المطلب الثاني: آليات تطبيق الديمقراطية التوافقية
على الرغم من تطبيق الديمقراطية التوافقية في دول أوربية عريقة (بلجيكا 1918- 1963 هولندا 1917 - 1967ن النمسا 1945، سويسرا) وفي دول غير أوربية (كندا، لبنان، نيجيريا، ماليزيا، قبرص..)( )، إلا إن الكتابات الموضوعية المحايدة عنها في العراق ومنطقة الشرق الأوسط تعد قليلة جداً, لذا اضطررنا في تحديد آليات تطبيق هذه الديمقراطية إلى الاعتماد على مصدر واحد نعتقد إنه ابرز ما وجدناه في موضوعيته وتركيزه، وهو من تأليف الكاتب الأمريكي القدير (أرنت ليبهارت) تحت عنوان (الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد). لقد حدد (ليبهارت) في كتابه عدد من الآليات التي بدونها يكون الحديث عن الديمقراطية التوافقية حديثاً عديم الجدوى وهي كما يلي:
أولاً: حكومة الائتلاف الواسع. والمقصود بذلك هو إن زعماء كافة القطاعات المهمة في المجتمع (مكونات المجتمع) يجب أن يمارسوا الحكم من خلال أئتلاف واسع قد يأخذ صيغة حكومة ائتلافية واسعة في النظام البرلماني، أو مجلس موسع أو لجنة موسعة ذات وظائف استشارية هامة أو ائتلاف واسع للرئيس وسواه من كبار أصحاب المناصب العليا في النظام الرئاسي. إن الفلسفة الكامنة وراء هذه الصيغة في الحكم هو تجاوز المرحلة الانتقالية التي يمر فيها مجتمع ما، إذ تتعرض وحدته إلى الخطر، ولا يمكن خلالها اعتماد مبدأ الأكثرية والأقلية الذي تسير وفقه الديمقراطية التنافسية، لأن المكونات الاجتماعية المختلفة في حالة تنافر وصراع ومستوى حاد من انعدام الثقة بينها هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يمكن تطبيق مبدأ الرابح والخاسر في هذه المرحلة لأنه سيزيد مستوى التأزم لعدم قبول جميع الأطراف بمبدأ الخسارة. إن تطبيق صيغة الحكم من خلال ائتلاف واسع هو لإجبار جميع الأطراف على الاتفاق على حزمة مناسبة من الحلول الوسط يقبلها الجميع، ليكون الحكم برضا الجميع( ).
ثانيا: الفيتو المتبادل (حكم الأغلبية المتراضية) إن المشاركة في حكومة الائتلاف الواسع "تتيح ضمانة سياسية هامة لقطاعات الأقلية لكنها ليست حماية مطلقة ولا خالية من العيوب، ينبغي للقرارات أن تتخذ في الائتلافات الواسعة وعندما تتخذ هذه القرارات عبر أكثرية الأصوات، فإن تمثيل الأقلية في الائتلاف يمنحها فرصة لتقديم اقتراحاتها بأقصى ما يمكن من قوة لشركائها في الائتلاف ، لكنها قد تهزم مع ذلك أمام أصوات الأكثرية، وعندما تؤثر قرارات كهذه في المصالح الحيوية لقطاع أقل (مكون) فإن هذه الهزيمة تعتبر غير مقبولة وتعرض التعاون بين النخب القطاعية (نخب المكونات) للخطر، ولذلك فلابد من إضافة فيتو الأقلية إلى مبدأ الائتلاف الواسع، ولا يمكن لغير هذا الفيتو أن يمنح كل قطاع ضمانة كاملة للحماية السياسية"( )، وما يراه البعض من خطر ناجم عن مثل هذا الفيتو( )، يراه (ليبهارت) خطراً يمكن تجنبه لثلاث أسباب هي( ):
1. إن الفيتو هو فيتو متبادل تستطيع كافة القطاعات الأقلية أن تستعمله، والإفراط في استعماله من قبل أقلية ما مستبعد لأنه قد ينقلب ضد مصلحتها الخاصة أيضاً.
2. إن مجرد كون الفيتو متاحاً كسلاح ممكن يمنح شعوراً بالأمان يجعله استعماله مستبعداً، لأن إعطاء كل مصلحة أو قطاع قوة الحماية الذاتية يحول دون نشوء أي صراع أو نزاع بينها على الغلبة، ويقمع كل شعور قد يضعف التعلق بالكل، فكل مكون اجتماعي يرى ويشعر بأنه يستطيع ترقيه ازدهاره الخاص بأفضل السبل عبر مصالحة الإرادة الطيبة عند الآخرين وترقية ازدهارهم.
3. إن خطر الطريق المسدود والجمود الذين قد يترتبا على الاستعمال غير المحدود للفيتو، يدفع كل مكون اجتماعي إلى الشعور بضرورة تفادي تعطيل عمل الحكومة وتقديم تنازلات خاصة تأميناً لمصلحة وسلامة الجميع ومن ضمنها سلامته ومصلحته الخاصة. بقي أن نشير إلى إن هذا الفيتو المتبادل قد يكون تفاهما عرفيا غير مكتوب، أو قاعدة سياسية متفق عليها رسمياً كما هو الحال في هولندا أو سويسرا، وقد يكون منصوص عليه دستورياً كما هو الحال في بلجيكيا في تعديلها الدستوري عام 1970( ).
ثالثاً: النسبية في التمثيل السياسي والتعيينات وفي مجالات الخدمة المدنية وتخصيص الأموال العامة. يعترف (ليبهارت) إن مبدأ النسبية يمثل انحرافاً عن مبدأ الأكثرية المعتمد في ديمقراطية الأغلبية إلا إنه يراه مبدأ يقوم بوظيفتين( ):
1. إن النسبية تشكل طريقة في توزيع التعيينات في الإدارات العامة والموارد المالية على شكل مساعدات حكومية على مختلف القطاعات (المكونات)، والمكون الأصغر يكون أقل ربحية من المكون الأكبر وأقل إمكانية.
2. تؤثر النسبة على عملية صنع القرار، إذ توثر المكونات في هذه العملية بحسب قوتها العددية، وهذا الأمر سيفتح الباب واسعاً أمام المساومة السياسية من قبل المكونات المختلفة، ويبرز تأثير النسبية في القرارات التي تتطلب القيام بعمل ما، ولا يمكن تحقيق إجماع تلقائي فيها بحيث يكون هناك رابحون وخاسرون. وعندما يكون هناك مأزق (حكم الأكثرية أو فيتو الأقلية) يبرز حلان( ):
الأول: اللجوء إلى مقايضة الأصوات أو حزمة قرارات (رزمة حلول) يتم بموجبها ربط عدة قضايا معاً وحلها بالتزامن عبر تنازلات متبادلة.
الثاني: تفويض القرارات الصعبة والمصيرية إلى زعماء كبار المكونات وهذا التفويض قد يترتب عليه تأجيل البت السريع في القرارات إلا إن فائدته هو إنه في المفاوضات الحميمة والسرية تزداد إلى أقصر حد أمكانية تحقيق رزمة من الاتفاقات وتخفض إلى أدنى حد إمكانية فرض الفيتو.
ولأجل أن تعمل النسبية بشكل صحيح لابد من تعمد المبالغة في تمثيل القطاعات الصغيرة، والتكافؤ في التمثيل لأنها من الوسائل المهمة والضرورية لتوفير الحماية للقطاعات الصغيرة( ).
إن التأثير الإيجابي للنسبية في مجال عملية صنع القرار تبرز أهميته من خلال:
1. عدم صدور قرارات ارتجالية أو مستعجلة غير مدروسة.
2. منح القرارات الصادرة قبول ورضا جميع الأطراف مما يجعل تحمل نتائجها من مسؤولية الجميع.
3. تشجيع النهج اللامركزي والديمقراطي في الإدارة من خلال ترسيخ قيم التسامح والاعتدال وقبول الحلول الوسط.
أما التأثيرات السلبية لهذا المبدأ في عملية صنع القرار وفي الدولة عموماً فهي:
1. تأخير صدور القرارات بسبب الاختلاف في وجهات النظر بين الأطراف.
2. تعطيل النصوص الدستورية أحياناً عندما يتطلب الأمر لجوء قادة المكونات الاجتماعية إلى التفاوض والاتفاق للخروج بحزمة قرارات تناسب الجميع بعيدا عن التقيد الصارم بالنص الدستوري.
3. قد تفرض مقتضيات النسبية توزع المناصب الإدارية استناداً إلى مبدأ الولاء على حساب مبدأ الكفاءة في بعض الأحيان.
إن مقارنة إيجابيات وسلبيات مبدأ النسبية تدفع إلى الميل إلى صالح الايجابيات وتبني هذا المبدأ وفقا للديمقراطية التوافقية طالما إن السلبيات يمكن تجاوزها وتحمل بعضها أحياناً، لأن أي نظام سياسي لا يمكن أن يخلو منها.
رابعاً: درجة عالية من الاستقلال لكل المكونات في إدارة شؤونها الداخلية الخاصة، إذ يجب ترسيخ "حكم الأقلية لنفسها في المنطقة التي تعني هذه الأقلية حصرياً.. ففي كافة الشؤون التي تعني الجميع ينبغي للقرارات أن تتخذ من قبل كل القطاعات معا وبدرجات متساوية تقريباً من النفوذ، أما في باقي الشؤون فيمكن للقرارات ولتنفيذها أن يوكل لقطاعات مختلفة( ) لذلك فإن الديمقراطية التوافقية من طبيعتها ".. أن تجعل المجتمعات التعددية أكثر تعددية، وهي لا تستهدف إزالة الانقسامات القطاعية أو إضعافها، بل الاعتراف بها صراحة وتحويل القطاعات إلى عناصر بناءة للديمقراطية المستقرة"( ). وعليه فإن الفدرالية هي النمط الملائم والأكثر جاذبية لتطبيق هذا الاستقلال القطاعي ولعمل الديمقراطية التوافقية( ).
المطلب الثالث: ضمانات نجاح الديمقراطية التوافقية وعلاقتها بالفدرالية.
أولاً: ضمانات نجاح الديمقراطية التوافقية
يتطلب نجاح الديمقراطية التوافقية في تحقيق الاستقرار السياسي للمجتمع مجموعة من الضمانات لمنع تحولها إلى شكل هدام من أشكال المحاصصة المفتتة للمجتمع، ويمكن تحديد هذه الضمانات بـ:
1. الدور المحوري لزعماء المكونات الاجتماعية.
يعد الدور الفعال والايجابي لزعماء المكونات الاجتماعية من أهم ضمانات نجاح الديمقراطية التوافقية، إذ يجب أن يتصف الزعماء بصفات معينة لقيادة دولة تتبنى المبدأ التوافقي في ديمقراطيتها وبدون ذلك لا يمكن لهذه الدولة أن تسير العملية السياسية فيها بشكل صحيح وهذه الصفات هي( ):
أ. أن يشعر الزعماء بشيء من الالتزام بصون وحدة البلد وبالممارسات الديمقراطية.
ب. أن يتحلوا بالاستعداد للانخراط في الجهود التعاونية فيما بينهم بروح الاعتدال والحلول الوسط.
ج. أن يضمنوا ولاء إتباعهم ودعمهم لهم من خلال اتصافهم بقدر من التسامح يفوق إتباعهم من جهة، وقدرتهم على حمل الأتباع على مجاراتهم من جهة أخرى.
إن اتصاف الزعماء بمثل هذه الصفات هو الذي يفسر سبب نجاح الديمقراطية التوافقية وتحقيقها للاستقرار في دول كان يتوقع لها الإنسان عدم الاستقرار( )، ففي مثل هذه الدول ".. تتعرض الميول اللامركزية للمجتمع ألتعددي للمقاومة بواسطة المواقف البناءة والسلوك التعاوني اللذين يبديهما زعماء مختلف قطاعات السكان.."( )، وهذا السلوك التعاوني ".. يتخطى الانقسامات القطاعية أو الثقافية الفرعية على مستوى الجماهير. (فالديمقراطيات التوافقية الأوربية) مستقرة لا لأن مجتمعاتها تعددية بصورة ملطفة، بل على الرغم من الانقسامات القطاعية العميقة في مجتمعاتها"( )، وذلك بفضل وجود زعماء قادرين على تحمل مسؤولياتهم رغم صعوبة الظروف. إن فشل زعماء المكونات في التمتع بهذه الصفات سينعكس سلباً على تطبيق الديمقراطية التوافقية عموماً وستزيد ممارساتها الخاطئة من انقسام المجتمع ولا استقراره السياسي، بل وقد تقود إلى الصراع والاحتراب الداخلي، لأنهم -أي الزعماء- لن يكونوا أكثر من مجرد قوى سيطرة تسعى إلى تعظيم مصالحها الخاصة الضيقة على حساب مصلحة المجتمع العامة ومصلحة المكونات التي يدعون تمثيلها بشكل خاص( ).
2. ترسيخ منظومة قيم ديمقراطية ترتكز إلى التسامح وحرية الرأي وقبول الآخر والاعتدال تجري حمايتها دستورياً ومؤسساتياً، فبدون هذه المنظومة لن يتجاوز الحديث عن التوافقية حدود الأطروحات النظرية التي لا أساس لها على أرض الواقع.
3. التبني المرحلي للديمقراطية التوافقية إذ إن اعتماد هذه الديمقراطية يجب أن يأخذ في الحسبان أن هذا الأمر يكون مرحلياً وليس دائما، إذ يتم تركه لصالح ديمقراطية الأغلبية بمجرد تجاوز حالة الصراع وانعدام الثقة بين المكونات، وخلق هوية ثقافية متجانسة تسمح بذلك، والوقت هنا غير محدد بل تحدده الظروف، إن أدراك هذه الحقيقة من الزعماء والمكونات يشكل ضمانة مهمة لتعجيل عميلة تجسير العلاقة بينهم للانتقال للمرحلة التالية.
4. ضمانات أخرى ترتبط بـ( ):
- وجود توازن بين القوى الاجتماعية المشتركة في العملية السياسية بشكل لا يسمح باستبداد أحداها على حساب الآخرين.
- صغر حجم البلد، فكلما كان حجم البلد صغيراً كلما كانت فرص نجاح الديمقراطية التوافقية أكبر.
- ولاءات غالبة وعزل قطاعي بين المكونات.
- وجود تقاليد سابقة في مجال التوافق بين زعماء المكونات.
ثانياً: العلاقة بين الديمقراطية التوافقية والفدرالية
تتضح العلاقة بين الديمقراطية التوافقية والفدرالية من خلال ما يلي:
1. إن كل منهما تشكل آلية مناهضة للاستبداد والمركزية والإنفراد بالسلطة.
2. إنهما تستهدفان تحقيق الاستقرار في مجتمع يعاني من النزاع والصراع وانعدام الثقة بين مكوناته المختلفة.
3. التوازن بين المكونات في الديمقراطية التوافقية وبين الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي يعد ضمانة مهمة للنجاح في كل منهما، علماً إن حدود المكونات قد تنطبق على حدود الأقاليم بشكل يعطي أهمية أكبر لتعزيز النجاح.
4. دور النخب السياسية مهم جداً في نجاح الديمقراطية التوافقية وفي ترسيخ الفدرالية.
5. وجود منظومة قيم ديمقراطية يعد قاسماً مشتركاً للنجاح في الديمقراطية التوافقية وفي الفدرالية.
6. الفدرالية تقتضي وجود الديمقراطية التوافقية -غالباً- عند بداية نشوء الاتحاد الفدرالي، لكن ليس بالضرورة أن يقترن وجود الديمقراطية التوافقية بوجود الاتحاد الفدرالي (حالة لبنان نموذجاً).
7. الديمقراطية التوافقية تكون مرحلية في تبنيها، إذ يتم التحول عنها إلى ديمقراطية الأغلبية عند خلق الظروف الملائمة، بينما لا تكون الفدرالية مرحلية، بل تبقى ببقاء الكيان القانوني للاتحاد الفدرالي.
8. وحدة المجتمع ومنع تمزيقه هو الهدف الذي تسعى إليه كل من الديمقراطية التوافقية والفدرالية، على خلاف ما يحاول أن يصوره الكثير من المعاديين لهاتين النظريتين.
المبحث الثالث: معطيات الواقع العراقي
سيتركز الحديث في هذا المبحث على معطيات الواقع العراقي لمعرفة مبررات الأخذ بالخيار الفدرالي في العملية السياسية التي بدأت بعد 9/4/2003؟ والتحديات التي تواجهه؟ ومتطلبات نجاحه؟.
المطلب الأول:مبررات الخيار الفدرالي
توجد عدة أسباب حقيقية تبرر اعتماد الفدرالية كخيار استراتيجي لبناء نظام سياسي فاعل في العراق في الوقت الحاضر تتمثل في:
أولاً: تنوع المجتمع العراقي
إن المجتمع العراقي لا يمثل طيفاً ثقافيا واحدا، بل هو عبارة عن تشكيل موزائيكي متعدد الألوان, وقد تأكدت هذه الحقيقة في الإحصاءات السكانية المتكررة التي جرت في هذا البلد، فإذا تجاوزنا ما ثبته الدكتور (محمد سلمان حسن) في إحصاءه السكاني لعام 1867، كونه ركز على بيان نسبة القبائل البدوية إلى القبائل الريفية وسكان المدن( )، وتوقفنا عند الإحصاء الذي أجرته الإدارة البريطانية عام 1919 عندما كان عدد سكان العراق مليون و492 ألف نسمة لوجدنا إن المجتمع العراقي يتكون من المكونات الاجتماعية الآتية( ):
العرب الشيعة 55%
العرب السنة 19%
الأكراد 18%
اليهود والمسيحيون والطوائف الأخرى 8%
وقد حدد إحصاء عام 1947 نسب مكونات المجتمع العراقي بما يلي( ):
عرب شيعة 51,4%
عرب سنة 19,7%
أكراد سنة 18,4%
فارسيون 1,2%
تركمان سنة 1,1%
تركمان شيعة 0,9%
أكراد شيعة فيليه 0,6%
مسيحيون 3,1%
يهـــود 2,6%
يزيد يون وشيكيون 0,8%
صابئة 0,2%
وتأكدت حقيقة التنوع في المجتمع العراقي في الإحصاءات اللاحقة وصولاً إلى آخر إحصاء تم في عام 1997 على الرغم من أن الإحصاء الأخير لم يحدد نسب الطوائف لأنه جاء خالياً من السؤال عن الهوية الدينية للعراقيين( ). وتنوع المجتمع العراقي لوحده لا يصلح أن يكون مبرراً للخيار الفدرالي لولا وجود المبرر الثاني.
ثانياً: وجود الاستقطاب الثقافي بين المكونات العراقية
تتميز مكونات المجتمع العراقي بوجود درجة عالية من الاستقطاب الذاتي والرغبة في تأكيد الهوية الخاصة لكل منها, وعدم حصول حرب أهلية شاملة تؤكد هذا الاستقطاب يعود في جزء كبير منه إلى سطوة السلطة المركزية واستبدادها وإنكارها العلني للحقائق، إلا إن هذه السلطة نفسها عمقت حالة الاستقطاب ورسختها وعزلت المكونات العراقية عن بعضها لتبدو على شكل جزر ثقافية منغلقة على الذات ومتخندقة اتجاه الآخر, فولد ذلك حالة مستمرة من التوتر وانعدام الثقة بين هذه المكونات، وإذا كان هذا الأمر ينطبق على كل المكونات، فإننا سنكتفي هنا بالحديث عن مكونين وقع عليهما الجزء الأكبر من العنف والمظلومية ألا وهما الشيعة والأكراد.
الشيعة والسلطة في العراق
عرفت الدولة العراقية منذ نشؤها عام 1921 إلى سقوط حكم البعث عام 2003 -باستثناء فترة 1958-1963- بأنها دوله طائفية متحيزة ضد الشيعة، بل إن طائفية هذه الدولة شكلت ركناً مهماً قامت عليه، فالسلطة ".. للعرب وليس للأكراد، وللسنة العرب وليس للشيعة العرب"( )، ولم يقتصر الموقف من الشيعة على مجرد الإقصاء والتهميش، وإنما تعدى ذلك إلى سلب الوطنية والهوية العربية منهم واستباحة بيوتهم وممتلكاتهم بحجة إنهم عجم إيرانيون( )، وهذا الموقف من شيعة العراق دفعهم إلى مزيد من الانغلاق على ذاتهم ورفضهم الاعتراف بسلطة تجعلهم وقود حروبها ومغامراتها الكارثية وفي الوقت نفسه تمتهن كرامتهم وتسلب حقوقهم وحرياتهم وما مواقف القوى الشيعية المشاركة في العملية السياسية أو التي تقف خارجها بعد عام 2003 وما أظهرته من تصلب في مواقفها إلا دليل على رغبتها في تأكيد هوية الشيعة المستقلة وريبتهم وعدم ثقتهم بسلطة لا يكونون فاعلين في تشكيلها، وكان البعد الطائفي الذي أخذته بعض القوى انعكاساً لهذه المشاعر الشيعية العميقة والمتراكمة لعقود طويلة.
أكراد العراق تاريخ حافل برغبات الحكم الذاتي وتأكيد الهوية المستقلة
واجه الأكراد في العراق ما واجهه مواطنيهم الشيعة من تهميش وإقصاء وإلصاق تهمة المتمردين والعصاة بهم، كما تعرضوا إلى انتهاك منقطع النظير لحقوقهم وحرياتهم من قبل الأنظمة المركزية المتعددة، لكن شعور الكرد بهويتهم المستقلة والمطالبة بتأكيدها ليس طارئا ، بل يمتد إلى بداية نشوء الدولة العراقية عام 1919 (حركة الشيخ محمد الحفيد( )، وقد حاولوا إيصال مطلبهم هذا إلى مؤتمر الصلح في فرساي في نفس العام( )، وتمكنوا من تضمين وثيقة الانتداب البريطاني على العراق الذي قرره مؤتمر سان ريمو 1920 فقرة نقول: لا يوجد في هذا الانتداب ما يمنع سلطات الانتداب من تأسيس حكومة مستقلة إدارياً في المقاطعات الكردية( )، ووصل الأمر في عام 1922 إلى أن تصدر الحكومتان: العراقية والبريطانية تصريحا جاء فيه: تعترف حكومة صاحب الجلالة البريطانية والحكومة العراقية بحق الأكراد القاطنين ضمن حدود العراق في تأسيس حكومة كردية ضمن هذه الحدود( ).
وفي عام 1929 طالب النواب الأكراد في بغداد من خلال عريضة خاصة بزيادة الانفاق في المناطق الكردية وتشكيل ولاية كردية تضم دهوك، أربيل، السليمانية، كركوك( )، وتكرر هذا الطلب عام 1963 من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني( )، واستمرت مساعي الكرد لتأكيد هويتهم المستقلة وتشكيل حكومة تعبر عنهم إلى أن وصل الأمر إلى تشكيلهم إقليم مستقل في كردستان بعد عام 1991 ضم محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، وكان مشروعهم السياسي الصريح هو إن الفدرالية هي الخيار الوحيد لتعايش مكونات المجتمع العراقي المختلفة.
إن هذا الواقع الذي عاشه الشيعة والأكراد في العراق خلق صراعاً وتوتراً بين مكونات المجتمع العراقي المختلفة يتطلب المبادرة السريعة إلى إيجاد حل سلمي يخففه ويعيد الثقة لهذه المكونات بعضها بالبعض الآخر، لذا تبرز الفدرالية كأفضل خيار أمام العراقيين في الوقت الحاضر.
ثالثاً: الطابع المركزي الشديد للسلطة في العراق
إذ دفعت هذه المركزية (تشارلز تريب) إلى القول: إن الدولة العراقية كانت أداة سلطة "موضوعة رهن إشارة من أخذوا بيدهم زمام القيادة، ومهما كانت الطموحات البعيدة للأشخاص الموجودين في القيادة.. فقد انشغلوا بإدارة الموارد التي سوف تسمح لهم بتغذية شبكات المحسوبية والجهاز القمعي الذي ضمن بقاء السلطة بين أيديهم.. أما المحرومين من السلطة ممن لا صوت لهم، فكانوا مشمولين في الخطاب، ولكنهم مستبعدون من حسابات المكاسب السياسية"( )، وبلغ الطابع المركزي للسلطة في عهد صدام حسين 1979 - 2003- إلى حد ".. اعتبار السياسة وسيلة لتأديب الشعب وضمان امتثاله لرؤية الحكام للنظام السياسي"( ).
إن ما خلفه النظام المركزي الشديد من نتائج مروعة شملت كل العراقيين يقتضي وضع حد له لمنع عودته من جديد وعدم الاطمئنان للوضع الحالي وهذا ما حذر منه (وليام بولك) بقوله: ".. إن الفترة الحلية من غير دكتاتور قد يثبت إنها كانت مجرد فترة بين هذا الدكتاتور (صدام حسين) والدكتاتور التالي.."( )، وليس من نظام أفضل من الفدرالية يقطع الطريق على عودة الدكتاتورية، لاسيما إن العهد الطويل للاستبداد في العراق خلق ثقافة جمعية مستعدة لقبول الاستبداد والخضوع للمستبد، ولابد مع وجود مثل هكذا ثقافة من تنظيم جديد للدولة يضمن فتح آفاق الحرية وضمان الحقوق لجميع العراقيين.
رابعاً: غياب هوية عراقية جامعة تنصر في بوتقتها كل الهويات الفرعية، إذ حاول بعض الأدباء في العهد الملكي بناء هوية علمانية تقلص التباينات بين الشيعة والسنة، إلا إنها كانت هوية عربية تستثني الأكراد والتركمان وبقية المكونات( ). فغياب هكذا هوية يعد من الأمور التي تزيد التوتر والصراع بين مكونات المجتمع المتعددة مما يقتضي إيجاد حل تعزز فيه هذه المكونات وجودها المستقل لتشعر بالرضا وفي نفس الوقت تندمج في العمل السياسي والتنافس السلمي متعدد الأبعاد مع بعضها البعض لخلق هوية شاملة تحقق الانسجام والتجانس الثقافي.
انطلاقاً من كل الأسباب المتقدمة، نجد أن الفدرالية تعد خياراً مثالياً تبنى عليه العملية السياسية في عراق ما بعد 2003.
المطلب الثاني: تحديات الخيار الفدرالي
تواجه الفدرالية في العراق تحديات خطيرة تهدد نجاحها تتمثل في ما يلي:
أولاً: الفهم الغامض وارتباك التطبيق
إذ على الرغم من إقرار الفدرالية في العراق دستورياً وفقاً لنصوص دستور عام 2005، إلا إنها كخيار استراتيجي لا زالت غامضة، ولم ترسخ جذورها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في أغلب مناطق العراق. باستثناء إقليم كردستان - فبقيت مظاهر المركزية الموروثة تفعل فعلها في ممارسة السلطة والتعامل منها، وفي برامج القوى السياسية وشعاراتها، وفي الأنماط الاقتصادية السائدة، وفي القيم والعلاقات الاجتماعية ولم يحصل تغيير ملموس في هذه الجوانب ينسجم مع الفدرالية، باستثناء المظاهر الملطفة للديمقراطية التي جعلت المواطن قانعاً بالمستوى المحدود من اللامركزية ظناً منه إنها هي الفدرالية، وما زاد من غموض وشلل الفدرالية أمور عدة منها:
1. عدم ظهور أقاليم جديدة بعد عام 2003 شبيهة بتجربة إقليم كردستان.
2. وجود دعاية مضادة للفدرالية من بعض القوى السياسية تحاول أن تغرس في وعي المواطن العراقي فكرة إن الفدرالية تعني تقسيم العراق.
3. وجود رؤى مختلفة للفدرالية حاول أصحابها إسقاط وتهميش وإعاقة برامج بعضهم للبعض الآخر - مشروع فدرالية الوسط والجنوب، مشروع فدرالية البصرة على سبيل المثال - مما قاد إلى فشلهم جميعاً وتراجعهم عن رؤاهم مرحلياً وربما كلياً.
4. تعطيل بعض النصوص الدستورية المتعلقة بالفدرالية (كتشكيل مجلس الاتحاد م 65 من الدستور -مثلاً- ومحاولات التشكيك بالنص الدستوري والدعوة إلى تعديله، فضلاً عن انتهاك بعض نصوصه -أحياناً- أو إهمالها وتجاهلها، كل ذلك أضعف النص الدستوري في نظر المواطن مما انعكس سلباً على رؤيته للنظام الفدرالي برمته.
ثانياً: أزمة النخبة السياسية
سبق أن عرفنا أن تطبيق الفدرالية والديمقراطية التوافقية يحتاج إلى وجود زعماء سياسيين لهم صفات خاصة للنهوض بمسؤولياتهم، ومشكلة العراق في هذا المجال هو إن نخبته السياسية تعاني من أزمة حقيقية تجعل أكثرهم يفتقرون إلى المواصفات التي تؤهلهم لبناء مشروع فدرالي ناجح وذلك للأسباب الآتية:
1. لما كانت الدول الفدرالية ذات المنهج التوافقي تحتاج إلى ان تكون النزعة الوحدوية لقادتها أقوى من نزعات الانقسام والصراع في قاعدتها الاجتماعية، فإن سلوك بعض الزعماء السياسيين في العراق يكاد يكون معاكسا لهذا المبدأ، إذ عمقت صراعاتها وتخندقاتهم عناصر الانقسام والصراع على المستوى الشعبي، بل إن بعضهم استغل وتر الانقسام والتعددية للوصول إلى السلطة والاستحواذ على مكاسبها.
2. عجز أغلبهم عن كسب ثقة أتباعهم، فضلاً عن حملهم على مجاراتهم، بفعل تراكم الشك وعدم الثقة بين الطرفين الناتج عن عوامل كثيرة منها: عدم كفاءة هذه العناصر ووجودهم في أماكن غير مؤهلين لها فانعكس الأمر سلباً على الأداء الوظيفي لهم، وتورط بعضهم في أعمال مشبوهة وغير نزيهة، وإصرارهم على تعظيم امتيازاتهم ومكاسبهم قانونياً - امتيازات أعضاء مجلس النواب مثلاً - فضلاً عن انسياق الكثير منهم وراء إغراءات السلطة بصرف النظر عن الطريقة إذ جعل هذا الأمر وعودهم وعهودهم للشعب ضعيفة وخاطئة وأحياناً فارغة لا معنى لها.
3. تعدد الرؤى السياسية لهم بشكل جعلها تتقاطع أحياناً مع الفدرالية ومنهج التوافق السياسي، فهذا رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي يحمل الديمقراطية التوافقية مسؤولية الفشل في العملية السياسية جاعلاً الحل في نظام رئاسي يستند إلى الاستحقاق الانتخابي( ). كما إن تقاطع الرؤى السياسية للنخبة السياسية جعلتها تمارس أساليب التشهير والتسقيط للخصوم وهذا الأمر انعكس سلباً على نظرة الشارع العراقي إليهم.
ثالثاً: الفساد المالي والإداري
يشكل الفساد المالي والإداري بكافة صورة وأشكاله تحدياً خطيراً لبناء الدولة العراقية في الوقت الحاضر وذلك باعتراف كبار المسؤوليين( )، ويتأكد هذا الأمر عند الاطلاع على تقارير المنظمات الوطنية والدولية، فقد صنفت منظمة الشفافية العالمية العراق في المرتبة الثانية بين أكثر الدول فساداً وذلك في تقريرها السنوي لعام 2008( )، بينما صنفته مجلة السياسة الخارجية الأمريكية في المرتبة الثالثة( )، وتراوحت نسبة الهدر في المال العام في الوزارات العراقية بين خمسة ملايين دولار كحد أدنى في وزارة التربية وأربع مليار دولار كحد أعلى في وزارة الدفاع( )، والعلل والأسباب الكامنة وراء هذا الفساد كثيرة، فمرة يتم تحميل المسؤولية لبريمر وسلطة الائتلاف المؤقتة( )، ومرة ثانية تفسر بعدم رسوخ المؤسسات وسلطة القانون، فضلاً عن التحديات الأمنية وغياب المساءلة والشفافية الحقيقيتين( )، ومرة ثالثة ترجع السبب إلى وجود جذوره في مؤسسات الدولة العراقية قبل عام 2003 وتفاقمها بعد هذا التاريخ بسبب الفساد السياسي المتنامي( ).
وبصرف النظر عن أسباب هذا الفساد، إلا إن واقع الحال يشير إلى إنه أصبح مشكلة حقيقية تهدد كيان الدولة، والخطورة لا تكمن في هدر المال العام فحسب، بل وفي ما تركه من قصور مؤسسي في دوائر الدولة، جعلها تخسر أدائها الجيد واحترامها من قبل الشعب، وإذا كانت هذه الدوائر تعمل في إطار المشروع الفدرالي، فإن النقمة سترتد إلى هذا المشروع الذي صار محشوراً بين دوائر رسمية ضعيفة الأداء وغير كفوءة، وبين شعب ناقم يطالب بتحسين ظروفه على اختلاف مستوياتها.
رابعاً: حداثة التجربة الديمقراطية
إن الوعي السياسي الجمعي للعراقيين لم يحسم بعد نهائياً لصالح الديمقراطية - قيما وسلوكاً- بل لا زال وعياً متأرجحاً بين الدكتاتورية والديمقراطية، ومثل هذا الوعي يمكنه في ظروف معينة أن يعاود الركون إلى الدكتاتورية ويخضع لحكم دكتاتور جديد، كما يمكن في ظروف مغايرة أن تترعرع فيه الديمقراطية تدريجياً لتصل إلى هدفها المنشود في بناء نظام حكم ديمقراطي يحمي المواطن ويحفظ له حقوقه وحرياته ويكون غير قابل للاختراق من قبل المغامرين وطلاب السلطة. كما تتجسد حداثة التجربة الديمقراطية في العراق في هشاشة مؤسساتها الدستورية وضعفها، فضلاً عن هشاشة وضعف المؤسسات المدنية الضاغطة التي تمنع الانحراف وتحسن الأداء، وكل هذه الأمور تشكل مكامن خطر تتهدد الفدرالية في العراق، وتتطلب بذل المزيد من الجهد لتوفير ضمانات استمرارها ونضجها.
خامساً: التحدي الخارجي
يمثل العراق اليوم وكما شبهه وزير الخارجية هوشيار زيباري( ) واحة من الحرية والديمقراطية في صحراء الدكتاتورية والشمولية، فجعل هذا الأمر العملية السياسية في هذا البلد مصدر تهديد لدول ألف حكامها الثبات في الكرسي وعدم تركه إلا بالموت أو الثورة، وحكموا شعوبهم بسياسة الحديد والنار، وما مظاهر الديمقراطية التي نراها بين الحين والآخر هنا وهناك في هذه الدول إلا عبارة عن مظاهر مفصلة حسب مقاييس السلطة، لذا نجد أن تاريخ 9/4/2003 يعد تاريخا مقلقا لكل دول المنطقة المحيطة بالعراق لأنه يجسد سقوطا لمنظومة كاملة من الحكم الشمولي، تلك المنظومة التي عجزت عن خلق فرص التداول السلمي للسلطة، وانتهكت حقوق الإنسان وحرياته بشكل سافر، كما فشلت في بناء مؤسسات دستورية تستجيب لإرادة الشعب وتكفل له مراقبة ومحاسبة حكامه. لقد أدركت الدول المحيطة بالعراق إن نجاح تجربته الديمقراطية يعني سقوطها الحتمي -عاجلاً أو آجلاً- لذا عملت بكل الوسائل على خلق العراقيل وآثارة الشكوك حول شرعية العملية السياسية في العراق، من خلال تصدير وسائل العنف إليه أو من خلال استمالة عناصر من نخبته السياسية غير المدركة لحجمها الحقيقي ولدورها التاريخي الذي يجب أن تلعبه، أو بعدم التفاعل الإيجابي مع العملية السياسية وبناء جدار من العزل حولها، أو باستغلال الضعف المرحلي للعراق في الوقت الحاضر من أجل تصفية حسابات عقائدية أو سياسية دولية أو إقليمية على أرضه. إن هذا الدور الذي لعبه -تقريباً- كل جيران العراق يشكل ولازال واحدا من أهم التحديات التي واجهت الفدرالية وهددت نجاحها.
المطلب الثالث : ضمانات نجاح الخيار الفدرالي
إن نجاح الخيار الفدرالي في العراق وتحوله إلى مشروع وطني للدولة العراقية المعاصرة يتطلب مجموعة من الضمانات المهمة والتي يمكن حصرها بما يلي :
1. الاحترام الكامل للدستور العراقي النافذ وتطبيق نصوصه بأمانة وجعله المرجع الأخير لحل النزاعات البينية والعمودية والتحلي بالحكمة والصبر عند طرح مقترحات تعديل بعض بنوده على أن لا يطال التعديل الأساس الفدرالي الذي قام عليه الدستور ومنظومة الحقوق والحريات التي كفلها، فضلا عن السعي الحثيث لاستكمال الهياكل المؤسساتية التي وردت فيه كونها سترسخ الفدرالية وترفد منهجها في العراق.
2. أن يترك قادة النخبة السياسية أسلوب الهواة في العمل السياسي القائم على المصالح الضيقة واقتناص الفرص قصيرة الأجل بالالتزام بمواصفات وقواعد العمل التي يقتضيها منهج التوافق لبناء النظام الفدرالي والتي ذكرت آنفا في المبحث الثاني، وان تنصب كافة مشاريعهم ورؤاهم السياسية على تعميق وتطوير وتجديد هذا النظام لا على التنظير لأنظمة مغايرة تقلق الساحة السياسية وتزيد الفجوة بين العراقيين وتمنع خلق هوية موحدة تجمعهم، وان يكون هناك حرص حقيقي من هذه النخبة على كسب ثقة الشعب واحترامه لهم من خلال سيرتهم الحسنة وقدرتهم على معالجة مشاكله الكثيرة .
3. أن لا يتوقف العمل من اجل تعزيز سلطات المحافظات غير المرتبطة بإقليم لخلق الظروف المناسبة لتحولها إلى أقاليم متعددة وعدم الرضا بالوضع الحالي كونه مقلقا ولا يسمح بالقول أن هنالك توازنا يمنع الاستبداد ولا يهدد بالتقسيم ، فوجود عدة أقاليم في الدولة العراقية ستزيد من ديمقراطيتها ومن عقلانية وواقعية قادتها والمسئولين فيها.
4. تعزيز البرامج الإعلامية والعلمية والشعبية التي تبين محتوى الفدرالية وأسباب اختيارها والنتائج المرجوة من وراء ذلك لكي يستنير الرأي العام العراقي ويمتلك وعيا سياسيا ناضجا يؤمن بها ويدافع عنها ويجعلها أساس تميز دولته وتقدمها في إطار إقليمي كابح للحريات ومستبيح للحقوق.
5. وضع خطط للاقتصاد الوطني تنسجم مع المنهج الفدرالي وتدور في عجلته سواء بالنسبة للحكومة الاتحادية او بالنسبة للحكومات المحلية والاستعانة بالمختصين في هذا المجال، فضلا عن التجارب الموجودة في الدول الفدرالية المعاصرة .
6. ترسيخ القيم الديمقراطية التي تعترف بالتنوع كسنة من سنن الحياة لا يمكن إنكارها تحت أي ذريعة، وما يقتضيه التنوع بعد الاعتراف به هو قبول الآخر والعمل معه وعدم تهميشه، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
7. تحييد التحدي الخارجي وتقليل تأثيراته عبر الالتفاف حول خيار الفدرالية والمصلحة الوطنية وعدم التعاطي مع القوى الخارجية بشكل يفسح المجال لها للتدخل بالشأن الداخلي العراقي، إذ كلما ازدادت قوة الدولة واتضح مشروعها وتكاتف قادتها كلما ضعفت قدرة القوى الخارجية على اختراقها وتهديد وحدتها وحاضرها ومستقبلها.
الخاتمة:
نخلص من هذا البحث إلى تأكيد حقيقة مهمة هي أن اعتماد الفدرالية كخيار لبناء الدولة في العراق ليس مجرد ترف فكري أو شعار سياسي مستعجل، بل هو خيار استراتيجي دفعت إليه أسباب ومبررات واقعية، لكن هذا الأمر لا زال غير مدرك من كثير من العراقيين للأسباب التي ذكرناها آنفا، وتجاوز ذلك يحتاج إلى توفير ضمانات ضرورية حتى لا يصيب الشلل أسس المشروع الفدرالي مما يقود إلى انهياره وفشله فحدوث مثل ذلك سوف تكون عواقبه خطيرة جدا، أما نجاحه فستكون نتائجه مثمرة ومؤثرة على العراق ومحيطه الإقليمي حاضرا ومستقبلا، وقد لا تتكرر مثل هذه الفرصة مستقبلا للعراقيين في أن يكونوا رواد مرحلة تاريخية تقود إلى انقلاب في كل ما عرفته المنطقة من مفاهيم وقيم وأنماط سلوك.
الهوامش
( 1 ) النظام الفدرالي أحد المكاسب السويسرية الهامة. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.swissinfo.ch
( 2 ) لاري دايموند. الديمقراطية: تطويرها وسبل تعزيزها. ترجمة فوزية ناجي جاسم الرفاعي. بغداد، دار المأمون للترجمة والنشر، 2005، ص82.
( 3 ) رونالدل. واتس. الأنظمة الفدرالية. كندا منتدى الاتحادات الفدرالية, 2006. ص9.
( 4 ) جورج اندرسون. مقدمة عن الفدرالية . كندا, منتدى الاتحادان الفدرالية, 2007. ص10.
( 5 ) لاري دايموند. مصدر سابق. ص 82.
( 6 ) للمزيد راجع. جميل عودة. مفهوم الفدرالية. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http:// www.alrsool.com
( 7 ) للمزيد راجع: عبد علي محمد سوادي. الفدرالية وإمكانية تطبيقها في العراق. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.anabaa.org وكذلك راجع: للمزيد على آدام. الفدرالية والكونفدرالية والفرق بينهما. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.ahewar.org
(8 ) للمزيد راجع: رونالدل. واتس. مصدر سابق. ص9.
( 9 ) نقلاً عن: لاري دايموند. مصدر سابق. ص ص83- 86.
( 10 ) آرنت لبيهارت. الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد. ترجمة حسني زينة. ط1. بغداد، معهد الدراسات الإستراتيجية، 2006. ص35.
( 11) المصدر نفسه. نفس الصفحة.
( 12) المصدر نفسه. ص45.
( 13 ) راجع للمزيد كل من:
رونالد. واتس. مصدر سابق. ص16
جورج أدرسون. مصدر سابق. ص 3.
( 14) راجع للمزيد:
خالد عليوي العرداوي، توزيع الاختصاصات والمسؤوليات في النظم الفدرالية والواقع الدستوري العراقي. بحث منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني: www.fcdrs.com
( 15 ) راجع للمزيد: لاري دايموند. مصدر سابق. ص ص 90 - 95.
( 16) راجع للمزيد: جورج اندرسون. مصر سابق. ص ص 11 -12.
( 17 ) راجع: المصدر نفسه. ص ص 13 -16.
(18 ) للمزيد حول ذلك راجع:
محمد عايد الجابري. الديمقراطية وحقوق الإنسان. ط2. بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997. ص16.
فيليب غرين. الديمقراطية. ترجمة محمد درويش. بغداد، دار المأمون، 2007. ص15.
حميد حنون خالد. الأنظمة السياسية. بغداد، جامعة بغداد، 2008. ص 20.
( 19 ) نقلاً عن. فيليب غرين. مصدر سابق. ص22.
(20 ) راجع للمزيد: ديفيد هيلد. نماذج الديمقراطية. ترجمة فاضل جتكر. ط1. بغداد، معهد الدراسات الإستراتيجية، 2006. ص14.
( 21 ) راجع للمزيد: آرنت لبيهارت، مصدر سابق. ص7.
( 22 ) نقلاً عن: فيليب غرين. مصدر سابق. ص432.
( 23 ) آرنت ليبهارت. مصدر سابق. ص75.
( 24 ) المصدر نفسه. ص17.
( 25) عبد الآله عبد الرزاق الزركاني. مفاهيم الديمقراطية التوافقية والتجربة العراقية. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني: http://www.nasiriyah.org.
( 26 ) إن تجربة الديمقراطية التوافقية في لبنان ونيجيريا وماليزيا وقبرص قد واجهت حالة من الشلل والتغيير والفشل لا لان الفشل قد اقترن بهذه التجربة بالذات, بل لان هذه الدول فشلت في أن يكون الحكم فيها ديمقراطيا بشكل عام ولأسباب خاصة تتعلق بكل على حدة للمزيد راجع:
غسان سالم. قراءة في كتاب الديمقراطية التوافقية: مفهومها, نماذجها. مقال منشور على الانترنيت على الموقع http://www.ahewar.com
وللمزيد من الاطلاع عن التجارب الأوربية للديمقراطية التوافقية. راجع: آرنت بيهارت. مصدر سابق. ص ص55-63.
( 27 ) راجع للمزيد. المصدر السابق. ص ص 47-55.
( 28 ) المصدر السابق. ص 64
( 29 ) راجع في ذلك: زاهر الخطيب. الأزمة المستعصية بين الديمقراطية الحقيقية والديمقراطية التوافقية. مقال منشور على الانترنيت على الموقع: http://www.kobayat.org
( 30) آرنت لبيهارت. مصدر سابق.ص65.
( 31) المصدر السابق. ص66.
( 32) المصدر السابق. ص ص 67 -69.
( 33) المصدر السابق. ص69.
( 34)المصدر السابق. ص 70.
( 35) المصدر السابق. ص70.
( 36) المصدر السابق. ص71.
( 37) المصدر السابق. ص 72.
( 38) المصدر نفسه. ص87.
( 39) المصدر نفسه. ص88.
( 40) المصدر نفسه. ص12.
( 41) المصدر نفسه. ص ص 32-33.
( 42 ) راجع للمزيد: النخب المارقة. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://critiqiue-sociale-blogspot.com.
( 43 ) آرنت ليبهارت، مصدر سابق. ص89.
( 44 ) نقلاً عن سكان العراق. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني:http://ar.wikipedia.org
( 45) راجع للمزيد: حسن العلوي. الشيعة والدولة القومية في العراق. ط1. بلا مكان نشر , روح الأمين, 2006. ص 34.
( 46) نقلاً عن: حنا بطاطو. العراق, الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية. الكتاب الأول. ترجمة تحقيق الرزاز. ط1. قم, المكتبة الوطنية الإيرانية, 2005. ص 60.
( 47 ) لمزيد من الاطلاع على هذه الإحصاءات راجع كل من:
سكان العراق. مصدر سابق.
عاصف سرت. تعداد التركمان في العراق. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني: http://www.nahrain.com
( 48 ) حسن العلوي . مصدر سابق. ص147 وراجع للمزيد كل من:
تشارلز تريب. صفحات من تاريخ العراق. ترجمة زينة جابر ادريس. ط1. بيروت، الدار العربية للعلوم، 2006، ص183 وص 192.
حسن العلوي. العراق الأمريكي. لندن. دار الزوراء، 2005، ص74.
( 49 ) راجع للمزيد. حسن العلوي. الشيعة والدولة القوية في العراق. مصدر سابق. ص154.
( 50) للمزيد راجع كل من:
تشارلز تريب. مصدر سابق. ص72.
عدنان عاجل. القانون الدستوري: النظرية العامة والنظرية الدستورية في العراق. بغداد، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، 2010. ص48.
( 51 ) كافي سلمان مراد الجادري. موقف الحكومة العراقية من القضية الكردية في المرحلة الأولى من عهد الاستقلال 1032-1939. بغداد، مكتبة مصر ودار المرتضى، 2009. ص23.
( 52) المصدر نفسه. ص35.
( 53) المصدر نفسه. ص41.
( 54) تشارلز تريب. مصدر سابق. ص 107.
( 55) المصدر نفسه. ص 235.
( 56) المصدر نفسه. ص 259.
( 57) المصدر نفسه. ص32.
( 58 ) وليام بولك. لكي نفهم العراق. ط1. بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2006. ص 45.
( 59 ) راجع للمزيد: تشارلز تريب. مصدر سابق. ص 109. وكذلك:
حنا يطاطو. مصدر سابق. ص 31 و ص36.
( 60 ) راجع تفاصيل ذلك العدد 1882 من صحيفة الصباح العراقية المنشور بتاريخ 2/شباط/2010 على الموقع الالكتروني:http://www.alsabah.com
( 61 ) راجع لمعرفة هذه الاعترافات كل من: حيدر نجم. الفساد المالي ينخر في جسد الدولة. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني:gash.org http://www.nit وأحمد عبد الأمير الأنباري. الفساد المالي والإداري أبرز تحديات بناء العراق الجديد. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.annabaa.org
( 62 ) نقلاً عن الموقع الالكتروني: http://www.alarabia.net
(63 ) نقلاً عن حيدر نجم. مصدر سابق.
(64 ) نقلاً عن: الفساد المالي والإداري إرهاب مقنع. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.iariaq.com
(65 ) راجع. حيدر نجم. مصدر سابق.
(66 ) راجع. أحمد عبد الأمير الأنباري. مصدر سابق.
(67 ) راجع. المصدر نفسه.
(68 ) قال الوزير زيباري ذلك أثناء الإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7/3/2010 في أربيل. وقد سبقه بتصريح آخر بين فيه إن هذه الانتخابات ليست عراقية فحسبه، بل هي انتخابات إقليمية تشترك كل الدول المجاورة للعراق للتأثير على نتائجها.
مصادر البحث:
اولا- الكتب.
- آرنت لبيهارت. الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد. ترجمة حسني زينة. ط1. بغداد، معهد الدراسات الإستراتيجية، 2006.
- تشارلز تريب. صفحات من تاريخ العراق. ترجمة زينة جابر ادريس. ط1. بيروت، الدار العربية للعلوم، 2006،
- جورج اندرسون. مقدمة عن الفدرالية . كندا, منتدى الاتحادان الفدرالية, 2007.
- حسن العلوي. الشيعة والدولة القومية في العراق. ط1. بلا مكان نشر , روح الأمين, 2006.
- حسن العلوي. العراق الأمريكي. لندن. دار الزوراء، 2005،
- حميد حنون خالد. الأنظمة السياسية. بغداد، جامعة بغداد، 2008.
- حنا بطاطو. العراق, الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية. الكتاب الأول. ترجمة تحقيق الرزاز. ط1. قم, المكتبة الوطنية الإيرانية, 2005.
- ديفيد هيلد. نماذج الديمقراطية. ترجمة فاضل جتكر. ط1. بغداد، معهد الدراسات الإستراتيجية، 2006.
- رونالدل. واتس. الأنظمة الفدرالية. كندا منتدى الاتحادات الفدرالية, 2006.
- عدنان عاجل. القانون الدستوري: النظرية العامة والنظرية الدستورية في العراق. بغداد، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، 2010.
- فيليب غرين. الديمقراطية. ترجمة محمد درويش. بغداد، دار المأمون، 2007.
- كافي سلمان مراد الجادري. موقف الحكومة العراقية من القضية الكردية في المرحلة الأولى من عهد الاستقلال 1032-1939. بغداد، مكتبة مصر ودار المرتضى، 2009.
- لاري دايموند. الديمقراطية: تطويرها وسبل تعزيزها. ترجمة فوزية ناجي جاسم الرفاعي. بغداد، دار المأمون للترجمة والنشر، 2005،
- محمد عايد الجابري. الديمقراطية وحقوق الإنسان. ط2. بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997.
- وليام بولك. لكي نفهم العراق. ط1. بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2006.
ثانيا - الشبكة الدولية للمعلومات ( الانترنيت).
- أحمد عبد الأمير الأنباري. الفساد المالي والإداري أبرز تحديات بناء العراق الجديد. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.annabaa.org
- جميل عودة. مفهوم الفدرالية. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http:// www.alrsool.com
- حيدر نجم. الفساد المالي ينخر في جسد الدولة. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني:gash.org http://www.nit
- خالد عليوي العرداوي، توزيع الاختصاصات والمسؤوليات في النظم الفدرالية والواقع الدستوري العراقي. بحث منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني: www.fcdrs.com
- زاهر الخطيب. الأزمة المستعصية بين الديمقراطية الحقيقية والديمقراطية التوافقية. مقال منشور على الانترنيت على الموقع: http://www.kobayat.org
- سكان العراق. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني:http://ar.wikipedia.org
- صحيفة الصباح العراقية، العدد 1883 منشور الموقع الالكتروني : http://www.alsabah.com
- عاصف سرت. تعداد التركمان في العراق. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني: http://www.nahrain.com
- عبد علي محمد سوادي. الفدرالية وإمكانية تطبيقها في العراق. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.anabaa.org
- على آدام. الفدرالية والكونفدرالية والفرق بينهما. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.ahewar.org
- عبد الآله عبد الرزاق الزركاني. مفاهيم الديمقراطية التوافقية والتجربة العراقية. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الإلكتروني: http://www.nasiriyah.org.
- غسان سالم. قراءة في كتاب الديمقراطية التوافقية: مفهومها, نماذجها. مقال منشور على الانترنيت على الموقع http://www.ahewar.com
- الفساد المالي والإداري إرهاب مقنع. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.iariaq.com
- النخب المارقة. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://critiqiue-sociale-blogspot.com
- النظام الفدرالي أحد المكاسب السويسرية الهامة. مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: http://www.swissinfo.ch