رسائل من شرق سوريا: واشنطن لن تتراجع عن حماية مصالحها، ودورها الجيوبوليتيكي في الشرق الاوسط

وصف كاتب اميركي موقف الحزبين في واشنطن بالقول: "نحن الولايات المتحدة الأمريكية، ونقصف حيثما نريد"، هكذا وصف كاتب اميركي الضربات الجوية التي شُنت في شرق سوريا ضد مقرات قوات شيعية موالية لايران، وفقا لوصف البيت الابيض والبنتاغون، في مدينة البوكمال السورية يوم الخميس 25 شباط 2021. وبذلك تكون اول عملية عسكرية توافق عليها الادارة الاميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، "وكانت ضرورية لتقليل خطر مزيد من الهجمات، وكانت دفاعا عن النفس ومتناسبة مع الهجمات السابقة للمليشيات"، وفقا لبيان البيت الابيض بعد يوم من العملية. ويكون الرئيس الاميركي جو بايدن ثالث رئيس اميركي يوافق على ضربات جوية في سوريا.

وذكرت المتحدثة بأسم البيت الابيض جين ساكي أن " الضربات الجوية الاميركية في سوريا استهدفت ارسال رسالة مفادها ان ادارة الرئيس بايدن ستعمل على حماية الاميركيين". فيما اكد البنتاغون: "أن واشنطن لا تريد تدهور الوضع الأمني فى المنطقة ولكن لديها التزام بحماية شعبنا ومصالحنا وشركائنا".

الضربة الجوية، التي نفذتها طائرتي F15 وألقت خلالها سبع قنابل ودمرت 9 منشآت وأودت بحياة 30 عنصرا وفقا لبيان تحالف الفتح، لاقت تأييدا دوليا من جانب حلفاء واشنطن بريطانيا وفرنسا. وهذا يدلل على اهمية استمرار الدور الاميركي في الشرق الاسط بعد تأكيد الديمقراطيين خلال السنوات السابقة على اولوية مصالح واشنطن في جنوب اسيا ومواجهة صعود الصين. وبهذا تمثل الضربة تأكيد من ادارة الرئيس بايدن على إلتزام واشنطن بالدور الجيوبولتيكي الاميركي في الشرق الاوسط وهو العامل الرئيس في حفظ توازنات القوى في المنطقة، وتجديد الالتزام الاميركي بمواجهة الارهاب والتطرف في المنطقة والذي لازال يشكل تهديد لأوروبا. وهذه اهم العوامل التي تدفع دول مهمة في اوروبا الى مساندة الدور الاميركي في المنطقة. كما ان بث الحياة في الدور الاميركي في المنطقة هو تذكير لروسيا بهذا الدور.

هل من رسائل اخرى؟

ايرانيا، على الرغم من النوايا التي ابدتها واشنطن مؤخرا بأنها منفتحة على التواصل مع طهران بشأن ملفها النووي. الا ان وصف الجهات المُستهدفة على انها مليشيات شيعية موالية لايران من قبل البيت الابيض والبنتاغون، يدلل على ان واشنطن مدركة لطبيعة الدور الايراني في المنطقة والهدف منه. وفي ظل ذلك ارادت واشنطن ايضا ان ترد على طهران ان المطالبة برفع العقوبات من دون ابداء تنازلات حول البرنامج الصاروخي لن يجد آذان صاغية في واشنطن. وهنا اكدت ساكي " ان الولايات المتحدة لاتزال منفتحة على اجراء مناقشة دبلوماسية مع ايران، الا انها لن تتخذ خطوات لتخفيف العقوبات". 

من جانبها، وعلى الرغم من وصف واشنطن للجهات المستهدفة بانها مليشيات موالية لايران، لم يظهر عن الاخيرة اي تنديد او استنكار للحادث. وبهذا تريد طهران ان تؤكد انها لا تملك فصائل موالية لها في المنطقة لتجنب الاحراج مستقبلا مع واشنطن والاطراف الغربية في المفاوضات المستقبلية. وهنا لابد ان تدرك الفصائل العراقية ذلك، كما عليها ادراك ان ايران عادة ما تسارع الى شجب واستنكار اي استهداف لعناصرها في سوريا في وقت تبقى صامته تجاه اي استهداف لعناصر عراقية او افغانية او باكستانية او سورية موالية لها. 

عراقيا، تضمنت الرسالة الى العراق اتجاهين: 

الاتجاه الاول، الى الحكومة العراقية، اذ اكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن "الجيش الأمريكي اعتمد على معلومات استخبارية من الجانب العراقي مؤكدا ثقته من دقة الضربة". وعلى الرغم من رد وزارة الدفاع العراقية على التصريحات الأميركية معربة عن " استغرابها لما ورد في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي والمتعلقة بحصول تبادل للمعلومات الاستخباراتية مع العراق سبق استهداف بعض المواقع في الأراضي السورية"، الا ان هذا يؤشر ثلاثة أمور: الاول، هو ان واشنطن اختارت شرق سوريا بالقرب من الحدود مع العراق لتؤكد التزامها بأمن العراق وانها لا تريد زعزعة الامن في العراق، ولابقاء الباب مفتوحا لمزيد من التواصل الايجابي للطرفين وفقا لمقررات الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن. الثاني، تريد واشنطن ان تستمر بغداد في دعم جهود التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمواجهة خطر داعش ولتتولى بغداد توفير الحماية لأرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف. الثالث، تذكير الحكومة العراقية بوجود فصائل عراقية تقاتل خارج الاراضي العراقية في وقت تتبع اداريا وماليا للحكومة العراقية، واستمرار ذلك يعزز من اشكالية مفهوم التهديدات الارهابية لدى كل من واشنطن وبغداد. ومن دون حل هذه الاشكالية ستبقى واشنطن على مفاهيمها بخصوص الارهاب في العراق. مما يبقى الباب مفتوحا لمزيد من الاستهداف لتلك الفصائل داخل وخارج العراق.  

الاتجاه الثاني، الى الفصائل الموالية لايران في العراق والتي اتهمتها واشنطن باستهداف المصالح الاميركية مؤخراً مفادها، ان استهداف الفصائل الموالية لايران لا يستلزم وجود مزيد من القوات الاميركية لا في العراق ولا في سوريا، وان ضغطها باتجاه انسحاب القوات الاميركية ليس ذو جدوى لا لايران ولا لها. والدليل تم تخفيض القوات الاميركية في العراق الى النصف في العراق نهاية العام الماضي والانسحاب من العديد من القواعد العسكرية، الا ان ذلك لم يمنع واشنطن من استهداف من يشكل خطرا على مصالحها، وهذه رسالة تأكيد لرسالة واشنطن لإيران وأذرعها في عملية اغتيال قاسم سليماني في بغداد مطلع العام الماضي.

كذلك وفي ذات الإطار، استهداف فصائل موالية لايران عناصرها من العراقيين خارج الاراضي العراقية، اغلق الباب امام اي تحرك سياسي من قبل التيارات السياسية الشيعية للضغط مجددا على الحكومة العراقية بذريعة انتهاك السيادة وتوظيف ذلك سياسيا في مرحلة تشهد البلاد استعدادات لتنظيم انتخابات مبكرة في تشرين الاول القادم. 

التعليقات