على الرغم من تعاف الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا، نسبيا، الا ان تباين مسارات التعافي بين بلدان العالم وارتفاع عدم اليقين تبقي افاق النمو والاستقرار متأرجحة بين التطورات الايجابية لإنتاج وتوزيع وتطعيم اللقاح عالميا، وموجات العدوى المتجددة وتحورات الفيروس الجديدة التي تثير القلق بشأن الاقتصاد العالمي بين الحين والاخر. ووسط هذه الأجواء الاستثنائية من عدم اليقين، يقدم صندوق النقد الدولي تقريره الدوري الخاص بآفاق الاقتصاد العالمي والسياسات المطلوبة لتعزيز التعافي والاستقرار الاقتصادي في المرحلة القادمة. ويقدر الصندوق نمو الاقتصاد العالمي بقرابة (6%) عام 2021 وقرابة (4.2%) عام 2022. وتزيد المعدلات المقدرة عن تنبؤات سابقة، مما يعكس توقعات ايجابية بازدياد قوة النشاط الاقتصادي في وقت لاحق من العام الجاري مدفوعا بتطورات اللقاحات ونتيجة الدعم الإضافي من السياسات الاقتصادية، وبشكل خاص الدعم المالي الإضافي في عدد من الاقتصادات الكبرى.
ولا تعتمد الآفاق المرتقبة على نتيجة الصراع بين انتشار الفيروس والتطعيم باللقاحات فحسب وإنما ترتهن أيضا بمدى قدرة السياسات الاقتصادية المعتمدة، في ظل درجة عالية من عدم اليقين، على الحد من التداعيات المترتبة على هذه الأزمة الصحية. وترتبط توقعات صندوق النقد الدولي بدرجة كبيرة بمسار الجائحة، ومدى فعالية دعم السياسات في توفير جسر نحو استعادة الأوضاع الطبيعية اعتمادا على توافر اللقاح، وتطور الأوضاع المالية والنقدية في مختلف بلدان العالم.
الآفاق والسياسات العالمية
ركز الفصل الاول من تقرير افاق الاقتصاد العالمي على السياسات العالمية، فقد تناول اثر السياسات الحكومية في الحد من انزلاق الاقتصاد العالمي الى كساد اقتصادي عظيم نتيجة تداعيات الاغلاق الكبير العام الماضي. فعلى الرغم من الانكماش الاقتصادي الحاد عام 2020 ، فإن الدعم الاستثنائي الذي قدمته السياسات الحكومية حال دون حدوث نتائج اقتصادية أسوأ. وبعد مرور عام من بداية جائحة كوفيد-19، أصبح هناك مخرج يزداد وضوحا من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية، ولكن الآفاق لا تزال محاطة بقدر كبير من عدم اليقين. وستعتمد قوة التعافي بدرجة كبيرة على سرعة انتشار لقاحات فعالة على مستوى العالم. ولا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لدحر الجائحة وتجنب استمرار زيادة عدم المساواة داخل البلدان وتباعد مستويات نصيب الفرد من الدخل عبر الاقتصادات.
احتمالات الضرر الاقتصادي على المدى المتوسط
يناقش الفصل الثاني من التقرير تداعيات جائحة كوفيد-19 وقنوات انتقالها الى الاقتصاد. اذا يتوقع الصندوق أن تكون خسائر المدى المتوسط أقل من الخسائر التي أعقبت الأزمة المالية العالمية. وتختلف البلدان في درجة وامد التأثر بهذه التداعيات، تبعا لهيكل اقتصاداتها وحجم الاستجابة الصادرة عن سياساتها. ومن المتوقع أن تعاني اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية من تداعيات أكبر مقارنةً بالاقتصادات المتقدمة.
الركود والتعافي في أسواق العمل
خصص الفصل الثالث من التقرير لمناقشة الركود والتعافي في أسواق العمل والبحث في الأنماط والسياسات والاستجابات لصدمة كوفيد-19، اذ لا تزال تداعيات صدمة جائحة كورونا مستمرة على أسواق العمل، حيث ألحق تفشي الفيروس عالميا ضررا بالغا بالشباب والعمال ذوي المهارات المحدودة على وجه الخصوص. وهناك تسارع في اتجاهات التشغيل التي بدأت قبل الجائحة والتي تؤْثِر الابتعاد عن الوظائف الأكثر قابلية للتشغيل الآلي. ويكتسب الدعم الذي تقدمه السياسات للحفاظ على الوظائف فعالية كبيرة في الحد من التداعيات المترتبة على صدمة الجائحة الحادة وتخفيف الآثار المتباينة الناجمة عنها. ومع انحسار الجائحة واستقرار التعافي بصورة عادية، يمكن أن يساهم التحول إلى تدابير الدعم القائمة على إعادة توزيع العمالة في خفض البطالة بسرعة أكبر وتيسير التكيف مع الآثار الدائمة لصدمة كوفيد-19 على سوق العمل.
تداعيات السياسة النقدية أثناء التعاف
يناقش الفصل الرابع من التقرير تداعيات السياسة النقدية أثناء التعافي من جائحة كوفيد-19 فقد أدى قيام الاقتصادات المتقدمة بتيسير السياسة النقدية في بداية الجائحة إلى تخفيف الضغوط المالية على الأسواق الصاعدة. وفي الفترة المقبلة، ستنشأ تحديات من جراء السرعات المتعددة التي يتم بها التعافي من الأزمة. ويشير التحليل الوارد في هذا الفصل إلى أن تشديد السياسة النقدية الأمريكية الناتج عن قوة الاقتصاد النسبية يغلب عليها الطابع الحميد في تأثيره على معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة، إلا أن التشديد المفاجئ يحفز خروج تدفقات رأس المال من هذه الأسواق. وبالتالي، فسيكون من المهم للاقتصادات المتقدمة أن تفسر بوضوح كيف تنوي تنفيذ سياساتها النقدية أثناء التعافي. كذلك يشير التحليل الوارد في الفصل إلى أن اقتصادات الأسواق الصاعدة يمكن أن تحد من تعرضها للتداعيات المالية المعاكسة باعتماد أطر نقدية ومالية أكثر شفافية واعتمادا على القواعد.
خلاصة التقرير
بالنظر الى عدم اليقين الكبير الذي يكتنف الافاق المتوقعة، ينبغي لصناع السياسات اعطاء اولوية للسياسات الحذرة بغض النظر عن حالة العالم السائدة ومنها على سبيل المثال تعزيز الحماية الاجتماعية بتوسيع نطاق تأمينات البطالة حتى تشمل المشتغلين بالعمل الحر والعاملين في القطاع غير الرسمي وضمان كفاية الموارد لاحتياجات الرعاية الصحية وبرامج التعليم والتدريب المهني والاستثمار في البنية التحتية.
كما ينبغي على كافة البلدان الاستعداد لتعديل دعم السياسات بصورة مرنة، ومن ذلك، مثلا، التحول من تقديم الامدادات الحيوية الى اعادة تخصيص الموارد تبعا لتطور الجائحة، مع ربط ذلك بتحسن النشاط ومراعاة حماية الانفاق الاجتماعي وتجنب الابقاء على المصروفات التي تفتقر الى الكفاءة.
وتختلف العوامل التي تشكل الموقف الملائم للسياسات تبعا لاختلاف البلدان، ومن ثم ستحتاج البلدان الى تصميم استجابات سياساتها بما يتسق مع مرحلة الجائحة، وقوة التعافي، والخصائص الهيكلية للاقتصاد. وبمجرد ان تصبح عمليات التلقيح واسعة الانتشار وتتم اعادة الطاقة الفائضة في نظام الرعاية الصحية الى مستويات ما قبل الجائحة بوجه عام، يمكن البدء برفع القيود. وما دامت الجائحة مستمرة ينبغي ان تركز السياسات في المقام الاول على الافلات من الازمة واعطاء الاولوية للإنفاق على الرعاية الصحية وتقديم دعم موجه بدقة من المالية العامة، والحفاظ على سياسة نقدية تيسيرية، مع متابعة المخاطر على الاستقرار المالي.
ويمثل التعاون الدولي الوثيق عاملا حيويا لتحقيق هذه الاهداف وضمان استمرار اقتصادات الاسواق الصاعدة والبلدان النامية منخفضة الدخل في تضييق الفجوة بين مستوياتها المعيشية والمستويات المعيشية للبلدان مرتفعة الدخل. وعلى الصعيد الصحي يعني هذا ضمان كفاية الانتاج العالمي من اللقاحات وتوزيعها عالمية بأسعار في متناول الجميع حتى تتمكن كافة البلدان من دحر هذه الجائحة وتداعياتها قريبا.