القرار الحكومي واعادة صياغة الواقع

شارك الموضوع :

من منطلق دراسة البدائل وتغليب الحل الوطني احببت ان اسلط الضوء على دور القرار الاداري السليم في تحسين الواقع الاقتصادي والاشارة إلى قرارين حكوميين يصبان في دعم الواقع الزراعي و الانتاجي العراقي

تعددت التعريفات الاصطلاحية لمفردة القرار ولكنها اشتركت بكون القرار هو عملية اختيار مدروس لأحدى البدائل المتاحة. 

من منطلق دراسة البدائل وتغليب الحل الوطني احببت ان اسلط الضوء على دور القرار الاداري السليم في تحسين الواقع الاقتصادي والاشارة إلى قرارين حكوميين يصبان في دعم الواقع الزراعي و الانتاجي العراقي. 

الاول هو ما اعلنته وزارة  الزراعة بمنع استيراد خمسة محاصيل زراعية ضمن خطتها الموضوعة في دعم الانتاج الزراعي المحلي. 

وكانت وكالات الانباء المحلية قد اعلنت على لسان وكيل وزير الزراعة مهدي ضمد القيسي، ان الوزارة قد منعت استيراد محاصيل شملت البطاطا و الرقي و البطيخ و الفلفل و الشجر، اعتبارا من الاول من ايار الجاري فيما واصلت سياستها في منع استيراد محاصيل الطماطة و الخيار و الباذنجان و الثوم و الاسماك المبردة، و كان السبب المعلن من قبل الوزارة المعنية هو توفر المنتج المحلي وبكميات قادرة على سد الحاجة المحلية لهذه المحاصيل، و حرصا على دعم وحمايه المنتج الوطني. 

و لا يحتاج الموضوع الى نظرة طويلة لمعرفة ان مثل هذه القرارات تصب في دعم الواقع الاقتصادي والاجتماعي، لما تتيح من فرص لدفع عجلة الانتاج الزراعي المتراجع،  وتشغيل الايدي العاملة، في الوقت الذي تشير فيه الاحصائيات ان الاراضي الزراعية تعادل 27% من إجمالي مساحة العراق، أي ما يعادل 48 مليون دونم، غير أن المستغل منها فعلياً لا يتجاوز 16 مليون دونم تقريباً، وبما يعادل 28% من الأراضي الصالحة للزراعة، فيما يخسر  كل عام 100000 (مائة الف) دونم من اراضيه الزراعية لأسباب واحد من اهمها هو هجرة الايدي العاملة. 

ان هذا التشغيل يأخذ دوره في زيادة الانتاج المحلي، و يخفض الضغط على معدلات خروج العملة الاجنبية من الدورة الاقتصادية، ويساهم في الحد من  معدلات البطالة التي قاربت 25% بحسب الاحصائيات الرسمية، و اكثر من ذلك وفق لإحصائيات غير رسمية، مع الاخذ بالاعتبار ان القطاع الزراعي يمكن ان يشكل رافد مهم لزيادة الناتج المحلي ، يعمل على تخفيف الضغط على الواردات النفطية الدولارية في ادارة نفقات الدولة، وبما يفسح المجال نحو توجه الكتلة النقدية المتأتية نحو الجوانب الاستثمارية، هذا من جهة... ويقلل من نسبة الشباب الطامحين للتعين ضمن اروقة الدوائر العامة بخلق فرص العمل  من جهة ثانية. 

ان الضغوطات الامنية المتمثلة بالحرب على داعش اسدلت ستارها الاخير، كعائق امام التنمية الاقتصادية، و الان اصبح لزاما على الحكومة تطوير القطاعات الزراعية و الصناعية، كمرتكز اساسي في اعلى سلم اولوياتها، تحت ظل  تقلبات اسعار البترول، وما يشكله من تهديد على مستقبل البلد فيما لو بقى النهج الريع الاحادي هو الطريق الوحيد لرفد السياسات المالية، وان الرؤية الاقتصادية السليمة ترفض رهن مستقبل الاجيال بالتقلبات السعرية للبترول كونه عامل خارجي غير مسيطر عليه وفق الارادة والحاجة الوطنية. 

لقد شهدت الساحة الاقتصادية العراقية خلال الفترة السابقة اكثر من مثال على دور القرارات الحكومية في دعم القطاعات الإنتاجية، و الزراعية المحلية، وهنا  اشير الى القرار الحكومي الثاني والمتمثل بقراري مجلس الوزراء ( 215 لسنه 2013)، و قرار ( 409 لسنه 2015)، والذي منع بموجبه استيراد الاسمنت بأنواعه الا في الحالات الاستثنائية جدا، بهدف حماية المنتج المحلي، و عدم اغراق السوق بنوعيات رديئة وغير مطابقه للمواصفات المعتمدة، و خصوصا الاسمنت الفل و لوجود معامل الاسمنت من القطاعين العام والخاص، بواقع 22 معمل و بطاقة انتاجية تتجاوز 21 مليون طن سنويا تزيد عن الحاجة الفعلية للسوق العراقية، مع الاخذ بالاعتبار الاسمنت العراقي من اجود انواع الاسمنت في العالم، وقد حصلت بعض معامل الاسمنت على شهاده الايزو الدولية للجودة. 

ان القرار الاقتصادي الصحيح قد ساهم بشكل مباشر في رفع مبيعات الاسمنت الوطني لعام  2016 بنسبة  154% وانخفاض سعر الطن الى اقل من 90 الف دينار، بعد ان تجاوز سعره 200 دولار امريكي، و تدرس شركه الاسمنت العراقية امكانية تصدير فائض انتاجها بعد ان كان العراق مستورد الى هذه المادة مع العلم ان الاسمنت كان يستورد بدون تعريفة جمركيه. 

ان الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الخدمي  للعراق يجعل الحكومة القادمة ملزمة باتخاذ مجموعة من القرارات الاصلاحية المتعاقبة، باتجاه دعم الانتاج المحلي ولجم المنافذ الحدودية و محاربة سياسة الاغراق، التي جعلت السوق العراقية مرتع لأسوء انواع البضائع بالإضافة الى اثره السلبي في رفع مستويات البطالة. 

ان المثالين السابقين بمنع استيراد مجموعة من الخضروات في الجانب الزراعي ومنع استيراد ماده الاسمنت في الجانب الصناعي مثال على القرار السليم و ما قد يترتب عليه من واقع ايجابي  يراعي الصالح العام و يخدم القواعد الصحيحة للتنمية الاقتصادية وان الظروف الحالية للبلد تلزم الحكومة القادمة برفد وتدعيم الواقع الاقتصادي والانتاجي والاجتماعي بالمزيد من امثال هذه القرارات لما تحققه من نتائج ايجابية تصب في اكثر من صالح للواقع العراقي

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية