ثورات الفقراء تكسر حاجز الصمت في عالمنا العربي

عندما سقط نظام حكم الدكتاتور صدام حسين في العراق بتاريخ 9/4/2003 خلال مدة لم تتجاوز 21 يوما من بدء الغزو الأمريكي – البريطاني لهذا البلد ، فأن الكثير من المحللين والمتعاطفين مع هذا النظام المجرم تناسوا حجم الهالة الإعلامية التي خلقها النظام لزعيمه وحزبه وقوته العسكرية التي لا تقهر – حسب زعمه - وراحوا يبررون هذا السقوط المخجل على انه نتيجة لفارق القوة بينه وبين أعدائه، بل وذهبوا إلى لصق تهمة العمالة والخيانة بالقوى السياسية والشعبية التي رقصت فرحا بزواله وحلمت بغد أفضل لشعب أرهقته الدكتاتورية وسحقت كرامته بلا شفقة ولا ضمير ولا إنسانية ، ولم تكتف الأقلام المخدوعة أو المغرضة بهذا الأمر بل أخذت تتباكى على النظام وتصوره على انه كان رمزا لمقاومة الاستكبار العالمي – الصهيوني وحامي حمى القومية العربية وقائد التنمية الوطنية .. ولم تؤمن أو لم تحاول أن تؤمن بحقيقة أن من اسقط الدكتاتورية في العراق وأطاح برأس قائدها الضرورة لم تكن القوات الأجنبية المحتلة ، وإنما هو الشعب العراقي الذي أصبحت الغالبية العظمى من أسره تعيش – بفضل النظام – تحت مستوى الفقر ، نعم إن الفقراء وليس المتخمون المستفيدون هم الذين اسقطوا حكم صدام حسين عندما تخلوا عنه وعن نظامه البغيض وتركوه نهبا لحراب أعدائه وحاربوا اجتماعيا وسياسيا كل من وقف معه أو حاول مساندته ونصرته ولو كان الشعب العراقي ملتفا حوله ومانحا إياه الشرعية لما استطاعت أية قوة خارجية إسقاطه أو لأستغرق الأمر شهورا وربما سنوات طويلة لتحقيقه . إن صوت المظلومين الذين جاعوا وقهروا وثكلوا وترملوا .. هو الذي دك حصون النظام وهدم أركانه قبل صوت القنابل والرصاص الأجنبي ، فعجل بسقوطه ومرغ انفه بوحل العار والهزيمة خلال مدة قياسية ، يدل على هذه الحقيقة ما جرى في المشهد التونسي من انهيار دراماتيكي لنظام دكتاتوري آخر بمدة قياسية لا تتجاوز الأسبوعين بعد حكم طال لثلاثة وعشرين سنة وبدماء (شعبية) لم يبلغ شهدائها 150 شهيدا ، فلم تغن النظام جيوشه ومخابراته وقبضته الحديدية أمام صرخات شعبه الفقير الأعزل إلا من الإيمان بضرورة التغيير والدعوة إلى إصلاح الواقع السياسي الفاسد والمفسد ، ولا اعتقد أن من برر سقوط نظام صدام حسين بحجة فارق القوة يستطيع أن يقدم مثل هذا التبرير في الحالة التونسية ، لأن لهيب النار المشتعلة في جسد محمد البوعزيزي لم يحرق جسده الرقيق الأعزل فحسب ، بل احرق مرتكزات النظام الفاسد الذي سلبه وكثيرا أمثاله طعم الشعور بالحرية والكرامة وسرق أحلامهم كما سرق ثروة البلاد برمتها ، وأيقظ موته صحوة الفقراء والمظلومين فتحركوا لإسقاط من كان سبب مآسيهم وآلامهم ولا يستطيع مدعي ادعاء خلاف هذه الحقيقة ، فقد شهدنا بأم أعيننا شعبا يتحرك قبل نخبه فتعلوا مطالبه مطالب قادته مما أضطر الجميع أن ينحني له ويخاف من عقابه فهرع دكتاتوره خائفا ذليلا إلى خارج البلاد لينجو بنفسه وأقرب مقربيه تاركا بقية أركان حكمه لرحمة ثورة الشعب التي لم تنته فصولها بعد . إن ما جرى في العراق وتونس دق ناقوس الخطر لتلك الأنظمة القروسطية البالية التي ابتلي بها عالمنا العربي والإسلامي وعلى حكام هذه الأنظمة إدراك أن العالم دخل في عهد جديد يختلف بمتغيراته عما عرفوه وعهدوه قبلا ، عهد سيكون فيه صوت الفقراء عاليا أعلى من كل صوت ولن تستطيع هذه الأنظمة خداع شعوبها بالشعارات والإغراءات والقبضات الحديدية ، وعليه فإذا سقط دكتاتور العراق في 21 يوما ودكتاتور تونس في 14 يوما فلن يكون عجيبا أو غريبا أن يسقط غيرهم بأقل من هذه المدة بكثير ، لاسيما وان كل المؤشرات تشير إلى أن ما دفع العراقيين والتونسيين إلى التحرك ضد حكامهم موجود في بلدان أخرى كالجزائر والمغرب ومصر والسودان واليمن والأردن وسوريا وليبيا ودول الخليج .. وما تعالي صرخات التأييد لثورة الشعب التونسي في هذه البلدان وإحراق الفقراء لأنفسهم فيها إلا دليل على حجم المأساة والفقر والغليان الذي تعيشه شعوبها ، وتنامي مطالبها المشروعة بالتغيير باتجاه العدالة الاجتماعية والعدل السياسي ، وإذا كانت الأنظمة السياسية كأحجار الدومينو في رقعة الشطرنج يقود سقوط أحداها إلى توالي سقوط البقية ، فأنه يمكننا القول أننا دخلنا في العد التنازلي لعمر كثير من الأنظمة العربية التي أصبحت مقومات وجودها منتفية، وباتت تتحرك خارج إطارها ألزماني الذي تعيش فيه ، والأجدر بحكامها الذين شغلتهم السلطة بإغراءاتها ومؤامراتها واستقطاباتها الداخلية والخارجية أن يبادروا إلى احترام إرادة شعوبهم في التغيير قبل أن يكون مصيرهم كمصير صدام حسين وزين العابدين بن علي وربما أسوء ، فأن شعوبهم الفقيرة صارت كارهة لهم وان صرخاتهم خرجت من إطارها الفردي لتصب في أطار مجتمعي هادر كسر حاجز الصمت والخوف ولن يرض الترقيع السياسي بديلا عن التغيير الجذري الشامل.
التعليقات