ما بعد الحرب النووية

الصراع الكوري-الكوري كان من نتائج صراع القطبين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق) في اعقاب الحرب العالمية الثانية. حيث اصطبغت كوريا الشمالية بالعقيدة الشيوعية، ولا زالت، فيما اخذت كرويا الجنوبية الطابع العربي الرأسمالي. الخلاف تطور الى نزاع مسلح والذي تطور فيما بعد ليكون ما اعتبرته واشنطن، تمرد كوري شمالي على المجتمع الدولي وقرارته الاممية.

تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ، وذلك بسبب عدد من الاحداث كان اخرها قيام الشمالية بتجربة صاروخ بالستي (هواسونج15) العابر للقارات والذي سيجعل البر الرئيسي للولايات المتحدة بأكمله في مجال أسلحة بيونغيانغ النووية. وما تلا ذلك من استنفار دولي قاد الى جلسة طارئة لمجلس الامن، دعا فيه وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، المجتمع الدولي إلى "اتخاذ إجراءات جديدة" تذهب أبعد من العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي حتى الآن على بيونغ يانغ، ومن بين هذه الإجراءات "حظر النقل البحري للبضائع من وإلى كوريا الشمالية".   وجرت ايضا على إثر ذلك مناورات عسكرية مشتركة امريكية كورية جنوبية .

ان طبيعة الحرب النووية والتراشق بالأسلحة الذرية ذات الطاقة التدميرية الهائلة، سريعة جدا ولا توجد فيها مساحة للتفكير والمناورة والاختباء خلف السواتر او فرش الخريطة على طاولة يتحلق حولها القادة العسكريين.

 الحرب النووية فيما بعدها لان إثنائها يقتصر على ثواني يحصل فيها الانفجار ثم العصف والحرارة والاشعاع (المهلكات الثلاث)، ومن هذه القناعة سنتصور ان كوريا الشمالية تهورت وقصفت شواطئ الولايات المتحدة بالصواريخ البالستية ذات الرؤوس النووية، معلنة بداية الحرب النووية التي كان يخشاها الجميع وفي ذات الوقت يتوق لاقتناء تقنية بناء اسلحتها ويسعى جاهدا للحصول عليها.

طرفا النزاع وساحتا الصراع ستكون كل من الولايات المتحدة منفردة، بعد ان تتخلى عنها اوربا، وكوريا الشمالية والدول المحيطة (المتورطة معا) كالصين واليابان وكوريا الجنوبية، والاخيرة قد تتلقى صفعة من جارتها الشيوعية، في حالة تعرضها للاعتداء، ولكنها لن تكون بيد نووية، لان الاخيرة ستدخر كل ما لديها من ذخيرة مدمرة لتوجيهها صوب امريكا.

قوة واشنطن هي نفسها نقطة ضعفها، فبدنها الكبير المترهل، هدف كبير امام اعين الزعيم كيم، وحتى قواعدها الحربية في اليابان مثلا او قطر (قاعدة العيديد) ستكون فريسة سهلة امام هجوم صاروخي نووي يقضي على الالاف من الجنود الامريكيين ويقطع طرق التجارة ونقل البترول.

 لكن نقطة تفوق الولايات المتحدة على عدوتها الشمالية يكمن في ان محيط الاخيرة غير داعم لها ان لم يكن معادي، فاحتمالية ان زرع الجواسيس او مجموعات قتالية او بطاريات صواريخ داخل حدود تلك البلدان وبالقرب من حدود بيونغ يانغ.

وكذلك التفوق الامريكي يبرز في امتلاكها أحدث واقوى الاسلحة النووية، بفضل التجارب التي قامت بها والاستخدام الفعلي في هوريشيما وناكازاكي اليابانيتين.

ومن اعلاه يمكن تصور تدمير شبه كامل لكوريا الشمالية واحتراق الساحل الغربي للولايات المتحدة الامريكية، في حالة نشوب النزاع النووي بينهما. لكن التساؤل ما سيكون حال العالم عندئذ؟ 

ستحل الفوضى في العالم بغياب شرطي العالم او تغييب دوره رغما عنه، ستثب الدول الكبرى على جارتها الصغرى، القوي سيفترس الضعيف، وستداس الحقوق تحت اقدام المصالح والحاجات الملحة، كالحاجة الى البقاء على قيد الحياة. وستصبح الحياة أكثر ظلما ووحشية مما تعودنا عليه.

الله تعالى الذي وضع حكمته في أضعف خلقه، جعل الذرة اساس بناء كل شيء وفي نفس الوقت جعل فيها على صغر حجمها طاقة هائلة، بإمكان البشر ان ينتفعوا منها في تحسين حياتهم وتطويرها. الا ان شهوة السيطرة والتحكم والتفوق دفعت النخب العالمية آنذاك الى تسخير هذه القوة للدمار وكوسيلة للإهلاك واداة لتركيع الشعوب والامم، فكان نصف غرام من اليورانيوم كفيلا بقتل 140 ألف انسان في اليابان، فكيف بنا اليوم والدول النووية تمتلك الاف القنابل التي تفوق ما أسقط على هوريشيما بأضعاف مضاعفة.

على البشرية ان تعي اليوم ان الحرب النووية ان اندلعت ستـُهلك جميع من في الارض، ولن يتبقى انسان على قيد الحياة ليطفئ فتيل قنبلة اخرى على وشك الانفجار من كدس القنابل الذرية المتبقية بعد فنائنا.

التعليقات