الرجوع للعدد الرابع
حفظ هذا المقال فقط
التحصيل الدراسي والتعلم  و علاقة الأسرة والمدرسة بهما
د . عياد حسين محمد علي
مركز تطوير الملاكات - هيئة التعليم التقني
يمثل مفهوم التحصيل الدراسي قياس قدرة الطالب على استيعاب المواد الدراسية المقررة ومدى قدرته على تطبيقها من خلال وسائل قياس تجريها المدرسة عن طريق الامتحانات الشفوية والتحريرية التي تتم في أوقات مختلفة فضلاً عن الامتحانات اليومية والفصلية وللتحصيل الدراسي أهداف منها :
1 - تقرير نتيجة الطالب لانتقاله إلى مرحلة أخرى .
2 - تحديد نوع الدراسة والتخصص الذي سينتقل إليه الطالب لاحقا.
3 - معرفة القدرات الفردية للطلبة.
4 - الاستفادة من نتائج التحصيل للانتقال من مدرسة إلى أخرى .
وقد أكدت البحوث على وجود علاقة وظيفية بين التحصيل الجيد والاتجاهات الموجبة نحو المدرسة وينعكس كذلك على سلوك الطلبة نحو المدرسة والتعليم ويسهم في تعديل التوافق النفسي والاجتماعي للطلبة.
أن للوضع الاجتماعي والاقتصادي للطالب الأثر الكبير في التوجه نحو التحصيل الدراسي وكذلك موقع المدرسة ونوعها الذي يؤثر ايجابيا في العلاقة بين الطالب والمعلم أو المدرس.
وسنحاول التركيز على مدة الدراسة الثانوية كونها مدة دراسية متوسطة بين سنوات الدراسة وتقع ضمن المدة العمرية المتمثلة بالمراهقة وهي مرحلة نمو الطالب وما يصاحبها من سلوكيات قد يغفلها البعض من المدرسين مما يتطلب وجود الأخصائي أو الباحث الاجتماعي .
تأتي أهمية المرحلة الثانوية من جانبين :
1 - الإعداد العام للحياة .
2 - الإعداد العلمي لمواصلة التعليم الجامعي .
ويمكن أن يضاف إلى الجانبين ما يأتي:
1 - المراهقة والتغيرات الجسمية أو السلوكية .
2 - الارتباط بمشاكل المجتمع .
3 - المرحلة العبورية .
4 - التنمية الاجتماعية والتطور الحضاري .
لقد أثبتت الدراسات أن الطلبة المنبسطين والمرتاحين يكون تحصيلهم الدراسي أعلى من غيرهم وهذا قد يعود إلى الأسرة والتنشئة على الرغم من وجود بعض الحالات الفردية التي تكون نتائجها عكسية بسبب الدلال الزائد وعدم المبالاة، ومن العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي للطلبة:
1 - المناهج الدراسية ومدى ملائمتها .
2 - كفاءة المعلم أو الإدارة المدرسية .
3  - وجود الأنشطة المدرسية الرياضية والفنية والعلمية .
4 - المستوى العلمي والثقافي والاقتصادي وطبيعة العلاقة بين الأفراد مع المدرسة .
5 - الدافعية والذكاء حسب مستوى الطلبة .
فهذه العوامل تؤثر سلبا أو إيجابا في التحصيل الدراسي للتلاميذ بمعنى أن هناك عوامل ذاتية (جسمية - نفسية - عقلية) وعوامل خارجية تخص الأسرة بمستواها الثقافي والاقتصادي واتجاهات الوالدين نحو التعليم .
أما التعليم فيعد جزء من التربية العقلية لكسب المعرفة والمهارة لعلم من العلوم أو فن من الفنون أو حرفة من الحرف ويتطلب التعليم معلما يقوم بتعليم غيره وتلقينه ما يشاء من معلومات وأراء وأفكار بالطريقة التي يختارها والمتعلم يصغي لما يلقى ولما يسمع ، أذن التعليم هو إصغاء وتلقين لما يجود به المدرس
يعد الغزالي التعليم من أشرف الصناعات مستندا لقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) (إنما بعثت معلما) ويرى الغزالي أن المعلم أشرف مخلوق على الأرض ويرى أيضا أن هناك علمين علم حسي وليد التجربة البدنية والعقل ويتعلق بعالم المحسوسات يسميه الغزالي (عالم الملك) والثاني علم خفي وليد الإيمان ويتعلق بعالم المثل العليا يسميه الغزالي (عالم الملكوت) لذا يرى الغزالي أن لاكتساب المعرفة طريقين :
الأول : التعليم الإنساني وهو التحصيل بالتعليم الخارجي .
الثاني : التعليم الرباني وهو الاشتغال بالتفكير من الداخل .
كما يرى الغزالي أن العقل والحواس وخبرة الإنسان هي السبيل إلى عالم الملك، وأن الوحي والإلهام هو السبيل لمعرفة الملكوت، كما يرى أن عملية التعلم تتم بالجوانب الشخصية وليس العقل فقط .


أما أخوان الصفا كفلاسفة في مدينة البصرة في العراق فأنهم يرون أن اكتساب المعلومات يقوم بثلاث طرق:
الأولى: عن طريق الحواس الخمس التي تدرك بها الأمور الحاضرة في الزمان والمكان .
الثانية: استماع الأخبار التي ينفرد بها الإنسان دون سائر الحيوان ويفهم بها الأمور الغائبة عنه بالزمان والمكان .
الثالثة: الكتابة والقراءة ويفهم عن طريقها الإنسان معاني الكلمات واللغات والأقاويل بالنظر فيها.
أذن المعرفة عند أخوان الصفا مكتسبة وليست فطرية واصلها هي الحواس، أما أبن خلدون فيتحدث عن العملية التعليمية ويقول (أعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدريج شيئاً فشيئا وقليلاً فقليلاً) ومن هذه العبارة يؤكد أبن خلدون أن الاستعداد للتعلم ضرورياً ويتم تدريجياً ويمر بمراحل ثلاثة: الأولى بسائط التعلم- الثانية جوامعه - الثالثة مشكلاته ومعضلاته.
يختلف التعليم بين الدول وكذلك داخل الدولة الواحدة حيث يأخذ أشكالاً مختلفة وطرقاً عديدة وحسب الأنظمة السياسية حيث يمتاز التعليم في دول أوربا وأمريكا واليابان بخصائص منها (أن التعليم من أجل الفرد) وعلى اعتبار توفير تكافؤ الفرص التعليمية وتوزيع الخدمات التعليمية بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى باعتبار القوى البشرية مصدراً من مصادر الثروة لذا فالدول تتسابق على اختلاف فلسفتها نحو إتاحة فرص التعليم، وهدف التعليم في المجتمعات الرأسمالية هو خدمة الفرد في المقام الأول ثم المشاركة في حياة المجتمع بعدها خدمة المجتمع ويتمثل ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تترك الحرية للأفراد للتعليم وهذه تتفاوت من إقليم إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى مثل الزنوج والبيض والهنود .
أن للتعليم في جميع أنحاء العالم أغراضا" عديدة منها تربوية - اجتماعية - اقتصادية - سياسية.
أما في البلدان العربية فأن التعليم يقع بين الدول المتقدمة والدول النامية مع وجود اختلاف بين بعضها البعض نتيجة للظروف والأوضاع التي تمر بها الأمة العربية وما تعانيه من تجزئة سياسية وظهور للفردية بدافع من الاستعمار عن طريق الحروب والفتن فضلاً عن عدم الاستفادة من الثروات الهائلة نتيجة التخلف العلمي والتكنولوجي وبروز القلة المترفة داخلها وعدم الاهتمام بالمناطق الريفية يُضعف مشاركة المرأة وتخلف المؤسسات الديمقراطية ، لذا فالتعليم في البلاد العربية يتصف بـ :
1  - غياب الفلسفة التربوية الواضحة.
2  - انتشار الأمية.
3  - وضع موقع المرأة المتدني.
4  - التركيز على التعليم النظري دون التعليم التقني.
5 - هجرة العقول العلمية إلى الدول المتقدمة .


العلاقة بين النظام الأسري والتربوي
أن دور الأسرة لا يختلف عن بقية المؤسسات في نقل التراث الحضاري وتدريب وتعليم الأفراد والجماعات على المهارات والخبرات أن لم يكن أكثر أهمية في بعض الأحيان وفي بعض المجالات على بقية المؤسسات، فالتربية تهدف إلى تهيئة حياة سعيدة للأفراد . كما ينظر إليها (لوك) أنها تصنع السعادة للأفراد، وكما يعتقده (أفلاطون) أن التربية تهتم بتكوين أفرادا يصنعون المجتمع العادل لذا يجب معاملة كل فرد حسب إمكانيته وكيفية استغلال قدرته لتكوين النظام الاجتماعي.
لا يمكن نكران ما تلعبه العائلة من دور أساس في زرع وتكوين القيم التربوية التي تعد المواطن الصالح أو تعلمه الأنماط السلوكية التربوية الأخرى. فإذا كانت التربية تعني العمل الإنساني الهادف وتهتم بالوسائل والأهداف المرغوبة في حياة الناشئ الجديد فأن العائلة من أول المؤسسات وأخطرها وذات تأثير على سير العملية التربوية .
أن التربية عملية اجتماعية تهدف إلى بناء شخصيات الأفراد من أجل تمكينهم من مواصلة حياة الجماعة وعلى هذا الأساس فأنها عملية تعليم وتعلم للأنماط السلوكية واستمرار لثقافة المجتمع فكل مجتمع يحتوي على جماعات متفاعلة ويجب أن تقوم عملية التفاعل على التعاون الجيد بين المدرسة والأسرة وتكوين خيوط الأُلفة والترابط من أجل تحقيق الأهداف التربوية من خلال :
1 - الاتصال المباشر بين أولياء الأمور والأسرة والمدرسة.
2 - مشاركة أولياء الأمور في تقديم الملاحظات والدعم للمدرسة.
3 - قيام المدرسة بإبلاغ أولياء الأمور عن سلوك أبنائهم داخل المدرسة.
4 - مشاركة أولياء أمور الطلبة في المناسبات الدينية والوطنية والثقافية.
لذا لا يمكن اعتبار الأسرة والمدرسة مؤسستين منفصلتين وإنما مؤسسة واحدة تكمل أحداهما الأخرى وهذا التكامل والتعاون بينهم يساعد على تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية