الرجوع للعدد الرابع
حفظ هذا المقال فقط
خطوط عريضة.... لتحسين الواقع البيئي في كربلاء
حامد جهاد حميدي
تدريسي في كلية العلوم - جامعة كربلاء
المقدمة

مما لا شك فيه إن الإنسان كان السبب الأول بل الرئيس في حدوث خلل في التوازن البيئي عموماً، فالتطور الحضاري للمجتمعات البشرية وظهور عصر الصناعة واستمرار تطوره إلى الآن، كان لا بد له من إفرازات سلبية ألقت بضلالها على البيئة وتوازنها، ولان طموح الإنسان رمى بنظره بعيداً عن ضريبة التطور ومشكلاته - في بدايته - أخذت المجتمعات البشرية عموماً تسعى جاهدةً إلى دخول المعترك الصناعي من جانب، ومن جانب آخر كان التخوف من التأخر عن ركب التطور الحضاري موجوداً، فلا بد من السير الحثيث للإلتحاق به، وبدأ التنافس بين الدول يأخذ أشكالا متنوعة على كافة الأصعدة وعلى حساب البيئة، وبدأ الزخم السكاني يتركز في مراكز المدن الصناعية وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع معدلات النمو للمجتمعات البشرية والذي لا يتناسب مع حجم الخدمات الصحية وغيرها في تلك المدن وبدأت مشكلة التلوث تتفاقم يوماً بعد آخر وأضاف الكثير من الصعوبات على القائمين على  مراقبة البيئة وعلاج التجاوزات الحاصلة فيها، فضلاً عن ذلك تنوع التلوث كنتيجة حتمية للتنوع في المنتجات وزيادة التكلفة المالية المطلوبة لعلاج هذا التلوث .

لقد بذلت كثير من الجهود دولياًُ وعالمياً من اجل السيطرة على التجاوزات الحاصلة على البيئة و على الرغم من كل هذه الجهود فإنها لا ترقى إلى مستوى  السيطرة على هذه المشكلة، وذلك لان التنافس بين الشركات العالمية خلق نوعاً من عدم الاكتراث بما تعانيه البيئة، يضاف إلى ذلك كثرة الحروب التي حصلت في القرن العشرين ولا زالت والتي استخدم فيها أنواع كثيرة من الأسلحة المتنوعة سواءً الكيماوية منها أو النووية والتي خلفّت دماراً كبيراً لا زالت معالمه واضحة، فمنذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما وناكزاكي إلى حرب العراق الأخيرة عانت البشرية كثيراً من الويلات، بسبب عنجهية البعض والتي خلفت الكثير من الدمار .

إن المدن الصناعية الضخمة والتي تتركز في العالم الغربي أصبحت تعي ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها من اجل الحفاظ على الصحة العامة فسارعت بإنشاء الكثير من الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالحفاظ على البيئة وأخذت الأنظمة على عاتقها إقرار الكثير من القوانين التي تعنى بالبيئة وتم إنشاء محميات بيئية بالنسبة إلى البيئة النباتية والحيوانية في أماكن متعددة من العالم .

أما بالنسبة إلى العالم الشرقي أو دول العالم الثالث فقد كانت اقل حظاً من ناحية التطور الصناعي ولكنها وبكل تأكيد أوفر حظاً من تلك في استقرارها البيئي والتي تتركز المشاكل البيئية فيها " بزيادة الزخم السكاني مع قلة الخدمات "بشكل عام، والذي كان أمراً حتمياً بسبب عدم الاستقرار السياسي في هذه الدول وتوالي الحكومات الدكتاتورية عليها والتي لا تصب اهتمامها إلا في فئة معينة من الشعب على حساب الجزء الأكبر منه والعراق عامةًً ومدينة كربلاء خاصةًً عانت الكثير من الإهمال في الجوانب الخدمية أو لعل تلك الجوانب معدومة أصلاً فمع بروز مدينة كربلاء كمركز حضاري وديني وارتياد الكثير من الناس عليها سواءً للزيارة أو للسياحة أو حتى للسكن فيها لما تتمتع فيه هذه المدينة من شأن كبير لدى المذهب الشيعي وكذلك توفر الأمان والعمل فيها، أصبح عدد السكان يتزايد يوماً بعد آخر مع النقص الواضح في الخدمات فلا وجود لشبكة صرف صحي تلبي احتياجات المدينة وكذلك أصبح منظر النفايات منظراً مألوفا للجميع والذي سوف يؤدي بلا شك إلى تردي الوضع الصحي في المدينة عموماً .


المحاور المقترحة للنهوض بالواقع البيئي في كربلاء

من الممكن التحرك من اجل تحسين الواقع البيئي في كربلاء من عدة محاور ابتداءً من السلطة الحاكمة إلى الفرد الواحد في داخل المجتمع ولكن بخطى منظمة وتعاون مشترك بين الجميع للنهوض بهذه المدينة المهمة والتي بالنتيجة سوف تعود بالنفع للجميع،والمحاور المقترحة هي كالأتي :

1 )  الدولة/ من الممكن بالنسبة للدولة أن تقوم بالأمور الآتية :

·        إعادة التخطيط العمراني للمدينة بما يتناسب وحجمها الديني والحضاري .

·        سن القوانين البيئية (على الرغم من وجود مثل هذه القوانين في القانون العراقي ولكنها لم تصل إلى مستوى الطموح وسوف نناقشها إن شاء الله في مقالة لاحقة) وجعلها في واقع التطبيق أو التنفيذ .

·        توعية المجتمع من خلال مؤسسات الدولة المشمولة بذلك كالمؤسسات البيئية (كوزارة البيئة) أو المؤسسات الصحية (كوزارة الصحة) ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بالمخاطر البيئية والوقاية منها وطرق علاجها .

·        تقديم الدعم للمؤسسات غير الحكومية والتي تدعو إلى الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها .

·        القيام بالدراسات الميدانية لتحديد حجم التلوث الموجود في هذه المدينة واليات التحكم فيه .


2 )  منظمات المجتمع المدني غير الحكومية والتجمعات والمنتديات الثقافية والمؤسسات الدينية، والتي يجب أن تقوم بدور فعال في توعية المجتمع ودفعه نحو القيام بواجبه في حماية بيئته، ويقع على عاتق المؤسسات الدينية الثقل الأكبر تماشيا مع قول الرسول (ص) " تنظفوا فأن الإسلام نظيف" ولأننا نعرف جيداً مدى الطاعة التي يوليها المجتمع المسلم في كربلاء وغيرها لهذه المؤسسات الدينية.

3 )  المجتمع بما هو مجتمع: يذكر علماء الاجتماع على إن الأفعال الاجتماعية تنظم من خلال علاقات محددة بين أفراد وجماعات، وهذه الوحدات الاجتماعية قد تتميز بحجم محدود (كالوحدة العائلية) و(جماعة الأقارب) أو (الأصدقاء) و .... وقد تأخذ شكلاً مختلفاً بسعة كبيرة كـ(موظفي الدولة) أو (الجمهور) أو (الأمة).

والوحدات الاجتماعية ذات الحجم المحدود تتميز بالعلاقة المباشرة وهي علاقات خاصة، يقابلها ما يطلق عليه بالعلاقات العامة والذي يندرج ضمن مبدأ "المؤمنون إخوة" حيث ينتظم هذا المبدأ ببناء الاجتماع الإسلامي بأكمله، حيث إن الإخوة المشار إليها تتجاوز العلاقات الخاصة إلى العلاقات غير المباشرة التي تنصب على المجتمع وهو ما أشار إليه النبي (ص) عندما شبه المسلمين فيما بينهم بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وعليه فان البناء الاجتماعي يظل بمثابة جهاز عضوي يتأثر كل عضو منه بالأخر، من خلال عملية "التعاون" أو "التنافر" اللتين تعكسان أثرهما على الجهاز المذكور ..

وهذه العضوية في التصور الإسلامي لها أهميتها الكبيرة من خلال المبدأ المذكور، حيث إن السماء التي أبدعت المجتمع البشري قد رسمت له طرائق سلوكه المفضية إلى تحقيق التوازن من خلال النظم الاجتماعية التي تترابط فيما بينها، بحيث إذا اختل احد النظم - كالاقتصاد أو الأسرة مثلاً -  ترك تأثيره على النظم الأخرى*، والخلل في التوازن البيئي يؤثر على هذه النظم الاجتماعية من خلال تأثيره على الجانب الاقتصادي والصحي، والذي ينعكس سلباً على ازدهار هذه المدينة التي لم ترق إلى مستوى المدن الصناعية ولم تحافظ على نظامها البيئي فكانت ضحية القصور و التقصير....

تبقى هذه المقالة هي محاولة أولى لما عُهد عليه العزم في مركز الفرات للتنمية والدراسات للنهوض بالواقع البيئي والاجتماعي والاقتصادي والمدني في هذه المدينة، وهو لا يخلو من الهفوات ففوق كل ذي علم عليم.



الهوامش

* د. محمد البستاني، موسوعة الفكر الإسلامي (3) . الإسلام وعلم الاجتماع، الطبعة الأولى،( مجمع البحوث الإسلامية، بيروت)، 1994 - ص218.