الصورة الأولى
البنيوية الدستورية ومصادر الاستنباط قدرتها الفاعلة على بناء الفرد
تكمن قوة البناء الاجتماعي ونموه الكمي والكيفي في ارتكازه على مجموعة من البنيويات الدستورية المستنبطة، من مصادر قيمية مثالية سماوية كانت، أو نتاجا فكريا روحيا ابتدعه الإنسان خلال مسيرته عبر التاريخ الطويل، حتى يتمكن من تنظيم شؤون حياته وبما يؤدي إلى الحفاظ على حقوق الفرد والمجتمع على السواء، وخلق توازن مابين الاثنين، باعتبار أن للفرد ماهيته الخاصة به وللمجتمع خصوصياته المتعلقة به إذا ليس من المنطقي صيانة حقوق الفرد وإشباع حاجاته على حساب الجماعة وحقوقها وحاجاتها، وذلك لان هذا الفعل يتضمن تفريطا بدينامية المجتمع ونضوجه ونموه، ومصادرة العقل الجماعي المنتج والمبدع، وترسيخا للفردانية الجائرة، التي تتناقض مع أسس الديمقراطية والتحولات الاجتماعية المتتابعة، التي حدثت في الماضي بالنسبة لبعض شعوب العالم أو التي سوف تنتج عن اتساع نطاق العقل البشري التقني، أو المرتبطة حاليا بحركة التطور الثقافي والاقتصادي والسياسي العالمي، ومن الموضوعي التوفيق دستوريا ما بين الكيانين الفرد والمجتمع، من اجل انجاز الإنسان المتكامل نسبيا عوضا عن إنسان ضائع مغمور في وحل الفوضى والصراعات الاجتماعية، التي لا جدوى منها، سوى التفريط بالطاقة البشرية والوسائل التي ابتدعها الإنسان لأجل رقيه وتطوره ونمو حاضره ومستقبله .
نمط الدستور وعلاقته بالمثل السماوية
إن صياغة العقود الاجتماعية عبر التاريخ (الدساتير) من قبل المجتمع البشري بشكل مستقل ودون الاستعانة بالمصادر السماوية، هو فعل طائش باعتبار إن المواد القانونية المستنبطة من التجربة الفكرية والمادية للإنسان، لا تحقق الهدف الأكبر المتمثل في مجتمع حر فاعل، يذوب فيه الفرد في المجتمع ويتناغم معه لان المجتمع، أكثر عطاءا وإبداعا على خلفية تعدد الطاقات والمواهب والقدرات الذاتية بين أبناءه، واستحالة اجتماع كل ذلك في الفرد الواحد، إذ ليس بمقدوره لوحده أن يصنع المجتمع المتكامل والتاريخ الناصع، لان هذا محال والتجربة البشرية والإنسانية خير شاهد على إخفاق كل السلطات الفردية، سواء السلطات القبلية في قديم الزمان التي كان لها كيان ونسق اجتماعي تتمركز هويته حول ذات عليا، تتجسد برئيس القبيلة (الطوطم) الذي يشرع قوانين سلطته بمفرده فقط لأجل الهيمنة على مقدرات القبيلة وتشعباتها صونا لها من الانهيار والفوضوية الغرائزية والمزاجية لأنها كانت غير مهيأة للترابط الاجتماعي أو الاستقرار، أو السلطات الارستقراطية الوراثية الملكية اللادستورية، أو أنظمة الحكم الفئوية التي هيمنت على السلطة دون إرادة الجماعة، والى آخره من السلطات عبر التاريخ التي لم تسمح للذات الإنساني بالنمو وممارسة دورها في النهوض والتطور، وتجسيد إرادتها في خلق الواقع المتسع الذي لا يتناقض مع طموحاتها، في التحول المادي والمعنوي .
تعدد الهوية واستقلال الاثنيات
إن تعدد الهويات في مجتمع ما لا يعني الانقسام والركود الغير قابل للتلاحم والتوحد، فذلك خطأ منطقي واضح، إذ إن التعدد نتاج إنساني خصب يتطلب دساتير ذات قيم عليا، تؤول به إلى الاجتماع البيئي والانصهار في بوتقة واحدة، واعتماد أجزاءه على بعضها البعض في خلق الحياة الفاضلة، والقدرة على التعايش والتصالح إيمانا بالهدف الواحد (التكامل الإنساني الاجتماعي) أما الانقسام والتشتت فهو الموت والترهل وانتحار الفكر والعقل والروح، مقابل ذلك يبقى السعي الثقافي والاجتماعي باتجاه التقارب والتوافق بين أبناء الشعوب البشرية ضرورة لا مناص منها، لأنها تكفل المحافظة على الحقوق المدنية كبرت أم صغرت للمجتمع متعدد الأجزاء .
السبل الكفيلة بصياغة الدستور الشامل
اقصر الطرق إلى تحقيق ذلك هو إفساح المجال لكل الاثنيات والنخب الاجتماعية في صنع الدستور واستنباطه، بصورة تفضي إلى حماية الحقوق المدنية وكبح كل الإرادات الفئوية التي تستهدف الاستئثار بتشريع نصوص الدستور لوحدها، وإلغاء بقية الأنماط الاجتماعية وتهميش دورها، لذا يعتبر الدستور الذي يمثل كل وحدات الجماعة (الميكانيزم) الغني بكل تفاصيل الثراء المعنوي والفكري والروحي والأخلاقي، لكنه يتطلب أداءً مسؤولاً ودراية وتفقها إجماليا من قبل كل فئات المجتمع الواحد، والاعتقاد المطلق بقدسيته وقابليته على رفد الحياة بالأفضل، ومواكبة كل التغيرات التي يمر بها العالم في كافة المجالات إضافة إلى ذلك يبدو إن التجربة الإنسانية غنية وحافلة بمفردات ونصوص ومواد الدساتير سواء تلك التي منشؤها النبوات والرسالات السماوية، أو العقل الإنساني وهذه المصادر على اختلاف مناشئها أثبتت قدرتها العملاقة على إقامة العدل وترسيخه بين بني البشر، لان هذه التجربة الإنسانية التاريخية ممكنة التطبيق وليس العكس لأنها غنية بنصوص ومواد دستورية تؤهلنا لصياغة دستور ذو ماهية مثلى وسموا وعلو يفوق تصورات حتى خبراء القانون والمختصين في إنشاء المواد الدستورية في العصر الراهن، ثم إن عباقرة وفلاسفة الفكر عبر التاريخ كانوا قد ابتدعوا خطوطا دستورية عامة ليس صعبا علينا الاستفادة منها مع الأخذ بنظر الاعتبار قوة وديناميكية المواد والنصوص المعتمدة في الشرائع السماوية، خاصة الرسالة الإسلامية وكتابها المقدس (القرآن العظيم) الذي أتحفنا بما لانهاية له من القواعد والأصول القانونية التي تمكننا من تحقيق الطموحات الإنسانية، والمضي باتجاه المحافظة على اللحمة الاجتماعية الواحدة من التمزق وضمان حقوق كل الأجيال في الوقت الحاضر والمستقبل.
إشكالية الماضي وانعكاسها على شخصية المجتمع والفرد
رغم أن الماضي بكل وجوده الزمني ولى وانتهى إلى غير رجعة لكنه باق وحيوي ومتأصل في نفوسنا وعقولنا وذواتنا وما زالت آثاره السلبية والايجابية تعيش معنا لحظة بلحظة ولا ننكر أبدا أننا نتاج الماضي وصناعته ووجهه المتحرك وروحه الدائبة، الماضي بكل مفرداته ومقومات وجوده ارث ثقيل حافل بنسبة كبيرة من المأساة والشقاء والانكسار والضياع والتيه، لكن ليس بصورة مطلقة فهنالك معالم تدل بشكل أو آخر على السعادة والنجاح.
كان للماضي أجياله وشخوصه التائهة وهكذا أريد له أن يكون من قبل السلطات الغاشمة وأنظمة الحكم الجائرة والتيارات المنحرفة فبدلا من أن يغذى الجـيل الناشـئ بالحكـمة والمعرفة والخلق النبيل وفلسفة الوجـود ضمن إطار إنساني حضاري بقي جزء كبير منه كما هو وجودا بائسا وضحية مفعمة بالألم تغص بالآهات وكيان محطما مفرغا من محتواه الحقيقي، ولا نطلق القول هنا أبدا لكننا نعتقد أنها مشكلة عامة رغم وجود استثناءات هنا وهناك تمثلت في نبوغ رجال وتفوقهم على كافة المستويات وانحطاط آخرين كأولئك الذين ارتموا في حضن الأنظمة البائدة واتخاذها مثلا أعلى وقدر مقدسا يستحق التبجيل والثناء والإجلال كما يعتقدون وهما ودجلا وكذبا، ومن ذلك الجيل نشأ الخطأ وتحول رجال إلى كيانات سرية وجنود يختبئون خلف الظلام ومخبرين يحصون أنفاس الشعب وآماله وطموحاته في الخلاص والتحرر، ودام هذا الأمر عقودا طويلة بل لا نبالغ كثيرا إذا قلنا قرونا مديدة، فكانوا إذا حصن الجريمة وذراعها الطويل وصوتها الدموي الخانق، وفي يوم ما من الماضي الذي انقضى كان هؤلاء هواة ومراهقين تم البدء بأعدادهم جيدا ليتحولوا بمرور الزمن إلى بيادق للدفاع عن الدكتاتورية بمختلف وجوهها وأصنافها.
الصورة الثانية
المؤسسات الاجتماعية في الماضي ( الغاية والهدف )
المؤسسات الاجتماعية والثقافية مثل مراكز الشباب والطلائع والفتوة والأنشطة الثقافية المدرسية وغيرها كل هذه المثابات والمحافل لمن تم تسخيرها ؟
طبعا لخدمة سلطة الفرد المطلق الجائرة سواء بالقوة أو الرعب أو التحفيز المادي أو عمليات غسل الأدمغة الخطرة جدا، وهذا يعني إفراغ شخصية الفرد والمجتمع من هويتها الحضارية الأصيلة التي تمتد جذورها إلى رسالة السماء، وتنبع من الكم الحضاري الإنساني المعرفي والروحي والمعنوي الصائب والموضوعي والمنطقي الذي يتناسب وينسجم مع فطرة الإنسان ولا يتناقض معها، إضافة إلى كل ذلك عمدة سلطة الفرد الجائرة إلى رسم خطوط وهيكلية الحركة الاجتماعية وفق أيديولوجيا تؤمن بالعنف والدم وإقصاء ونفي المكونات الآخرى وسلب أرادتها ومحاولة وأدها، لتكون دون عنوان أو هوية أو تاريخ، والاهم من كل ذلك إماتة كل قدراتها ومقومات وجودها النبيل الهادف وسوقها إلى مضمار الانحطاط بكل جوانبه وأبعاده، وعزلها تماما عن دورها المعطاء في التلاقي مع ثقافة العالم والأمم من حولها والتأسيس لحياة أفضل وواقع ديمقراطي مسؤول وحرية تكاملية تمنح المجتمع القدرة والقوة الذاتية على التطور والنمو والكدح المتتابع باتجاه السمو الرقي، على العكس من ذلك سيتقلص ويضمحل الوجود الإنساني الطامح إلى الأفضل باعتبار فقدانه لطاقته المعنوية المكتنزة التي تفضي به إلى الإبداع والخلق والحياة الفاضلة .
الصورة الثالثة
النشأ الجديد..وما هي السبل الكفيلة لبنائه تربويا وروحيا
كي تضمن مستقبلا أعلى قيما، أسمى كيانا، ولأجل أن تحافظ على الحقوق المدنية للإنسان والمجتمع فلابد إن تبدأ من الجيل الجديد الذي لم يع بعد أبجديات الحياة الثقافية الاجتماعية المهمة وبديهياتها ومسلماتها المطلقة، وليس مهما من أي مكان تبدأ...المدرسة...الأسرة...مراكز الشباب... المراحل الدراسية الأولى... المهم أن تصنع إنسان آخر مستبعدا عن محاكاة أخطاء الماضي والتمسك بها واعتبارها مثلا عليا لا مناص عنها، والجيل الجديد هو ارض خصبة لغرس الفضائل جميعها كالشجاعة والإيثار والمودة والصدق والأيمان بالعدل والحرية والسلم والتعاون وحب المجتمع وتلقي العلم والمعرفة واستغلال كل الفرص المتاحة دون استثناء أو بطئ واستباق الزمن وقهر كل العقبات مهما كانت والتي تحول دون التكامل والتصاعد الاجتماعي والثقافي على مختلف الصعد، لكن في أيامنا هذه ما زلنا نعيش الخطأ مرة أخرى إذا لم تتوفر بعد الخصائص والصفات اللازمة لدى بعض المعنيين بشؤون الجيل الجديد فمرة نجد اللامبالاة والعشوائية هما سلوك بعض الآباء والأمهات النابع من الجهل والأمية ثقافية كانت أم اجتماعية أو لغوية أو انحدار وتدني المستوى التربوي والعلمي لبعض الكوادر التعليمية التي تشرف على تربية الجيل الجديد وصياغته وتأهيله ليقود المستقبل، إضافة إلى ضعف الوازع الإنساني والتربوي أو غيابه لدى البعض ممن يقومون بدور الأشراف على تنشئة الجيل الجديد، لذا ينبغي المبادرة إلى إتباع آلية جديدة موضوعية تتضمن اختيار الكوادر ذات الصفات النبيلة القادرة على تحمل مسؤولية تبني الجيل النامي وصناعته الروحية والمعنوية، وذلك لان هذا الجيل ونتيجة لقصوره الفكري يؤمن بصورة كبيرة بأن الأجيال التي سبقته هي مثله الأعلى الذي يجب أن يقتدي به ناظرا أليه نظرة إجلال وتقديس، والكارثة هنا كل الكارثة ستكون عندما يعتقد هذا الجيل الجديد صواب ذلك فانه سوف يسقط في وحل التيه والضياع، ننبه إذا إلى هذا الأمر وندعوا في ظل فضاء الحرية الثقافي والاجتماعي إلى توخي الحذر من سقوط الجيل الجديد بين فكي كماشة الهدم الاجتماعي والثقافي، ولا نعني تحريض الجيل الحاضر على التقاطع مع الماضي وأجياله بل نعني من كل ذلك أن ينتفع من دروس الماضي ويقف عند النقاط السوداء ولا يلتقي معها أبدا ويستجيب للنقاط المضيئة المشرقة وينهل منها ويسمو كسمو السماء وجلالتها ورفعتها ويخلد شخصيته عبر خلق مجتمع مدني ذي قدرة على الاستلهام من تجارب الأمم الأخرى والشعوب المتحضرة.
الصورة الرابعة
عسكرة الجيل الناشئ ومسخ مدنيته
قبل أكثر من ثلاثة عقود واكب الجيل الناشئ آنذاك مرحلة صعبة وخطيرة، فقد وجد نفسه دون هوية وطنية أصيلة وأدرك انه تحت رحمة سلطة وحشية رعناء تمارس القهر والعنف والإرهاب لأجل فرض وصايتها على المجتمع بشكل عام وخلق أنفاس كل من تسول له نفسه المساس بها أو معارضتها، وفي ذلك الوقت سارعت سلطة القهر إلى هيكلة المؤسسات الاجتماعية خصوصا تلك التي تضم النشأ الجديد كمنظمة الطلائع ومراكز الشباب وفق قوانين ودساتير ذات طابع لا يمت إلى الحياة المدنية بصلة، إذ كان الجيل في تلك الفترة يتلقى أفكاره وتصورات ورؤى زائفة عن الواقع ومفاصله وموضوعيته، مثل الخداع والحلم الكاذب بحياة حرة هانئة، كل هذه الجوانب أضحت جزءا مهما في إستراتيجية السلطة ذات الحزب الواحد، فالغرور وتصفية الحسابات مع المجتمع بكل الوسائل و المتاجرة بكرامته وغرس مفاهيم القوة والكراهية للغير وتمجيد السلطة المطلقة والتأهب والاستعداد والانضباط العسكري المقرف ونبذ القيم المدنية الاجتماعية، وملازمة وانتحال الشخصية الحربية، كل هذه السلوكيات كانت القاعدة الأساسية لإنشاء جيل جديد متمرد على ذاته وعلى خصوصياته الإيجابية كالتسامح والعدل والبناء، فكانت النتيجة تحول هذا الجيل إلى فريسة ولقمة سائغة في فم الدكتاتور وأتباعه ومريديه انه جيل لم يتمتع بعقلية ثقافية حرة تعي معنى الحرية ومثيلاتها لأخذ المكانة المناسبة في وسط المجتمع إذا كان جيلا هامشيا مستسلما لقدر السلطة ودولتها التي احتكرت كل الطاقات والثروات وإضاعتها في حماقات وحروب لم تنفع أبدا الخاسر فيها الأغلبية الساحقة المقهورة بالأقلية المتطرفة المتعصبة المتخندقة خلف سلطة ظالمة لا تقيم للحق والإنسان وكرامته وزنا واعتبارا أبدا.
الصورة الخامسة
سلطة الثقافة وثقافة الدولة ذات الاتجاه الواحد
كل ثقافة تفرض بالقوة تعتبر زيفا ووجها أخر للانحطاط الروحي، وكم عانينا وشبعنا حد التخمة من ويلات الثقافة القسرية التي تهضم حقوق المجتمع وأفراده، وثقافة الدولة والسلطة على السواء أبان العهد البائد كانت تعتمد أساليب خاصة بها الهدف منها تسخير كل الطاقات الوطنية لترسيخ روح العداء والكراهية والتباغض والطائفية واستصغار الآخر حتى على مستوى المؤسسات والهياكل الاجتماعية بدءا من الوطن الأول الأسرة وما يليها بحسب فاعليتها وحجمها كالمدرسة والأسرة والجامعة وحتى ضمن نطاق التنظيم الحزبي الواحد، فالتآمر والنفاق الاجتماعي والتشويه السياسي وإلصاق التهم ظلما وعدوانا شواهد جلية تثبت عمق المأساة التي أحدقت بنا مخلفة ورائها كما هائلا من المجرمين والمنحرفين والشاذين عن جادة الفطرة والصواب حتى يومنا هذا، وقد رسخ هذا السلوك في بيئتنا وامتد وتغلغل ليصبح داءا عضالا يصعب علاجه خلال زمن محدود، بموازاة كل ذلك كانت ثقافة السلطة أمضى سلاح ينخر جسم المجتمع الأصيل والمتراكم من اثنيات مختلفة وأعراق وطوائف متغايرة في منحاها الاجتماعي والتي كانت قد ائتلفت إلى حد ما في أزمنة عديدة، إن اقرب مثال لدينا يلخص ما بدأناه هو اعتماد السلطة المطلقة البائدة أسلوب التمييز الاثني خصوصا ما بين القوميتين الرئيستين العربية والكردية حيث كان كل جيل وعند أول نشأته يلقن دروسا وسلوكا طائشا يستبطن الحط من مكانة الإنسان من كلا القوميتين، فتنسب مثلا لأبناء القومية الكردية صفات كالسذاجة والغباء الكامل وان درجة الثقافة الإنسانية لديهم صفر مطلق، فيما يتم وصف إنسان القومية العربية بالأخص الجنوبي بالرجل المتخلف الفاقد لمقومات تطوره ونهوضه الثقافي الحضاري، لكن ووفق هذا التصنيف المقيت تم استثناء فئة من الرعاع غلاظ القلوب والطباع من هذه المعادلة والذين اتسموا بصفات هي امتداد لصفات البداوة، ووضعت له اعتبارات شتى لا يستحقونها بل إنها مجرد ألفاظ وتسميات فارغة من المعنى والمحتوى، فالرئيس المقبور كان ينعت بأنه رجل القرن العشرين بل رجل كل القرون، وان الأمة قد حظيت بمرادها المتمثل في قائد نبيل فذ أعادها إلى مكانتها اللائقة بها ومن الخطأ تصور أن يأتي التاريخ بما يماثل هذا الرجل من الجرأة والقدرة الفائقة على تحقيق أحلام الأمة التي ذهبت في مهب الريح وتبخرت وبان زيفها، وحول هذا الرجل اصطفت طبقة من الجهال والأوغاد الذين يحفظون مصالحه ومصالحهم من غضبة الشعب المنكوب .
الصورة السادسة
ثقافة السلطة البائدة الموروث الاجتماعي الفاسد
إن جيلا أرغم بسلاح ثقافة الدولة والسلطة على الانحناء والركوع لها لعقود دامية سوداء جدير بالعناية والخلاص من عقدة الماضي ولعنة الثقافة الجاهلية المرتكزة على الطائفية الاثنية وذكاء نار التباغض والفتنة ما بين القوميات والأعراق من اجل أضعافها وتمزيق وحدتها ونسيجها الاجتماعي، عبر وضع الفوارق الوهمية المعيبة بين أبناء الشعب الواحد فعلى مستوى التباين الجغرافي والايكولوجي والإداري والديموغرافي هنالك كم هائل من الموروث الاجتماعي الفاسد متجسدا في إطلاق النعوت السلبية التي تمس شخصية أبناء الريف والقرى ووصمهم باقذع الألفاظ واعتبارهم أناسا هامشيين لا يمتون إلى الثقافة الاجتماعية الحضارية بصلة، وأنهم بعيدون عن العالم الثقافي الرحب، وهم غير مؤهلين للنمو الذهني والتواصل مع العالم من حولهم، وان هذا هو قدرهم القديم والحديث الذي لا مناص منه وشمت به جباههم وعليهم أن يرتضوا ذلك رغما عنهم، مضافا إلى ذلك إن ثقافة السلطة البائدة كانت تعتمد تجزئة المجتمع إلى صنفين الصنف الأول الأسياد والصنف الثاني العبيد، فلابد أن يستسلم العبيد ويخضع لسلطة الأسياد وقانونهم وأما العبيد فهم أدوات مسخرة لخدمة الأسياد، وليس من حقهم أبدا التطاول أو التمرد على أسيادهم لان المصير المقرر لهم هو المقصلة أو حبل المشنقة وكل ما من شأنه أن يقودهم إلى السقوط في هوة العدم .