السعودية والحوثيين... يتقاتلون علنا ويفاوضون سرا

بعد مواجهات مباشرة بين السعوديين والحوثيين لأكثر من سنة، من خلال انطلاق تحالف عاصفة الحزم ضد الحوثيين الذي عدة دول عربية واسلامية، أعلن عن قيام الطرفين عن اجراء مفاوضات مباشرة بينهما، والتخلي عن شروطهما السابقة، ويقبلان التفاوض وجها لوجه للتوصل الى تسوية سياسية قد تنهي الحرب في اليمن. فبعد ان كانت المملكة العربية السعودية ترفض رفضا قاطعا اي تفاوض مباشر مع تيار "أنصار الله" الحوثيين في اليمن، او الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتصر على ان تكون اي مفاوضات مباشرة، او غير مباشرة، مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وممثليه الذي انطلقت "عاصفة الحزم" من اجل اعادته الى عرشه، ولكن الامور تغيرت، واصبح الحوثين طرفا مباشرا في المفاوضات، وهو اعتراف سعودي بالحوثيين كمكوّن سياسي رئيسي في اليمن. وذكرت بعض المصادر من اليمن إن زيارة أجراها وفد سعودي لإحدى مديريات محافظة صعدة تنضوي تحت ما يسمى بالتفاهمات الإيجابية، مشيرا الى أن هذه التفاهمات لا تعني الاتفاق النهائي لكنها البداية لإعلان وقف إطلاق النار والانتصار على الإرهاب، وقد سربت بعض وسائل الاعلام بنود الاتفاق بين الطرفين ومنها، انسحاب الحوثي من المواقع المحتلة داخل الحدود السعودية، هدنة على مختلف جبهات القتال، رفع الحصار عن تعز، السماح بتمرير المساعدات والمواد الإغاثية لمختلف المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، تشكيل حكومة انتقالية يشارك فيها الحوثيين، تشكيل مجلس حكم محلي للعاصمة صنعاء، تبدأ فور استقرار الأوضاع مرحلة إعادة الإعمار بعد عقد مؤتمر دولي للمانحين، يتم دفع تعويضات للحوثيين وترضيات لبعض القيادات القبلية تحت مسمى إعادة الإعمار، يجمد موضوع تسليم السلاح للشرعية ويحال إلى الحكومة الانتقالية (الحوثيين جزء منها)، يسكت كل طرف عن ملاحقة الطرف الآخر بجرائم الحرب، رفع درجة التمثيل التفاوضي لجميع الأطراف، استكمال المفاوضات في الأردن لمناقشة تفاصيل هذه النقاط وطريقة تنفيذها. وبعد فشل جولات من الحوار تحت مظلة الامم المتحدة في جنيف ومسقط، وبترتيب من قبل المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ، في تحقيق اي نجاح، لهذا فقد صعد الحوثيين وانصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح من مواقفه، وقرر رفض اي حل سياسي، وتصعيد العمل العسكري، وان اي مفاوضات مقبلة يجب ان تكون مع الاصل، اي الحكومة السعودية، وليس مع اتباعها. ان اسباب هذا الموقف عديدة منها: 1- وعلى الرغم من إن الولايات المتحدة لم تبخل على السعودية والتحالف العربي المشارك في عاصفة الحزم بتأييدها لهذه العاصفة، ودعمها، بل إنها أعلنت على لسان مصدر مسئول فيها عدم سكوتها إذا ما تعرضت السعودية لأي عدوان، والمقصود هنا بالطبع عدوان إيراني، ومع ذلك فإن التأييد الأمريكي لعاصفة الحزم جاء مشروطا بعدم استمرارها طويلا، أي أن يتم إنهاؤها سريعا لاستئناف الحوار الوطني في اليمن الذي كانت ترعاه الأمم المتحدة، والذي حاول إخراج اليمن من الحرب الأهلية، كما إن الولايات المتحدة لاتريد إن تخسر حربها ضد الإرهاب، لان الهجوم على اليمن يعزز المنظمات الإرهابية مباشرة، فعلى أحد جانبي الصراع، تجعل الهجمة ضد الحوثيين تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يتنفس الصعداء، بعدما كان هدفًا للهجمات المتكرر بالطائرات الأمريكية بدون طيار من جهة، وهجمات الحوثيين من جهة أخرى، وفي الواقع، الهجوم السعودي على اليمن وتراجع تأثير الحوثيين، فإن هذا من شأنه أن يؤدي تلقائيًا إلى زيادة قوة القاعدة في جزيرة العرب، وهذا هو احد أهداف الحرب السعودية على اليمن، وهو دعم أنصارها من القاعدة والسلفيين، على الطرف الآخر، هذه الضربات التي تقودها السعودية يمكن أيضًا أن تعزز تنظيم داعش وجبهة النصرة، التي تحاربهما القوات الأمريكية في سوريا والعراق، فعلى الرغم من عدم وجود حدود مشتركة بين اليمن وسوريا، إلا أن شبكاتهم قوية، صحيح أن القاعدة في جزيرة العرب وداعش لا يلتقيان وجهًا لوجه، لكنهما مع ذلك لن يمانعا في تحمل بعضها البعض إذا تم القضاء على أحد أعدائهما المشتركين، وبهذه الطريقة يكون الغرب قد غرس شوكة في خاصرته، ربما يستطيع إخضاع الحوثيين، الذين يرفعون شعار الموت لأمريكا وإسرائيل، لكن في حين يقضون على هذا التهديد، فإنهم قد يتجاهلون التهديد الأكبر الذي هو أكثر خطورة، ويبدو أن هذا تكرار للحرب السوفيتية، حيث تمكنت الولايات المتحدة من ركل السوفييت، لكن النتيجة كانت تثبيت نظام لم يكن فقط معاديا، ولكنه أيضا ساعد العناصر التي أعلنت الجهاد ضدها. 2- كان الرئيس الامريكي اوباما راغبا بتمرير الاتفاق النووي مع ايران بدون معارضة ، فهذا الاتفاق له معارضة في الداخل الأميركي والخارج، وأحد المعارضين في الخارج هو السعودية، البيت الابيض كان يدرس كيف يطمئن السعودية بأن أميركا لم تتخل عنها، فجاءت الحرب على اليمن فبرهنت أميركا للسعودية أنها لم تتخل عنها لكن الصحف الأميركية كانت تنتقد السعودية وتسأل ما جدوى الحرب وما سيحصل مستقبلاً، أميركا لم تكن مقتنعة بالحرب، فهي كانت مؤيدة وغير مؤيدة وهذا موقف ملتبس، ولهذا اراد الأميركيين في هذه الحرب، ارضاء السعودية وخففوا من معارضتها للاتفاق النووي. 3- هناك عدد من المحاولات الروسية في مجلس الأمن ، والراغبة في الاتجاه للحل السلمي والتفاوض ، وهو ما ستؤول إليه الأمور قريبا ، إذ إن روسيا حليف جديد، يرسم شكل تواجده في المنطقة العربية بخطوات حثيثة لكنها واثقة، وموقف موسكو واضح جدا من عملية "عاصفة الحزم" فهي ترفضها جملة وتفصيلًا، نظرا لعلاقتها الراسخة والقوية بإيران ،حتى بعد اتفاقها النووي مع أمريكا، وقدمت روسيا، في مجلس الأمن الدولي، مشروع قرار يلزم تحالف "عاصفة الحزم" بتطبيق "وقف حرب إنسانية" في قصفه على اليمن، لإجلاء المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية، حتى إن مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمى، أعلن أن بلاده مستعدة لبحث مقترح موسكو، مؤكدا أن الرياض تشاطر روسيا قلقها بشأن الوضع الإنساني في اليمن، مشيرا إلى ضرورة بحث آلية تنفيذ المقترح الروسي مع أطراف مختلفة، وأوضح أنه يجب مناقشة المقترح الروسي بصيغة ثنائية وبوساطة الأمين العام للأمم المتحدة، لافتا إلى أن الرياض تجرى حاليا محادثات مع موسكو بشأن مشروع قرار خليجي حول الوضع في اليمن، وهذا يعني إن لروسيا دور وموقف يجب أخذه في الحسبان في أي عملية في الشرق الأوسط. 4- فشل عاصفة الحزم وغاراتها المكثفة على مدى اكثر من سنة من هزيمة الحوثيين، واعادة الشرعية، مع تصاعد اعداد الخسائر في صفوف القوات السعودية، سواء على الحدود اليمنية، او في ميادين القتال داخل اليمن، وذكرت بعض وسائل الاعلام ان عدد القتلى السعوديين في هذه الحرب وصل الى اكثر من ثلاثة آلاف جندي وضابط، اضافة الى اعداد القتلى من قوات التحالف الاخرى وخاصة الاماراتيين، فقد تصاعد حالة التململ في الداخل السعودي من جراء اطالة امد الحرب في اليمن، وتحولها الى حرب استنزاف عسكري ومالي وبشري، وتصاعد مشاعر الكراهية للمملكة في اوساط الرأي العام العربي والعالمي، وانهيار التحالفات التي تم انشاؤها لتوفير الغطاء الاسلامي والعربي لهذه الحرب، قبل ان تنشأ، ورفض العديد من الدول الإسلامية والعربية الاساسية في المنطقة ومنها ( تركيا وباكستان ومصر) من المشاركة في القتال في اليمن، مما وضع عدة عقبات وضغوط داخلية امام السعودية والمتحالفين معها لإنهاء هذا النزاع. 5- تسببت غارات الطيران التحالف العربي والقصف المدفعي السعودي على المدن داخل اليمن وعلى الحدود، الى تدمير العديد من الاحياء السكنية ومقتل مئات الالاف من المدنين من الاطفال والنساء والشيوخ، والى تدمير البنى التحتية والمدارس، والمستشفيات والجوامع، وطال القصف المواقع الاثرية والتراثية في اليمن، مما ادى الى تصاعد الانتقادات الدولية ومنظمات حقوق الانسان للغارات السعودية في اليمن، والحصار الموازي لها ، فقد اتهم البرلمان الأوروبي السعودية بارتكاب جرائم حرب، ومطالبته حكومات بلاده بفرض حظر على بيع اسلحة للسعودية. 6- النفقات المالية الهائلة على هذه الحرب، والتي تقدرها بعض الاوساط بمليارات الدولارات شهريا، تشمل تغطية نفقات القوات العربية المشاركة فيها، وتعويض المعدات والذخائر والغارات الجوية لأكثر من مئتي طائرة، وبلغ عددها ثمانية آلاف طلعة جوية، وتقديم مساعدات مالية لحكوماتها، ودول اخرى مثل مصر وباكستان والصومال وجيبوتي وجزر القمر، لكسب ودها، او حيادها على الاقل. 7- ظهور تنظيمي داعش والقاعدة كقوتين رئيسيتين في الساحة اليمنية، خاصة في المناطق الواقعة خارج سيطرة قوات الحوثيين في جنوب اليمن، فمدينة عدن باتت تعيش حالة من الفوضى الدموية بعد تحريرها، وانسحاب قوات الحوثي منها، والرئيس عبد ربه منصور هادي بات معتقلا في قصر المعيشيق الذي يقع على قمة في عدن، ووصلت التفجيرات الى مدخله، وباتت الاغتيالات والعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة هي السائدة، والشيء نفسه يقال عن قادة الامن والشرطة، مضافا الى ذلك خوف امريكا من قيام دولة او امارة اسلامية عند مدخل باب المندب تهدد خطوط الملاحة الدولية التجارية والعسكرية. 8- خوف السعوديين من انتقال تجربة ايران في سوريا الى اليمن، وخاصة قيام ايران بتهديد السعوديين من ان ايران قد تدعم الحوثيين بنفس اسلوب دعمها للرئيس بشار الاسد في سورية، اي ارسال مستشارين عسكريين، وهذا يعني تحول اليمن الى سورية ثانية، وزيادة عليها وقوف الايرانيين على حدود السعودية، خاصة وان هناك تدهور الأوضاع باتجاه خطير خاصة فوضى الحدود السعودية واستيلاء الحوثيين على عدة مدن سعودية حدودية في جيزان ونجران وعسير، ومطالبتهم علنا بإعادة هذه المدن الثلاث الى اليمن واعتبارها اراضي محتلة من السعودية، اضافة الى التداخل العشائري بين هذه المناطق واليمن وهو ما قد يقود لاحقا الى حدوث تمرد داخل هذه المدن ضد الحكم السعودي. 9- اما الاسباب التي دفعت تيار الحوثيين للقبول بالمفاوضات المباشرة مع السلطات السعودية فيعود ذلك الى حصوله على اعتراف وشرعية سعودية كقوة رئيسية في الساحة اليمنية، ولكون الدعوة وصلته من الرياض، واجراء المفاوضات على اراض سعودية، ولأنه يدرك جيدا ان الحرب ستنتهي بحل سياسي في النهاية، والاستمرار في الحرب، في ظل لجوء الطرف الثاني الى السلم تكتيك ذكي لتقليص الخسائر وتجنب معركة صنعاء، طالما ان هذا الحل السياسي يحقق مطالبه في ابعاد الرئيس هادي وتأسيس مجلس رئاسي، وحكومة وحدة وطنية، ومرحلة انتقالية. 10- الانقسامات التي ظهرت على الساحة اليمنية وشملت مختلف الاطراف، وتأتي اقالة رئيس الوزراء السابق خالد بحاح على راس الانقسام داخل الحكومة اليمنية في عدن، اذ اقدم الرئيس المستقيل (عبد ربه منصور هادي) على اقالة رئيس وزراءه ونائبه (خالد بحاح)، وتعيين (احمد عبيد ) رئيسا للحكومة، وعلي محسن الأحمر نائبا له، اذ عد بعض المحللين هذه الخطوة من قبل الرئيس بانها بداية صراع على السلطة، خاصة بعد سفر بحاح المفاجئ الى الامارات العربية، كما انه يعد بداية انقسام فغي التحالف العربي، لان بحاح مدعوم من قبل الامارات العربية، بينما يعد (علي محسن الأحمر) رجل الرياض الاول في اليمن، وهو من حزب الاصلاح السلفي، وهو ما قد يقود الى صراع داخلي سواء داخل حكومة (هادي) او داخل التحالف العربي، لهذا ادركت السعودية انه لابد من المفاوضات لإنهاء النزاع في اليمن الحفاظ على مصالحها. يضاف اليه الصراع الخفي بين الحوثيين والرئيس السابق (علي عبدالله صالح)، اذ ان العلاقة بين الطرفين هي علاقة فرضتها ظروف الحرب في اليمن، اذا ما عرفنا ان العداء بين الطرفين هو اكبر من الالتقاء، اذ خاض الرئيس (صالح) عدة حروب ضد الحوثيين في صعدة شمال اليمن، اسفرت احداها عن مقتل زعيم الحوثيين (حسين بدر الدين الحوثي) عام 2004، وان السعودية كانت الممول الرئيسي له في هذه الحروب، كما ان الرئيس 0صالح) غير موافق على العديد من سياسات الحوثيين ومنها التفاوض الاخير، خوفا على مصالحه في اليمن، كما ان الحوثيين يخشون من ان يتم الاتفاق بين صالح والسعودية على حسابهم، لهذا فانهم مضطرون في هذه الظروف العمل على كسب الوقت لصالحهم. 11- هناك مأزق يعيشه الحوثييين وحلفاؤهم، فهناك تقدم لقوات الرئيس المستقيل (عبد ربه منصور هادي)، بإسناد من قوات التحالف الذي تتزعمه السعودية. وان كان بطيئا الا ان هذه القوات بدأت تتقدم نحو المدن الرئيسية ومنها العاصمة صنعاء، لهذا فان الحوثيين من طرفهم يحاولون استثمار أي فرصة للمفاوضات من اجل انهاء الصراع بأقل التكاليف لهم. ان وقف إطلاق النار مصلحة لليمنين وللسعوديين على السواء، لان الرئيس عبد ربه منصور هادي، برهن أنه رئيس ضعيف، بعد سنتين ولم يستطع حتى تشكيل حكومة، الدولة اليمن تحل أزماتها دائماً بمجلس رئاسي يجمع كل الجهات اليمنية الدينية والقبائلية والمناطقية ثم الانتقال إلى النظام الذي يختاره الشعب، وأن اقتراح مجلس رئاسي هو الحل الامثل في اليمن في هذه المرحلة. وإذا كان ضبط الوضع عند الحدود ممكنا، بحكم أن المتحاربين هم الجيش السعودي والحوثيون وقوات صالح، فإن الالتزام بوقف إطلاق النار، في الجبهات المشتعلة في تعز والبيضاء وصنعاء وحجة ومأرب والجوف، أمر بالغ الصعوبة، بسبب تعدد ولاءات الجماعات المحاربة، بما فيها عناصر إسلامية متطرفة، لا يجمعها إلا العداء للحوثيين والرئيس السابق؛ الأمر، الذي يحتاج إلى مراقبين على الأرض، ويتطلب موافقة الجماعات كافة على تفاصيل أي اتفاق، وهو أمر بالغ الصعوبة حاليا.
التعليقات