ان الحكومة ملزمة بتطويق ظاهرة الفقر والهشاشة التي تحصد ملايين الاسر في العراق عبر سياسات جدية بأهداف عمودية نوعية وافقية تستوعب كافة فئات المجتمع المتضررة جراء كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية
يتجه الاقتصاد العراقي بانتظام صوب الانكماش مع استمرار هبوط الايرادات النفطية الى دون المستويات التي تطبعت عليها الموازنات العراقية في الاعوام السابقة. فقد انخفض اجمالي الايراد النفطي العراقي من (7.2) ترليون دينار تشرين الاول 2019 الى قرابة (3.5) ترليون دينار تشرين الاول 2020. ومع تراجع الايرادات الى دون النصف تتراجع ايضا القدرة المالية للعراق في مواجهة تحديات عديدة اهمها توفير التمويل اللازم للقطاع الصحي وقطاع الخدمات الضرورية فضلا على تأمين رواتب الموظفين في القطاع العام وادامة وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية عموديا وافقيا عبر استيعاب الفئات المتضررة جراء سياسات الحظر وتعثر النشاط الاقتصادي في البلد. من جانب اخر اضاف تخلف الحكومة في سداد رواتب الموظفين في مواعيدها اعباء جديدة على الطبقات المتوسطة والفقيرة نظرا لارتباط النشاط الاقتصادي في العراق بشكل مفصلي بنفقات الرواتب والاجور من خلال تحريك القطاعات الخدمية والتجارية المختلفة عبر الانفاق المتنوع لمختلف شرائح الموظفين في الحكومة العراقية.
ويؤدي فقدان الوظائف والدخل وارتفاع الاسعار الى اضعاف قدرة الاسر على تلبية احتياجاتها الاساسية واستنزاف قدراتها على تحمل الصدمات. علاوة على ذلك، فان تزايد الفقر الى جانب تراجع الخدمات الاساسية بسبب الانكماش الاقتصادي واجراءات الحضر السابقة يزيد من هشاشة الاسر ويضع العراق على مسار تزايد مستويات الحرمان وعدم المساواة في مؤشرات الرفاه والتنمية الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل. وتشمل اوجه الحرمان ضعف التغذية، والتسرب من الدراسة، ووفيات الاطفال والامهات، وعمل الاطفال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. ازاء ذلك، هناك حاجة الى استجابة سريعة والى استراتيجية جادة لاحتواء الفقر والحرمان في العراق.
ان الهدف الاساس من الحماية الاجتماعية هو الحد من الفقر وحماية جميع الاشخاص منه ومن الهشاشة والاستبعاد الاجتماعي طوال حياتهم. ولتحقيق هذا الهدف، تقدم انظمة الحماية الاجتماعية مجموعة من السياسات والبرامج الموجهة نحو دعم الاسر ماديا من خلال التحويلات الاجتماعية للتغلب على الصدمات، وتعزيز وصولهم الى سوق العمل، ودعم الاستثمارات في التنمية البشرية والحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات الاساسية.
وتركز دراسة البنك الدولي ومنظمة الامم المتحدة للطفولة (يونسيف) الموسومة " تقويم أثر جائحة كورونا على الفقر والهشاشة في العراق" على اجراء تقييم سريع لأثر الازمة على الفقر والهشاشة في العراق، وخرجت الدراسة بجملة من التوصيات والمقترحات المناسبة لتخفيف اثار الازمة الراهنة على الطبقات الفقيرة والهشة في العراق.
1- تحديث الادلة حول مستويات الفقر وخصائصه نظرا لضرورة رفد برامج الحماية الاجتماعية بأدلة ومعلومات محدثة. فقد ادت الازمة الحالية الى تغييرات سريعة في واقع الفقر والهشاشة بما يحد من دقة استخدام المسوح السابقة لتوصيف واقع الفقر ودعم التدخلات. ويتطلب ذلك جمع الادلة المطلوبة بما يشمل المسوح الاسرية (واقع الفقر) وكذلك تقييم برامج الحماية الاجتماعية والمستفيدين باستخدام البيانات الادارية.
2- تعديل تصميم برامج الحماية الاجتماعية وطرق التسجيل وصرف المعونات بالاسترشاد بمراجعة الأدلة المحدثة، في ضوء تغير تدابير الاحتواء والمخاطر الصحية التي تفرضها الازمات الحالية.
3- تامين الحيز المالي في الموازنة العامة لزيادة تخصيصات الحماية الاجتماعية. ويتطلب ذلك اعتماد منهج تدريجي حيث يتم العمل على المدى القصير لتقييم الحيز المالي وتحديد اولويات الانفاق العام لزيادة الحماية الاجتماعية، وعلى المدى المتوسط هناك حاجة للعمل على معالجة الهدر المالي وعدم الكفاءة في الحماية الاجتماعية بالشكل الذي يؤدي الى استخدام التخصيصات المالية بفاعلية وكفاءة.
4- تنسيق تكامل برامج التحويلات النقدية من مختلف الجهات في إطار شبكة الحماية الاجتماعية. وهذا يشمل معالجة الارتباك وعدم الانتظام في برامج الحماية الاجتماعية التي تقدمها الوزارات المختلفة بما في ذلك التحويلات النقدية المخصصة في حالة الطوارئ.
5- الحفاظ على الخدمات الصحية الاساسية المنقذة للحياة لمعالجة المخاطر المتزايدة للوفيات من الامراض التي يمكن الوقاية منها او علاجها بما يتجاوز تلك الناتجة عن تفشي المرض. ويزداد هذا الخطر على الفقراء الذين يواجهون قيودا في تحصيل خدمات صحية نوعية ذات جودة.
6- ضمان استمرار الخدمات الغذائية والتغذية الاساسية مع التركيز على الرضع والاطفال الصغار والنساء وخاصة السكان الاكثر هشاشة (النازحين).
7- ضمان استمرارية وجودة خدمات المياه والصرف الصحي، والتي ستتأثر بشدة بانخفاض القوى العاملة واجراءات التوريد المتعثرة وتحديات الدفع من خلال التعاون الوثيق مع السلطات الاتحادية والمحلية.
8- تامين التعليم المستمر لجميع الاطفال والمراهقين، ويفضل ان يكون ذلك في المدارس عند توفر البيئة الامنة. لتوسيع المنهجيات المبتكرة لمواصلة التعلم على جميع المستويات خلال الازمة، من خلال برامج الابوة والامومة والتلفزيون والاذاعة والمنصات الرقمية المختلفة واليات التواصل الاخرى. علاوة على ذلك، يلزم توفير الدعم للسماح بعودة امنة وسريعة للأطفال الى المدارس. ويواجه الاطفال من الاسر الفقيرة عوائق اضافية للوصول الى الاساليب المبتكرة وهم في خطر أكبر لعدم العودة الى المدارس عند اعادة فتحها.
9- دعم استمرارية الخدمات الاجتماعية لضمان استمرارية الخط الاول من الاستجابة للأطفال والنساء والاسر المعرضة لخطر العنف والاساءة والاستغلال والاهمال وانفصال الاسرة. ان الخوف والقلق والضغوط الحادة مقترنة بتناقص توافر الاحصائيين الاجتماعيين والعاملين في هذه القضايا يترك النساء والاطفال عرضة للعنف وسوء المعاملة والاستغلال والاهمال. هناك حاجة للتركيز على البرامج التي تركز على الوقاية الصحية او اماكن الرعاية البديلة او الاطفال في مؤسسات الاصلاح في البيئات المجتمعية، ويمكن تمديدها. وهناك حاجة الى اهتمام خاص لضحايا العنف القائم على نوع الجنس.
10- دعم العاطلين والعمال في القطاع غير المنظم من خلال دعم مالي مؤقت، دعم وتدريب فني، تسهيل اجراءات برامج مختارة من العمل. وعلى المدى المتوسط ينبغي ان تنصب الجهود لتشخيص التحديات التي تواجه هيكل التوظيف في العراق، كإنتاجية العمل وحماية العامل، الى جانب اعادة تفعيل بناء النظام التقاعدي للمشتغلين في القطاع الخاص، وبناء انظمة رصينة لدعم العاطلين.
11- دعم العامين باجر في القطاع المنتظم من خلال الايقاف المؤقت لاستقطاعات التامين الاجتماعي ودعم الاجور مشروطا ببقاء العامل في ميدان العمل. كما ينبغي تسخير الجهود لتقديم سياسات واقعية لتنشيط سوق العمل ومنها تقديم الدعم للمتدربين اثناء العمل وكذلك الشباب الذين يبحثون عن فرصة عمل.
12- تشجيع برامج دعم الاعمال الصغيرة مع التركيز الخاص على المبادرات الابداعية. كما ينبغي تركيز الجهود على بناء القدرات لريادات الاعمال اضافة الى برامج التضمين الاقتصادي، باتجاه تحقيق قدرات معيشية مناسبة للفقراء. وعلى المدى المتوسط ينبغي ان يواصل العراق برامج الاصلاح الخاص بتحسين بيئة الاستثمار والاعمال.
13- ضمان توفير راس المال للقطاع الخاص والمنشآت بمختلف احجامها الى جانب تقديم برامج شراكة فعالة تربط جهات العرض والطلب. وفي هذا الجانب لابد من تبني سياسات اصلاح القطاع المالي وتنفيذها بفعالية.
ان انشغال الحكومة في تامين رواتب الموظفين والتكيف مع الوضع المالي الحرج خطوة جيدة لإدامة زخم الطلب الكلي وتنشيط مختلف القطاعات الاقتصادية الخدمية والتجارية في العراق. الا ان ذلك لا يعني بتاتا صرف الاهتمام عن الطبقات الفقيرة والهشة المتضررة منذ سنوات بسبب الاهمال الحكومي وضعف سياسات التخطيط والتنفيذ لتقليص اعداد هذه الاسر رغم وفرة الايرادات المتحققة في السنوات السابقة. بل ان الحكومة ملزمة بتطويق ظاهرة الفقر والهشاشة التي تحصد ملايين الاسر في العراق عبر سياسات جدية بأهداف عمودية نوعية وافقية تستوعب كافة فئات المجتمع المتضررة جراء كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
اضافةتعليق