الرجوع للعدد الثالث
حفظ هذا المقال فقط
الخطاب الإعلامي هو منظومة الرموز التي تعبر عن موقف طرف معين والتي يراد لها أن تكون لغة التعامل مع الآخر وغالبا ما يستخدم الخطاب الإعلامي وسائل الاتصال الجماهيرية المعروفة.

ويعد الخطاب الإعلامي العراقي في المرحلة القادمة عنصرا معبرا عن مقدار وطبيعة التحول في الحياة السياسية وتحديد اتجاهاتها واتجاهات القوى المشاركة فيها وكيفية تعاطيها مع إدارة الدولة العراقية الجديدة.

ويمكن أن نستشرف بعض معالم الخطاب الإعلام العراقي من خلال نظرة على معطيات الساحة السياسية، حيث فرضت نتائج العملية السياسية وخاصة العملية الانتخابية على الكيانات السياسية نوعاً من الخطاب المختلف عن الفترة السابقة، ففي عدد من المؤتمرات الصحفية التي عقدتها الكيانات السياسية والقوى المشاركة في العمليـة الانتخابية استخدم المتحدثون لغة جديدة أكـدوا فيها على ضـرورة تجـاوز لغـة الشـد واستبدالها بلغة جديدة وإنهم سوف يمدون أيديهم إلى بعضهم على أساس إن

الغاية الأسمى هي بناء البلد، وبناءً على ما تقدم من الواضح إن الخطاب الإعلامي في العراق سيأخذ منحى جديدا بسبب العوامل التالية:

1.      تغير العلاقة بين مكونات النسق السياسي العراقي بعد دخول قوى جديدة في منظومة الأداء السياسي.

2.      تطور أدوات الخطاب الإعلامي بعد الزيادة التي شهدتها القنوات الاتصالية المرئي منها والمسموع والمقروء خاصة إن هذه القنوات لها مرجعيات فكرية واتجاهات سياسية مختلفة.

3.      تغيير كبير في الدوافع والأهداف من العمل السياسي ومن العلاقة مع الآخر، ويعني ذلك الاتجاه ومن كل القوى تقريبا إلى البحث عن الانجازات وخاصة في الجانب ألخدماتي، وستأخذ القوى السياسية بنظر الاعتبار عملية ديمقراطية ومنافسة سياسية تسعى إلى الحصول على دعم الرأي العام وتأكيده على مطالب عملية خدماتية.

4.      أفول تأثير الفكر الإيديولوجي للنظام ألبعثي السابق الذي اخذ يفقد مناصريه و أتباعه خاصة تحت ضغوط تتعلق بجانبين:
الجانب الأول داخلي يعنى بمنظومة الحاجات التي تفرض نفسها على المناصرين والحصول على مناصب أو المشاركة في الحياة اليومية التي تفرض نفسها  عليهم وتحتم التخلي عن أفكار الحزب السابق وخاصة بعد إثبات عدم قدرتها على المنافسة والتي تبدو منبوذة اجتماعيا .
والجانب الثاني هو تنامي قوة الدولة وفرضها لهيمنة فكرية ومنظومة عمل جديدة مصحوبة بمنظومة ثقافية جديدة إلى جانب ضغوط خارجية على القوى التي تدعم الفكر السابق. 

إن اللغة التي ستفرض نفسها على الخطاب الإعلامي ستتحول تدريجيا إلى لغة قائمة على التعامل مع الآخر باعتبار اللحظة التي ستفرضها المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار وإدارة الدولة وتنفيذ مخرجات السلطة التشريعية. وهناك محور آخر ننتظر إن يتعرض لتغيير أو تعديل وفي اقل الأحوال سيحتاج إلى دراسة وهو محور العلاقة مع الدول الإقليمية والدول المجاورة، فبما إن العلاقة بين مكونات العملية السياسية في العراق وبين الدول الإقليمية والمجاورة علاقة غير متجانسة وغير متفق على أبعادها لذلك فان الخطاب الإعلامي سيعكس هذا الاختلاف وعدم التجانس، ولذلك فان الرؤية الإستراتيجية ضرورية بمعنى انه من الضروري إن توضع بشكل عام استراتيجيات للعمل الحكومي يتم تسريبها إلى وسائل الإعلام التي هي من المفترض أنها غير حكومية ولكن اغلب المشاركين في العمل السياسي والقوى السياسية الأساسية تمتلك أو تتجه إلى امتلاك وسائل إعلام، ستشكل لاحقا منظومة تعبيرية عن اتجاهات تصب كلها في الإطار العام لتوجهات العراق سواء باعتباره الدولة أو النظام السياسي أو المكونات الاجتماعية والاقتصادية أم الطرف اللاعب في المعادلة الدولية الجديدة. إن معطيات العملية السياسية في العراق أثبتت إلى حد الآن إن كل مكونات القوة السياسية تتجنب في خطابها المعلن الخوض في المتغيرات التاريخية والدينية أو القومية باعتبارها لغة خطاب سياسي وإنما باعتبارها لغة التعبير عن الحاجة وبالتالي الدعوة إلى المشاركة، ولكن الفرق في الخطاب هو الفرق في نوع وطبيعة العمل ومنهاجه أو اتجاهاته العامة. وإذاً نتوقع أن يركز الخطاب الإعلامي العراقي القادم على الجوانب التالية:

1.      أداء وعمل الحكومة العراقية .

2.      العلاقة بين مكونات المجتمع.

3.      (الصراع) على اختيار المفاهيم التي تدخل في الدستور العراقي والتثقيف لجهة المفاهيم التي سيدور حولها النقاش مثل الفدرالية، واجتثاث البعث وقانون الأحوال الشخصية .

4.      العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية .

5.      العلاقة مع إيران والدول الإقليمية المؤثرة.

6.      الخدمات ومقدار توزيع الثروة والجوانب الاقتصادية الأخرى .

7.      وفي مرحلة قادمة سيكون هناك اتجاه إلى بناء كيانات سياسية جديدة تنوي الدخول إلى حلبة المنافسة السياسية مما يدفع هذه الكيانات إلى بناء خطاب إعلامي واضح ومتميز سيتخذ من العناصر السابقة أو كلها مركبا له في خطابه الإعلامي. إن الخطاب الإعلامي سيؤسس أو لابد أن يؤسس لمنظومة فكرية تعبر عن  المحاور التالية:

1.      ملأ الفراغ الايدولوجي الذي نتج عن تغيير النظام السياسي في العراق .

2.      استيعاب التحولات العامة التي يشهدها العراق وتوضيح أبعاد وطبيعة هذه التحولات للرأي العام المحلي.

3.      تأسيس منظومة رمزية معبرة عن (صورة العراق) في الذهنية العالمية الدولية، تكون بديلا معالجا لصورة العراق التي رسمت ملامحها أوضاع العراق قبل التغيير السياسي.

4.      التعبير عن طبيعة العلاقة الجديدة بين مكونات المجتمع السياسية والاقتصادية  والاجتماعية والثقافية من جهة والدولة من جهة أخرى.

5.      يتعين على تلك القوى والمكونات المذكورة آنفا بناء خطاب استراتيجي يعبر عن شخصيتها وعلاقتها بالآخر.

6.      وبما أن هذه القوى تهدف عاجلا أم آجلا إلى استلام إدارة الدولة أو المنافسة على القوة والسلطة والنفوذ فان ذلك يعني استحضار منظومة رمزية أو التأسيس لثقافة تصلح أن تكون (لغة وأداة) قادرة على تحقيق هذه الأهداف والمصالح.

7.      التأسيس لعقلية عراقية قادرة على بناء حياة ذات منطلقات حضارية جديدة تستطيع تلبية حاجات الدولة والمجتمع في إطار المنافسة لدولية.
العراق ما بعــد 12/15 رؤية إستراتيجية  ،  ملف خاص (3)
عمران الكركوشي
رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة في مركز الفرات
الخطاب الإعلامي في المرحلة القادمة