دور الأسرة في عملية التنمية الاقتصادية في العراق : المعوقات والحلول

  تتمتع الأسرة بدور حيوي وفاعل في البناء المجتمعي ، ولها دور كبير في التنمية الاقتصادية ، وذلك بحكم موقعها المنتج ثقافيا واقتصاديا وفكريا وميدانيا، ونظرا لأهمية الموضوع قام مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية في ملتقاه الحواري الشهري بمناقشة ( دور الأسرة في التنمية الاقتصادية في العراق : المعوقات والحلول ) استنادا إلى دراسات ومسوحات ميدانية نشرتها وزارة التخطيط العراقية ، وقد قدمت في الملتقى ورقتان بحثيتان : الورقة الأولى الخاصة بالبيانات التي تعكس واقع الأسرة المؤلم  في العراق قدمها الأستاذ احمد المسعودي الباحث في مركز الفرات ، أما الورقة الثانية الخاصة بتحليل التنمية الاقتصادية ودور الأسرة في تحفيزها أو تعطيلها فكانت من إعداد الأستاذ الدكتور مهدي سهر الجبوري معاون عميد كلية الادارة والاقتصاد للشؤون العلمية في جامعة كربلاء .

 


     لقد بينت الدراسات المعتمدة أن معدل الفقر في العراق هو 43 % ، ومعدل البطالة 40 % ،  وان 39 % من الأسر لا تمتلك سكن خاص بها ، و 21.7 % من الأسر تعيش بشكل مزدحم ، ومعدل الأمية 21% وهذه النسبة توزعت بين 24 % منهم لم يلتحقوا بسبب الأوضاع الاقتصادية ، و 5.1 لم يلتحقوا بسبب عدم توفر مدارس قريبة منهم ، 45.5 % بسبب عوامل اجتماعية تتعلق بالإناث ، أما النسبة الباقية فبسبب عوامل مختلفة أهمها الشعور  بعدم الجدوى من التعليم ، و 12 % من الأسر العراقية لديها حالات وأمراض مزمنة ، في حين 36 %  تعتمد بشكل مباشر في معيشتها على التقاعد والضمان الاجتماعي على بساطة المصدرين ، و88 % لم تستثمر الوقت بشكل كافي ، وتراوحت النسبة بين الذكور والإناث  بواقع 239 دقيقة لليوم الواحد بالنسبة للذكور ، و294 دقيقة لليوم الواحد بالنسبة للإناث ، وتبين - أيضا - أن الأسر العراقية تشاهد التلفاز بنسبة 93 % بواقع ثلاث ساعات ونصف للذكور وأربع ساعات ونصف للإناث يوميا كحد أدنى ، وان 36 % من الأسر بذمتها قروض وتباينت أسباب القروض بالشكل الآتي ، 58 % من حالات الاقتراض لتلبية حاجات أساسية ، 12 % من القروض لتلبية حاجات استهلاكية سلعية ، أو غيرها من الحاجات السنوية ، و 20 % من حالات الاقتراض لحالات المرض ، وأن 48 % من الأسر غير راضين عن الدخل الذي يكسبونه بسبب قصوره عن تلبية طموحاتهم ، كما أن الأسر العراقية تعاني من عجز سكاني بنسبة 3 مليون وحدة سكنية ، و28 % منها تسكن الصرائف والأكواخ ، و35 % من أفراد الشعب العراقي يعيشون على الدولار أو أقل من الدولار الواحد يوميا ، و 12 % من الأسر فقدت معيلها بسبب الحروب ، و49 % منها تعتقد أن البطالة سبب مباشر في عرقلة دور الأسرة في مجالات التنمية لأنها تسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية كثيرة .

     وعند تحليل هذه البيانات يتضح أن  الفقر حسب أنواعه ، الفقر الثابت - المتواصل -والفقر الطارئ أو ألظرفي الناجم عن أزمة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية عابرة أو كارثة طبيعية .. إنما هو عامل سلبي يؤدي إلى تفاقم الوضع وتدهوره أكثر ، واهم الأسباب التي ساهمت في الفقر هي البطالة لان العمل يساهم مساهمة فاعلة في استقرار أو تحسين المستوى ألمعاشي ، فضلا عن سياسة الدولة المتخبطة التي من شأنها أن تؤثر سلبا في واقع الحياة ، وتنعكس سلبا على مسار التنمية الاقتصادية الشاملة ..

   وتتشابك الأسباب المعرقلة للتنمية الاقتصادية وتترك آثار كبيرة جدا على مسار التنمية لأنها تؤدي إلى ظهور انحرافات كبيرة على مستوى سلوك الأفراد وأخلاقهم ، فتظهر سلوكيات جديدة مفاجئة على المجتمع العراقي لأن الفقير غير المتعفف يجيز لنفسه كل الأمور التي تمكنه من الحصول على لقمة العيش ، فيتجرد من كل الضوابط الاجتماعية إلا ما ندر ، والفقر يؤدي كذلك  إلى عدم تمكين الأطفال من التعلم بسبب تخلي الآباء عن مسؤولياتهم وصعوبة الظروف الاقتصادية المعيقة لاستمرار عملية التعليم مما يؤدي إلى انتشار الأمية بين الأطفال ، كما يسبب الفقر ومؤثراته تدهورا في الوضع الصحي داخل الأسر العراقية مثل كثرة حالات الوفيات من جهة ، وانتشار الأمراض وظهور الجريمة  وحالات الانتحار ، وتشضي الأسر بسبب حالات الطلاق وغيرها.. وكل هذه المظاهر تشكل مؤثرات سلبية كبيرة للغاية تعيق عملية التنمية .



العوامل المعيقة للنهوض لواقع الأسرة في العراق:
        من أهم المعوقات التي تشكل تحديات كبيرة تقف في وجه تطوير وتفعيل دور الأسرة في العراق لتكون مشاركة ايجابية في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة ما يلي :

-    القيم الأسرية التقليدية والنزعة السلطوية في الثقافة الأسرية .

-    وعدم وجود أفق واسع  وسياسة عامة واضحة للانطلاق نحو إصلاح حال الأسرة وتفعيل دورها في عملية التنمية.

-     غياب المحفزات المجتمعية وظهور حالة الأنانية في المنظومة الأخلاقية.

-    تخبط بل وانعدام الدراسات الحقيقية والتخطيط الموجه والمدروس.

-    وعدم وجود قوانين لتفعيل التنمية .

-    انعدام السياسات الاستثمارية التي من شأنها أن تساهم في وضع خطة استثمارية شاملة تأخذ من خلالها الأسرة دورها في عملية التنمية .

-    وجود طبقات اجتماعية ذات فوارق كبيرة في الدخل ( اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء) خلفتها السياسات الحكومية الخاطئة والمتراكمة .

-    عدم توفر القيادة الرشيدة التي تستند إلى مرجعية معرفية رشيدة توفر القدوة النخبوية الصالحة وتحقق قيم العدل والعدالة .

-     فضلا عن عدم وجود تعاون وتنسيق بين الوزارات الحكومية لمعالجة مشاكل الأسر العراقية وتفعيل دورها.

-    غياب القيادة التنويرية المبادرة للإصلاح في العراق .

-    سيادة منظومة القيم القدرية التي تنتج الاستسلام والخضوع للواقع الموجود وهذه المنظومة تتناقض قطعا مع منظومة القيم الايجابية التي تحفز الأفراد والجماعات على المبادرة للإصلاح والتغيير.

-    والإشكال الكبير في تعويق دور الأسرة العراقية يكمن في نظام الذي يعد نظاما خالقا للازمات الاجتماعية- حروب ، صراعات داخلية ، تنمية مشاعر العداء والكراهية .. -  ولا يتمتع بميزة جعله أداة فاعلة لحل هذه الأزمات وتخفيف وطئتها في حال ظهورها.

 

{img_2}

التعقيبات:
    استعان المركز بآراء نخبة من الأساتذة والباحثين الذين ابدوا ملاحظاتهم القيمة حول التنمية ، فقد ذكر الأستاذ جواد العطار (سياسي) " أن التنمية الاقتصادية تنبثق من المجتمع وعلى الدولة أن ترعى ذلك شريطة أن لا يكون المجتمع اتكاليا كما يجب أن تأخذ المبادرة في هذا الطريق المرجعيات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني وعدم اقتصار المهمة على المبادرة الحكومية " ، أما الأستاذ مصطفى الموسوي (موظف في وزارة العدل ) فذكر "أن بإمكاننا إيجاد الحلول عبر استثمار الصحراء وتشغيل الشباب وتوزيع الأراضي في الصحراء على الأسر الفقيرة لاستثمارها في التنمية فمثلا ثمرة المشمش من خلالها نستطيع أن نطور من خلالها صناعة التعليب في العراق  ، ومن خلال حبة المشمش نصنع نوعية خاصة من الأخشاب ، ولبة الثمرة تصنع مكسرات فالحلول موجودة لكن يغيب التخطيط الجيد " ، وأوضح الأستاذ عامر ألخلخالي (موظف في ديوان الوقف الشيعي) " أن الاستخدام الأمثل للثروات يعتبر حلا امثل لمشكلة تراجع دور الأسرة في عملية التنمية "، ويعتقد الأستاذ احمد المطيري (الحقوقي في جامعة كربلاء ومدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ) " أن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ، وفساد المسؤول يقفان حائلا دون التنمية الاقتصادية ، بل وكان سببا مهما من أسباب التراجع ، وبمجرد التخلص من الرؤوس الفاسدة تفتح أبواب التنمية على مصراعيها " ،

أما د. نعيم ( التدريسي في جامعة كربلاء) فيؤكد على " أن غياب الاستراتيجيا الثابتة للأحزاب والأنظمة( غياب المشروع الإصلاحي)على حد سواء كان سببا مباشرا في عدم أحداث تنمية شاملة للبلد ، وان وضع المشروع الإصلاحي والسير على خطى الإصلاح بانتظام يؤدي إلى تفعيل دور الأسرة في التنمية الاقتصادية"  ، ويرى البروفسور الدكتور رياض المسعودي " أن النفعيين هم السبب في التراجع الأسري في مجالات التنمية ، فالأسرة والإنسان دورهما مغيب في إحداث التغيرات الاقتصادية ، وان المعلوماتية ضيقة عندنا ، فعدم وجود تعداد دقيق للسكان يؤدي إلى بناء غير سليم ، فضلا عن عدم الاستعانة بالعلوم الحديثة التي من خلالها يتم الإصلاح ، وان النفط أصبح نقمة على الشعوب وليس نعمة لان استخدامه كان في غير محله مما سبب مشاكل كبيرة جدا"  ،

أما الأستاذ ياسين (باحث ) فقد أشار إلى " أن الأسرة يجب أن تبادر إلى تشجيع أفرادها نحو الإبداع لكسر الحواجز النفسية ، طبعا بمساهمة ومساعدة الحكومة من خلال تشريع قوانين تأخذ على عاتقها تشجيع الإنتاج الأسري وإصلاح وتعميق دور الأسرة في التنمية الاقتصادية" ، واقترب من هذا الرأي الدكتور عدنان التميمي (أستاذ متخصص في مجال استثمارات النفط) إذ أشار إلى مصطلح التنور المعرفي " الذي يتيح التفكير السليم لان الأسرة المشغولة بهموم كبيرة لا تشترك بفاعلية في التنمية إطلاقا ، وينبغي أن تقوم الدولة بإحصائية دقيقة جدا للأسر وتفعيل حق السكن وأهميته والتخطيط وضرورته في حل بعض المشاكل المؤثرة سلبا على مسار التنمية ، فعلى سبيل المثال الميزة النسبية في مجال النفط ، بحيث يستغل النفط عبر تصنيعه ليستفاد منه عشرات الإضعاف بحيث يتحول المنتج الواحد إلى منتجات عديدة ، وضرورة التخطيط بين الوزارات المعنية بالتنمية من خلال ورش عمل لتطوير وإدارة عملية التنمية ووضع الخطط الجديدة ، فمثلا تنشر الجامعات الأردنية سيرة خريجيها لتخفيف حدة البطالة لصناعة أو خلق فرص عمل ، والاستعانة بالقطاعات الطبيعية كالقطاع الزراعي لخلق أساليب جديدة للتنمية الاقتصادية ، ويتم ذلك من خلال الاستعانة بالقطاع النفطي الذي يمثل مرتكز للتنمية الشاملة" ،

واعتقد الأستاذ حيدر المسعودي (جامعة كربلاء شعبة ضمان الجودة) " أن الأسرة العراقية اليوم غير الأسرة قبل عشر سنوات إذ تراجعت عن دورها في التنمية ،لان الأسرة تفككت جزئيا ولا يمكن إعادة الأمور إلا من خلال إعادة منظومة القيم من خلال التخطيط الحكومي والاجتماعي لصناعة أسرة جيدة " ، أما الأستاذ محمد معاش (مدير العلاقات العامة في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام) فقد أشار إلى " أن الحروب تتسبب في التراجع لدور الأسرة ، لذلك فان إيقاف الحروب والتوجه إلى التنمية يعتبر جزءا من تفعيل دور الأسرة في التنمية الاقتصادية" ، أما الشيخ مرتضى معاش ( رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام ) فقد بين " أن مشكلة الأسرة في العراق تكمن في سيادة الثقافة القدرية في منظومتها القيمية وهذه الثقافة تتناقض بشكل جذري مع متطلبات تفعيل دور الاسرة في عملية التنمية ، وان الاهتمام بالشباب ورعاية مصالحهم ، وحسن تكوين الأسرة ، والاهتمام الحكومي بالموضوع سينعكس إيجابا على النهوض بواقع الأسرة العراقية ".


توصيات الملتقى
خرج الملتقى بعدة حلول أهمها:

-    حل المشاكل المرتبطة بتفكير الأسرة والتي تعتبر عوائق تعيقها عن التقدم وممارسة دورها التفكيري الإبداعي في التنمية الاقتصادية ، مثل السكن ، والبطالة ، والفقر ، والأمراض وغيرها...

-    تشريع قوانين فاعلة تدعم الأسر المنتجة وتساهم في تفعيل دورها  ميدانيا في التنمية الاقتصادية.

-    مشاركة الدولة لهموم الأسرة ، وذلك من خلال رفع العوائق المادية والروتينية التي تعرقل أداء مهامها في التنمية الشاملة.

-    الاستعانة بالقطاع الزراعي لتشغيل الأسر الريفية وجعلها أداة للدعم الاقتصادي الوطني ، من خلال إسنادها بقروض زراعية من شأنها أن تساعد على النهوض بالواقع الزراعي والصناعي المرتبط به ، لما لهذين القطاعين من مردودات تنموية اقتصادية.

-    الخروج من معيار السلطة إلى معيار الدولة في عملية بناء العراق.

-    التغيير الحقيقي في نمط تشكيل الأسرة ومنظومة القيم الموجودة فيها ، فالأسرة اليوم توجه الفرد إلى اللا تنمية وينبغي أن توجهه نحو التنمية.

-    التعليم في العراق يعد تعليما سلبيا ويتطلب الحال أن يكون تعليما ايجابيا ، بمعنى أن يفتح آفاقا للتنمية الاقتصادية ولا يجلب أمراضا مزمنة وعقدا جديدة يضيفها الى المجتمع.

-    وضع الستراتيجية ثابتة للتنمية تنبثق من الفرد إلى المجتمع ، وهذه الستراتيجية تحتاج إلى أن تكون مراعية لتحويل الفرد من التفكير السلبي ، إلى التفكير الإيجابي ليتحول بذلك إلى منتج ومساهم في عملية التنمية.

-    الاستخدام الأمثل للثروات في مجالات التنمية.   
 
-    اعتماد قاعدة بيانات وزارة التجارة لمعرفة الأسر التي لا تمتلك راتب شهري بهدف معالجة خط الفقر.

-    تفعيل ضمانات الحماية الاجتماعية بشكل يحفظ كرامة جميع الأسر في العراق.

التعليقات