لا يمكن تصور قيام دولة كردية مستقرة في منطقة ملتهبة اصلاً فالدولة الحديثة لا يمكن ان تتكون في ظل عزلة دولية
من يراجع تاريخ الكرد لا سيما في مناطق نفوذهم الأقوى ما بين شمال شرق العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا إضافة إلى بعض مناطق أذربيجان ، وعلى مر العصور دائماً ما كان الكرد يشكلون عامل مقلق للدول التي يتواجدون فيها ويشكون من عزل وسوء معاملتهم من لدن حكوماتهم ومنعهم من المشاركة في الحكم أو نيل حقوقهم ، وفي هذه البلدان بالذات طالما دخلوا في صراع مباشر أو شبه مباشر مع حكوماتهم في محاولة للحصول على حقوق أو للحصول على حكم ذاتي في مناطقهم أو حتى الاستقلال لما يطلقون عليه بحلم قيام الدولة الكردية الشاملة والواسعة والتي تضم أكراد سوريا والعراق وتركيا وإيران لا سيما مع توفر الحدود الجغرافية التي تربط ما بينهم ، وهذه المطالب كانت قد تكللت وتطورت إلى مستويات متقدمة عبر إنشاء قرابة السبعة محاولات جميعها باءت بالفشل وتنوعت ما بين جمهورية ومملكة وحكم ذاتي ومن ابرز تلك المحاولات التالي :-
مملكة كردستان
أقيمت بمدينة السليمانية العراقية وريفها عام 1922 بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، ودامت سنتين حتى تحركت القوات العراقية بدعم جوي وبري للاستعمار البريطاني وسيطرت على السليمانية وأنهت سيطرة البرزنجي، إلا أن الحفيد استطاع ثانيةً الإغارة على القوات وأخرجها من المدينة لتعود إلى سيطرته مجدداً. ولكن الجيش العراقي استعاد بدعم البريطانيين السيطرة على السليمانية وأجبر الحفيد على مغادرة المنطقة واتخاذ الجبال مقراً لشن حرب عصابات استمرت حتى عام 1926 حين عقد اتفاقاً مع البريطانيين قضي بأن يغادر هو وأسرته العراق.
كردستان الحمراء
لم يشكل الوجود الكردي في المثلث الأرميني الروسي الأذربيجاني قوة يمكن الاعتماد عليها في إقامة وضع كردي خاص اعتماداً على القوة الذاتية والدعم الداخلي. لكن هذه الدول الثلاث استخدمت الورقة الكردية لتحقيق مصالحها، ودفع الأذريون الأكراد إلى إعلان جمهورية كردستان الحمراء التي امتدت من 1923 إلى 1929 في ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة هامة تقع بين أرمينيا وأذربيجان.
جمهورية لاجين
التجارب الكردية في تلك المنطقة الواقعة بين أذربيجان وأرمينا لم تتوقف واستمرت ليصدر عام 1992 إعلان جديد عن ولادة جمهورية لاجين الكردية برئاسة وكيل مصطفاييف، ولكن لم يكتب لها النجاح وانهارت بسرعة فلجأ مصطفاييف إلى إيطاليا.
جمهورية آرارات
الكورد في تركيا قادوا سلسلة من المواجهات مع السلطة بدأت بثورة في مناطق جبال آرارات باسم "ثورة آغري" عام 1930، بقيادة إحسان نوري باشا (1896-1976) الذي أسس حزباً سياسياً كردياً باسم "خويبون" ثم أعلن ثورة عارمة في وجه الدولة التركية، وأعلن مناطق جبال آرارات دولة كردية مستقلة، ليبدأ مع الدولة التركية حرباً شاملة في المنطقة الكردية بتركيا، ومنيت القوات التركية في البداية بخسائر فادحة، وهو ما استدعى من الأتراك إعلان نفير عام واستدعاء آلاف الجنود والمتطوعين لمحاصرة تلك المنطقة وانهائها.
جمهورية مهاباد
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت مملكة إيران ضعيفة جداً، واستغلت المعارضة الكردية ذلك الوضع بمساعدة الاتحاد السوفياتي، وأعلنت جمهورية مهاباد، سقطت مهاباد سريعاً لأسباب داخلية تتعلق بغياب الدعم العشائري، ومناهضة الإقطاعيين، ولأسباب خارجية تمثلت باتفاق شاه إيران مع المخابرات البريطانية والأمريكية، وعقده اتفاقات نفطية مع الزعيم السوفياتي ستالين، أدت إلى أن تترك روسيا الجمهورية الفتية تسقط بهجمات الجيش الإيراني، والقبض على كاظي محمد رئيس مهاباد وأعوانه وإعدامهم.
لذلك فان هذه المحاولات جميعها أجهضت تماماً واذا ما اجرينا مقارنة فأن كردستان العراق قد حققت مكاسب للكرد ترتقي الى حد كبير مع طموحهم لا سيما بعد عام 2003 فقد اكتسب الكرد حضوراً و تمثيلاً سياسياً كبيراً في بغداد والمشاركة مع السلطة الاتحادية في تقاسم المناصب كما ولا يخفى الدور الكردي الكبير في صياغة دستور عام 2005 بعد ان ضمنوا حقوقهم ومتطلباتهم ، ناهيك عن المكاسب المختلفة في اقليم كردستان العراق فبالرغم من حصولهم على قرابة ال17 % من الموازنة الاتحادية يسيطر الاقليم على المنافذ الحدودية مع الجانب الايراني والتركي وبالتالي مزيداً من الموارد يضاف اليها عمليات تصدير كمية من النفط خارج منظومة شركة سومو الاتحادية وغيرها من الامور التي جعلت من الكرد يتمتعون بامتيازات يفتقدها نظرائهم في الوسط والجنوب ، كما وان الخلاقات الكردية -الكردية هي موجود فعلاً لا سيما ما بين حركة التغيير والحزب الديمقراطي بقيادة مسعود برزاني المسيطر على رئاسة الإقليم والذي انتهت ولايته منذ سنتين وغيرها من المشاكل التي دائماً ما يتم اثارة مشاكل مع بغداد حتى لا تسلط الاضواء عليها وهو ما يعرف بتصدير الازمات ، كذلك موقف الاكراد من قضية داعش والسيطرة على المناطق المتنازع عليها وفرض سلط الامر الواقع وصولاً الى اجراء الاستفتاء لما يسموه بتقرير المصير في انتظار اعلان الدولة الكردية فهل ستسمح لهم ايران وتركيا بذلك؟
من خلال ما تقدم، لا يمكن تصور قيام دولة كردية مستقرة في منطقة ملتهبة اصلاً فالدولة الحديثة لا يمكن ان تتكون في ظل عزلة دولية فمفهوم الدولة اليوم ليس كالسابق ومن اهم عناصر استقرار الدولة ان تتمتع بعلاقات طيبة مع جيرانها فكيف يكون للكرد الدولة الكردستانية في ظل عزلة من جميع جيرانها سواء العراق في حالة الانفصال او سوريا او تركيا وايران ، ايضاً ان تركيا وايران لا يودان قيام الدولة الكردية خشية ان تفتح شهية اكراد البلدين للتمرد وبالتالي المطالبة بنفس خطوة اقليم كردستان وهذا عامل مؤجج لا تسمح به تلك الدول حتى وان يرى البعض ان حجم التبادل الاقتصادي والتجاري وتبادل المنافع يعود بمكاسب مغرية لتلك الدول مع ذلك فعندما يتعلق الامر بالأمن القومي والوطني لإيران وتركيا فأن الموضوع سيختلف تماماً وفوق كل اعتبار لخطورة الموضوع ، لذلك فأن الإجراءات التركية والايرانية يراها البعض لا تتناسب وحجم المشكلة حتى الان واكتفت برفض نتائج التقسيم وغلق المجال الجوي بطلب من الحكومة الاتحادية العراقية بانتظار موقف بغداد اتي بدأت سلسلة اجراءات تصاعدية وعلى وفق الدستور العراقي، وايضاً جرت مناورات عراقية تركية وعراقية ايرانية والهدف منها تسليم المنافذ الحدودية لإدارة الحكومة الاتحادية في بغداد وجميع هذه الاجراءات بانتظار النتائج المتوقعة سواء تم الغاء نتائج الاستفتاء او عقد مفاوضات مباشرة مع بغداد لا سيما الموقف الدولي الرافض للانفصال والداعم لبغداد يعد فرصة كبيرة لتصحيح المسار واعادة تمركز السلطة الاتحادية بما يتوافق والدستور والسيطرة على الموارد وهذه الاجراءات سوف تقطع الطريق على من يجرأ على القيام بنفس خطوة الانفصال .
اضافةتعليق