مسارات الاحتجاج في العراق وخيارات الحكومة - الملتقى الاسبوعي

شارك الموضوع :

تطورت حركة الاحتجاج واخذ مسارات عدة، حيث بدأت بتظاهرات توسعت تدريجيا في الساحات العامة وفي عدة محافظات وسط وجنوب العراق، وايضا تطور الامر حتى وصل إلى نوع من انواع الاضراب الخاص لعدد من النقابات مثل نقابة المحامين والمعلمين والمهندسين وغيرهم. وهذه النقابات غير حكومية وتعبر عن مصالح فئات متعددة، ربما نشهد في المستقبل توقف كامل لمؤسسات الدولة كما يحصل الان في محافظة (بابل / الديوانية / المثنى)، وهذا قد يتطور لكل مؤسسات الدولة

ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي الذي تستضيفه مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في محافظة كربلاء، حلقته النقاشية الموسومة (مسارات الاحتجاج في العراق وخيارات الحكومة)، وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف صباح يوم السبت الموافق ( 2/ تشرين الثاني /2019) بمشاركة العديد من الشخصيات الأكاديمية والقانونية ومدراء المراكز البحثية.

اعد الورقة البحثية د. حسين أحمد السرحان، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

مضامين الورقة البحثية:

حينما نقف على فلسفة الاحتجاج كفعل ووفق القاموس اللغوي نجد ان الاحتجاج مصدره (احتج). ومصطلحا، فان الاحتجاج بالمعنى العام يشير إلى الاعتراض والاستنكار ورفض اوضاع وسياسات معينة، وبالتالي يكون الاحتجاج عبارة عن وسيلة باتجاه تصحيح تلك الاوضاع وتلك السياسات الخاطئة، لذا فان الاحتجاج من وجهة نظر الكثير من المختصين بالحركات الاجتماعية والشعبية، فيرى أنه نوع من العمل السياسي غير التقليدي.

أن المشاركة السياسية هي صفة الانظمة المعتدلة، وهي تقوم على المشاركة بـ (الانتخابات / الحملات الانتخابية / التصويت / الترشيح / الاستفتاءات) وغيرها، وهذا هو الدور التقليدي للشعوب او للفئات السكانية داخل المجتمع، لذلك يرى البعض أن قضية الاحتجاجات هي ايضا تدخل في خانة الفعل السياسي، لكنه غير مؤسساتي وغير تقليدي ولا ينحصر باتجاه الممارسات السياسية وفق اطر ومؤسسات قانونية، فضلا عن ذلك فان الاحتجاج يراد منه التصحيح والتأثير، لذلك هو يعبر عن حالة رفض لسياسات واوضاع معينة بالقول أو الفعل.

الاحتجاج يبدأ بالتظاهر، لكنه مع مرور الوقت قد يتطور هذا الاحتجاج ويتحول لمسارات اخرى، وفق التعاطي معها من ناحية البيئة الاجتماعية والسياسية ووفق الجمهور المشارك بهذه الاحتجاجات، سابقا كان ينظر للاحتجاجات على انها نوع من انواع الاحتجاج ضد انعدام الوفرة الاقتصادية، بمعنى العوز ومعدلات الفقر العالية هي التي تدفع الفئات المهمشة للخروج والتظاهر على النظام السياسي أو السلطة، بقصد التأثير على هذا السلطة للاستجابة لأوضاعها المعيشية. هذا فيما لو كان التظاهرات والاحتجاجات فئوية ولقطاعات معينة، ولكن في خمسينيات القرن شهدت العاصمة الفرنسية تظاهرات طلابية وهذا بمثابة تحول كبير في الاحتجاجات، فالاحتجاجات امست تشمل الجامعات وتشمل الجماعات التي تتوافر على وفرة اقتصادية داخل المجتمع، خصوصا عندما تكون المطالب ذات نمط تصحيحي لأوضاع عامة وهدفها التأثير على النظام السياسي، بالتالي هذا النوع من الاحتجاجات دائما ما يشتمل على فئات اجتماعية متعددة.

هناك احتجاجات وتظاهرات فئوية لفئة معينة كعمال السكك أو عمال المصانع أو المعلمين، هذا يبرز في منطقة جغرافية معينة وتضم فئة معينة وهدفها يكون واضح ومباشر جدا. لكن الاحتجاجات التي تظهر بهدف التأثير على السلطة السياسية وبالمؤسسات السياسية داخل الدولة، دائما ما تسمى بالاحتجاجات العامة، هذه الاحتجاجات تأتي ما بعد مرحلة التظاهرات والمطالبة بالحقوق. ومسارات الاحتجاج عادة ما تبدأ بالتظاهرات وبالتجمعات البشرية وهي تدعو لرفع الحيف ورفع الظلم وخلق حالة من المساواة الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع. ثم تتطور الاحتجاجات باتجاه الاعتصامات مع احتمالية ان يتعقد المشهد نحو الاضراب الخاص، وهذا الاضراب قد يتحول لأضراب عام، وهذه مشكلة اساسية بالنسبة لأجهزة الدولة ومؤسساتها، طبيعة التعاطي مع كل مرحلة أو مع كل نمط من انماط هذه الاحتجاج من قبل السلطة السياسية ومؤسسات الدولة، هو العامل الرئيس في تطور الاحتجاج، بمعنى أن تطورات ومسارات تصاعد هذا الاحتجاج، تعتمد على طبيعة تعامل القوى السياسية أو طبيعة تعامل السلطة السياسية مع مطالب الجماهير. فاذا ما استمرت سلطات الدولة السياسية بالتعامل السلبي كالمراوغة والخداع والمماطلة، من المؤكد ستتطور هذه الاحتجاجات اكثر، هذه الاضرابات الخاصة قد تتطور إلى اضراب عام، وبالتالي قد نشهد نوع من العصيان المدني، و سوف يكون فيه تعطيل لجميع المصالح سواء كانت خاصة أو عامة، هذا التعطيل بطبيعة غير ايجابي، لكن الجماهير تبقى تبحث عن اي وسيلة باتجاه التأثير وتحقيق الاستجابة لمطالبها.

لذلك أي وسيلة تحقق التأثير تكون خيار من خيارات الاحتجاج، فبعض المجتمعات مثلا تلجئ للعصيان المدني، والبعض الاخر يلجئ للعنف المسلح كما حدث في سوريا، فطبيعة التعطي مع التظاهرات في العام (2009/ 2010/2011)، هي التي قادة قوى المعارضة لحمل السلاح ضد الدولة، بمعنى أن الاحتجاج والعصيان المدني اذا ما اوجد تأثيره على السلطة سيتحول إلى مرحلة من مراحل الكفاح".

"وهذا الكفاح لا يقتصر على الكفاح السلمي، بل ربما يتطور باتجاه للكفاح المسلح، وهذه مشكلة خطيرة جدا وهي تهدد الامن والسلم المجتمعي، وعندها سوف يستمر هذا الخلل في الامن والسلم الاجتماعي لمراحل وسنوات وعقود من الزمن، لذلك تبقى طبيعة تعامل القوى السياسية مع مطالب الجماهير مهمة جدا في عدم الانزلاق في هكذا نوع من الفوضى السياسية والامنية.

العراق والاحتجاجات 

 فيما يخص العراق وبعد مضي ايام عدة، تطورت حركة الاحتجاج واخذ مسارات عدة، حيث بدأت بتظاهرات توسعت تدريجيا في الساحات العامة وفي عدة محافظات وسط وجنوب العراق، وايضا تطور الامر حتى وصل إلى نوع من انواع الاضراب الخاص لعدد من النقابات مثل نقابة المحامين والمعلمين والمهندسين وغيرهم. وهذه النقابات غير حكومية وتعبر عن مصالح فئات متعددة، ربما نشهد في المستقبل توقف كامل لمؤسسات الدولة كما يحصل الان في محافظة (بابل / الديوانية / المثنى)، وهذا قد يتطور لكل مؤسسات الدولة. حاليا المشاركة في توسع كبير نحو الاستجابة للتظاهرات، وخصوصا مع عدم استجابة مؤسسات الدولة القانونية والدستورية لمطالب الجماهير المحقة، بالتالي هذا الامر سيولد سخط اكبر وسيولد لدى الجماهير حالة من الاصرار العالي للتأثير على السلطة واجبارها على تلبية المطالبة. 

تعامل القوى السياسية وسلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية مع هذه المطالب بهذه التسويف هي ليست في صالح النظام الامني والنظام الاقتصادي. فالعراق له خصوصية معينة في مجالات عدة منها على سبيل المثال انتشار السلاح بين فئات المجتمع ككل، وهذا مؤشر خطير فيما لو دخل السلاح والعنف على الاحتجاجات كوسيلة لتحقيق التأثير، كذلك العراق خرج من معركة ضروس ضد قوى الارهاب التكفيري، وبالتالي فان تعريض السلم والامن الاجتماعي للخطر هو مجازفة كبيرة لا تحمد عقباها في المرحلة القادمة.

"ايضا طبيعة الوضع الاقتصادي في العراق حساس جدا، في حال شلل مؤسسات الدولة لا يوجد قطاع معين ممكن أن يغطي النشاط الاقتصادي داخل البلد، العراق والشعب العراقي والاقتصاد العراقي قائم على قناة الانفاق العام الذي تستخدمه الدولة بتوسع مستمر، وهذا الانفاق العام في حال حصول أي عصيان أو اضرابات كبيرة، ربما تتعرض اليات الانفاق العام للخطر، وبالتالي هذا يعرض فئات المجتمع  لخطر التدهور والعوز والفقر وانعدام الوفرة الاقتصادية، هذه هي المسارات المحتملة التي نفكر بها فيما يخص الوضع العراقي بالذات، وهي تتركز على النحو الاتي..

المسار الاول: الذهاب باتجاه التصعيد مع احتمالية الوصول للفوضى الامنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعندها ليس هناك مؤسسة ضابطة لهذا النظام ولهذه الفوضى سوى المؤسسة العسكرية.

المسار الثاني: إن تستجيب السلطات والقوى السياسية لمطالب المحتجين وأن تدرك جيدا بان طبيعة المرحلة بإدارة الدولة ومع الجماهير قبل تشرين الاول (2019) يختلف كثير عما بعد هذا التاريخ، لذلك هي تحتاج لنوع من التعامل المسؤول والتعامل الجاد باتجاه بناء الدولة وتأسيس مشروع الدولة، هذا قد يخفي التظاهرات ويرجعها إلى وضعها الطبيعي.

وللبحث في هذا الموضع، نطرح الاسئلة الاتية:

السؤال الاول-اي المسارات ستكون حاضرة في المستقبل؟

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم،

يرى أن المسار الاول هو الارجح، فالقوى السياسية في العراق سائرة باتجاه المماطلة والتسويف بكل منحنياتها، والقوى الشعبية سائرة باتجاه التصعيد، وهذا ينذر بخطر كبير. فحتى خطاب السيد (رئيس الجمهورية) كان يخلو من حلول جذرية، وانما كان يتسم ذلك الخطاب بنوع من النرجسية ويتعكز على مفردة (سوف) يحصل هذا الامر، مع احتمالية ان لا يحصل امر استقالة السيد (عادل عبد المهدي)، وان تبديل قانون الانتخابات واجراء انتخابات مبكرة قد لا يحصل".

اضاف الحسيني "بالتالي تلك الوعود ربما تكون عبارة عن تخدير للشعب العراقي، وهذا ما قراءه الشباب الثائر في الشوارع العراقية، ولذلك تم رفض هذا الخطاب، فكل خطابات السيد رئيس الوزراء كانت بهذه اللهجة وهذه الطريقة التسويفية، لذلك يبدو أن الحكومة غير جادة في دراسة موضوعة الاستقالة، أو أن تضع حلول جذرية أو حلول انية للقضاء على المشكلة التي اسست لهذه الحركة الشعبية وهي افة الفساد والمحاصصة في تقاسم السلطة".

يكمل الحسيني " الكتل السياسية بأكملها وبكل انتماءاتها الاسلامية السياسية والمدنية لا زالت تخوض حرب ضروس على تقاسم المناصب والمغانم في حكومة السيد (عادل عبد المهدي)، لذلك هم غير جادين في مسالة دراسة مطالب الشعب والاستجابة لها ، لذا يبدو لي أن الطبقة السياسية في العراق مغمورة في عالم اخر وهي لا تعيش على ارض الواقع، والسبب ربما يعود للعامل الاقليمي الضاغط عليها وهي لا تستطيع التحرر من هذا التأثير والاستجابة لمطالب الشعب". 

كما اوضح الحسيني "لذلك الحذر كل الحذر من قادم الايام فربما ستكون هناك خسارات كبيرة جدا، لاسيما اذا ما استمر الضاغط الشعبي بهذه الوتيرة المتصاعدة، عندها من غير المستبد ان يكون التغيير امر واقع وسوف يكون هناك تسونامي كبير طارد لكل الكتل السياسية وبكل انتماءاتها الاقليمية".

- سماحة الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام،

أشار إلى نقطة اساسية في مسالة القيادة الموجودة في العراق وبكافة اشكالها، اي أن تلك القيادة لم تقرا التحول الاجتماعية الكبير الذي حصل في العراق. التطور الحاصل في العراق خصوصا ما بعد داعش لم تتم قراءته من قبل النخب السياسية خاصة على مستوى الجيل الجديد، هذا الجيل لم يعاصر التجارب السابقة وتاريخه تشكل ما بعد (2003)، هذا التحول الاجتماعي الكبير يمكن ان يصنف على انه تقدمي ويسعى لحلق حالة من النمو والازدهار والتغيير والخروج من هذا التخلف والجمود".

يكمل معاش " لذلك القيادة اليوم اما تحاول أن تجمد الحاضر، بمعنى انها تبقى في الحاضر ولا تفكر في المستقبل، بالنتيجة هذا المعنى سوف يؤدي إلى ارتهان العملية كلها والهبوط بها الى الاسفل، وهذا امر مستبعد وغير مستساغ  فلابد أن نصل لحلول وسطية، وأن نغادر سيناريو التغيير لأنه يحتاج لسنين طويلة من التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والمدني، ولكن يمكن أن نبدأ بوضع خارطة طريق تراكمية تصاعدية للمضي نحو الامام، وهذا خطوة مهمة يمكن العمل عليها حيث تبدا الامور من استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة تكنوقراط كما هو المطلب، وهذا هو الاحتمال الاقرب الذي سوف يحصل".

يختم معاش "ومن ثم يبدا البرلمان بصياغة قانون انتخابي يتماشى مع مطالب الشعب. وفي ظل تلك الاجواء من التسويف والاحتواء لن يفيد، وأن العنف لن يخدم جميع الاطراف الاقليمية والدولية والمحلية بل سيعقد المشكلة اكثر فاكثر، بالتالي لابد ان يكون هناك مسار وسطي لتجاوز تلك الازمة الخطيرة التي سوف تأتي على الاخضر واليابس وسوف تدمر البلد وترجعه للمربع الاول". 

- الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية،

يرى اننا امام خيارين اما الترقيع واما التغيير الحقيقي، لاسيما وأن مشكلة الحكومة الحالية انها تريد أن تمارس عملية الترقيع للتجربة السياسية الحالية، وهذا الترقيع هو عبارة عن تغيير وجه هنا او هناك، مع ابقاء المعادلة التي خلقت الازمة، وهي معادلة الكتل السياسية وتبعية بعض هذه الكتل السياسية للخارج، واستحواذها على كل مصادر القوة والنفوذ والثروة في العراق، هذا الامر هو الذي خلق الازمة، وهي لا تريد تغيير هذا الامر".

اضاف العرداوي "اليوم لا يبدو لدى ساسة العراق إدراك بأنهم أصبحوا منتج منتهي الصلاحية، وكل منتج منتهي الصلاحي لابد ان يستبدل بمنتج جديد، هؤلاء لا يريدون ادراك هذه الحقيقة، ولا يريدون ان يتخلوا عن مناصبهم وامتيازاتهم، بل يشعرون أن التغيير يشكل خطر عليهم، والسبب لان جميع النخب السياسية وبلا استثناء الا ما ندر قد تورطوا اما بسرقة أو بقتل أو خيانة الشعب العراقي لمصالح خارجية او لمصالح فئوية خاصة".

يكمل العرداوي " وهم متيقنون تماما بان اي حكومة نزيهة سوف تأتي في المستقبل وبمواصفات عراقية ووطنية، هذه الحكومة سوف تجرهم إلى المحاكم، وهم لا يريدون أن يصلوا إلى مرحلة المحاكمة والمحاسبة ومراقبة اعمالهم، ونحن جميعا نعرف مقدار الخيانة التي ارتكبت ابتدأ من الحنث باليمين الدستوري، وهو بحد ذاته خيانة عظمى، وصولا لبقية القضايا الاخرى التي يدينها القانون الجنائي ويحاكم المسؤول عنها، هذا ما يحصل في العراق، فهناك مسار الترقيع الذي تريده السلطة السياسية المهيمنة، وللأسف هذه الطبقة السياسية مدعومة من الخارج".

اضاف ايضا "بالتالي ليست الطبقة السياسية هي وحدها من يريد الترقيع، وانما حتى حلفائها الاقليمين والدوليين ايضا يريدون الترقيع لهذه التجربة السياسية. وحقيقة أن الانعاش لا يفيد من هو على حافة الموت، فاليوم لا تستطيع أن تنعش التجربة السياسية وهي تحتضر وننتظر فقط اعلان شهادة الوفاة، فلو افتراضنا أن الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها العراق الان قد تم احتوائها بطريقة أو بأخرى، لكننا ندرك تماما بأن الاجراءات التي تم الاعلان عنها من قبل الحكومة والنخبة السياسية، هي اصلاحات لا يمكن تطبيقها لا من ناحية الامكانيات الاقتصادية ولا من ناحية الامكانيات الدستورية".

 يبين العرداوي  "إن طرح فكرة النظام الرئاسي بحد ذاتها من قبل بعض رؤساء الكتل السياسية في العراق فيه مغالطة كبيرة، لأنه عندما نريد تغيير شكل النظام من نظام برلماني إلى نظام رئاسي هذه الامر يحتاج لتعديل دستوري، ونحن نعلم ايضا أن الاكراد هم حجر عثره امام أي تعديل دستوري يصب باتجاه قضية النظام الرئاسي، هم اطلاقا لا يدعمون تلك الفكرة ويستطيعون ايقاف التعديل الدستوري وانهاء قضية التعديلات الدستورية، والشيء الاخر ان هؤلاء يريدون ان يعلن النظام الرئاسي مع علمهم الاكيد بان النظام الرئاسي أو النظام البرلماني ليس هو المشكلة".

 واشار العرداوي "وانما المشكلة في السلوك السياسي للنخبة السياسية، هذا السلوك هو الذي جعل البلد عبارة عن غنيمة، بالتالي حتى لو تم احتواء الازمة الان وعاد الوضع إلى ما عليه في السابق، لكنها سوف ترتد مرة اخرى بزخم أكبر وبطريقة اكثر قسوة، فربما المظاهرات اليوم واثناء نزولها للشارع ذهبت باتجاه الاحتجاج السلمي، لكن في المرة القادمة لا توجد ضمانات اكيدة بان النزول للشارع سوف يكون سلميا، وانما في المرة القادمة سيكون لدينا عنف مسلح، وهذا العنف المسلح سيكون مدمر للجميع".

ويستدرك العرداوي "لذلك لا امل نرجوه من النخبة السياسية الحالية، وحتى الحلول المقترحة هي حلول غير مجزية، اليوم ما يواجه العراق هو نفس السيناريو الذي واجهته اوروبا في القرون الوسطى، عندما كان هناك ملك وطبقة ارستقراطية ولا تريد ان تعترف بالحراك الاجتماعي الحاصل داخل المجتمع، بالنتيجة لم يحصل التغيير الا بالعنف المسلح، لذلك الخشية كل الخشية ان توصل النخبة السياسية الشعب العراقي إلى هذه النتيجة، وعندها سوف تسقط هذه النخبة السياسية بعنف مسلح كبير، وسوف تسقط الجمهورية في العراق، بل وحتى التجربة الديمقراطية في العراق ستسقط، وعندها سنمر بطور جديد من العنف المتبادل مع احتمالية الوصول إلى تقسيم العراق".

يختم العرداوي "وسيكون المسؤول عنه النخبة السياسية وليس الشعب، فمتى ما كان انسداد للأفق السياسي السلمي في الاستجابة للتطلعات الشعبية، سوف ينفتح الافق غير السلمي، بالتالي انا شخصيا لا استبعد وجود الحلول العسكرية والحركات العسكرية بدأت تحصل في العراق، لذا فالمسار القادم هو مسار يتسم بالتشاؤمية".

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية،

يرى "إن الوطن حمل اكثر مما يحتمل سواء من الحكومة أو من قبل فئات اجتماعية عديدة، فالكل تدعي بانها تريد وطن، لكن في الحقيقة الكل يريد مصلحة خاصة حسب رأيه، والدليل على ذلك أن الكثير من الفاسدين يحاولون ركوب موجة التظاهرات، وهم سبب اساس في شيوع وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة وحتى في سلوكيات المجتمع. اما بخصوص مستقبل مسارات الاحتجاج في العراق ونتيجة لتداخل عوامل عديدة في هذه التظاهرات، واختراق الوضع السياسي في العراق من قبل جهات متعددة دولية واقليمية، يصعب معها التنبأ بطبيعة المسار المستقبلي لهذه التظاهرات". 

اضاف الحسيني "لكني (اميل / وافضل / واتمنى) أن يكون مسار التهدئة هو الغالب وهو المسيطر وهو من ينسجم مع التطلع العام للدولة العراقية، سواء كانت حكومات بأحزابها وبكتلها الفاسدة أو مع تطلعات الجماهير، التصعيد لا يخدم احد بل الكل سيتضرر. بالتالي فان التظاهرات الحالية قد ارعبت جميع الكتل السياسية والاحزاب والحكومة، وهذه نتيجة ايجابية ومكسب كبير لا يمكن التفريط به، لكن في نفس الوقت اذا لم يتم ضبط التظاهرات فستكون النتائج سلبية اكثر من كونها ايجابية".

يكمل الحسيني "ايضا الاستمرار بهذا التصعيد الكبير والشعارات التي قد تسئ للمتظاهرين وتضعف من معنوياتهم ستقود الى تدويل الازمة، وهذا يضر بالمصلحة العراقية، فنحن اصلا نشكو من التدخل الدولي وفي نفس الوقت نرفع شعارات ونطالب بتدويل الازمة وتدخل دولي، هذا الامر غير صحيح ومضر بمطالب المتظاهرين، بالمقابل لابد ان نبتعد عن الشعارات الفئوية وان نوحد الشعارات، لذا يتوجب على المتظاهرين اعطاء مهلة للحكومة حسب رأيه، ففي ظل هذه الزخم الشعبي والجماهيري اصبحت غير قادرة على اتخاذ القرار الصحيح، وبالتالي هي سوف تلجأ لقرارات سريعة وغير مدروسة، ممكن ان تكون في المستقبل قرارات سيئة ونتائجها سيئة".

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات،

يرى "إن مفردة الاحتجاج مفهوم اوسع من التظاهر، وان التظاهر هو مفردة من مفردات الاحتجاج، إلى جانب ذلك اتفاءل بالعمل النقابي على اعتباره اكثر تأثيرا واكثر وعيا وافضل نتائج من العمل الفوضوي الجماهيري. اما بخصوص اعطاء مهلة للحكومة فلا اميل الى هذه الخطوة، لأننا طالما اعطينا القوى السياسية العراقية فترات زمانية كافية لكنها لم تحرك ساكنا، ورغم كل تلك الاحتجاجات والتضحيات البشرية والمادية، الحكومة والشخصيات السياسية لم تقدم استقالتها".

اضاف جويد " بالتالي نحن امام حرب معلنة من قبل احزاب وكتل فاسدة تريد ابقاء الحال على ما هو عليه، وجبهة اخرى تمثل عامة الناس تحاول الدفاع عن الحقوق المستلبة، العتب كل العتب على الادعاء العام وعلى مؤسسة القضاء العراقي الذي يقف موقف المتفرج ازاء تلك الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الطبقة السياسية، بالإضافة إلى ذلك فان مسارات هذه الاحتجاجات بدأت تصاعدية، ولكن يبقى الرهان الحقيقي على صمود الجمهور العراقي في الساحات والشوارع، بالمقابل القابض على السلطة في العراق يبحث عن اي سلبية في الشارع كي يسخف التظاهرات ويحجمها".

يكمل جويد "فهذه الاحزاب تعتاش على فكرة تسقيط الاخر وجمع ملفات ضد الاخر واقصاء الاخر، وهي مستعدة تمام الاستعداد للتسمك بالسلطة وبمصالحها إلى اخر نقطة، فاليوم لابد ان يكون الزخم مستمر شريطة أن يعزز بحضور ملموس للنقابات المهنية كنقابة المحامين والمعلمين والمهندسين، لان وجود نقابة المحامين مثلا يشكل عامل مهم من عوامل الثقيف القانوني بمشروعية المطالب الجماهيرية".

- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام،

يؤكد على أننا في شبكة النبأ للثقافة والاعلام طالما ركزنا كثيرا على الشباب، وكنا دائما نصف هذه الشريحة بانها قنبلة موقوتة، وكنا دائما نحث الطبقة السياسية على ايجاد حلول لمشاكل هذه الطبقة الشبابية، وهي تعاني من الفراغ ومن البطالة، دفعنا باتجاه خلق فرص العمل، واماكن ترفيهية ورياضية لاستيعاب تلك الطاقات الشبابية، ولكن مشكلة الطبقة الحاكمة والطبقة السياسية بشكل عام لديهم صمم مزمن، وهذا ما اوصل العراق لهذا الحال".

يكمل عبيد "لذلك ففي ساحات التظاهرات وعندما تسأل الشباب هل يستطيع التخلى عن التظاهرات، يأتي الجواب مسرعا كلا ولو كان الثمن هو الموت، بل والانكا من ذلك أن جميع خيارات الدولة تكاد تكون مرفوضة من قبل الشارع العراقي، وأن صدى سقوط الحكومة ومجلس النواب هو الخيار الاقرب لمزاج الشارع العراقي، وهذه التصورات كانت مطروحة من قبلنا في شبكة النبأ وحددنا الخيارات،  فلو خصص جزء بسيط من الاموال التي هدرت او اختلست لشريحة الشباب لما وصل الامر الى هذا الحد، لذلك من يهمل الشباب سوف تكون المسارات سيئة جدا وخطرها سيعم الجميع".

-  عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية،

يوصي بعدم رمي الكرة في خانة الحكومة فالكل قد اخطئ (مرجعيات / مراكز دراسات وبحوث / مجتمع مدني / عشائر) الجميع اخطئ. نعم الفساد في الجانب السياسي واضح وبقيادة بعض الكتل السياسية التي فسدت وافسدت الدولة، فهؤلاء يعرفون ان تغيير الوضع السياسي سيلقي بهم إلى المحاكم أو هروبهم خارج العراق، ولذلك ستكون الممانعة قوية من قبلهم، السؤال المهم هنا من استطاع تحريك الشارع المرجعية بح صوتها ولم تستطيع تحريك الشارع، وهذا ما قالته المرجعية نفسها جهارا ونهارا في خطب الجمعة".

اضاف الصالحي "مراكز الدراسات لم تستطيع التأثير في خمسة افراد، العشائر ايضا وبتاريخها العريق ودورها لم تستطيع تحريك الشارع، لكن اليوم الشباب العراقي البسيط وكما يصفهم بانهم ابناء ( البوبجي والتكتك ) نزلوا للشارع، لذا علينا أن نكون بمستواهم ونسمع لهم لا ان نطالبهم بالرجوع إلى لغتنا ليفهموها. الامر الاخر الذي لابد التأكيد عليها أن أفضل تظاهرات شهدها العالم هي التظاهرات في العراق، في البداية التظاهرات قمعت بقسوة عجيبة وغريبة واستخدم التنكيل بهم بشكل كبير، لكن في فترة من الفترات تحولت تلك التظاهرات إلى سلمية، وفقا لرأيه.

يكمل الصالحي "اما بخصوص المسارات فالحكومة في بداية الامر لجأت إلى قمع التظاهرات، الان نشهد نوع من الانفتاح بغية تشويه الصورة وبث التفرقة بين المتظاهرين، بالتالي اذا لم تنجح هذه المحاولة سترجع الحكومة للقسوة المميتة مرة ثانية، لان الموضوع لا يحتمل الكثير من الثنائيات فأما البقاء او عدم بقاء".

- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية،

يرى أن الفساد على المستوى التنفيذي والتشريعي والقضائي اصبح من المسلمات المعروفة لدى القريب والبعيد، لذا السؤال المطروح هنا لماذا ننتقد الحكومة فقط ولماذا لا ننتقد انفسنا، اليس فينا المفسد وهذا حقيقة ملموسة على مستوى الاداء الوظيفي في التعليم الطب واحتلال الارصفة .. الخ، اما موضوع المسارات المحتملة فالخشية كل الخشية ان تكون هناك مظاهرات مضادة للتظاهرات الحالية".

- كمال عبيد، ماجستير اعلام، مدير تحرير شبكة النبأ المعلوماتية ومجلة المختار، يرى أن بعض وسائل الاعلام العراقية قد ارتقت إلى مستوى التظاهرات وكانت في تماس مباشر مع التظاهرات، في حين أن القنوات الاخرى لم تعطي الفضاء الكامل للتظاهرات وما يجري في ساحات الاحتجاج في وسط وجنوب العراق، والسبب هنا معروف لان تلك القنوات الاعلامية مقيدة بجهة التمويل، امر اخر بعض وسائل الاعلام الرسمية والحزبية تشتكي من كونها غير مرحب بها في صفوف المتظاهرين".

اضاف عبيد " فضلا عن ما اتقدم ما تقدم فان ما حصل في ثورة تشرين الاول يختلف عن التظاهرات السابقة، والدليل على ذلك هو تغيير المطالب، بالمقابل السلطة لا تعي حجم المخاطر المحتملة، خاصة وان مسارات التظاهرات الشعبية ذاهبة باتجاه التصعيد، إلى جانب ذلك هناك عاملين اساسيين في عملية التغيير وهما العامل الخارجي المرتبط بالصراع الامريكي الايراني وفرض الارادات، اما العامل الداخلي فهو لا يقتصر على القوى الشعبية فقط بل هناك المرجعية الرشيدة، وهي تحاول دائما مسك العصى من المنتصف، بالتالي اي تغير في هذين العاملين الاساسيين ممكن ان ينعكس على التظاهرات الحالية".

- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية،

يرى "من ابرز الاخطاء التي ارتكبها النظام السياسي بعد (2003) هو اهمال الرؤية الاقتصادية، خصوصا وأن هناك ثلاثة مرتكزات اساسية كانت تنذر بتعجيل فناء هذا النظام، الجانب الاول هو عقلية النظام السياسي هو عقلية المستهلك وليس المنتج، فقد تم الاعتماد على الاستيرادات ولم تفعل القطاعات الانتاجية، المرتكز الثاني الاعتماد على النفط على اعتباره حل سهل للسياسيين، والمرتكز الثالث والخطير هو اتساع الفجوة الطبقية بين شرائح المجتمع العراقي".

اضاف آل طعمة "بعض الشرائح وهي بنسبة (5%) تحصل على الجانب الاكثر من الدخل، وجزء منها تكون في الطبقة الوسطى، الجزء الاكبر الذي يقدر ب (50%) تقع تحت خط الفقر والحرمان والتهميش، بالإضافة إلى ذلك معادلة بسيطة كانت تنذر بان معدلات نمو السكان وخصوصا فئة الشباب لا تناسب فرص العمل المطروحة من قبل الحكومة، والحكومة طرحت الكثير من الاستراتيجيات لكن لم تطبق، القصد أن مخرجات النظام الاقتصادي القائم على النظام السياسي كانت تنذر بتظاهرات، وكان من المستغرب أن هذه التظاهرات تأخرت كثيرا".

يكمل آل طعمة "اما بخصوص الاجابة على السؤال فان المسار الاول هو الاقرب للواقع، ولكن لضمان نجاح التظاهرات في قطف الثمار هناك ثلاثة شروط: الشرط الاول نقاء هذه التظاهرات من تدخلات الاحزاب، الشرط الثاني استمرار الزخم فبمجرد التوقف بحجة البرامج الاصلاحية سوف تكون هناك الحلول الترقيعية والتخدير، الشرط الثالث الخشية من ضرب مصالح الحزبية السياسية وزج المليشيات في هذه التظاهرات، وبالتالي تحولها تظاهرات مضادة، وهذا ايضا يخشى منه".

- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية،

يرى أن التظاهرات الحالية هي نتيجة طبيعية لفشل اداء الحكومات المتعاقبة، وهو الذي جعل هذه التظاهرات تتسم بالتصعيد والتصعيد الحاد، بالتالي هذا الفشل في الجانب الخدمي طور التظاهرات من مطلبية إلى سياسية، الامر الاخر لابد من استمرار زخم التظاهرات حتى يصل لقطع الطرقات والعصيان المدني وقطع تصدير النفط، وهنا نستطيع ان نحجم دور الحكومة من اجل الانصياع لإرادة الشعب " وفقا لرأيه.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية