روسيا وحلم المياه الدافئة - معركة نفوذ على الشرق الاوسط، أم حرب مباشرة على الإرهاب؟

بعد ان اجتاحت الجماعات المتطرفة، والعصابات الارهابية مناطق شاسعة من الجغرافية السياسية للشرق الاوسط، ومقابل ذلك من فشل ذريع للتحالف الدولي، او تهاونه - ان صح التعبير- في عملية ردع هذه العصابات ، أعلنت روسيا دخولها المباشر وبشكل رسمي في الحرب على الارهاب ،متبنية في ضوء ذلك برنامجاً دقيقاً للمواجهة مع الارهاب في المنطقة ، شمل ضربات دقيقة استهدفت مواقع الارهابيين ودك معاقلهم ومهاجمة مناطق نفوذهم وقطع خطوط امداداتهم . الاسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل باتت روسيا تقدم حلولا ناجحة للمشاكل في المنطقة؟، وماهو السبب الرئيسي الذي دفعها لتبني هذا الدور ولماذا اختارت هذا التوقيت؟، وهل لمشروعها الجديد علاقة بصراعها مع الولايات المتحدة الامريكية؟ ، وماهو مستوى متابعتها للكتيبة الشيشانية الروسية الأصل والتي تعتبر الخلية الخاصة وبمثابة قوة النخبة بالنسبة لداعش في الوضع الراهن؟، وما هو أثر ذلك على الوضع الأمني والسياسي في العراق ؟. تعد الحرب الروسية على الارهاب ، والتي اتخذت شكل حملة جعلت من مدينة طرطوس السورية الساحلية مقرا لها ، محاولة ناجحة لكبح جماح الارهاب المعاصر الذي استشرى في المنطقة ، وتشير التقارير والدراسات الى ان انهيار داعش وجبهة النصرة في سوريا بات وشيكا ، كما وتؤكد الاخبار السرية التي يتناقلها القادة الارهابيون فيما بينهم كرسائل تقييمية للوضع الراهن في ظل الحملة الروسية ، ان عصابات داعش في سوريا والعراق في حالة استنفار يشوبه الهلع ، وتشير تقارير المخابرات الروسية الـ (K – J – I ) ان التخطيط جاري فيما بين العصابات الارهابية على خطة بديلة تتضمن آلية تفكيك عصاباتهم والعودة الى البلدان التي جاءوا منها ، والعمل من هناك على زعزعة ألأمن الدولي ، وبكل المقاييس تمثل الحرب الروسية على الارهاب عملية ناجحة وستساهم في تحطيم الهالة الفولاذية التي رسمتها الولايات المتحدة الامريكية التي تزعمت التحالف الدولي على داعش والنصرة ، وتباطأت في عملية الحسم العسكري على الرغم من الامكانيات الهائلة التي تمتلكها الدول المتحالفة. أسباب عديدة ساهمت في تقديم روسيا نفسها على خط مواجهة الارهاب، اهم هذه الاسباب: 1- الرغبة في اعادة المجد السوفيتي الذي كان يعتبر منطقة الشرق الاوسط منطقة نفوذ استراتيجية له وتحديدا العراق وسوريا. 2- احياء المشروع الروسي القديم المتمثل في حلم الوصول الى المياه الدافئة، علما ان منطقة حوض البحر المتوسط في القاموس الجيوسياسي الروسي لاتزال تحمل عنوان (المياه الدافئة). 3- تعززت الفكرتين أعلاه واحتلتا موقعا مهما في العقل السياسي الروسي، خصوصا بعد أن حدثت تغيرات استراتيجية كبيرة في ميزان القوى استهدفت الوجود والنفوذ الروسي في مناطق عديدة اهمها منطقة المحيط الهادئ. 4- الازمة الاوكرانية وتداعياتها فضلا عن الدرع الصاروخي الامريكي الذي بات يهدد ويعرقل النفوذ الروسي في اوروبا الشرقيـة. 5- الصراع على زعامة العالم سياسيا وعسكريا أو ما يسمى (تداعيات مشروع القيادة) من خلال القضاء على الارهاب الدولي المتمثل بداعش والنصرة، والذي أثبتت التقارير على انه يمثل مرتكزا للإرهاب الدولي اجمالا، واتخاذ موقف حاسم في عملية مواجهته والقضاء عليه يعني تعزيز ثقل استراتيجي في الساحة الدولية، ومجلس الأمن الدولي. 6- سعي روسيا لبناء تحالفات استراتيجية بعيدة المدى مع دول الشرق الاوسط وهذه النقطة تبرر دخولها بهدوء خالي من التطرف لقوة معينة أو جهة محددة. 7- المشاكل الامنية والاحداث السياسية في منطقة بحر الصين. بدا واضحا ان التوقيت مناسب للبدء بهذا المشروع في ظل اعتراض الكونغرس الامريكي على تبني الولايات المتحدة الامريكية لأي مشروع يستهدف حرب الارهاب بشكل مباشر ، ويساعد على اهمية هذا التوقيت تراخي القرارات الاممية ، وضعف الاتحاد الاوروبي في قضية مهاجمة الارهاب ودك معاقله بصورة دقيقة ، كما ويمثل اليأس الجماهيري في المنطقة من القرارات الاممية والسعي الى عقد أي تحالف استراتيجي يجب ان تترافق أحداثه بالعقل الجماهيري العام دون محاكاة نظام سياسي معين في المنطقة المضطربة والمتغيرة سياسيا ، فهي عندما تحارب الارهاب اليوم تستهدف قوة طالما كانت المجتمعات ضحيتها الاولى ، بمعنى أدق ان روسيا آخذة بنظر الاعتبار تطلعات شعوب منطقة الشرق الأوسط والانظمة معاً ، وهذه النقطة بالذات ستؤهل روسيا الى تبني دور فعال في المنطقة ، بل وستكتسب من خلال هذا التكتيك على مستوى السياسة الخارجية النفوذ المنشود. ويحتل صراعها السياسي الغير معلن عنه، مع الولايات المتحدة الامريكية موقعا مهما في هذه القضية، اذ ان سعيها الى تدعيم وجودها على أخطاء السياسة الخارجية الامريكية، لذا نجدها تتبنى مواقف وبرامج طموحة، وهذه البرامج تحمل بوادر حلول للازمات ، كما ان السياسة الخارجية الامريكية ، والسياسة الخارجية الروسية وانعكاسا للصراع الغير معلن ، تسعيان الى البحث عن حلفاء فاعلين معتدلين لتكريس نفوذ كل قوة منهما في المنطقة. فشلت الولايات المتحدة الامريكية في السباق الدبلوماسي والعسكري ، وبدأت تنهار كل القوى والدبلوماسيات الساندة لها في المنطقة والتي اتخذت منها أذرعا تعمل لتمرير المشروع الامريكي ، ابتداءاً بقوة الإخوان المسلمين السابقة في المنطقة ، والجيش السوري الحر الذي انخرطت اغلب عناصره بصفوف داعش والنصرة فيما بعد ، مرورا بالسعودية التي باتت تتخبط في سياستها الخارجية ، في حين تكرس روسيا وجود حلفاءها الحقيقيين ، بل وتمرر بهدوء مقبوليتهم في الرأي العام الدولي ، ليصبح التحالف الروسي الجديد يضم كل من سوريا ، ولبنان ، والاردن ، والساحل الشرقي من البحر المتوسط ، وربما العراق مستقبلا الى كابينة العمل السياسي الخارجي الروسي ، بهدف الحصول على مكتسبات تعزز النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط. يتعزز الموقف الروسي بقوة خصوصا في قضية تعامل الروس مع الازمة الشيشانية القديمة الجديدة، القضية المتجسدة بالكتيبة الشيشانية التي تضم حاليا قيادات ارهابية مطلوبة الى المخابرات الروسية الـ(k - J - I) وتعمل حاليا كقوة نخبة في صفوف داعش ، وكانت تمثل جزء مهم من مشروع مخابرات مضاد لروسيا ضمن برنامج (ادارة التوحش) الذي كان يهدف الى اقتطاع اقليم الشيشان من روسيا وتأسيس قاعدة مضادة هناك ، تعمل على مضايقة النظام الروسي. لتصبح ملاحقة روسيا للكتيبة الشيشانية التي تعتبر سوريا والعراق ملاذ آمن لها ، جزءاً من مشروع كبير يهدف الى تعزيز الأمن الوطني الروسي ، في وقت سمحت للمزيد منهم بصورة غير معلنة بمغادرة الأرض الروسية ، وتشير تقارير المخابرات الروسية الى ان الكتيبة الشيشانية خسرت الكثير من قوتها وتحولت الى قوة مدافعة بعدما كانت قوة اقتحام ساهمت مساهمة فاعلة في اقتحام مدينة دير الزور ، ومدينة حمص، ومدينة حلب السورية ، فضلا عن مدينة الموصل وتكريت العراقيتين ، كما وتؤكد التقارير المخابراتية ان الكتيبة الشيشانية باتت تدافع عن نفسها وتختبئ من مكان الى آخر في منطقة الجزيرة بين العراق وسوريا . ويبدو ان تداعيات الوضع اعلاه ستنعكس ايجابا على الواقع الامني والسياسي السوري والعراقي ، وذلك بفعل انكشاف واتضاح المواقف الاقليمية ، فضلا عن عملية الرصد الجوي الروسي لحركة الارهاب في هذه المنطقة ، وربما الضربات الجوية الروسية الدقيقة مع وجود قوة بسيطة على الارض ساهم في تقدم الجيش السوري ، ليبدأ بعملية بسط نفوذه من جديد في مناطق شاسعة كانت تحت سيطرة الجماعات الارهابية ، وفي العراق تؤكد تقارير استخبارية هروب اعداد كبيرة من الارهابيين واقتصار وجودهم في الموصل على الارهابيين المحليين الذين تم تجنيدهم حديثاً.
التعليقات