انتقال التركة العقارية مع اختلاف الجنسية بين المتواريثين في التشريع العراقي

شارك الموضوع :

مر موقف القانون العراقي بخصوص تملك العقار بالإرث مع اختلاف الجنسية بعدة مراحل أبتداء عندما كان خاضع للامبراطوريه العثمانية وتلاها صدور قانون الاحوال الشخصية للأجانب في عام 1931 وبعدها القانون المدني العراقي النافذ ،وعليه سنقسم هذا الدراسة الى محورين: الأول : الاتجاه بخصوص العقارات السكنية والأراضي والفضاء أو غير الزراعية والثاني : نتناول فيه الاتجاه بخصوص حق التصرف في الأراضي الزراعية وكالآتي: المحور الاول الاتجاه بخصوص العقارات السكنية والأراضي الفضاء أو غير الزراعية ان هذا الاتجاه مر بدورين الأول قبل صدور قانون الأحوال الشخصية للأجانب عام 1931 والثاني بعد صدور هذا القانون وسنتناول كل أتجاه في فقرة مسستقلة وكالآتي : الفقرة الأولى الموقف قبل صدور قانون الأحوال الشخصية للأجانب عام 1931 هذا الدور يبدأ في ظل الدولة العثمانية حيث كان العراق جزء من هذه الدولة التي طبقت احكام الشريعة الاسلامية حيث كانت الفتوى الماخوذ بها انه بالنسبة لغير المسلمين فان اختلاف الدارين (الجنسية) يعتبر مانعاً من الارث شرط اختلاف المنعة (العسكر) بين الدولتين وانقطاع العصمة بينهما واستحلال كل منها قتال الاخرى , اما المسلمون فيتوارثون فيما بينهم اذا يعتبرون دار واحدة ولا تختلف الديار فيما بينهم مهما كانت الجهة التي يقيمون فيها وهو رأي ابو حنيفة, وبه اخذ مجلس شورى الدولة العثماني بقرار له بتاريخ 27 مارس سنة 1324هـ مفاده ( إن الوراثة تبنى على النصرة والولاية فاذا وجد التعاون والتناصر والتعاضد بين الدولتين بثبت الوراثه واذا انتقى هذا التعاون والتعاضد امتنعت). ومن ثم فالاجنبي المقيم في انكلترا (وهي دولة بينها وبين العراق آنذاك تعاون مشترك يستطيع ان يرث العراقي بعكس ما اذا كان مقيم في دولة اخرى انقطع بينها وبين العراق التعاون والتناصر واستحل كل منها قتال الاخرى وظل العمل باحكام الشريعة الاسلامية في ظل الدولة العثمانية الى ان صدر قانون الاراضي العثماني سنة 1374هـ والذي منع في المادة (110) منه انتقال اراضي العثماني الى ورثته الاجانب كما يجز حق الطابو للاجنبي في اراضي العثماني الا إن هذا القانون لم يوضح أو يبين الحل القانوني بصدد أنتقال أراضي العثماني الى ورثته والاجانب او العثمانين مما دفع مجلس شورى الدولة العثماني الى إصدار عدة قرارات تضمنت المبادئ الآتية : الأول : ان املاك واراضي المتوفين من التبعية العثمانية لا تتوارث ولا تنتقل الى ورثتهم واقاربهم الاجانب. الثاني : ان الأملاك الصرفة والعقارات الموقوفة ذات المقاطعات التي بعهدة الاجانب تنتقل الى ورثتهم الأجانب. الثالث : أن الاملاك الصرفة والاراضي الاميرية الموقوفة العائدة الى الاجانب تنتقل الى ورثتهم العثمانيين . الرابع : ان قضية اختلاف الدار الشرعية لاتطبق في انتقال الأراضي الأميرية الموقوفة . الا ان الأمر تغير بعد ذلك لاسيما بعد دخول الدولة العثمانية بتعاملات مع دول عديدة منها فرنسا والمانيا وبريطانيا وابرامها اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات عديدة كل هذا دفع الدولة العثمانية الى اصدار قانون تملك التبعية الاجنبية للاراضي العثمانية حيث اصبح الأمر سهلا واصبح من حق رعايا الدول الاجنبية الموقعة على البروتوكول الملحق بالقانون ان تملك الاملاك الصرفة والتصرف بالاراضي الزراعية الأميرية . وبعد انتهاء الحكم العثماني بعد الحرب العالمية الاولى واحتلال العراق من قبل بريطانيا اصبح الامر سهلا فيما يتعلق بالتصرف بالاموال غير المنقولة بطريق الارث فلا حاجة او داع للحصول على اذن في اجرائها وبعد ان قامت الدولة العراقية عام 1921 فان الامر بقي على ماهو علية وان سارت المحاكم العراقية في البداية وفق ما ذهب الية مجلس الشورى العثماني سابقاً من قرارات الا ان محكمة التميز عادت وقررت أن اختلاف الدار مانع من الأرث مطلقاً وأن أختلاف الدار يقصد به أختلاف الجنسية بصرف النظر عن العلائق بين الدولتين . وبعد صدور قانون الجنسية العراقي عام 1925 (الملغي) ظهر اصطلاح الجنسية وحل محل اصطلاح (دار الحرب ودار السلم )وصار مقتضى ذلك ان المنتمي الى دولة اخرى (غير العراق) لا يرث من العراقي ولا يرث من الاجنبي لاختلاف الجنسية بينهما مهما كانت العلاقات الدولية بين العراق والدول الاخرى . الفقرة الثانية الموقف بعد صدور قانون الاحوال الشخصية للاجانب عام 1931 في هذا الدور صدر قانون الاحوال الشخصية للاجانب لسنة 1931 والذي اوجب على المحاكم العراقية عندما تنظر في دعاوي المواد الشخصية المتعلقة بالاجانب والتي جرت العادة بتطبيق قانون البلد الاجنبي فيها ان تطبق ذلك القانون وفق احكام حقوق الدول الخاصة باعتبارها القانون الشخصي الذي هو قانون الدولة التي يكون ذلك الشخص من رعاياها او قانون دولة اخرى عندما ينص القانون المذكور على تطبيقه وكان هذا القانون قد الغي تطبيق قانون تخويل الاجانب حق امتلاك الاموال غير المنقولة في الدولة العثمانية المؤرخ في 7/صفر/1284هـ في العراق ولكنه اشار الى ان اختلاف الجنسية غير مانع من الارث في الاموال المنقولة والاملاك الصرفة فيتوارث الاجانب مختلفوا الجنسية بعضهم من بعض ويرث العراقي من الاجنبي والاجنبي يرث من العراقي أذا كانت قوانين ذلك الاجنبي تسوغ ذلك . وهذا يعني ان هذا القانون اجاز الميراث بالعقار مع اختلاف الجنسية شرط المقابلة بالمثل , وكان حق التصرف في الأموال غير المنقولة لسنة 1943 قد تكفل بافراد فصل خاص بنقل حيازة ملكية الأموال غير المنقولة بأسماء الأجانب وقد اشار الى انه لايسمح للشخص الاجنبي ان يتملك في العراق امولاً غير منقولة الا وفق قانون خاص او معاهدة أو اتفاقية أو موافقة مجلس الوزراء أو وزارة الداخلية غير ان هذا القانون قد عاد وأشار الى ان سبب التملك ان كان مستنداً الى الارث فلا يتطلب الامر استحصال مصادقة الوزارة المختصة بشرط ان تكون حكومة الأجنبي موافقة على طريقة المقابلة بالمثل . وظل العمل كما هم مشار الية في هذا القانون حتى صدور القانون المدني العراقي والذي نظم هذه الاحكام في الفصل الخاص بتنازع القوانين حيث اشار الى ان قضايا الميراث يسري عليها قانون الموروث وقت موته وان اختلاف الجنسية غير مانع من الارث في الاموال المنقولة والعقارات غير ان العراقي لا يرثه من الاجانب الا من كان قانون دولته يورث العراقي منه أي اخذ بمبدأ المقابلة بالمثل ورغم صدور قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959النافذ والذي نظم الميراث في الباب التاسع منه (م 86-91) الا انه لم يتصرف الى المسألة الميراث مع اختلاف الجنسية تاركا الامر لاحكام القانون المدني النافذ . وصدر قانون التسجيل العقاري والذي أشار الى جواز تسجيل حق الارث الوارد على عقار في العراق عند اختلاف جنسية الموروث والورثة ويكون التسجيل بأسم الوارث الأجنبي من موروث عراقي استناداً لمبدأ المقابلة بالمثل علماً ان تسجيل هذا الإرث يجب ان يستند الى قسام شرعي او حكم قضائي حائز درجة البتات صادر من المحكمة المختصة يعين الورثة ويحدد أنصبتهم في الميراث ولكن قد يتبادر الى الذهن سؤال مفاده ماهي حدود تملك الاجنبي للعقار بالارث وفق التشريع العراقي؟ ان قانون التسجيل العقاري قد اخضع تسجيل الارث باسم الاجنبي الى القيود القانونية المفروضة على تملك الاجنبي العقار في العراق لكنه ميز بين العربي والأجنبي غير العربي حيث حدد مفهوم الاجنبي في م (154/1) منه بالقول( ويقصد بالاجنبي لاغراض هذا القانون كل شخص لايحمل الجنسية العراقية ولم يكن من رعايا الدول أو الامارات العربية ) واشارت ف (2) من هذه المادة الى انه ( يسجل العقار الكائن ضمن حدود البلدية باسم الاجنبي وفقا للشروط الاتية : .أ /. توفير مبدأ المقابلة بالمثل . ب./ ان يبعد العقار عن خط الحدود وبما لايقل عن 30كم . ج./ عدم وجود مانع اداري او عسكري بتأيد كل من المحافظ والسلطة العسكرية المختصة . د./ موافقة وزير الداخلية ). وقصٌر تسجيل الملكية العقارية للاجنبي فقط على حق الملكية والحقوق العينية الأصلية الاخرى عدا حق التصرف في الاراضي الاميرية بما لا يتجاوز ملكية دار واحدة للسكن ومحلا للعمل واعتبر الحصة الشائعة ملكية تامة لهذا الغرض . علماً ان تعليمات التسجيل العقار رقم (3) سنة 1987 قد اشارت الى انه يراعي بخصوص معاملات نقل الملكية باسم الاجنبي فيما يتعلق بتملكه لوحدة عقارية في العراق احكام قانون تملك الاجنبي للعقار رقم (38) لسنة 1961 المعدل بشرط توافر مبدأ المقابلة بالمثل مع الاقامة في العراق مدة سبع سنوات وعند عدم توفر شرط الإقامة يقتضي لصيغة هذه الملكية بيعا استنادا لاحكام المواد (11-12-13) من هذا القانون وعند تلقي الاجنبي الذي لاتتوفر فيه الشروط القانونية للتملك حق الملكية في وحدة عقارية عن طريق الارث فلا يجوز تسجيل معاملة الارث ألا اذا أعقبتها معاملة نقل ملكية العقار الذي آلت إلية بالميراث الى عراقي ويودع ثمن المبيع في أحدى المصارف التي يحددها البنك المركزي بأسمه في حساب غير المقيم . وهذا الكلام ينطبق في حالة كون الوارث غير عراقي او عربي أما اذا كان كذلك وان كانت لدية جنسية أخرى أو عدة جنسيات فلا يخضع للقيد ويحق له التملك ما يشاء بالارث مع توافر الشروط القانونية الأخرى . أما رعايا الدول والأمارات العربية الأخرى فانه يخضع لتسجيل الحقوق العقارية الأصلية الى موافقة الجهات التي يعينها القانون مع مراعاة القيود والاجراءت المقررة قانونا ). ومع ان القانون لم يقيد حد ملكية العربي إلا أن تعليمات التسجيل العقاري رقم (3)لسنة 1987 قد حددت ضوابط للتملك ميزت فيها بين المواطن العربي غير المقيم في العراق حيث أوجبت فيما يخص تمليكه العقار في العراق والاحكام الواردة في القانون رقم (5) لسنة 1955 إضافة الى وجواب تتوفر مبدأ المعاملة بالمثل واستحصال موافقة وزارة الداخلية ومصادقة وزارة العدل , أما المواطن العربي المقيم في العراق أقامة دائمة (5سنوات) فيراعي في تملكة العقار في العراق احكام القانون رقم (72)لسنة 1978 الذي لا يشترط توفر مبدأ المقابلة بالمثل ووجوب استحصال موافقة وزارة الداخلية ومصادقة وزارة العدل عليها . كما ان قانون تملك الكويتيين أموالاً غير منقولة رقم 9 لسنة 1952 قد استثنى الكويتيين من القيود القانونية المفروضة على تملك الاجانب للاموال غير المنقولة بما في ذلك البساتين في العراق عدا الاراضي الزراعية الا ان قانون التسجيل العقاري النافذ قد اخضع تسجيل الاراضي الزراعية المملوكة باسم الكويتي الى موافقة الجهات الرسمية التي يعينها القانون وهي مجلس الوزراء مع ملاحظة ان رعايا دولة الكويت يعاملون معاملة العراقي دون حاجة لاخذ موافقات بشأن تسجيل الملكية العقارية وعدا الزراعية . المحور الثاني الأتجاه بخصوص حق التصرف في الأراضي الزراعية الأميرية تعرف الاراضي الاميرية بانها التي تعود رقبتها الى الدولة أما حق التصرف فيها او الانتفاع منها فأما ان يبقى بيد الحكومة وتسمى في هذه الحالة (أميرية صرفة ) أو تفوضه الحكومة الى الاشخاص أو تمنحه بالزمة حسب احكام القوانين وتسمى الاراضي الأميرية المفوضة او اميرية ممنوحة بالزمة . وقد عرف قانون التسجيل العقاري العراقي النافذ الاراضي الاميرية بانها ((...التي تقود رقبتها للدولة وتكون على ثلاثة انواع : أ . الأراضي الاميرية الصرفة هي التي تعود رقبتها وجميع حقوقها الى الدولة . ب . الاراضي الامرية المفوضة في الطابوا هي التي تفوض حق التصرف فيها الى اشخاص وفق احكام القوانين . وتعتبر الاراضي الموقوفة وقفا غير صحيح التي يقتصر وقفها على الرسوم او الاعشار أوكليهما بحكم الاراضي الاميرية المفوضة بالطابو , جـ . الاراضي الاميرية الممنوحة باللزمة هي الاراضي التي منح حق التصرف فيها للاشخاص حسب احكام قانوني التسوية واللزمة )) . مع ملاحظة ان الأراضي الأميرية تخول صاحبها ملكية حق التصرف فيه دون الرقبة التي تكون ملكيتها للدولة . عموما فان الاراضي الاميرية باعتبارها اراضي زراعية لها خصوصية في مسألة انتقال ملكيتها بالارث مع اختلاف الجنسية . فلو رجعنا الى فترة العهد العثماني ولغاية صدور القانون المدني العراقي النافذ عام 1951 كانت الاراضي الاميرية خاضعة للمادة (110) من قانون الاراضي العثماني لسنة 1274 هـ الذي كان لا يجيز انتقال ملكية هذه الأراضي اذا كانت عائدة لمتوفي عثماني (عراقي ) الى ورثته الاجانب كما اشارت الى انه ليس للاجانب حق الطابو في الاراضي العثمانية (العراقية) حيث نص على انه (( لا تنتقل اراضي العثماني الى ورثته الاجانب وليس للاجانب حق الطابو في اراضي العثماني ..))) . مع ملاحظة انه اذا كانت هذه الاراضي عائدة الى اجنبي بسبب تملكها او اكتساب حق التصرف فيها بمقتضى قانون التملك التبعية الاجنبية المؤرخ في 7 صفر لسنة 1248هـ فانه يجوز ان تنتقل الى ورثة الاجانب وذلك طبقاً لمقررات شورى الدولة الصادرة بتاريخ 24 تموز سنة 1291 هـ و 13 ذي القعدة سنة 1314هـ و13 مارس سنة 1315هـ و 8 جمادي الاولى سنة 1326هـ و 25 مارس سنة 1324 . وبعد صدور القانون المدني العراقي عام 1951 الذي الغى قانون الاراضي ولكنة ايضا لم يجز انتقال هذه الاراضي مع اختلاف الجنسية حيث اشار الى انه ( لا يرث حق الانتقال مابين ... عراقي واجنبي )) وعزز ذلك القانون التسجيل العقاري النافذ أذ اشترط ان يكون اصحاب حق الانتقال من العراقيين فان كان قسماً منهم لا يحمل الجنسية العراقية فينحصر انتقال حق التصرف بالعراقيين منهم واذا كان جميع اصحاب حق الانتقال من غير العراقيين فتعتبر الارض الاميرية منحلة وتسجل باسم وزارة المالية . كما ان رعايا الدول والإمارات العربية هم ايضا مشمولون بالحضر رغم عدم اعتبارهم اجانب وفق احكام هذا القانون وعلية فان اختلاف الجنسية بين الموروث ووريثة مانع من انتقال حق التصرف بالأراضي الاميرية اليهم وعموما فان العبرة باختلاف الجنسية هو بتاريخ الوفاة وان شراح القانون المدني قد اجمعوا بان العبرة في اختلاف الجنسية أو أتحادها هو وقت نشوء سبب الانتقال سواء بالوفاة او بالغيبة المتقطعة .
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية