ابراهيم رئيسي على رأس السلطة في إيران: ما ينبغي على بغداد وواشنطن ادراكه؟

فاز إبراهيم رئيسي السبت 19 حزيران/ 2021 بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، حسب النتائج الرسمية النهائية. وسيتسلم مهماه في آب القادم. رئيسي رجل دين محافظ ومتشدّد، يرفع منذ أعوام شعار الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد. وكان يتولى رئاسة السلطة القضائية منذ 2019، وهو من المدافعين عن "النظام العام" ولو بالوسائل المتشددة. أمضى رئيسي قرابة ثلاثة عقود في هيكلية السلطة القضائية في إيران. وفيما يتوقع كتّاب كثر ُعدم حدوث أي تغيير في سياسة إيران الخارجية إقليميا ودوليا، يذهب آخرون الى أن انتخاب رئيسي سينتج " إيران جديدة، مختلفة كليا ". في الاسطر اللاحق نحاول ان نجيب على سؤال اساس هو: ما الذي ينبغي ادراكه من قبل بغداد وواشنطن في ظل حكم ابراهيم رئيسي؟

 بداية لابد من التذكير ان رئيس الجمهورية في إيران هو اعلى سلطة رسمية في البلاد بعد المرشد الاعلى وهو المسؤول عن تنفيذ الدستور، وهو رئيس السلطة التنفيذية الا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالمرشد الاعلى. وتسند له رئاسة الوزراء ويشرف على عمل الوزراء وهو من يقرر برنامج الحكومة وسياساتها بالتعاون مع الوزراء.

وجود ابراهيم رئيسي المحافظ المتشدد في اعلى سلطة رسمية في البلاد ستكون اثاره الواضحة في سياسة الخارجية وتعاملها مع دول المنطقة. كما ان التمهيد لصعود رئيسي الى قمة السلطة في إيران بعد استبعاد عدد من المرشحين وانسحاب آخرين من التيار الاصلاحي، وبهذه العملية الانتخابية التي تُثار حولها العديد من علامات الاستفهام، له اهداف واضحة واهمها المحافظة على النظام الحاكم بعد التصدعات التي ظهرت مؤخرا بعد تسريب تصريحات وزير الخارجية جواد ظريف التي تخالف توجه المرشد الاعلى وادواته واهمها الحرس الثوري، والحركات الاحتجاجية الرافضة للنظام الحاكم والتي شهدتها ولا زالت مدن إيرانية عديدة. ويبدوا ان اول وسيلة كانت عبر اقصاء التيار الاصلاحي والمعتدلين في الانتخابات الاخيرة. 

أحد اهم الدلالات لوصول رئيسي الى رأس السلطة في إيران، هو ان التيار المتشدد بات مسيطرا سيطرة مطلقة على القرار السياسي الإيراني، وبذلك سيتضاءل دور إيران الدولة لصالح تنامي وتعاظم دور إيران الثورة، وسوف لن نسمع في المرحلة القادمة أي صوت للاعتراض او التعليق على سلوك إيران السياسي الخارجي، كما كان حاصلا خلال مرحلة روحاني ولو بشيء محدود.

بذلك سيكون اول مهمة لرئيسي، بعد تجاوز ازمات إيران الداخلية او بموازاة ذلك، هو زيادة الضغط على الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في المنطقة عبر تعزيز النفوذ الإيراني في دول الازمات في المنطقة (العراق، سوريا، اليمن، لبنان)، لتعزيز موقفها في المفاوضات حول الاتفاق النووي الجارية حاليا. فضلا عن ان القيادة والسلطة في إيران لازالت تصر على تطبيق ما ورد في دستورها على ان الامن الاقليمي هو جزء من الامن القومي لإيران.

ما ورد اعلاه ينطبق على الحالة العراقية. فالعراق لازال اهم ساحات النفوذ الإيراني، وتهاوي نفوذ إيران فيه يعني بداية زوال النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا ما تعتقد كل الاطراف الإيرانية فيه وتتفق حوله رغم خلافاتها حول السياسات العامة في الداخل. ولهذا سيستمر دور الحرس الثوري بقوة في صناعة السلوك السياسي -الامني والاقتصادي في الشأن العراقي. وهذا يعني تضاءل دور المؤسسات الاخرى في إيران حول الشأن العراقي.

التحدي الابرز امام إيران في العراق هو تنامي الاصوات الشعبية المناهضة لسياساتها ونفوذها في العراق. واول خطوات معالجة ذلك ستكون تعزيز الدور الإيراني في الاشهر القادمة لرسم خارطة القوى السياسية قبيل الانتخابات المبكرة في تشرين الاول القادم وبعدها، لتكون خادمة لنفوذها في العراق. لهذا ستتصاعد الاصوات والمواقف الموالية لأجراء الانتخابات في موعدها تشرين الاول 2021 لمنح تلك الاصوات والمواقف شرعية أكبر لمرحلة ما بعد الانتخابات. ولهذا لن يختلف الامر في العراق. 

التحدي الاخر لإيران في العراق، هو انفتاح الحكومة العراقية على محيطها العربي باتجاهين: الاول العراق، الاردن، مصر. والثاني، العراق السعودية ثم الى دول الخليج العربي الاخرى. وهنا التحدي في جانبين: الاول، أمنى وهو ان الدول في الاتجاهين اعلاه هي حلفاء للولايات المتحدة الاميركية، والتزام الحكومة العراقية بتطوير علاقاتها السياسية والامنية مع الولايات المتحدة الاميركية، فضلا عن علاقة تلك الدول مع اسرائيل. والثاني، هو سعي الدول العربية والعراق في الاتجاهين الى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مما يوفر مورد اخر جديد للسلع والخدمات الموردة الى العراق. 

التحدي الآخر هو ضمان استمرارية التواصل البري عبر العراق الى سوريا ولبنان، والذي يمر في مناطق سيطرة حزب العمال الكردستاني في شمال غرب العراق، وقوات سوريا الديمقراطية(قسد) في اقصى شمال سوريا.

هذه التحديات، فضلا عن الدور التركي في شمال العراق والهادف الى انهاء حزب العمال الكردستاني، هي أبرز التحديات القائمة امام الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي. كما انها تضع الحكومة العراقية ومؤسساتها امام تحدي يتمثل في كيفية ادارة التوازن في العلاقات مع إيران من جهة، ومع الولايات المتحدة وحلفائها من جهة اخرى. ولابد من الاخذ بنظر الاهتمام ان كلاهما (واشنطن الديمقراطيين، وطهران المتشددين) تنظران الى العراق كملف للمساومة. والخروج من هذا الموقف بالنسبة للعراق يستدعي التحرك بحزم تجاه الطرفين (طهران، وواشنطن). ونرى ان اولى الخطوات هو تعزيز دور العراق في منظومته العربية والاقليمية السياسية والاقليمية، ولاسيما في موضوعة الامن الاقليمي وامن الشرق الاوسط. كما انه ومن خلال الانفتاح الاقليمي يمكن للحكومة العراقية ان توصل رسالتها الى واشنطن عبر حلفائها بان العراق امام مرحلة جديدة في علاقاته الاقليمية وهو بحاجة الى المساندة الاميركية والدولية، وان الاشارات والتفكير في واشنطن بان العراق "قضية خسارة" هي مغامرة اقل ما تقود اليه هو تراخي الدعم الدولي للعراق وتركه لقمة سهلة للجماعات الارهابية والمتطرفة.

التعليقات