تناقضات النظام الرأسمالي الامريكي

من المعروف ان الانظمة الاقتصادية التي يمكن ان تسود لتنظيم الحياة الاقتصادية ، تتمثل في اربعة انظمة وهي النظام الاقتصادي الشيوعي والاسلامي والاشتراكي والرأسمالي ، والاول و الثاني لم تسنح الفرصة بعد لتطبيقهما على ارض الواقع بشكل نظام متناسق ومتكامل – لأنه هناك حالات استثنائية يتم تطبيقها حتى في ظل نظام آخر او بالأحرى هي مشتركات ما بين نظامين او اكثر - للحصول على نماذج لهما ومن ثم اطلاق الاحكام الخاصة بهما من حيث مدى صلاحية النظام من عدمه لتنظيم الحياة الاقتصادية ، إذ لا يمكن اطلاق الاحكام جزافاً على انظمة لم يتم اختبارها بعد على ارض الواقع . في حين ان الثالث وهو النظام الاشتراكي، فقد اثبتت واقعيته عدم صلاحيته لإدارة الحياة الاقتصادية من خلال تجربته التي مارسها على ارض الواقع وهي تجربة الاتحاد السوفيتي _ على الرغم من انه في بعض الاحيان لا يتم تطبيق النظام بشكل صحيح ودقيق كنتيجة لقصور مدعيّه ، فلربما هو نظام صالح لإدارة الحياة الاقتصادية إلا ان القصور يكمن بالمطبقين له – وهي تجربة اثبتت فشلها عندما انهار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن المنصرم بفعل الحرب الباردة التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية . واخيراً ، النظام الرأسمالي الذي لا يزال في طور التجربة على ارض الواقع ، فهو يعيش الانتكاسات الكبيرة ونتائجها التناقضات بين الفترة والاخرى ، هذه الانتكاسات والاثار المترتبة عليها ، تأتي من طبيعة النظام الرأسمالي نفسه القائم على استغلال الثروات والمنافع من قبل الاقلية الممتلكة لرأس المال للأكثرية التي تبقى عاملة لديه ومسلوبة الحق ، وهذا ما اشار اليه ماركس ، وهذا ما يولد مزيد من الانتاج مقابل انخفاض الطلب كنتيجة لانخفاض الاجور التي تحصل عليها الطبقة العاملة لدى الطبقة الاقلية (الرأسمالية) فيحصل الركود والازمة بين الفترة والاخرى ، وفي ظل الثورة المعلوماتية التي تزيد من سرعة انتقال رأس المال من منطقة بل ومن دولة الى اخرى خلال لحظات وجيزة للحصول على الارباح السريعة من الاستثمار المالي في الاسهم والسندات وغيرها ، دون ان يقابلها انتاج حقيقي من السلع والخدمات ، هذا سيولد مزيد من الاموال وتراكمها على حساب الانتاج الحقيقي فتحصل ازمة اخرى وهكذا ، فمتى ما استعد للتخلص من هذه الانتكاسات والتناقضات وايجاد السبيل لمعالجتها والاستقرار عليه، عندئذً يمكن القول ان النظام الرأسمالي هو النظام الأكفاء لإدارة الحياة الاقتصادية بالشكل المطلوب . ومادام النظام الرأسمالي يقوم على ثلاثة مبادئ اساسية في تكوينه، الاول الملكية الخاصة غير المحدودة مالم تحصل ظروف استثنائية تمنع حق التملك كالدفاع الخارجي والامن الداخلي والقضاء، وان القانون في المجتمع الرأسمالي يتكفل حماية الملكية الخاصة وتمكين المالك من الاحتفاظ بها ، والثاني حق الفرد في استغلال ملكيته وامكانياته بالشكل الذي يروق له وبمختلف الوسائل والاساليب التي يتمكن منها ، والثالث حرية الفرد في انفاق ماله منا يشاء على حاجاته ورغباته . ويمكن التعبير عن هذه المبادئ كما يسميها باقر الصدر، بحرية التملك وحرية الاستغلال وحرية الاستهلاك . هذا يعني ان المليكة العامة (ملكية الدولة) غير جائزة في النظام الرأسمالي ولا يجوز لها(الدولة) التدخل في الحياة الاقتصادية ، إذ ان تدخل الدولة سيحد من حرية التملك والاستغلال والاستهلاك . ونلاحظ في ظل الازمات التي تكمن في صلب النظام الرأسمالي الذي يمنع الدولة من التدخل ، يدعوها للتدخل لإنقاذه مما جناه على نفسه ومما وقع فيه ، وبالتالي تصبح الرأسمالية غير مجددة لنفسها مالم تتدخل الدولة لإعادة الروح اليها ، وهذا هو التناقض ما بين المبادئ والواقع ، اذ نلاحظ على سبيل المثال ان ازمة الكساد العظيم دفعت برواد الرسمالية الى اجراء بعض التعديلات على مبادئ النظام الرأسمالي ، وهذا ما دعى اليه كينز عندما رأي بان الدولة لا بد ان تتدخل لمعالجة تلك الازمة ، واستمر هذا الحال في كل الازمات وصولاً الى الازمة الاخيرة التي حصلت في 2007-2008 ، حيث تدخلت الحكومة لإنقاذ النظام من الانهيار بـ 700 مليار دولار. وعند اتباع النظام الرأسمالي في دولة ما كالولايات المتحدة الامريكية ووصولها الى مستوياته المتقدمة ومن ثم بلوغها التربع على ادارة العالم بشكل اجباري غير شرعي ، فان تلك الدولة ستسعى بالتأكيد في ظل عدم وجود حكومة عالمية تحمي وتراعي حقوق ومصالح الدول ، الى فرض ذلك النظام على الدول الاخرى بالقوة ان لم تتبعه بشكل انسيابي ، ونتيجة فرض السيطرة غير الشرعية على الدول الاخرى سيحتم ايصال ما يقع في تلك الدولة المتبعة للنظام الرأسمالي الى الدول الاخرى المغلوب على امرها ويحصل العكس ايضاً ولكن ليس بإرادة الدول الاخرى إلا في حالات نادرة . يرى الاقتصادي الامريكي جوزيف ستيغليتز الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد في كتابه "السقُوط الحُر" ان الاقتصاد الامريكي والاقتصاد العالمي يعانيان من مشاكل اقتصادية واجتماعية إذ قال " ان امعان النظر في الاقتصاد الامريكي يوحي بوجود بعض المشاكل العميقة : مجتمع شهد حتى من يوجد في الوسط جمود مداخيلهم نحو عقد من الزمن ، مجتمع يتميز بتزايد التفاوت الاجتماعي ، بلد تقل فيه الاحتمالات الاحصائية لوصول الامريكيين الفقراء الى القمة عما هي عليه في اوربا ، على الرغم من وجود استثناءات مثيرة ،وينخفض فيه متوسط الاداء في اختبارات التعليم القياسية في المتوسط في احسن الظروف . كما ان العديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية في الولايات المتحدة الامريكية الى جانب القطاع المالي ، تعاني من المشاكل بما في ذلك الصحة والطاقة والصناعات التحويلية " . ويقول ايضاً " لكن المشاكل التي يجب علاجها لا تقتصر على ما يوجد داخل حدود الولايات المتحدة . فلن يتلاشى اختلال الموازين التجارية العالمية التي طبعت العالم قبل الازمة من تلقاء نفسه . وفي الاقتصاد المعولم، لا يستطيع المرء تقديم العلاج التام لمشاكل امريكا من دون النظر الى المشاكل على نحو واسع-الاقتصاد العالمي - كما ان الطلب العالمي هو الذي يحدد النمو العالمي ،وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة ان تستعيد عافيتها بقوة مالم يكن الاقتصاد العالمي قوياً . وربما يصعب التوصل الى اقتصاد عالمي قوي مادام جزء من العالم ينتج اكثر بكثير مما يستهلك، ويواصل الجزء الاخر الاستهلاك بمعدل اكبر بكثير مما ينتج" . وفي ظل سريان التناقضات التي يعيشها النظام الرأسمالي الامريكي ، عملت بعض الدول الاشتراكية على اجراء الاصلاحات الاقتصادية والعمل بنظام المشاركة اي شراكة القطاع الخاص للقطاع العام في جنوب شرق اسيا وخصوصاً الصين ، هذا ما دفع بها لتحتل المراكز الثاني اقتصادياً على مستوى العالم خلال فترة ليست بالطويلة بما يقارب ثلاثة عقود . إلا انها لم تسعى لفرض سيطرتها على العالم وجعله تابعاً لها كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية . ومن اجل الحفاظ على الاستقرار العالمي وعدم السماح لأي دولة تتبنى نظاماً اقتصادياً معيناً تسعى لفرضه وإخضاع العالم تحت سيطرتها وانتقاء كل ما يحبذ انتقاله من المركز الى الاطراف و الحصول على الحتمية التاريخية ، ان تسعى الامم المتحدة والمؤسسات الدولية الاخرى نحو ايجاد قاعدة مشتركة لبناء حكومة عالمية ترعى حقوق والتزامات الجميع وتعامل جميع الدول بمعاملة ابوية ، ومنع انتقال الاثار وخصوصاً السلبية المترتبة على تطبيق نظام ما من قبل دولة معينة الى الدول الاخرى ، إذ من غير المنطق ان تطبق دولة معينة نظاماً ما وتتحمل دول اخرى اثاره خصوصاً السلبية.
التعليقات

karwan
iraq
2020-9-13
بارك الله فيك موضوع جيد ولكن كان يفيدني اكثر هي تسلسل كل مبدأ من مبادئ النظام الحر مع التناقض الذي يحمله وشكرا لك