ان الحرب الشاقة التي يواجهها رئيس الوزراء (حيدر العبادي) في الوقت الحالي هي الحرب على الفساد، وهي معركة فرض سيادة القانون في بلد ظل يتخبط منذ عقود ... ومثلما حارب الجنود تنظيم "داعش" من اجل استعادة الموصل؛ على العبادي أيضا ان يجد الحلفاء لإنقاذ بلده واحراز تقدم حقيقي في الحرب على الفساد
الكاتب: دوغلاس اوليفانت
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية نقلا عن صحيفة لوفير بلو
ترجمة: هبـــه عباس محمد علي
على الرغم من هزيمة داعش لكن هناك تهديد آخر للدولة العراقية الا وهو الفساد الذي عانى منه البلد منذ عقود ولاسيما منذ الإطاحة بنظام صدام حسين، وفي حال عدم تمكنها من القضاء عليه بشكل كامل على الحكومة العراقية تقليله بشكل ملحوظ في الأشهر القادمة لكي تثبت للشعب العراقي عزيمتها على الوفاء بمسؤولياتها بأمانة وإنقاذ الاقتصاد العراقي، لكن الفشل في التصدي لهذا التحدي سيعرض الانتصار الأخير على داعش للخطر، لذا فإن من مصلحة الولايات المتحدة دعم هذا الجهد مهما كان.
وأعلن العبادي في ٩من شهر أيلول عدم قدرة داعش على السيطرة على المزيد من الأراضي في العراق وان الجيش العراقي يسيطر على الحدود مع سوريا وتم انهاء دور التنظيم في البلد، وكانت هزيمة تنظيم داعش باعتباره قوة منظمة بمثابة انتصار شاق تمكن من خلاله الجيش العراقي من تحرير البلاد من سيطرة داعش
ان من حققوا هذا الانتصار كثر لكن يرجع الفضل الأكبر الى رئيس الوزراء العراقي والجنود الشجعان الذين ضحوا بأرواحهم، وهنا يجب الاعتراف بمعاناة الاسر العراقية بسبب هذه الحرب، وفي الوقت ذاته كان للتدريب الذي قدمته الولايات المتحدة دورا هاما في تحقيق هذا الانتصار.
كما تمكن العبادي من حل مسألة الفيدرالية في شمال العراق، اذ استغل الانقسامات العميقة بين الحزبين الكرديين الرئيسين وتمكن من استعادة الأراضي التي سيطرت عليها البيشمركة الكردية في اعقاب هجوم داعش، وعلى الرغم من تشكيل الاكراد الأغلبية في هذه المناطق لكنها أيضا تعد موطناً للعرب والتركمان والمسيحيين والاشوريين، ويبدو ان معظمهم يفضل العيش كجزء من العراق الفيدرالي الديمقراطي بدلا من السيطرة الكردية.
ومنذ حدوث الاستفتاء غير القانوني وغير المقبول دولياً ، قامت بغداد بإعادة التسوية الفيدرالية مع حكومة إقليم كردستان، اذ كان من غير الضروري سابقا الحصول على تأشيرة عراقية للدخول الى أربيل او السليمانية او من بغداد للعمل في المحافظات الشمالية الثلاث، ولم تحصل بغداد على اي ايرادات من الرسوم الجمركية المأخوذة من المعابر الحدودية التركية في فيش خابور وابراهيم الخليل، وشارف هذا الوضع على الانتهاء في الوقت الحالي، وان التغييرات التي حدثت على الرغم من الإحباط الذي سببته للأكراد لكنها تحظى بتأييد الشعب في بقية انحاء العراق وخاصة لدى السنة الذين أصبحت المصالحة السياسية التي يطالبون بها في حالة حرجة في اعقاب ازمة داعش.
ان الحرب الشاقة التي يواجهها رئيس الوزراء (حيدر العبادي) في الوقت الحالي هي الحرب على الفساد، وهي معركة فرض سيادة القانون في بلد ظل يتخبط منذ عقود ... ومثلما حارب الجنود تنظيم داعش من اجل استعادة الموصل؛ على العبادي أيضا ان يجد الحلفاء لإنقاذ بلده واحراز تقدم حقيقي في الحرب على الفساد.
هنا لابد من الإشارة الى الحقيقة المرة المتمثلة بالفساد المستشري في جميع قطاعات الدولة العراقية ومستوياتها، اذ يبدأ في بغداد واربيل وينتشر الى باقي المحافظات والحكومات المحلية، لكن هناك دلائل واضحة على جدية العبادي في حملته ضد الفساد، وعلى الرغم من مشاركة أعضاء حكومته في سلسلة من قضايا الفساد معظمهم من الشيعة، وبما ان الفساد يوفر نظام تمويل للحملات الانتخابية التي ستقوم بها الأحزاب السياسية في الانتخابات القادمة، إلا أن حملة العبادي تعد خطوة هامة في مكافحة ذلك.
وفيما يتعلق بالجمارك والتهريب، كان إنشاء حاجز الصفراء في ديالى من اجل جمع الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تدخل من كردستان العراق، وقد صادرت نقطة التفتيش أطنان من المواد الممنوعة، بما في ذلك الأغذية المنتهية الصلاحية والأدوية المقلدة، ويعد قرار زيادة الإيرادات الجمركية أحد المتطلبات الرئيسة التي فرضها صندوق النقد الدولي على العراق.
ومن جانبها أدت عدم كفاءة النظام البيروقراطي في العراق الى تغذية الفساد، فنلاحظ ان الحصول على تصريح او ترخيص او تسجيل يستغرق عدة أشهر ويشمل خطوات كثيرة والذهاب الى عدة مناطق، ولمعالجة هذا الامر شكل مكتب رئيس الوزراء لجنة تنفذ إجراءات مبسطة وحققت نتائج مرضية.
ستكون الخطوات الرئيسة صعبة، ولتحقيق الشفافية يجب تفعيل الحكومة الالكترونية التي يتم الإعلان من خلالها عن أي عقود تبرمها الحكومة، وان تسليط الضوء على هذه العملية سيقضي على أفظع الجرائم، وهناك، بالطبع، عدد كبير من الشركات الغربية المتخصصة في الحكومة الإلكترونية والشفافية يمكنها المساعدة في إدارة هذه الرقمنة. ولعل المهمة الأكثر صعوبة من الناحية السياسية هي الحد من السيطرة الكاملة للحكومة على الصناعة العراقية، وخاصة الشركات الاستخراجية التي تشكل أساس الاقتصاد العراقي، اذ تعود ملكية شركة نفط الجنوب او شركة نفط البصرة بشكل كامل الى الحكومة العراقية الامر الذي يقلل الشفافية في عملها، وان وضع جزء صغير من الشركة –أي ما يتراوح بين 5 و15 في المائة –في السوق المفتوحة سيضمن تحقيق الشفافية ويقلل إلى حد كبير من فرص الفساد والكسب غير المشروع. وسيكون دور الولايات المتحدة والمجتمع الدولي دقيقا خلال المعركة ضد الفساد، وعليها تقديم المساعدة التقنية بهدوء.
إن حملة رئيس الوزراء العبادي لمكافحة الفساد ضرورية لوضع العراق على طريق الاستقرار، ومع ذلك ينبغي ان لا نعيش بالأوهام؛ لان هذه معركة طويلة ولن تصل ابدا الى نتيجة نهائية، أما العبادي – أو خلفه – فسيتم حجبه ومواجهته من قبل أعدائه السياسيين وحلفائه على حد سواء، اذ ان الرهانات ليست على الأموال فحسب بل على السلطة السياسية التي لن يتخلى عنها احد بسهولة، لكن المتضرر الاكبر هو البلد الذي كان يوما ما من الدول الأكثر تقدما في الشرق الأوسط؛ وهناك حوار من قبل الغرب مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمساعدة العراق وانقاذه من هذا المستنقع.
اضافةتعليق