تحالف المحور الوطني: قراءة في مسارات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة

أعلن يوم الثلاثاء الماضية الموافق 14/8/2018 عن تشكيل تحالف سياسي عراقي يضم ستة كتل سياسية سنية أطلق عليه تحالف المحور الوطني؛ وذلك من أجل خوض غمار تحديات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. وضم التحالف قوى وقيادات سياسية سنية يصل عدد مقاعدها البرلمانية إلى 53 مقعد، معلنة بدورها عن تشكيل كتلة سنية موحدة من اجل التفاوض مع القوى السياسية الأخرى وتشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، التي سيقع على عاتقها تشكيل الحكومة العراقية القادمة. هذا التحالف جاء بقيادة سداسية ضمت كلاً من (خميس الخنجر، اسامة النجيفي، سليم الجبوري، احمد عبد الله الجبوري "ابو مازن" وجمال الكربولي، فضلاً عن فلاح حسن الزيدان). 

هذا التحالف ربما يضع القوى السياسية الأخرى (الشيعية والكردية) إمام خيار التكتلات الطائفية وربما يضعها أيضاً بعيداً عن تلك التكتلات. وهناك من يتحفظ على إعلان هذا التحالف لسببين:

• أولاً: بسبب الطبيعة الطائفية لهذا التكتل، وعدم قدرته على الخروج من الاصطفافات الطائفية والمذهبية، التي ولربما قد تضع الأخرين بنفس الطريق، فضلاً عن ذلك، فأن هذا التحالف جاء بنفس الوجوه السياسية السنية التي تسيّدت المشهد السياسي السني في السنوات الماضية أو ما يطلق عليهم بصقور البيت السياسي السني بشكل عام. 

• ثانياً: إن هذا التحالف كانت نواته الاساسية خارج الحدود، أي أن التحالف تشكل وفق اجتماعات سابقة عقدت في اسطنبول وعمان من أجل توحيد البيت السياسي السني في عملية تشكيل الحكومة العراقية، ولم يكن نتيجة لحوارات واجتماعات ورؤى سياسية داخلية فقط. 

ولهذا ربما سائل يسأل عن مدى تأثير هذا التحالف المشكل حديثاً على مسار تشكيل الحكومة العراقية القادمة، لاسيما وأن هذا التحالف يعبر عن وجهة نظر سياسية مناطقية أو مذهبية، وكيف يكون دوره (سلباً أم ايجاباً) في عملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة؟ 

هناك من يعتقد بأن تشكيل هذا التحالف سيذلل العقبات الرئيسة إمام الكتل السياسية الأخرى في التفاوض حول تشكيل الكتلة الكبرى ومن ثم تشكيل الحكومة العراقية القادمة، وهناك من يعتقد بأن هذا التحالف سيعرقل عملية تشكيل الحكومة القادمة؛ لأنه يعبر عن وجهة نظر مناطقية ومذهبية، وبالتالي سيفرض على الأخرين وجهات نظر مماثلة في تقاسم المناصب الحكومية. هذا التحالف سيحدد مسار التحالفات السياسية من أجل تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى بالسيناريوهات التالية: 

• تحالف نواته الاساسية كتلتي الفتح ودولة القانون بالاشتراك مع الأكراد بقيادة الحزبين الكبيرين (الاتحاد الوطني والديمقراطي الوطني)، فضلاً عن تحالف المحور الوطني. هذا السيناريو سيكون أقرب السيناريوهات القادمة في الإعلان عن تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، إلا أن هذا التحالف ربما سيصطدم بإرادة إقليمية ودولية، لاسيما وأن كتلتي دولة القانون والفتح تحظى بقبول إيراني وفيتو عربي – أمريكي، ومن شأن هذا الفيتو أن يلقي بضلاله على هذا التقارب السياسي بين القوى السياسية إعلاه. 

• تحالف نواته الاساسية كتلتي النصر وسائرون بالتوافق مع تحالف المحور الوطني وتيار الحكمة وقائمة الوطنية بقيادة اياد علاوي. هذا التحالف سيصطدم بإرادة داخلية تتعلق بتمسك قائمة النصر بمرشحها السيد حيدر العبادي لرئاسة الوزراء وطموح وزير الدفاع السابق خالد العبيدي بمنصب رئيس مجلس النواب، وبإرادة كتلتي سائرون والوطنية بتشكيل حكومي بعيداً عن المحاصصة الطائفية والسياسية، فضلاً عن ذلك، فأن إرادة قيادات تحالف المحور ستصطدم أيضاً بإرادة كتلة النصر فيما يتعلق برئاسة مجلس النواب. هذا السناريو سيحظى بإرادة عربية ودولية، إلا أن الخلافات الداخلية وعدم التوافق ستقف حجر عثرة إمامه، وهذا من شأنه أن يرجح السيناريو الأول في الإعلان عن تشكيل الكتلة الكبرى. 

• تحالف سيكون نواته الاساسية تحالف سائرون وتيار الحكمة بالتوافق مع القائمة الوطنية والأكراد بمجملهم، فضلاً عن تحالف المحور الوطني بعيداً عن قوائم النصر والفتح ودولة القانون. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو سيعتمد العرف السياسي العراقي في توزيع المناصب السيادية أي أن يعطي رئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة البرلمان لتحالف المحور ورئاسة الوزراء سيمضي بها إلى كتلة سائرون، إلا أن هذا السيناريو ربما يكون الاضعف بين السيناريوهات المتاحة في تحديد مسار الإعلان عن الكتلة الكبرى؛ لأن سقف المطالب بين القوى السياسية المتحالفة سيكون حائل دون ذلك. 

بين كل هذه السيناريوهات يبقى سيناريو تشكيل الحكومة العراقية الأعقد بالنسبة لكل القوى السياسية العراقية، لاسيما مع حجم الاختلاف والانقسام وعدم الثقة الذي تعاني منه العملية السياسية العراقية، فضلاً عن غياب النضوج السياسي لكل القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية؛ لأن الكل يبحث عن المكاسب السياسية على حساب الطرف الآخر، والتي تتعارض تلقائياً مع إرادة الاطراف الأخرى أيضاً. وهذا من شانه أن يربك عملية تشكيل الحكومة القادمة، التي (ولربما) لم تكن أفضل من سابقاتها في الأداء السياسي.  وبالتالي فأن القوى السياسية مجبرة على مشروع وطني حقيقي تستطيع من خلاله مغادرة اعراف العملية السياسية السابقة، وأن يكون قادراً عن معالجة الاداء السياسي وتصحيح مسار العمل السياسي ومعالجة معوقات النظام السياسي الحالي. هذا المشروع يجب أن يلامس إرادة المواطن العراقي من خلال المعالجات الأنية والاستراتيجية بعيداً عن الصراع الحزبي والسياسي بين القوى السياسية المتنفذة. وهذا يحتاج إلى وعي ونضوج سياسي كبيرين؛ لأن بقاء الحال على ما هو عليه، سيعود بنتائج وخيمة وكارثية في المرحلة القادمة. 

التعليقات