تأثير إغلاق باب المندب على أسعار النفط واقتصاديات دول المنطقة

مما لا شك فيه بان الصراع الجيو-سياسي بين الدول الكبرى هو بالأساس للسيطرة على مناطق نفوذ جديدة تمكنها من بسط نفوذها على دول صغيرة، وفي الصراع تعتمد كل الوسائل الاقتصادية والإعلامية والسياسية والمذهبية لبسط النفوذ ، فالصراع على المضائق والمنافذ البحرية يكمن في صلب هذه السياسات التي تعمل عليها بعض دول المنطقة للتحكم بخطوط التجارة، ولبسط نفوذها الجيو-سياسي في الخليج, وهذه الدول تخوض صراعها في المنطقة من خلال السيطرة على المنافذ البحرية في سورية ولبنان والعراق واليمن ، فالإستراتيجية الناجحة لهذه الدول تأخذ بعين الاعتبار بان السيطرة على ممرات النفط والتجارة يمكنها من اللعب على الساحة الإقليمية والدولية، خاصة وان التجارة العالمية للدول الكبرى متجهة نحو منطقة الشرق الأقصى والمحيط الهادئ حث الاستقرار الاقتصادي والتجارة العالمية الجديدة بظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم. وتزداد المخاوف من وصول شظايا الحرب اليمنية إلى باب المندب والمنابع النفطية السعودية, السؤال هنا، كيف ستكون أسعار النفط, وأية كوارث اقتصادية ستلحق باقتصاديات دول المنطقة في حال اتساع دائرة الحرب إلى أبعد من حدود اليمن؟ تتسارع الأحداث مع توجيه ملك آل سعود سلمان بن عبد العزيز ببدء عملية "عاصفة الحزم" ، لتبدأ القوات الجوية السعودية بقصف المدنيين ومواقع الجيش والحوثيين في صنعاء، إذ قادت السعودية تحالف عربي ضم كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت, ونفذت غارات جوية على المدن اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء, وذلك بحجة إعادة الشرعية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي الى الحكم, وإيقاف تقدم الحوثيين على عدن ومضيق باب المندب. لقد بدأت الخشية من اتساع نطاق الحرب في اليمن ليشعل كل المنطقة, والتي هي مشتعلة أصلا, من تونس إلى ليبيا الممزقة, والإرهاب في سيناء المصرية, والحرب الطاحنة في سوريا, وداعش في العراق, خاصة وان للحرب أبعاد طائفية, إضافة إلى الإبعاد الإستراتيجية والتنافس بين دول المنطقة على النفوذ, إذ إن الحوثيين هم من الشيعة الزيدية, لذلك جاء تدخل السعودية لغرض منع إقامة دولة شيعية على حدودها الجنوبية تضاف إلى دولتين شيعيتين في الشرق والشمال وهما إيران والعراق, ومن هنا تؤدي الحرب بالنتيجة إلى زيادة أسعار النفط العالمية بسبب تداعيات هذه الحرب. ومقارنة مع دول النفط والغاز كالسعودية والعراق وإيران وقطر فإن ثروة اليمن من مصادر الطاقة حسب المقاييس العالمية محدودة للغاية، إذ يقدر إنتاجه الحالي بنحو 130 ألف برميل يوميا فقط مقابل ما يزيد على 9.5 مليون برميل تنتجها السعودية كل يوم, غير أن اليمن يتمتع من خلال خليج عدن الذي يشرف على مدخل مضيق باب المندب بأحد أهم المواقع الجيوسياسية والحيوية للتجارة العالمية, فعبر هذا المضيق تمر الآلاف من ناقلات نفط الخليج وناقلات البضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا وحوض المتوسط وشمال أمريكا, وتذهب التقديرات إلى أن 13 بالمائة من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 4 ملايين طن تمر يوميا عبر المضيق باتجاه قناة السويس ومنها إلى بقية أنحاء العالم, ويمر عبر المضيق سنويا ما يزيد على 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع, وعلى الصعيد الإقليمي يشكل المضيق شريانا حيويا للتجارة في الدول المطلة على البحر الأحمر بدءا باليمن وانتهاء بمصر مرورا بجيبوتي واريتريا والسودان والسعودية وإسرائيل والأردن, ويشكل المضيق "هبة الحياة" بالنسبة لقناة السويس التي تدر على مصر ما يزيد على 5 مليارات دولار سنويا, على الصعيد الدولي يحتل المضيق المرتبة الثالثة عالميا من حيث الأهمية الإستراتيجية بعد مضيق هرمز ومضيق ملاقا. بالرغم من أن التداعيات الاقتصادية للحرب التي تشنها السعودية ودول الخليج ، مع دول عربية وإسلامية، ضد جماعة أنصار الله الحوثيين والجيش في اليمن لم تتضح صورتها بعد، إلا أن أسواق النفط العالمية كانت سريعة الاستجابة للحرب التي بدأها هذا التحالف, وقد ارتفعت أسعار خام برنت في الأسواق العالمية بنحو 6% خلال اليوم الأول للحرب، ومن هنا جاءت الخشية من إن تؤدي الحرب, واتساعها إلى مضيق باب المندب, مما قد يؤدي إلى غلق المضيق بوجه الملاحة الدولية, فقد أثار العدوان السعودي على اليمن مخاوف من احتمال اتساع نطاق الصراع في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط -المخاوف من أن تشارك إيران - المنافس الإقليمي للسعودية - في الصراع، وتعطل الإنتاج في المنطقة, خاصة وان اليمن يقع ويتحكم بأهم طرق الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط إلى العالم, التي تنتج نحو 40 بالمائة من إجمالي النفط في العالم, وإذا تحقق ذلك، فإن الأسعار سترتفع حتماً بشكل جنوني، ولكن الذي يقلل من هذا التصور هو التأمين الدولي القوي للممر من قبل قوات بحرية ذات جنسيات مختلفة، وهو ما يرجح أكثر بأن الأسعار العالمية للنفط ستشهد فقط صعوداً محدوداً مدعومة بمخاوف التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، وهو ما سيقلل خسائر دول الشرق الأوسط من تراجع الأسعار العالمية بنحو النصف منذ يونيو 2014، ومن هنا اشارت بعض التقارير إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 6 بالمائة, بعدما شنت المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، وحلفاؤها ضربات جوية على أهداف الحوثيين والجيش في اليمن, وارتفع سعر الخام الأمريكي الى نحو 51 دولار للبرميل، كما ارتفع خام برنت إلى 59.71 للبرميل خلال التداول في آسيا. فلو تتبعنا أسعار النفط قبل الأزمة , لرأينا إن بعض الأخبار الإيجابية التي تواردت منذ بداية 2015 , قد ساهمت في دعم أسواق النفط، وشهدت أسعار خام برنت صعوداً محدوداً، ولكن دون العودة إلى مستويات ما قبل يونيو 2014, وعلى مدار الثلاثة أشهر الماضية، أظهرت بعض البيانات الأمريكية تقلص أنشطة إنتاج شركات النفط الصخري الأمريكية، بجانب اتجاه عدد من الشركات المنتجة للنفط التقليدي بخفض النفقات الرأسمالية، وإيقاف عدد من المشروعات النفطية المستقبلية، بما دفع أسعار النفط إلى أن تصل إلى أعلى نقطة لها منذ بداية العام خلال جلسة 17 شباط الماضي عندما سجل خام برنت 62.53 دولار للبرميل, ورغم ذلك لا تزال الأسعار العالمية للنفط منخفضة بنحو 48% عن مستويات شهر آذار 2014. إن السيناريو المتوقع هو ارتفاع أسعار النفط عالميا بشكل كبير, ويرتبط ذلك بتحقيق هدف أساسي وهو تقدم الحوثيين نحو الجنوب وسيطرتهم على المحافظات الجنوبية, ومن ثم سيطرتهم على مضيق باب المندب, وهو ما يجري ألان حيث سيطر الحوثيين على عدن وعدة مدن إستراتيجية مهمة ومنها زنجبار, صحيح إن الحوثيين ليسو بنيتهم إغلاق المضيق لما قد يترتب عليه من ردود فعل دولية, خاصة وان دول عديدة تملك أساطيل عسكرية تجوب هذه المنطقة ومنها الولايات المتحدة ودول أوربية والصين وروسيا, باعتباره ممرا عالميا مهما لمرور البضائع والسلع بين الشرق والغرب, الا إنه في حالة اشتداد المعارك بين التحالف السعودي واليمنيين قد يضطر الحوثيون إلى توسيع نطاق عملياتهم ضد السفن الحربية, ومنها السعودية والمصرية والتي بعضها يشارك في قصف المدنيين اليمنيين, أو قد يلجئون إلى تلغيم المضيق, مما يؤدي إلى تهديد الحركة في المضيق أكثر وهنا سوف يعيق مرور النقلات النفطية, أو يجعلها تخاطر في المرور ما قد يؤدي إلى رفع التامين البحري على السفن, وهو ما سيسفر عن ارتفاعات جنونية في الأسعار العالمية للنفط, فقد أشارت عدد من التقديرات العالمية، إلى أن كل انقطاع للإمدادات العالمية من النفط بنحو مليون برميل يوميًا، يزيد أسعار النفط بنحو 5.2 دولار للبرميل. إما تأثير الحرب على الاقتصاديات الدول الخليجية, ُيجمع المحللون على أن استمرار الحرب بين الأطراف اليمنية من جهة ودخول قوى إقليمية وعالمية ساحتها من جهة أخرى يزيد من حدة مشكلة الفقر المزمن وغياب فرص التنمية في اليمن, كما سيحرمه من مزيد من عائداته النفطية التي تراجعت من 2.7 مليار دولار في عام 2013 إلى 1.7 مليار دولار في عام 2014 , بسبب التراجع المستمر في الإنتاج والتصدير, ويقدر الخبراء أن البلاد تخسر سنويا بحدود 5 مليارات دولار من عائدات تصدير النفط وتجارة سلع أخرى نتيجة المواجهات العسكرية, وتهدد هذه المواجهات السير الطبيعي للدورة الاقتصادية في مختلف المناطق اليمنية, كما تعطل المشاريع الهادفة لاستعادة الأهمية الاقتصادية لمنطقة عدن ومحيطها كمركز إقليمي لتزويد السفن المتجهة إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب بالتموين والوقود, ويزيد من أهمية المنطقة التي يطلق عليها "العاصمة الاقتصادية لليمن" وجود مصفاة للنفط وميناء لتموين السفن بالوقود إضافة إلى المنطقة الحرة عدن التي تمتلك مقومات تقديم خدمات التموين والترانزيت للسفن ووسائط النقل الأخرى. أما بالنسبة لدول الخليج التي تقوم اقتصادياتها بشكل رئيسي وبنسب تتراوح بين 60 إلى 95 بالمائة على عائدات النفط فإن دخولها الطويل الأمد في ميدان الحرب اليمنية لن يجعلها في منأى عن شظاياها رغم أن عددا من المحليين لا يرجحون ذلك, وفي حال حصل ووصلت الشظايا إلى مضيق باب المندب وإلى هذه الدول فإن أسعار النفط ستواصل الارتفاع بسبب المخاوف من تراجع إنتاجه وتعثر نقله إلى الأسواق العالمية, وسيكون أكثر السيناريوهات سوءا في حال تعرض حقول ومنشآت نفطية سعودية هامة لهجمات عسكرية، ففي حالة كهذه ستلحق أضرار فادحة باقتصاديات السعودية ودول الخليج الأخرى بسبب ارتفاع تكاليف العمليات العسكرية والتأمين والنقل وعزوف المستثمرين والسياح وشركات الخدمات الدولية عن منطقة الخليج, وإذا كان اليمن الفقير يخسر 5 مليارات سنويا نتيجة عدم استقرار الوضع الأمني فيه، فلنا أن نتصور حجم الخسائر التي يمكن أن تصيب أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز في العالم في حالة زعزعة الاستقرار الأمني فيها. المصادر 1- ارتفاع أسعار النفط 6 بالمائة بعد العملية العسكرية في اليمن, تقرير على قناة (BBC ) العربية, على الانترنيت على موقع, www.bbc.co.uk/arabic/middeleeast 2- خالد ممدوح, السعودية وأزمة اليمن وباب المندب, مقال على الانترنيت, على موقع, www.zamanalwsl.net/mobile/readNews.php?id=57604 . 3- إبراهيم محمد, ماذا لو طالت حرب اليمن باب المندب ومنابع النفط؟, مقال على الانترنيت, على موقع, www.ar.haberler.com/arabic-news-690471/
التعليقات