الأزمة السورية بين الصفقات الدولية والمطالب الداخلية

بدأت الأزمة السورية عام 2011، حالها حال ثورات الربيع العربي بمطالب معروفة للجميع وهي الحرية والديمقراطية، وإنهاء حكم النظام الحالي، إلا إن الوضع الدولي والإقليمي كان متربصا بسوريا من كل جهة، فقد أراد كل الأطراف إن تحقق أهدافها وغاياتها في سوريا، وبدأت هذه الأطراف الدولية والإقليمية تقدم الدعم سواء للنظام أو للمعارضة السلمية منها والمسلحة، بل وصل الأمر ببعض الدول إن تقوم بمد المجموعات المسلحة الإرهابية ( داعش، والقاعدة، والنصرة) وغيرها من المسميات، بالسلاح والأموال علنا، فمع انطلاق الأزمة في سوريا عام 2011، بدأت دول الخليج تقدم الدعم العسكري والأموال وإرسال الجهاديين إلى سوريا عبر تركيا والأردن، وبدأت دول الخليج بطرح مشاريع قرارات في مجلس الأمن ضد النظام في سوريا بغية استصدار قرار للقيام بعمل عسكري ضد سوريا على قرار ليبيا، إلا إن الموقف الروسي والصيني في مجلس الأمن والمعارض لأي قرار بشن حرب على سوريا وقف ضد هذه المشاريع الخليجية، كذلك الدعم العسكري والمالي الإيراني المتواصل لسوريا، ودخول حزب الله الحرب إلى جانب الجيش السوري الذي كان السبب الرئيسي لإفشال المشاريع الأمريكية الخليجية والتي حاولت إسقاط النظام السوري، وبعد مدة أكثر من خمس سنوات هذه الأزمة التي لازالت مستمرة، والتي دفعت سوريا خلالها الكثير من الدم ( مئات الآلاف من الضحايا والجرحى والمهجرين داخل سوريا وخارجها)، إضافة إلى اقتصاد منهك ومدمر، وبنا تحتية شبه معدومة، وموارد كالنفط وغيره أصبحت نهبا للمجموعات المسلحة والمافيا الدولية، وجيش مستنزف، بعد إن كان من الجيوش التي أعدت لمواجهة الكيان الصهيوني، ومجتمع مقسم طائفيا وقوميا، اتجهن البوصلة الدولية إلى إيجاد حل لهذه الأزمة، لأن الدول الإقليمية لم تكن تدرك أنها غير مؤهلة للعلب هذا الدور، لان الأدوار الدولية الكبرى تحتاج إلى لاعبين كبار أيضا، كما إن مصالح الكبار تختلف عن مصالح التابعين لهم، وخاصة في أزمة مثل الأزمة السورية والتي لم تكن عبارة عن نظام ومعارضة فقط، بل تقاطع مصالح دولية عظمى، إذ إن سوريا تمثل عصب الإستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط والحليف التقليدي لها، كذلك إيران التي ترى في امن سوريا وبقاء نظامها السياسي هي جزء من أمنها القومي، وهو استمرار لمحور المقاومة في المنطقة، كذلك إن لأمريكا مصالح في مناطق أخرى من العالم ويمكن لروسيا وإيران من التأثير عليها، لذلك فان المساومات تبدأ من اجل تحقيق المكاسب وتجنب الإخطار. يرى العديد من المحليين السياسيين والمتابعين لأحداث سوريا إن هناك عدة مؤشرات حول تغير في الموقف الدولي والإقليمي من الأزمة السورية، وهذا التغيير في التوجهات الدولية والإقليمية حدث حسب المتابعين نتيجة عدد من الأسباب منها: إن هذه الأزمة وصلت إلى حد لا يمكن لهذه الدول الاستمرار به، خوفا على نفسها من الانزلاق في حرب غير محسوبة العواقب، وبعد توسع الإرهاب، ووصوله إلى ديار الدول التي كانت مستفيدة منه في المنطقة، كما في (باريس، وأمريكا)، وتوسع التطرف القومي والديني والطائفي بين دول الإقليم إلى مديات غير مسبوقة، كما هو حاصل في سوريا، الذي أودى –ولازال- بحياة مئات الآلاف من الضحايا من المدنيين، وتشريد الملايين الذي أصبحوا لاجئين في أوطانهم أو في دول أخرى، وخطورة حدوث موجات من الهجرة الجماعية من دول المنطقة إلى دول العالم الأخرى، كما في الأعداد الكبيرة من المهاجرين من سوريا إلى أوربا وكندا وأمريكا وغيرها، والتي قد تسبب بحدوث أزمات أمنية واجتماعية واقتصادية في دول اللجوء، والخوف من انتشار الفوضى في كل دول الإقليم، وخروجه عن سيطرة الكبار أنفسهم، ومن ثم الإضرار بالنظام العالمي ككل، كما إن بعض دول الإقليم قد تخطت الخطوط الحمر المرسومة لها وتجاوزت على قواعد اللعبة الدولية وبدأت تقوم بأعمال قد تقود إلى كوارث دولية، لان إي صدام بينها وبين دولة عظمى قد يقود إلى دخول الأطراف الأخرى في النزاع وتقود إلى حرب عالمية غير محسوبة العواقب، لهذا قد تلجا الدول العظمى وبالتعاون مع دول الإقليم على السير في طريق البحث عن حلول لازمات المنطقة، من خلال عقد صفقات وتوافقات فيما بينها، من اجل ضمان مصالحها في المنطقة. لهذا اتجهت هذه الدول إلى عقد الصفقات فيما بينها لإنهاء هذه الأزمة، فقد تبنى مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة 19/12/2015، بالإجماع قرارا يدعم خطة طموحة لإنهاء النزاع الدائر في سوريا منذ قرابة خمس سنوات، تنص خصوصا على بدء مفاوضات بين النظام والمعارضة مطلع كانون الثاني/2016، وإرساء وقف لإطلاق النار، على إن يتزامن بدء هذه المفاوضات مع سريان وقف إطلاق نار في سائر إنحاء سوريا تستثنى منه التنظيمات الجهادية وعلى رأسها )داعش والنصرة) ، وإضافة إلى المفاوضات بين النظام والمعارضة ووقف إطلاق النار، نصت خارطة طريق فيينا على تشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وإجراء انتخابات في غضون 18 شهرا، وشارك في اجتماع نيويورك 17 دولة ذات الاهتمام بالشأن السوري. ولكن السؤال المهم هل إن التوافق والصفقات الدولية سوف تؤدي بالضرورة إلى توافق داخلي في سوريا، يحفظ لسوريا والسوريون وحدتهم الوطنية، واستقرارهم، وإنهاء العنف؟ إن كل المؤشرات في سوريا تدل على إن الحل في هذا البلد هو حل رضائي للأطراف الدولية والإقليمية، قبل إن يكون حلا لازمة الشعب السوري الأساسية، كما إن هناك تناقض بين الإطراف السورية نفسها على طريقة الحل في سوريا، ففي الوقت الذي يحاول فيه النظام السوري تجميع ما يمكن تجميعه من الشعب السوري، وتحرير بعض الأراضي من المجموعات المسلحة، والمحافظة على وحدة البلاد، فان المعارضة السورية المعتدلة هي الأخرى تنتهج تقريبا نفس ما يسعى إليه النظام وهو بناء نظام موحد ديمقراطي يجمع كل الشعب السوري تحت سلطته، وهذا شيء طبيعي لان اغلب عناصر المعارضة السورية المعتدلة هم كانوا مسؤولين سابقين ضمن الدولة السورية، أو من العناصر اللبرالية المتنورة، وخاصة معارضة الداخل والأعضاء في الائتلاف السوري المعارض، ولكن المشكلة هي مع العناصر المرتدية عباءة الدين، مثل الإخوان المسلمون وبعض المجموعات المسلحة الأخرى والمدعومين من جهات كانت ولا زالت همها تقسيم سوريا، كذلك المسلحين الأكراد الذين حصلوا على الدعم الدولي والإقليمي، وأصبحوا قوة موجودة على الأرض، ويسيطرون على أراضي في شمال سوريا. لهذا فإن انتهاء القتال العسكري في سوريا سوف لن يحل الأزمة بين الإطراف السورية، فهذه الإطراف سوف تتجه إلى القتال السياسي، وعبر صناديق الاقتراع، إذ إن بعض الإطراف وبدعم خليجي تركي واضح تريد إن يكون الحكم لها على اعتبار أنها اكبر كتلة في سوريا وهم العرب السنة، بينما يتمسك العلويين بهذا الامتياز الذي ورثوه لعشرات السنين في سوريا، كذلك إن حلم الأكراد بإقليم في شمال وشرق سوريا هو مطلب ليس من السهل إجبارهم على التنازل عنه، خاصة بعد إن أصبح لهم تواجد فعلي على الأرض، كما إن الأقليات الأخرى مثل الدروز والمسيح، وفي خضم هذا التزاحم في المطالب سوف يدلون بدلوهم هم أيضا من اجل الحصول على حقوقهم في الحكم، وكل يطرف يتم تغذيته من قبل قوى ذات ثقل دولي أو إقليمي. لهذا فان على السوريون إن يكونوا أكثر وعيا، وخاصة أعضاء المعارضة المعتدلة، ومنهم معارضة الداخل والائتلاف السوري المعارض، وان لا يجعلوا من القوى الدولية والإقليمية هي المحرك لهم، كما إن النظام السوري هو الأخر مدعوا إن يقدم المزيد من التنازلات أمام مطالب المعارضة المعتدلة، وخاصة معارضة الداخل، وسد الطريق على المجموعات المرتبطة بأجندات خارجية، لان أي تشنج في المواقف سوف يقود إلى الحل على الطريقة اللبنانية والعراقية والتي قد تكون هي الحل القادم في سوريا.
التعليقات