عَـقد منتدى الفرات الإستراتيجي المنبثق عن مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية جلسته الحوارية الثالثة والموسومة بـ((نظام الحكم في العراق بين الفدرالية والدولة البسيطة))، وذلك في يوم الاثنين الموافق 16 /5 / 2005، وقد حضر الجلسة نخبة من الأكاديميين في جامعة كربلاء وجامعة أهل البيت العالمية، إضافة إلى عدد من أعضاء مجلس محافظة كربلاء الحالي ورجال الدين في المحافظة.
وقد بدأت الجلسة أعمالها بكلمة الأستاذ عمران الكركوشي رحب خلالها بالحضور وبين أهمية الموضوع الذي سيتركز حوله الحوار، ثم قدم عدد من الباحثين أوراق عمل تتناول الموضوعمن جوانبه المختلفة فكانت أول ورقة بحثية للأستاذ عامر زغير الكعبـي، والتي بدأها بالقول: إن اختيار شكل الدولة في بلد ما لابد أن يقوم على مبررات تدفع النخب السياسية إلى اختبار هذا النظام دون غيره، كما لابد من البحث عن مقدمات نجاح هذا النظام بالشكل الذي يحقق الاستقرار السياسي الذي يقود بدوره إلى توفير حياة أفضل لعموم المجتمع،ثم بين السيد الكعبي بعد ذلك المبررات إلى الأخذ بالنظام الفدرالي، فحددها بالاتي:
· عجز مجموعات بشرية ما عن إقامة الدولة الموحدة ، سواء لأسباب قومية أو أثنية أو رغبات استقلالية لدى النخب السياسية كل ذلك يتطلب إقامة دولة اتحادية (كونفدرالية أولا ثم فدرالية بعد ذلك).
·تفكك الدولة الموحدة إلى دويلات متعددة تعجز عن حماية نفسها منفردة فتدخل في رباط اتحادي فدرالي فيما بينها.
وعند حديثه عن إقامة الفدرالية في العراق بين إن نجاحها يتطلب :
·النص دستوريا على تبني النظام الفدراليعلى أساس جغرافي.
·تفعيل النص الدستوري من خلال إيجاد تنظيم قانوني لأسس النظام الفدرالي ومن خلال الأتي:
- استخدام الأسلوب المرحلي في إقامة دويلات الاتحاد.
- إقامة النظام الفدرالي على أساس جغرافي وبواقع أهلية كل محافظة لتكون ولاية فدرالية، تجنبا لأمرين هما: محاولة تجنب سيطرة بعض المحافظات على المحافظات الأخرى في حالة اعتماد صيغة الجمع بين عدة محافظات، فنتحول من سيطرة الحكومة المركزية إلى سيطرة من نوع آخر. والأمر الآخر هو حل مشكلة المحافظات التي يدور حولها الخلاف من خلال جعلها ولايات قائمة بذاتها.
- توزع الصلاحيات بين الدولة الاتحادية وولاياتها، مع منح الحكومة المركزية سلطة في منازعات الاختصاص بشكل يعطيها مرونة كبيرة.
- تجنب حالات الانفعال من خلال النص على عدم مشروعية أي حالة من هذا القبيل .
- توزيع الثروات بين جميع الولايات بشكل عادل مع الاحتفاظ بنسبة مئوية مناسبة للولايات التي تمتلك منابع هذه الثروات.
{img_2}
* أما الورقة البحثية الثانية، فقد قدمها الأستاذ خالد خضير دحام، وقد ابتدأها بذكر المنافع المرجوة من إقامة الفدرالية في العراق والتي حددها بـ:
- إن تبني فكرة الفدرالية في الدستور العراقي... يؤدي إلى التغلب على المعوقات التي تحول دون تحقق الرضا الشعبي العام...
-تؤدي فكرة الفدرالية إلى اكبر قدر ممكن من الشفافية والجدية في تفهم المشكلات والعقبات التي تواجه كل إقليم على حدة، وذلك لان الفدرالية تقوم في حقيقتها على مبدأ توزيع الاختصاصات والمهام بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم لها ..
- تساعد الفدرالية على تنمية الوسائل الفعالة والسريعة لحل المشكلات التي تواجه الإقليم بعيدا عن البطء أو التراخي، كظاهرة الفساد الإداري التي رافقت وأعقبت سقوط النظام السابق بتفعيل الرقابة الرسمية والشعبية داخل الأقاليم ..
- تساعد الفدرالية على تنمية روح الإبداع والتفاني في العمل، بسبب الثناء والتقدير والمكافأة المباشرة للعمل الجيد الذي يقوم به المواطن، وتنمية العمل بروح الفريق...
* ثم حدد السيد خالد بعد ذلك متطلبات نجاح الفدرالية في العراق، فقال إنما تحتاج إلى تغليب روح المواطنة على العناوين الأثنية والقومية والطائفية والقبلية، وتحديد واضح للاختصاصات بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم، وتفعيل دور المحكمة الاتحادية العليا، وان تتكون حكومات الأقاليم من المواطنين الذين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة كشرط وقيد حاسم لتولي المناصب في إقليمهم، وان يتضمن الدستور الجديد نصا صريحا وواضحا يقرر بأنه ليس من حق أي إقليم من الأقاليم الداخلة في الاتحاد أن يعلن انفصاله أو استقلاله بإرادته المنفردة بأي شكل من الأشكال وتحت أية ذريعة، وذلك للمحافظة على وحدةالعراق.
* وفي الورقة البحثية التي قدمها الأستاذ ياسر عطيوي الزبيدي (أستاذ القانون الدستوري-جامعة كربلاء)، حاول الباحث أن يقدم تعريفا للفدرالية وكيفية نشوء الدول الفدرالية، ثم ركز على قضية توزيع الاختصاصات في الدولة الفدرالية بشكل عام، ثم قال: "إن الدستور الفدرالي العراقي يجب أن ينص صراحة على تحديد اختصاصات الحكومة المركزية على سبيل الحصر، وترك ما تبقى من اختصاصات لحكومات الأقاليم، لأجل أن تنعم هذه الأقاليم بكل اختصاص جديد يظهر مستقبلا"، وأوضح إن ضمانات التجربة الفدرالية في العراق تتمثل بالوعي الشعبي بالدستور الفدرالي واحترام الاحتكام إليه، وتفعيل الرقابة الدستورية على القوانين في الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم، وبين في آخر ورقته إن الفدرالية سوف تؤدي إلى تعجيل عملية الإعمار والقضاء على ظاهرة الإرهاب.
* وكانت الورقة الرابعة والأخيرة التي ألقيت في هذه الجلسة الحوارية، قد قدمها الأستاذ خالد العرداوي، وفيها تحدث الباحث عن طبيعة النظام الديمقراطي، وكيفية تطوره في العالم استنادا إلى نظرية الفصل بين السلطات ومبدأ المساواة، وبين إن حسنات النظام السياسي الفدرالي تتمثل بـ:
1.الفدرالية تساعد على توزيع مصادر القوة أو القدرة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم.
2.الفدرالية تساعد على توسيع أفق الحرية أمام المواطنين في تقريرهم للسياسات ذات الصلة المباشرة بهم كأنظمة الشرطة والأمن والتعليم واختيار المسؤولين عنها بدلا من بقائهمأسرى لقرارات الحكومة المركزية بهذه الأمور .
3.الفدرالية تساعد على تربية المواطن على سلوك الإدارة والحكم، من خلال،توليه لمناصب متعددة للإدارة في حكومـة إقليمية، مما سيؤهله مستقبلا للعمل في خدمة الإدارة الاتحادية.
4.الفدرالية لا تؤثر على استقرار الدولة الديمقراطية وديمومة استمرارها، بل بالعكس قد تكون سبيلا إلى تعزيز الهوية الوطنية من خلال تحول ولاء المواطن إليها بدلا من الولاءات الضيقة .
ثم ختم الباحث كلامه، بالتأكيد على ضرورة عدم الإفراط في التركيز على ما يجب أن يكون تجاه الأخذ بمبدأ الفدرالية من عدمه، بل يجبالتركيز على ماهو كائن ي الواقع العراقي من مؤشرات تبين إن الفدرالية قد تكون هي أفضل الحلول لمشكلاته الكثيرة .
* بعد ذلك، فتح مدير الجلسة باب الحوار أمام الحضور، فقال الدكتور حاكم محسن محمد (أستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد-جامعة كربلاء): لماذا هذا التأكيد على الفدرالية وكأنها قدر محتوم، إن التغيير الذي حصل في العراق جيد لكن هل إن الفدرالية هي التي تحقق مصالحنا أم اللامركزية الإدارية في ظل دولة موحدة ذات نظام ديمقراطي تعددي؟
إن الفدرالية هي مقدم لتمزيق العراق، فالأكراد يلوحون بالاستقـلال، ولو كانت كركوك بأيديهم لاستقلوا، ولو كان موقف تركيا جيدا معهم لاستقلوا، فمن الأفضل أن يكون نظام الحكم في العراق لا مركزيا في ظل دولة موحدة.
* وفي مداخلة للسيد محمد علي الشيرازي قال: انه لا يعارض الفدرالية في العراق مادامت تحقق العدل، وان المراجع عاكفون على بحث هذا الموضوع كي يفتوا فيه بشكل دقيق، فيما قال الشيخ طالب الصالحي، إن الفدرالية هي مفهوم غريب على الشعب العراقي، إذ لم يألفوه بالسابق، فيفاضلوا بينه وبين أنظمة الحكم الأخرى، ولكن إذا جاءتفكرة ما من الغرب فليس معنى ذلك أنها غير صحيحة، فإذا خدمت البلد ولم تخالف الدين فلا باس بها، فنحن نقتدي بالأفضل دون عناد للآخر، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول:"اطلب العلم ولو كان في الصين" وذلك لأهمية العلم والاستفادة منه، فأعقل الناس من جمع عقولهم إلى عقله.
فإذا كانت الفدرالية واقع حال في العراق، فلابد من تطويعها لخدمة مصالحه، فرد عليه الدكتور حاكم بالقول: فوائد الفدرالية على الورق فقط،وان الأنظمة اللامركزية هي الأفضل وقد سانده في ذلكالشيخ مهند عبد الحسين مهدي الباحث في مؤسسة المعرفة الثقافية.
* وهنا تدخلت السيدة ميسون احمد (عضوة مجلس محافظة كربلاء)، فقالت: هناك واقع حال هو وجود إقليم كردستان، وهذا الواقع يجب التعامل معه بدقة، إذ إننا اليوم نقف أمام مسألة كيفية تشكيل الأقاليم الفدرالية وليس تقسيم العراق، فإذا كان الأكراد لديهم إدارة ناجحة، فنحن أيضا نمتلك أساليب النجاح.
* وفي مداخلة للدكتور علاء عزيز (تدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة كربلاء) قال: إذا أردنا أن نطبق الفدرالية، فيجب أن نحسن تطبيقها بشكل يمنع أي جزء من البلاد سواء كانوا الأكراد أو غيرهم من الانسياق وراء رغبة تمزيق وحدة العراق من خلال وضع الضمانات الدستورية اللازمة، واعتماد السياسات الحكيمة من ساسة العراق الجدد ونخبه المؤثرة وفي كافة المجالات الأمنية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية..
*وقد أشار الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ الثقافية إلى إن التخوف من انفصال الأكراد كلام مبالغ فيه لان مشاكل الأكراد الداخلية كثيرة وان إقامة دولة عراقية فدرالية سوف تساهم في خدمة مصالحهم بشكل كبير وان الأكراد عراقيون شانهم في ذلك شان أي عراقي في باقي أنحاء العراق وشاركه في هذه الرؤية الأستاذ احمد باهض تقي مدير مركز الفرات حيث أكد على ضرورة عدم الخلط بين الفدرالية التي يطرحها الأكراد كرد فعل لما حصل لهم في ظل النظام السابق وبين رغبة البعض من الأكراد في الانفصال، حيث إن المتغيرات الدولية والإقليمية لا تسمح بانفصالهم وان مصلحتهم هي بالبقاء كعراقيين في ظل دولة فدرالية قائمة على أساس جغرافي للفدرالية وهذاسـوف يشكل ضمانة لمستقبل أفضل لهم ولأجيالهم القادمة بدلا من الدخول في صراعات داخلية فيما بينهم وصراعات خارجية مع دول مجاورة كإيران وتركيا وسوريا تعلن صراحة عدائها لأي دعوة كردية انفصالية.
* وقال الأستاذ محمد الطويل (مساعد رئيس جامعة أهل البيت العالمية):هل إن الفدرالية هي مشروع سياسي عراقي أم هي مشروع مفروض من الخارج؟ فإذا كانت مشروعا عراقيا سياسيا فيجب أن تحدد سبل نجاح هذا المشروع، أما إذا كانت مشروعا مفروضا من الخارج فلنا الحق بالتخوف من نتائجه، مدركين في الوقت ذاته حقائق الواقع الإقليمي المحيط بالعراق، فإيران(ثلاثة أضعاف مساحة العراق)، وتركيا (ضعفي مساحة العراق)، إضافة إلى إسرائيل، هي كلها قوى إقليمية، وقوتها في تزايد مستمر، لذا نحن عربا وأكرادا يجب علينا أن نتدارك أنفسنا، لبناء قوتنا المستقلة، ونحتاج إلى ترك الولاءات الضيقة في سبيل الولاء الوطني، وان الأكراد في إطار المناورة ليسوا بأفضل حال من بقية العراقيين، لذا هم يطرحون أهدافا كبيرة لجني نتائج كبيرة، لكن لا ينبغي أن نسلم بكل مطالبهم، لذا لابد من الاعتزاز بالدولة الموحدة ولكن يجب أن يعاد بناؤها على أسس جديدة.
*وكان أخر المتحدثين السيد سلام المسعودي والذي قال في مداخلته إن موضوع الفدرالية ليس بدرجة من التعقيد بحيث يتعذر إقامة نظام فدرالي ناجح في العراق، بل إن تعدد الولاءات في بلدنا يحفز على الإسراع ببناء نظامنا السياسي الفدرالي، ثم إن موضوع الفدرالية هو موضوع معقد وواسع يرتبط بدوائر صنع القرار في عموم البلاد، وهناك إجماع في الأوساط السياسية على إقامة فدرالية الفرات الأوسط، فأرجو أن نركز في الجلسات القادمة على سبل نجاحه.
* وفي النهاية الجلسة شكر الأستاذ عمران الكركوشي الحضور باحثين ومعقبين على آراءهم وحضورهم مما يدل على جدية سعيهم لبناء مستقبل العراق الذي خرج من استبداد مقيت نأمل أن لا نعود إليه مرة أخرى .