ماذا بعد النفط؟

لا أقصد بكلمة بعد النفط هو نفاذه فحسب بل ربما لم ينفذ ولكن يفقد قيمته الاقتصادية وأهميته الإستراتيجية ذات الأبعاد الدولية كنتيجة للتطور التكنولوجي الذي يفضي إلى إيجاد البدائل التي تؤدي ما يؤديه النفط فتنخفض قيمته الاقتصادية وأهميته الإستراتيجية، تاركاً وراءه آثارا سواء كانت سلبية أم إيجابية لكل من يعتمد عليه منتجين ومصدرين ومستوردين ومستهلكين.

      النفط هو أحد الثروات الطبيعية الناضبة التي لها زمن معين لنفاذها ذاتياً(انقضاء النفط الموجود) أو موضوعياً( وجود النفط لكن ليس له أهمية) ، وكنتيجة لأهمية النفط بسبب دخوله في أغلب الصناعات المرتبطة بحياة الإنسان، ووجوده في أماكن معينة أي ليس متاح لدى جميع الدول، بالإضافة إلى إنه أقل تلويثاً للبيئة قياساً بالفحم واليورانيوم، لذا أصبح يحتل مكانة إستراتيجية مهمة على المستوى المحلي والعالمي.

عدم التوظيف الأمثل والنفط الصخري البديل لم يرتق لمستوى الطموح 

       وعلى الرغم من سيادة النفط في الوقت الحاضر إلا إن هناك الكثير من الدول، المنتجة والمصدرة له، التي تعتمد عليه بشكل كبير لا زالت غير قادرة على توظيف عوائده بالشكل السليم الذي يمكن من خلالها تأمين مستقبلها والحفاظ على الاستقرار وعدم تعرضها للفوضى. وفي الوقت نفسه إن الدول المستوردة والمستهلكة له وإن توصلت إلى إيجاد بدائل له كالنفط الصخري على سبيل المثال، إلا إنها أيضاً لا زالت غير قادرة بالاعتماد عليه فقط والانعتاق من قبضة النفط الخام، والدليل على هذا إنها لو استطاعت إيجاد البديل المناسب لما استمرت بالاعتماد على النفط الخام في الوقت الحاضر. وكذا الحال بالنسبة لبعض الدول المنتجة والمصدرة له لو استطاعت توظيف العائدات النفطية بالشكل السليم لعملت على تقليل الاعتماد عليه في أبرز مؤشراتها الاقتصادية على أقل تقدير.

       حيث تعاني اغلب الدول المعتمدة على النفط سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتأكيد أن الدول ذات الارتباط بالنفط بشكل غير مباشر تكون أقل حدةً من حيث الآثار المتروكة عليها من الدول ذات الارتباط المباشر، فمثلاً انخفاض أسعار النفط سيترك آثاراً أكثر حدة على السعودية من مصر، إذ إن السعودية ستعاني من عجز في ميزان المدفوعات والموازنة والضغط على الاحتياطي الأجنبي وزيادة البطالة، أما بالنسبة لمصر فإن انخفاض أسعار النفط سينعكس على انخفاض تحويلات العاملين ورجوعهم إلى مصر فقط، ولكن حتى هذا يمثل عبئاً على مصر. فما بالك لو غاب النفط عينياً أو أهميةً؟ فماذا ستفعل بعض الدول المنتجة والمصدرة والمعتمدة على النفط بشكل كبير جداً، في حال لم تدرك هذه الأهمية قبل فوات الآوان؟

بعض الدول المالكة أكثر ضرراً في المستقبل والحلول

      الدول المستهلكة والمستوردة والتي هي في الغالب الدول المتقدمة، ستعاني ولكن ليس كمعاناة الدول صاحبة النفط، لأنها(الدول المتقدمة) ستجد الطريق والحل بشكل أسرع بفعل التقدم والتطور التكنلوجي، بل وجدت رأس الخيط في الوقت الحاضر ليمدها في المستقبل وهو النفط الصخري حتى وإن لم يكن المُسعف في الوقت الحاضر، وتصبح هي المتحكم في مصير الدول النفطية الحالية التي ستصبح صفر اليدين مستقبلاً. وبهذا تكون بعض الدول النفطية التي لم تتدارك الأمور في الوقت الحاضر وإطلاق النظر إلى البعيد، ستتسبب في سيادة الفوضى والفقر والظلم للأجيال الحالية والمستقبلية. 

       ولذا ينبغي على بعض الدول النفطية التي لم تعمل على ضمان مستقبل مجتمعها من خلال توظيف العائدات النفطية بالمجالات الإنتاجية ذات الميزة المتجددة، كما فعلت النرويج على سبيل المثال، حين قامت بإنشاء الصندوق السيادي الذي يحتل مراتب متقدمة على مستوى الصناديق السيادية في العالم، وعمل على حماية الاقتصاد الوطني من ظاهرة المرض الهولندي في الوقت الحاضر، وساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الأجيال، هذا ما أضفى المتانة للاقتصاد النرويجي حتى لو نفذ النفط أو انخفضت قيمته، ينبغي على تلك الدول العمل على نقطتين: 

الأولى : فسح المجال أمام القطاع لخاص ومشاركة الدولة له في المجالات التي يكون مترددا في خوض الاستثمار فيها، حتى يكون قادر على قيادة الاقتصاد الوطني ولكن مع متابعة وإشراف الدولة، إذ إن فسح المجال للقطاع الخاص وبشكل مطلق سيؤدي بنا إلى الأزمات التي ظهرت في ثلاثينات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، وإن بقاء الاقتصاد والنفط بيد الدولة يعد مشكلة مركبة أيضاً، ولذا لا بد من فسح المجال أمام القطاع الخاص وعدم بقاءه بيد الدولة مع احتفاظها بالإشراف لأداء القطاع الخاص.

الثانية: العمل على خلق مناخ استثماري جاذب للاستثمارات المحلية والأجنبية بشكل يخدم الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، إذ إن بناء مناخ استثماري يشجع على الاستثمار سيكون كفيل بتحقيق التنويع الاقتصادي الذي يضفي المتانة للاقتصاد حتى ولو نضب النفط أو أصبح بمثابة الناضب، لان التنويع الاقتصادي يعني تفعيل القطاعات الاقتصادية المتجددة كالزراعة بشقيها الحيواني والنباتي، والصناعة بفرعيها الاستخراجي  وخصوصاً التحويلي، والسياحة التي يُعبر عنها بالنفط الدائم، فضلاً عن القطاعات الاخرى كالتجارة والخدمات والنقل وغيرها.

      أما غياب التنويع الاقتصادي واستمرار الاعتماد على الاقتصاد الأحادي المورد كالنفط مثلاً سيعرض الاقتصاد إلى استمرار الأزمات والاختلالات التي يعيشها الاقتصاد المحلي. 

التعليقات