ذاع مفهوم التنمية كمصطلح اقتصادي في السنوات الأخيرة من عقد الأربعينيات حيث كان ينظر لها على أنها مرادفة لنمو الناتج القومي الإجمالي، لكن بعد مرور عقد من الزمن أثبتت تجربة البلدان التي سعت نحو تحقيق التنمية، أن التنمية ليست ظاهرة اقتصادية صرفة حسب بل هي ظاهرة لها أبعاد أخرى مثال ذلك البعد السياسي والبعد الثقافي والبعد الاجتماعي.
وعلى أساس ذلك يمكن القول أن التنمية تهدف إلى أحداث تغيرات هيكلية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تسود المجتمع وعليه ظهرت مجموعة من المفاهيم للتنمية أبرزها الآتي:
التنمية هي (عبارة عن النمو علاوة على التغير، التغير لا يقتصر على البعد الاقتصادي والكمي حسب، إنما يمتد ليشمل الإبعاد الاجتماعية والثقافية والنوعية أيضا.
ينبغي أن تكون القضية الأساسية على هذا الصعيد هي تحسين الحالة الحياتية للناس)(1)، أما إعلان الحق في التنمية الصادر عن الأمم المتحدة فقد عرف التنمية على أنها (عملية متكاملة ذات إبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهـية كل السـكان وكل الإفراد والتي يمكن عن طريقـها تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية)(2).
وبموازاة هذا التحول ألمفهومي شهدت معاير قياس التنمية في بلد ما حالة من التحول والتكامل أيضا حتى بلغت شوا خصها ما يربو على ألمائتي شاخص أهمها، قيمة الدخل القومي الإجمالي، مستوى التعليم، نسبة الاشتغال، الأمل في الحياة، توزيع الدخل، عدد الأطباء، عدد المستشفيات، مستوى الخدمات الصحية، إمكانية الحصول على مياه الشرب الصحية، تطبيق الديمقراطية...الخ، وبذلك فان مدى تحقيق التنمية في بلد ما أو عدمه يمكن معرفته من خلال هذه المعاير، إضافة إلى ما تقدم فان عملية التنمية من الممكن أن تتلكأ في بلد ما بسبب وجود مجموعة من المعوقات، قسمها بعض الباحثين إلى قسمين هما(3) :
* معوقات خارجية: متمثلة باحتلال الأراضي، والحروب، والأعمال العسكرية، والنزاعات المسلحة الدولية، والحصارات الاقتصادية...الخ.
* معوقات داخلية: منها الفقر، الفساد الإداري، وغياب الحريات، غياب الديمقراطية، تهميش دور المرأة، انخفاض مستوى التعليم والثقافة، تفشي ظاهرة الأمية، تجاهل حقوق الأقليات وعدم الاعتراف بها، غياب الأمن ...الخ.
لو تأملنا وضع العراق الحالي لوجدنا إن العراق بلد محتل، والبلد المحتل تبقى سيادته منقوصة مهما سعى إلى تحقيق سيادته المطلقة، لان البلد القائم بالاحتلال سيمارس بشكل أو بآخر ضغوطات على القوى السياسية الموجودة في البلد بما يتلاءم وتوجهاته ومصالحه الخاصة، وبالتالي فان مشاريع التنمية وعلى كافة الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية مرتبطة إلى حد ما بمدى رغبة المحتل بتحقيق هذه المشاريع، هذا من جانب، من جانب آخر، العراق بلد مثقل بالديون الخارجية وما يحصل عليه من إيرادات في الوقت الحاضر، لا تغطي المشاريع المخطط لها لذلك تغطية هذه المشاريع ماليا معتمدة اعتمادا كلي على الأموال المخصصة من قبل الدول المانحة لإعادة أعمار العراق، وهذه الدول لحد الآن وعلى الرغم من المؤتمرات العديدة التي عقدت في اليابان وبروكسل وغيرها لم تفي بالتزاماتها حيال العراق وبذلك شكل هذا الأمر المعوق الثاني نحو تحقيق التنمية في العراق.
أما المعوق الثالث للتنمية فهو الأمن، والآخر يعد حاجة أساسية هامة في سلم حاجات الفرد والمجتمع، لأنه يمثل الوعاء الذي يحتوي جميع الحاجات الأخرى، ومفردة الأمن لغويا تعني نقيض الخوف وهو الاطمئنان(4)، كما إن الأمن يعبر عن الموقف المترتب على حالة معينة ناتجة عن غياب الخطر(5)، والأمن هنا لا نقصد به عدم تعرض الشخص أو الفرد إلى أضرار جسديا جراء اعتداء معين حسب بل نقصد به إضافة إلى ما تقدم عدم تعرض الفرد إلى أي عمل من الممكن أن يعرض حياته إلى الخطر، مثال ذلك تامين وصول الغذاء والماء والخدمات الأخرى الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة.
لو قسمنا ما تعنيه هذه المفردة على وضع العراق الحالي لوجدنا إن الأمن في العراق وبأشكاله كافة يعاني من حالة تذبذب مستمرة هذا التذبذب المستمر في الحالة الأمنية انعكس سلبا على التنمية في العراق.
المعوق الرابع للتنمية في العراق هو الفساد الإداري والمالي، هذه الظاهرة هي ليست في العراق حسب وإنما المجتمعات كافة على اختلاف درجة نموها وتقدمها الحضاري والاجتماعي والاقتصادي، ظاهرة الفساد الإداري والمالي نابعة من ضعف القوانين والتشريعات الرادعة، وغياب الرقابة والمساءلة، الناتجة عن الإرباك وعدم الاستقرار التي تعاني منه المؤسسات السياسية الموجودة في البلد، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تأجيج الصراعات بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ويحد من عملية الحراك السياسي، ويحول دون بلوغ عملية التنمية التي تتوخاها الدولة لأنه يعمل على هدر وتبذير الأموال العامة والطاقات والكفاءات البشرية.
المعوق الخامس للتنمية في العراق حاليا هو انخفاض مستوى التعليم والثقافة لدى المجتمع إذ نجد إن ظاهرة أمية أصبحت سمة متميزة وبارزة داخل المجتمع العراقي، هذه الظاهرة لها مردودات سلبية كبيرة جدا على التنمية، كيف ؟ نحن ذكرنا آنفا إن التنمية هي ليست اقتصادية فقط بل هي تنمية سياسية واجتماعية وثقافية...الخ، وبذلك فان عملية تحقيق الأجزاء الأخرى من التنمية (سياسيا، اجتماعيا، ثقافيا) تحتاج هنا إلى دور الفرد العراق إلى رؤيته إلى رأيه إلى وجوده، إذا كانت المعلومات التي يمتلكها الفرد قليل وهو يعاني من الجهل وضعف في الثقافة العامة، فبالتأكيد لا يعطي رأيه الصحيح حول موضوع ما، وإنما سيصبح أداة بيد جهات أخرى توجهه يمينا أو شمالا دون أن يعرف ما هو الخطأ والصواب مما يؤدي إلى خلق تنمية غير حقيقة داخل المجتمع، من الممكن أن تزول في أي لحظة، ومن اجل تحقيق تنمية متكاملة في البلد وبكافة جوانبها، ينبغي الاهتمام بالأمور التالية:
1.السعي الجاد من قبل قوى الأمن وقوات متعددة الجنسيات بالسيطرة على الوضع الأمني وإنهاء حالة التذبذب التي يعانيها.
2.العمل على تامين إيصال الاحتياجات الضرورية للفرد من غذاء وخدمات.
3.تطوير الخبرات والكفاءات العراقية من خلال إرسالهم إلى دورات تدريبية وتأهله إلى الدول الأجنبية لغرض التعرف على احدث التطورات العلمية التي وصلت لها تلك الدول والعمل على نقلها للعراق.
4.العمل وبكل إخلاص على تسوية الخلافات الداخلية بالشكل الذي يحقق المصلحة للجميع.
5.تشجيع التعليم في البلد عن طريق المحفزات المادية والمعنوية للطلبة.
6. تشجيع المؤسسات الثقافية على توعية المواطنين توعية صادقة وصحيحة وبالمقابل على الحكومة العراقية تقديم الدعم المادي لهذه المؤسسات بالقيام بمهامها الموكلة إليها.
7.حث وسائل الإعلام على تبني برامج من شانها أن تنمي شخصية الفرد تنمية حضارية متطورة.
8.تشيع القطاعات الخاصة على تبني بعض مشاريع الأعمال في البلاد.
9.الضغط على الدول المانحة وبالوسائل كافة على إبقاءها بالتزامات حيال العراق.
10. تشديد الرقابة سيما الرقابة المالية والإدارية على أعمال مؤسسات الدولة .
11. تحسين الوضع ألمعاشي للأفراد من خلال رفع أجور العمل، إنشاء صناديق التكافل الاجتماعي، إعطاء منح لبعض المعوزين، ...الخ.
12. فتح قنوات الاتصال المباشر بين الشعب والحكومة للوقوف على أدق التفاصيل.
13. ترسيخ قيم المحبة والتسامح والأخوة بين أبناء الشعب من اجل القضاء على التفرقة والخلافات البينية.
الهـوامش
1. محمد الديشهري، التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنة، مؤسسة دار الحديث للطباعة والنشر، قم المقدسة، إيران، 1422 هـ ، ص 35.
2. عبد الحسين شعبان، الإنسان هو الأصل (مدخل إلى القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان)، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، 2002، ص 136.
3. المصدر نفسه، ص ص 123-124 .
4. ابن منظور، لسان العرب، المجلد الثالث عشر، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1956، ص20.
5. بطرس البستاني، قاموس محيط المحيط، بيروت، سنة الطبع بلا، ص 17.