خلال اول لقاء لرئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي بالرئيس الاميركي جو بايدن، وبعد ثلاث جولات من الحوار الاستراتيجي بغداد – واشنطن، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم الاثنين 26/ تموز / 2021 اتفاقا ينهي رسميا المهمة القتالية الأمريكية في العراق بحلول نهاية عام 2021، بعد أكثر من 18 عاما من إرسال القوات الأمريكية الى العراق.
سبق وان امر الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب خلال الاشهر الاخيرة له في البيت الابيض الى خفض القوات الاميركية في العراق وافغانستان الى2500 جندي نهاية عام 2020. وجاء ذلك في إطار ما أطلق عليه حينها انهاء "الحروب التي لا نهاية لها". وهنا نقطة التقاء بين الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب. وفي الوقت الحالي، توجد قوات أمريكية قوامها 2500 جندي في العراق لمساعدة القوات المحلية في مواجهة ما تبقى من عناصر تنظيم " الدولة الاسلامية – داعش". وعليه فأن تغيير مهمة القوات الاميركية في العراق ليس بالأمر الجديد، لكن الجديد هو الاتفاق على آليات وبرنامج زمني لهدف تغيير مهمة القوات الاميركية بالاتفاق مع العراق. وقال بايدن للصحفيين: "سيكون دورنا في العراق أن نكون متاحين، ونواصل التدريب، والمساعدة، والمساعدة على التعامل مع داعش عند ظهورها، لكننا لن نكون هناك، بحلول نهاية العام".
كذلك لم يذكر مسؤول كبير في الإدارة الاميركية عدد القوات الأمريكية التي ستبقى على الأرض في العراق لتقديم المشورة والمساعدة والتدريب. كما أكد مسؤول كبير في الإدارة الاميركية للصحفيين قبل زيارة الكاظمي: " لن يعلن أحد عن إنجاز المهمة في العراق، والهدف هو الهزيمة الدائمة لداعش".
وتماشيا مع اتفاق تغيير مهمة القوات الاميركية في العراق، قال مسؤولين في البنتاغون والإدارة الاميركية لنيويورك تايمز: " إنهم سيحققون ذلك من خلال سحب عدد صغير غير محدد من أصل 2500 جندي أمريكي يتمركزون حاليًا في العراق، وإعادة تصنيف أدوار القوات الأخرى على الورق فقط. وسيحصل السيد الكاظمي على جائزة سياسية ليأخذها الى الوطن لإرضاء الفصائل المعادية للولايات المتحدة في العراق وسيبقى الوجود العسكري الأمريكي".
وتقول صحيفة نيويورك تايمز ان الفصائل الموالية لإيران تطالب برحيل القوات الاميركية، بينما يقر المسؤولون العراقيون بأنهم ما زالوا بحاجة الى مساعدة القوات الأمريكية. وحكومة السيد الكاظمي، إلى جانب العديد من كبار المسؤولين العسكريين العراقيين، يفضلون بهدوء بقاء حوالي 2500 جندي أمريكي في العراق على وضعهم الحالي.
وعلى جانب الادارة الاميركية، تنقل صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن ما يدور حول العراق، بأن هناك صراع داخل إدارة بايدن بشأن العمل في بلد سقط منذ الغزو الأمريكي قبل 18 عامًا تحت قبضة الميليشيات المدعومة من إيران، والنظام السياسي الفاسد الذي أوصل مؤسسات الحكومة العراقية الى حافة الانهيار.
ولذلك فان اعلان الرئيس بايدن بتغيير المهام القتالية وتوقيع الاتفاق مع الكاظمي جاء لمساعدة الحكومة العراقية وتخفيف الضغط الذي تواجهه من قبل الاطراف السياسية والفصائل الموالية لايران التي تضغط عليها باتجاه انهاء وجود القوات الاميركية في العراق عقب اغتيال الجنرال الايراني قاسم سليماني وجمال جعفر المهندس في بغداد بداية كانون الثاني عام 2020. والتي ضغطت اعلاميا وسياسيا وعسكريا باستهداف القوات الاميركية في القواعد العسكرية العراقية والسفارة الاميركية في بغداد، وهذه الضربات شهدت تطورا هاما وهو استخدام الطائرات المسيرة.
كما يُنظر الى هذه الخطوة هي لمساندة الحكومة العراقية على اجراء الانتخابات. اذ قال بايدن" نتطلع إلى إجراء انتخابات في أكتوبر القادم". وهو الامر الذي يفهم منه ان واشنطن تؤيد قرار الحكومة العراقية بأجراء الانتخابات المبكرة في تشرين الاول القادم على الرغم من فوضى انتشار السلاح وهشاشة الامن، وانسحاب عدد من التيارات والاحزاب الوطنية والتيارات الجديدة التي تشكلت من رحم الاحتجاجات المضادة للفساد وسطوة المليشيات والتيارات المرتبطة بإيران، وعلى الرغم من " اعتقاد الولايات المتحدة والعديد من المسؤولين العراقيين أن الميليشيات مسؤولة عن معظم عمليات اغتيال النشطاء وعن مجموعة واسعة من مخططات كسب المال غير القانونية"، كما تنقل ذلك صحيفة نيويورك تايمز.
ولأدراك " فصائل المقاومة " طبيعة هذا الاتفاق، عادت مرة اخرى الى بيان موقفها الرافض لوجود القوات الاميركية مهددةً بأتساع دائرة خطرها لتتجاوز العراق الى المنطقة. اذ أكد المتحدث العسكري لكتائب حزب الله في العراق لقناة BBC البريطانية: " كل القواعد الأميركية في غرب اسيا اصبحت اهداف للمقاومة العراقية". كما تحدثت انباء عن اعادة تفعيل " الهيئة التنسيقية للمقاومة "وانضمام فصائل اخرى لها، وانه لا توجد هدنة بينهم وبين الاميركان.
عليه، ستستأنف عمليات استهداف المصالح الاميركية في العراق خلال المرحلة المقبلة، للضغط على واشنطن لإبداء مرونة أكبر في موضوعات الصواريخ البعيدة المدى، والنفوذ الايراني في المنطقة خلال مفاوضات احياء الاتفاق النووي والتي شهدت تعثرا واضحا خلال الجولة السادسة الاخيرة في فيينا.
امنيا ايضا، وعلى المستوى الداخلي، وبسبب الفشل الحكومي باتت القوات الاميركية وقوات التحالف الدولي لمكافحة داعش عوامل لحفظ التوازن الهش للقوى الداخلية في حال اختلاله او اعتلاله. فالفصائل والاطراف المسلحة في الداخل العراقي اليوم أكثر تعددا واختلافا في النهج والمصالح، وهذا الاختلاف كفيل بانهيار التوازن بينها. التحدي القادم للحكومة العراقية -التي لم تستطع احتكار القوة بمؤسساتها الامنية -هو التحكم بتوازن القوى الداخلي هذا على الاقل. وان نجحت الحكومة بذلك، فان حالة الامن الهش هي التي ستسود. والفشل يقود حتما الى انهيار الامن الشامل.
سياسيا، صار واضحا لدى جميع الاطراف السياسية في العراق – التي ستشارك في الانتخابات والتي اعلنت الانسحاب منها – ان واشنطن مساندة للحكومة العراقية في اجراء الانتخابات المبكرة في تشرين الاول القادم وأنها قدمت مساعدة مالية لهذا الغرض. ولهذا فان القوى والتيارات المنسحبة باتت امام امر واقع وهو اجراء الانتخابات. وهو ما يعني بالنتيجة ان عدم مشاركتهم لا يقلل من شرعية السلطة التي ستتشكل بعد الانتخابات. وكأن ادارة بايدن تقول انها ستتعامل مع السلطة الناتجة عن الانتخابات القادمة أيا كانت نسبة المشاركة ومدى شرعيتها. الامر الذي قد يدفع تيارات كبيرة مثل بعض اعضاء التيار الصدري الى العودة عن قرارهم بعدم المشاركة خلال الايام القادمة وربما الحزب الشيوعي العراقي ايضا والقوى التشرينية الاخرى.
وعلى الجانب الآخر، ستزيد القوى الطامحة بالحصول على مكاسب سياسية كبيرة في المرحلة القادمة، من جهودها التعبوية لأنصارها وجماهيرها لضمان مشاركتهم في التصويت عبر حملة دعائية كبيرة وتكتيكات تحشيد مختلفة، وهو الامر الذي يتطلب تحييد الناخبين من غير جمهورهم عن المشاركة عبر بث اليأس في نفوسهم من جدوى التغيير عبر احداث الفوضى هنا وهناك، وهو ما شهدته البلاد في الاسابيع الاخيرة.
هذه المواقف إذا ما بقيت ثابته تجاه المشاركة وعدم المشاركة يعني ان الحركة الاحتجاجية ما بعد الانتخابات ستشهد زخما كبيرا وعودة سريعة لساحات الاحتجاج ضد السلطة الجديدة.