دور الجمعية الوطنية في وضع الدستور

عَـقد منتدى الفرات الاستراتيجي جلسته الحوارية الثانية التي كانت بعنوان((دور الجمعية الوطنية في كتابة الدستور)) وذلك يوم الاثنين الموافق2/5/2005 وحضر جلسة المنتدى جمع من الأساتذة المختصين في القانون والعلوم السياسية وعلم الاجتماع وشيوخ عدد من الحوزات العلمية ومسؤولوا عدد من المؤسسات الثقافية، ولقد أفاض الحضور بمجموعة من الآراء.

في بداية الجلسة قدم الأستاذ عامر زغير ورقة عمل مما جاء فيها:
في ظل الديمقراطية لم يعد الدستور مجرد منحة يتفضل بها الحـاكم أو عقد طرفاه الحاكم والمحكوم، بل لا يعدو أن يكون تفويضاً من الشعب باعتباره صاحب السلطة الأصيل لجانـب من هـذه السلطة إلى فئة مختارة، وهو بهذه المثابة يمثل جانبي السلطة والحرية. لكن مضمون الدستور لم يقف عند هذا الحد،بل تعداه ليشمل وضع الآلية المناسبة لتوزيع تلك السلطة والضمانات التي تحمي الحرية، وهو بهذا الجانب أو ذاك يترجـم أفكارا وآيدولوجيات معينة تشـكل بمجموعها روح الدستور أو ما يسمى الفكرة الدستورية السائدة.

 


لذلك فأن الحديث عن الدستور يثير تساؤلات عدة أهمها ما يتعلق بالسلطة التـي سـوف تضطلع بمهمة وضعه.
* وهنا تسَاءل د.كريم مزعل شبي(عميد كلية القانون_جامعة كربلاء) حول مدى إلزاميةقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية للجمعية الوطنية ؟
* وعلق الأستاذ عامر زغير الكعبي أنه يُفهم من هذا التساؤل هو مدى إلزامية تلك النصوص التي تقيد عمل الجمعية الوطنية فيما يتعلق بوضع الدستور، لذلك فأننا نقول انه من حيث المبدأ فأن الجمعية تمثل السلطة التأسيسية لوضع الدستور وهذه الأخيرة بما إنها تضع الدستور وهو أعلى قاعدة قانونية تحكم البلاد فأنها لا سلطان عليها غير إرادة الشعب ومن ثم لا يجوز أن تقيد بأي قيد فهي صاحبة الكلمة العليا في نصوص الدستور وما يتضمنه من أفكار، لذلك فان هذا المبدأ ليس مطلقا إذ يجوز استثناءً أن تقييد السلطة التأسيسية ببعض القيود إذا كانت تمثل تعبيرا عن إرادة الشعب أو تمثل ضمانا لهم ولا خوف من هذا الاستثناء طالما إن إقرار الدستور يتوقف على موافقة الشعب ولقد أخذت فرنسا بهذا الاستثناء عند وضع دستورها في عام 1946 حيث قيدت الجمعية بقيود أهمها إقرار مبدأ الفصل بين السلطات وتنظيم العلاقة مع المستعمرات .

ما هي أهم القيود التي قد تعرقل عمل الجمعية الوطنية ؟
* يرى الأستاذ عدنان الشروفي(تدريسي في كلية القانون)، إن أهم القيود التي قد تعرقل عمل الجمعية الوطنية هي الفقرة (ج) من المادة الحادية والستون من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية التي تشترط لإمضاء الدستور أن لا يعترض عليه ثلثا ثلاث محافظات، بل إن هذه الفقرة قد تطيح بالجمعية الوطنية وتحلها إذا لم يتحقق شرط الثلاث محافظات وبذلك يدخل العراق في دوامة سياسية لانهاية لها. لذلك لابد من تعديل هذه الفقرة بالشكل الذي يخرج الجمعية من هذا المأزق.
* وقد رأى الأستاذ خالد عليوي العرداوي انه يجب أن لا ننظر بحساسية مفرطة لهذه الفقرة بل يجب أن ننظر لها نظرة ايجابية كونها تحقق ضمانا لكل أفراد الشعب العراقي ذو الأطياف المتنوعة وان المشكلة الحقيقية لا تكمن في نص المادة أو بالشعب وإنما المشكلة قد تفتعل بشكل مبالغ فيه من النخب السياسية المهيمنة على الساحة العراقية في هذا الوقت لذ يجب على هذه النخب أن تكون بمستوى استحقاقات المرحلة الحساسة التي يمر بها البلد.

 

{img_2}


* وقد بين الأستاذ إبراهيم الزبيدي إننا يمكننا إتباع احد طريقين لحل هذا الإشكال هما:
1.إتباع الطريق القانوني المحدد في قانون إدارة الدولة الذي يشترط لتعديل الدستور موافقة ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية وإجماع هيئة الرئاسة، إلا إن هذا الحل شبه مستحيل في ظل غياب الثقة بين النخب السياسية.
2.الطريق السياسي يرى إتباع هذا الحل إن هيئة الناخبين التي تتحصن ورائها الكتل البرلمانية تستطيع أن تضغط على نوابها لغرض إيجاد حلا أكثر ديمقراطية،وليكن مثلا أن الاستفتاء يكون ناجحا إذا وافق عليه ثلاثة أرباع الشعب العراقي.
* في حين يرى د.عبد علي سوادي(رئيس قسم القانون الخاص/ كلية القانون-جامعة كربلاء) أننا إذا فشلنا في تعديل الفقرة (ج) من المادة الحادية والستون فأننا نستطيع تجنب الاصطدام بها من خلال إفراغها من محتواها وذلك بوضع دستورا توافقيا يراعي جميع مكونات الشعب العراقي.

* ورأى الأستاذ عدنان الشروفي إننا نستطيع تجنب الفقرة المذكورة وذلك إذا جعلنا الاستفتاء يكون على نصوص الدستور كلاً على حدة وليس على نصوص الدستور إجمالا بنعم أو لا، وبذلك نستطيع أن نشخص نص المادة الذي لا يحظى برضى الأفراد ومن ثم نعدله بالكيفية التي تضمن الموافقة عليها وبذلك نكون قد تجنبنا فشل الاستفتاء وأبعدنا شبح الحل عن الجمعية الوطنية .

هل تنجح الجمعية الوطنية في كتابة الدستور ؟
يكاد يُجمع الأساتذة الحاضرون إن التحديات التي تواجه الجمعية ليست بالهينة لكنها تستطيع تذليلها إذا أخذت بالتوصيات الآتية :
1.إن الجمعية الوطنية مقيدة بقيد زمني يجب أن تضع الدستور خلاله لذلك يجب اختصار الوقت من خلال اجتماع رؤساء الكتل البرلمانية لغرض الاتفاق على الثوابت والأفكار التي سيبنى عليها الدستور.
2.تشكيل لجنة تضم أعضاء مختصين من داخل وخارج الجمعية الوطنية مهمتها صياغة الدستور.
3.الاستفادة من خبرة الأمم المتحدة والدول المتقدمة في هذا المجال.
4.تحلي أعضاء الجمعية الوطنية بروح المواطنة، وعلى النائب أن يتذكر دائما انه يمثل الشعب العراقي بأسره لا فئة أو طائفة معينة.

هل نحن بحاجة إلى استفتاء على الدستور ؟
*اتفق الأستاذ سليم فرحان والأستاذ حسن محمد كاظم على إن الطرق الديمقراطية لوضع الدستور اثنتان، هما طريقة الجمعية التأسيسية حيث يكون الدستور نافذا بمجرد انتهاء الجمعية من وضعه، وطريقة الاستفتاء التي يكون الدستور فيها نافذاً بعد موافقةالشعب عليه بغض النظر عمن وضعه، لكن يلاحظ إن قانون إدارة الدولة قد جمع بين الطريقتين بشكل لا داعي له سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار انخفاض الوعي السياسي لدى المقترع العراقي.

*في حين رد الأستاذ عامر زغير الكعبي انه صحيحٌ القول إن كلا من طريقة الجمعية التأسيسية وطريقة الاستفتاء يتناغمان مع الفكرة الديمقراطية، إلا أن لكل منهما عيوبا تجعل الأخذ بأحدهما دون الآخر يشكل خطرا على مسيرة الشعب بأكمله، إذ انه وفقاً لطريقة الجمعية التأسيسية يكون الدستور نافذاً بمجرد وضعه من قبل الجمعية، وهنا تكمن الخطورة، فما الذي يضمن إن الجمعية سوف تضع دستورا يتوافق وآراء الشعب؟
أما طريقة الاستفتاء فخطورتها تتركز عند الدول الحديثة العهد بالتجربة الديمقراطية حيث يكون الشعب بأغلبه منقاداً لجهات معينة، لذلك فان نتائج الاستفتاء في مثل هذه الدول قد لا تعكس مصلحة الشعب،لذلك إذا أردنا أن نتلافى هذه العيوب فالأفضل الجمع بين طريقتي الجمعية التأسيسية والاستفتاء، فلا إشكال في أن يعرض الدستور على الشعب مرتين: الأولى من خلال نوابه والثانية من خلاله مباشرةً، وهو عينه ما أفتت به حوزتنا الحكيمة.

التعليقات