انتهى الحراك السياسي المتسارع في إقليم كردستان العراق إلى الإعلان مساء الأحد العاشر من تموز/يوليو الجاري عن تشكيل تحالف جديد سمي بـ "تحالف الأمل" بين كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني وكتلة التغيير. وبموجب بنود التحالف، ستعمل الكتلتان ككتلة واحدة في برلمان الإقليم والبرلمان الاتحادي ومجالس المحافظات، وستخوضان الانتخابات القادمة على هذا الأساس. وتهدف هذه الخطوة - كما جاء على لسان طرفيها - إلى العمل على إصلاح الواقع المتردي للمواطن الكردي في الإقليم، وترسيخ نظامه البرلماني بتفعيل دور البرلمان في القضايا المصيرية، كقضية استقلال الإقليم التي لن تعرض على الاستفتاء مالم يصوت عليه النواب الكرد في حكومتهم المحلية، فضلا على جعل رئيس حكومة الإقليم الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية في الإقليم، والتأكيد على تطبيع وتوثيق التعاون بين الإقليم والمركز.
وعلى الرغم من تأكيد طرفي التحالف الجديد على أنه غير موجه ضد أي طرف سياسي آخر، في إشارة إلى خصمهم العنيد الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه المثير للجدل مسعود البارزاني، إلا أن واقع الحال يشير إلى أنه - أي التحالف الجديد - ببنوده المعلنة سيعمل على نسف أحلام البارزاني وداعميه في قضيتين مهمتين، الأولى: قضية انفصال الإقليم عن العراق التي أدرك أعضاء التحالف الجديد أنها خطوة غير حكيمة وتضر بالمصالح العليا للكرد وتجرّ عليهم صراعات داخلية ودولية وخيمة العواقب، لذلك أرادوا أن تكون أي مبادرة في هذا الطريق ناتجة عن إرادة شعب بكامله لا إرادة فرد وجهة سياسية بعينها؛ من أجل إتاحة الفرصة أمام ممثلي الشعب لاختيار ما هو صحيح وفي الوقت المناسب. والأخرى: قضية التفرد بالسلطة داخل الإقليم التي أنتجت أزمة دستورية لا زالت مستمرة تهدد شرعية الحكومة المحلية، وتنذر بإنجاب صراع سياسي قد يتحول بين ساعة وأخرى إلى صراع عسكري يقسّم كردستان العراق أرضا وشعبا فتذهب أدراج الرياح تضحيات الكرد في محاربة الظلم والاستبداد وبناء الديمقراطية طيلة تاريخهم المعاصر؛ بسبب أطماع وطموحات فرد أو جهة ما.
إن الرسالة التي يبعثها التحالف الجديد مفادها أن مصلحة الشعب الكردي فوق مصالح الأفراد والأحزاب، وأن ضمان هذه المصالح يتطلب الحكمة والرؤية الاستراتيجية المناسبة التي تأخذ بعين الاعتبار كل متغيرات البيئتين الداخلية والخارجية؛ من أجل اتخاذ قرارات صائبة ومحسوبة بدقة. أما بالنسبة إلى السيد البارزاني، فعليه الإدراك جيدا وهو يتأمل مرحلة ما بعد "داعش"، أن حساباته ربما تكون غير دقيقة، فبقاء الكرد تحت خيمة العراق الموحد قد يكون الضمان الوحيد لحماية حقوقهم ومنجزاتهم. نعم عراق لا يشبه عراق البعث وأمثاله، وإنما عراق ديمقراطي حر وقوي بشعبه ومؤسساته يسهم الكرد مع غيرهم في تحمل تكلفة بنائه لجعله حقيقة ماثلة للعيان وليس مجرد حلم تتصوره الأذهان. هذا من جانب. ومن جانب آخر، عليه أن يعلم أن البيئة المحلية والدولية تسير في اتجاه عدم تحمل السلطويين، ورغباته الواضحة في التفرد أو الاستئثار بالسلطة لا تخدم مصلحته ومصلحة شعبه، وإن الحفاظ على ميراثه النضالي ودوره السياسي الفاعل قد لا يكون فقط من خلال السلطة، بل ربما يجد نفسه أقوى وأفضل حالا عندما يلعب دور صانع الملوك في دولة عراقية ديمقراطية موحدة بدلا من أن يكون هو الملك.
ختاما، يمكن القول: إن العراق مقبل على استحقاقات كثيرة في الزمن القريب القادم، تتطلب من الجميع أن يكونوا مدركين لتحدياتها، ومستعدين لتحمل المسؤولية فيها. وأفضل وأقصر طريق إلى ذلك، هو بالتخلي عن أوهام السلطة والنجاح الفردي والحزبي والتركيز على بناء دولة تحمي الجميع، وتسعد الجميع، ويربح فيها الجميع.
اضافةتعليق