العامل الخارجي وحكومة الفرصة الاخيرة في العراق

لطالما أخذ موضوع علاقة الدول بعضها مع البعض الاخر حيزاً كبيراً لدى المفكرين عبر صياغة مفهوم السيادة والذي ازدادت اهميته تزامناً مع ظهور الدولة القومية الحديثة في اوروبا ، متأثراً بالعديد من الفلاسفة والكتاب الذين تناولوا مفهوم السيادة بالشرح والتفصيل ومن أبرزهم (جان بودان و توماس هوبز ومن بعدهما جان جاك روسو و جون أوستن...) فيما كان تطبيقها العملي في اعقاب معاهدة "ويستفاليا" التي أنهت الحروب الدينية في القارة الأوروبية وأقرت مبدأ "سيادة الدولة" على إقليمها ومن ثم ميثاق الامم المتحدة 1945 الذي اكد مبدأ المساواة في السيادة، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، ومبدأ الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة وسلامة واستقلال أية دولة. 

وبالرغم من ظهور الحداثة والتطور التكنلوجي والتواصل المعلوماتي والقوة الناعمة الا انها جميعاً تبقى عند حاجز السيادة بالرغم من محاولات تجييرها لصالح دول أخرى. وبالنسبة للعراق اليوم نجده يعاني من حجم هائل من التدخل في شؤونه الداخلية، فالعامل الخارجي لا يزال مؤثراً ويظهر جلياً في موضع تشكيل الحكومة واختيار المناصب المهمة ، و يتمثل هذا التدخل اما بصورة مباشرة عبر ابداء تصريحات توحي برغبتها بتولي شخص ما بعينه ، او تلجأ لتحريك جهات حزبية وسياسية لممارسة دورها بمنع او قبول مرشح تراه مناسباً او يلبي توجهاتها وفي كلا الامرين الموضوع يسبب ارباكاً للعملية السياسية برمتها وفرض ارادات خارجية وزعزعة ثقة الناخب العراقي بخياراته ، حتى وان قل حجم التدخل في اختيار الحكومة الاخيرة الا انه لم ينته ولا تزال الضغوط قائمة لتمرير شخصيات بعينها وهذا الامر يعد انتهاكاً للسيادة وتفضيل مصالح خارجية على مصلحة البلد ، لا سيما وان وقت المجاملات لم يعد يجدي نفعاً في ظل تنامي حدة الاحتجاج والتذمر الشعبي وظهور بوادر امتعاض واحتجاج من المرجعية الدينية او بعض الفئات الشعبية او القوى الوطنية مما يعني أن الحكومة الحالية قد تكون الفرصة الأخيرة للعراق لكونها مُنحت الثقة في ظل توافق سياسي مقبول الى حد ما. والتعويل على السيد عبد المهدي كونه شخصا مهنيا مستقلاً يعد أمر جيدا، الا أن بعض المختصين يرون أنه في حالة فشل حكومته فأن الفوضى هي البديل، لذا لا خيار امام الاقطاب السياسية سوى النجاح وتحقيق رغبات المجتمع لا سيما في الجانب الخدمي وجوهر هذا النجاح يبدأ من ابعاد العامل الخارجي عن ممارسة التأثير السلبي على الداخل العراقي، واعطاء اولوية للبرنامج الحكومي في مكافحة الفساد بصورة جدية وابعاد المحاصصة قدر المستطاع وتعديل القانون الانتخابي بشكل جذري قبل فوات الأوان.

التعليقات