دور الأسواق المالية في التنمية

للأسواق المالية أهمية كبيرة على المستوى المالي والاقتصادي والاجتماعي، على المستوى الجغرافي المحلي والدولي، حيث تسهم في توفير الأموال اللازمة للتنمية المالية والاقتصادية والاجتماعية، إذ لا يمكن تحقيق التنمية في أي من هذه المجالات دون توفر الوسائل اللازمة، والتي تكون الأموال من أبرزها، ففي حال غياب هذه الأخيرة، تكون التنمية المالية والاقتصادية والاجتماعية صعبة المنال.

التعريف

       للأسواق المالية تعاريف عديدة ويمكن الاقتصار على تعريف واحد، حيث تعنى بحلقة الوصل ما بين قناتين قناة الفائض المالي وقناة العجز المالي، فالبعض من الناس لديهم أفكار ومشاريع يرمون تحقيقها وتطبيقها على ارض الواقع، لتحقيق أهدافهم المالية والاقتصادية والاجتماعية، إلا ان ما يقف حائلاً دون تحقيق تلك الأفكار والمشاريع، وتطبيقها على ارض الواقع، هو غياب الأموال اللازمة لتنفيذها. 

        والبعض الأخر من الناس لديهم فائض في الأموال وليس لديهم ما يشجعهم على استثمار تلك الأموال سواء لغياب فكرة الاستثمار من مخططاتهم أو لعدم وجود المناخ المشجع على استثمارها بالشكل الذي يضمن لهم عودة أموالهم مع الأرباح الناجمة عن عملية الاستثمار أو لغيرها من الأسباب، المهم لديهم فائض في الأموال، يتم تجميدها واكتنازها في منازلهم أو في المصارف، وهي عاطلة عن العمل لا توفر لهم مردوداً اقتصادياً، بالإضافة إلى حرمان الاقتصاد الوطني منها، في حال لم تم توظيفها في الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

الوظيفة والآثار

       وما بين الفريقين الأول (قناة العجز) والثاني(قناة الفائض)، تحضر الأسواق المالية لإنقاذ تلك المشاريع وتحويلها من الإطار النظري إلى النشاط الحقيقي، وهذا التحويل يعد الوظيفة الرئيسة للأسواق المالية، فمن ناحية تعمل على تذليل عقبة التمويل التي تقف حائلاً دون أنجاز تلك المشاريع، من خلال تحويل الأموال الفائضة واللازمة لتمويل تلك المشاريع، من قناة الفائض إلى قناة العجز. ومن ناحية أخرى ان أصحاب الأموال الفائضة يفضلون توظيف أموالهم في هذه الأسواق، بشرط ان تكون كفوءة، لأنها تعود عليهم بالإرباح والفوائد وهي أفضل من تجميدها في المنازل او المصارف، وهذا التحويل له آثار اقتصادية ومالية واجتماعية، يمكن توضيحها بإيجاز كما يأتي:

- الاثار الاقتصادية

       ان توظيف الأموال وتحويلها من قنوات الفائض إلى قنوات العجز، تعد الوظيفة الرئيسة للأسواق المالية، وهذا الوظيفة لها الدور الحاسم في معالجة الكثير من المشاكل الاقتصادية، حيث تؤدي إلى تقليص التضخم وزيادة النمو الاقتصادي وتحسين التجارة الخارجية والداخلية ومعالجة البطالة، إذ ان انتقال الأموال من قنوات الفائض إلى قنوات العجز، يعني زيادة الإنتاج من السلع والخدمات مع افتراض بقاء العوامل الأخرى، وخصوصاً كمية النقود، ستفضي بالنتيجة إلى انخفاض التضخم. 

    كما ان زيادة الإنتاج وانخفاض الأسعار يزيد من الطلب المحلي والخارجي فيزداد حجم الصادرات فتتحسن أوضاع التجارة الخارجية للبلد، وكذلك يتحسن حجم الاحتياطي الأجنبي الوطني. كذلك ان زيادة الإنتاج تؤدي إلى ارتفاع النمو الاقتصادي وهذه يعني هناك مزيد من الطلب على عوامل الإنتاج واهما الأيدي العاملة، فزيادة الإنتاج تفيد في تخفيض حجم البطالة التي يعاني منها الاقتصاد.

- الآثار المالية

      وكما لها آثار اقتصادية لها آثار مالية أيضا وذلك من خلال قيام الدولة بالدخول الى الأسواق المالية بطريح السندات بقدر الأموال التي تحتاجها لتغطية النفقات العامة بشقيها الاستثمارية والجارية وخاصةً هذه الأخيرة، حيث لا يمكن ضمان سير أعمال القطاع العام بشكل انسيابي من دون وجود نفقات جارية متمثلة في رواتب موظفي الدولة سواء بالقطاع الإنتاجي او القطاع الخدمي. 

       وكذا الحال بالنسبة للقطاع الخاص حين يعاني من عجز في الأموال وهو بحاجة لها لتغطية عجزه، يستطيع الولوج إلى الأسواق المالية لتغطية عجزه عن طريق طرح الأسهم أو السندات في هذه الأسواق بالقدر الذي يكفي سد حاجته، مقابل الإيفاء بسداد قيمة هذه الأسهم أو السندات مع فوائدها. ولذا فالدولة والقطاع الخاص يلجأن الى الأسواق المالية عندما 

يعانيان من الإعسار المالي والذي يتمثل في صعوبة توفير الأموال اللازمة لتغطية المستحقات.

- الآثار الاجتماعية

       كذلك لها تأثير على المسائل الاجتماعية وخصوصاً التعليم والصحة والمسائل الخيرية وغيرها، حيث يمكن ان تساهم الأسواق المالية في تمول هذه الجوانب بالأموال عندما تعاني من نقص في الأموال، فعلى سبيل المثال ان إنشاء شركة ما لإنتاج الأدوية التي تسهم في معالجة الأمراض التي يعاني منها المجتمع، تستطيع طرح أسهمها او السندات للحصول على الأموال الكافية لإنشائها وبعدئذ تستطيع سداد قيمة السندات والفوائد عند استحقاقها. اما الأسهم فان لمالكها حق البقاء على امتلاكه للأسهم، فيكون احد المشاركين في إنشاء الشركة.

العولمة والأسواق المالية

       وفي ظل العولمة التي أسهمت في إلغاء الحدود وتقارب الدول واندماج الاقتصادات بواسطة الثورة المعلوماتية والاتصالات، ازدادت أهمية الأسواق المالية على المستوى الدولي، إذ بفعل العولمة والثورة المعلوماتية والاتصالات، أصبحت رؤوس الأموال تنتقل بسرعة فائقة من ابعد دولة في العالم وخلال مدة قصير يعبر عنها الاقتصادي المصري في كتابة "دور الدولة في الاقتصاد" على إنها " تنتقل في البورصات في لمح البصر من يد إلى يد ومن دولة إلى أخرى دون أن تلاحظها عين، وبالتالي فقد ساعدت على تخطي الحدود السياسية والعقبات الجغرافية"

       وما نتج عن العولمة هو الاستثمار الأجنبي بفرعيه المباشر المتمثل في انتقال المشروع بآلاته ومعداته ومكائنه وإدارته، ويكون جزئي وغير جزئي، وحسب الاتفاق مع الجهات المعنية، وغير المباشر المتمثل في ان المستثمر الأجنبي له الحق في الاستثمار داخل الاقتصاد المحلي عبر الأسواق المالية المحلية، وذلك من خلال شراء أسهم الشركات المطروحة في هذه الأسواق او شراء السندات، وهو بهذا يدفع التنمية الاقتصادية نحو الأمام، إذ ان إقدام المستثمر الأجنبي نحو الأسواق المالية المحلية سيشجع المستثمر المحلي على الدخول للاسوق المالية وبهذا الحال تزداد كفاءة استخدام رؤوس الأموال، كنتيجة لزيادة إعداد المستثمرين، وهذا ما ينعكس على كلف تمويل مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.

الأسواق المالية لا تخلو من سلبيات

      وبالتأكيد ان الأسواق المالية لا تخلو من سلبيات، حيث تعد في ظل العولمة والثورة المعلوماتية والاتصالات، الطريق الرئيس المؤدي إلى انتقال العدوى والأزمات الاقتصادية العالمية إلى الاقتصاد المحلي، فربما لم تنتقل في حال قطع هذا الطريق. وبما انها(الأسواق المالية) ذات أهمية كبيرة لا يمكن إهمالها وإغفال دورها على المستوى المحلي والعالمي وعلى مختلف الأنشطة، لذا يجب العمل على إدارتها وتوجيهها بالشكل الذي يضمن زيادة فائدة لاقتصاد المحلي من خلال تقوية جهاز التنبؤ للازمات العالمية حتى يتم اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي تضمن تجنب انتقال الأزمات إلى الاقتصاد المحلي عبر الأسواق المالية.

        وعلى أساس ما تقدم، ينبغي ان تعمل البلدان النامية والعراق من بينها على تهيئة المناخ الملائم الذي يسهم في تطوير وتفعيل الأسواق المالية بحيث تكون كفوءة وقادرة على توفير رؤوس الأموال المحلية والإقليمية والدولية، وتوطينها وتطويعها بما يخدم عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية.

التعليقات