في المستقبل مما يؤثِّر على السكان والزراعة، كما ان كميات هطول الأمطار على العراق تتناقص مع الزمن وان فترات هطولها قصيرة نسبيًّا، الأمر الذي سيؤدي إلى تعرية التربة وبالتالي يؤدي إلى تدهور الإنتاج الزراعي، كما أن هذه التربة المنجرفة ستترسب في خزانات السدود مما يؤدي إلى تقليص القدرة التخزينية لهذه الخزانات. إضافة إلى ذلك، فإن كمية المياه في الخزانات الجوفية ستقل حيث إن كمية المياه المترشحة من الأنهار إلى هذه الخزانات ستنخفض نتيجة تقلص فترة هطول مياه الأمطار.
ب-المشاريع المائية في دول الجوار التي تتمثل في إقامة دول المنبع (تركيا وإيران وسوريا) للسدود على حساب دولة المصب (العراق) والتي تسهم بدورها في تفاقم العجز المائي، أن هذه المشاريع ستؤدي إلى انخفاض إيرادات العراق المائية بمعدل يصل إلى مليار متر مكعب سنوياً، مما يؤدي إلى خفض الإيرادات المائية بحدود 28.5 مليار متر مكعب بحلول عام 2035.
اسباب الداخلية تتمثل بـ (نوعية شبكات توزيع المياه والصرف الصحي، نوعية المياه، التصحر، إعادة تأهيل الأهوار، سياسات مائية متهالكة بعد عام2003فضلاً عن عدم وجود نظام إمداد مياه حديث وفعال في العراق).
وتبلغ نسبة الهدر نتيجة شبكات توزيع المياه القديمة 29% في بغداد، وتتراوح في بقية المحافظات بين 20 و40%، إضافةً إلى غياب شبكات الصرف الصحي أو تقادُمها، مما يؤدي إلى تلوُّث المياه، وتبلغ نسبة المستفيدين بمياه الصرف الصحي 28.4%، في حين تتجاوز نسبة الهدر في مياه الري 50%، وفق تقرير خطة التنمية الوطنية 2018-2022.
اما الحلول المقترحة للخروج من هذه الازمة تتمثل بالآتي:
- اعتماد تقنيات جديدة للري أقل استهلاكاً للمياه كالري بالتنقيط والري المدفون تحت السطحي واستخدام تقنية المياه الممغنطة في عمليات السقي، فضلاً عن إنشاء محطات تحلية المياه وإنشاء السدود لزيادة سعة تخزينها.كذلك استخدام التكنولوجيا الحديثة في عمليات الري وتوزيع المياه والصرف الصحي وزيادة حجم الخزين المائي وإنعاش الأهوار وتنميتها.
- معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ واتخاذ إجراءات للتكيف معه لضمان الأمن الغذائي، وتركيز البحث العلمي على استشراف الآثار المستقبلية للتغيرات المناخية وكيفية مواجهتها، والاتجاه إلى الاستثمار الجاد في المياه الجوفية، خاصةً في مناطق الخزين المتجدد التي تتميز بخصوبة أراضيها. اذ ان من مزايا المياه الجوفية أنها تكون على أعماق بعيدة بما يحافظ على نقاء المياه ويوفر بديلًا للمياه السطحية الملوثة وهذا يتطلب اعتماد تقنيات الأقمار الصناعية والاستشعار عن بُعد للحصول على دلائل على مناطق وجود مياه جوفية، بما يوفر النفقات الباهظة التي تتطلبها عمليات التنقيب.
- إعداد خطة استراتيجية لإدارة المياه على أن يتم تنفيذ هذه الخطة بغض النظر عن التغيرات السياسية وغيرها، وبمشاركة كافة القطاعات المعنية كالخبراء والاستشاريين والجامعات والوزرات ذات العلاقة كالزراعة مثلًا والمنظمات غير الحكومية المعنية وممثلي المنظمات الدولية.فضلاً عن الاستفادة من المنظمات الدولية والإقليمية في مجال إدارة واستثمار الموارد المائية.
- بناء علاقات دولية وتعاون انمائي اقتصادي في مجال الزراعة والطاقة والسياحة والصناعة وفي جميع المجالات خاصة بين العراق و (تركيا وسوريا وإيران).
- تشجيع الدولة للمشاريع الاستثمارية الخاصة بمعالجة المياه العادمة الناتجة عن الاستهلاك الصناعي والمنزلي والزراعي وذلك من خلال دعمها بالقروض طويلة الامد.
- اعادة تنقية مياه البزل الزراعي التي تعد من اهم مصادر المياه المعول عليها مستقبلاً عن طريق معالجة المواد السامة التي ألقيت فيها وخلطها بالمياه العذبة لكي تكون نوعيتها بالمستوى المسموح به في الزراعة.
- ضرورة اعتبار المياه سلعة اقتصادية ذات قيمة مادية كبيرة يشعر المواطن بأهميتها الاقتصادية والاجتماعية ويتم ذلك من خلال سن التشريعات والقوانين التي تحافظ على الموارد المائية وتدعم صيانتها وتردع الجهات التي تسبب تلوثها وهدرها.
المصادر :
* نذير عبد الرحمن الانصاري، إدارة الموارد المائية في العراق: وجهات نظر وتوقعات، 2013، دراسة (انكليزي) متاحة على موقع البحث العلمي وعلى الرابط أدناه:
https://file.scirp.org/Html/6-8101946_35541.htm?fbclid=IwAR2V98Q4qYLyjbsuAy3_cZhyFbvdoyHKCvkPrTQCgiSpBlsgWuNblUnS7yY
اضافةتعليق