لا يخفى على أحد حجم المخاوف الدولية من عودة حركة طالبان للواجهة في حالة نجاحها بالسيطرة على الاراضي الأفغانية، فربما تمثل تهديدا لدول الجوار، كذلك قد توفر ملاذات امنة للحركات الاسلامية المتطرفة وربما عودة تنظيم القاعدة للواجهة من جديد
من هم طالبان؟
تعني كلمة طالبان في اللغة الافغانية هو طلاب المدرس الشرعية الافغانية وجلهم كانوا يدرسون العلوم الدينية في باكستان لاسيما مدينة بيشاور والمتعارف عليه ان هذه المدارس يشرف عليها شيوخ تقليديون تحت اشراف جمعية علماء الاسلام الباكستانية ، وكانت طالبان بالأصل جمعية دينية حديثة الانشاء واخذت على عاتقها انشاء العديد من المدارس في باكستان وافغانستان بعد انشقاقها عن الجماعة الاساسية التي كانت بزعامة ملا فضل الرحمن ، وتعتمد في تمويل مدارسها على التبرعات من الداخل والخارج ، وكانت بداية التأسيس في مدينة قندهار بزعامة ملا محمد عمر اما عن سبب انشائها في ذلك التوقيت فيعود لجملة من الاسباب كانت أهمها: تحفيز وتشجيع طلبة العلوم الدينية بواجب الجهاد وهو مقدم على العلم وسارعوا لأغلاق الكثير من تلك المدارس وحث الطلاب بالذهاب الى الجهاد في افغانستان بدافع سياسي باكستاني ، والبعض يرجع سبب انشائها كردة فعل من طلاب العلوم الدينية على افعال وتصرفات المجاهدين الذين اساءوا للدين وسمعة الجهاد خلال توليهم للحكم بعد الاتحاد السوفيتي. ومنذ العام 1995 حاولت طالبان وبطرق عدة السيطرة على افغانستان وتمكنت من دحر القوات الحكومية وحلفائها وفي عام 1996 احكمت قبضتها على كابل وعلى تسعة ولايات اخرى وعمدت الى تطبيق الشريعة الاسلامية وفق معتقداتهم، وعملت على تشكيل حكم انتقالي من ستة أعضاء. اما الانتخابات في نظرهم هي تقاليد غير إسلامية؛ كونها تساوي بين صوت العالم والجاهل، وشرعت الى منع خروج المرأة للعمل والبقاء في المنزل.
واجهت طالبان بعد احكام قبضتها على افغانستان مشاكل عدة واهمها تحفظات وخوف دول الجوار التي دعمت حركات المعارضة في الشمال بقيادة عبد الملك البهلواني، وكذلك دعمت إيران الحركات الشيعية في الوسط، وبالرغم من ان هذه الحركات أربكت طالبان وافقدتها قوتها في تلك المناطق لكن دون هزيمة الحركة. وبعد احداث ايلول سبتمبر 2001 التي تبناها تنظيم القاعدة في أفغانستان، والذي كان قد وجد ملجأ في افغانستان بغطاء حركة طالبان شنت الولايات المتحدة الامريكية وعبر تحالف دولي هجوما على افغانستان واطاحت بالحركة وسيطرت على البلاد لتبدأ مرحلة الشد والجذب ما بين الحركة والقاعدة والولايات المتحدة، حتى تمكنت الاخيرة من قتل اسامة بن لادن زعيم القاعدة، فيما دخلت بمفاوضات مع طالبان وعبر عدة جولات في الدوحة قبيل الانسحاب الأمريكي.
اما عن الهيكل القيادي للحركة فهو كالتالي:
{img_1}
المصدر (قناة bbc العربية)
مسار التفاوض واسباب الصدام
بدأت جولات المفاوضات ما بين حركة طالبان والولايات المتحدة في ميونيخ بحضور شخصيات قطرية وألمانية في 28 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010 ، ومن ثم اعقبها طلب واشنطن لقاء طالبان في الدوحة، وجلسا معا للمرة الثانية منتصف فبراير/شباط 2011، تلت ذلك مفاوضات تمهيدية بينهما استضافتها ألمانيا في مايو/أيار 2011 ، وفي عام 2012 التقى مسؤولون أميركيون مع ممثلي طالبان بالدوحة في يناير/كانون الثاني لمناقشة خطوات بناء الثقة بما في ذلك تبادل الأسرى، وفتح مكتب لها في الدوحة ، ومع تعيين زلماي خليل زاد مبعوثا خاصا للرئيس الأميركي إلى أفغانستان، بدأت جلسات المفاوضات مع طالبان بالدوحة في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2018 ، وأكملت المفاوضات بين الطرفين جولتها التاسعة في الأول من سبتمبر/أيلول 2019 وفي شهر تموز بدأ حوار أفغاني -أفغاني في قطر برعاية ألمانية، شاركت فيه ستون شخصية أفغانية بهدف بناء الثقة بين الأطراف الرئيسية ، وبعد إعلان طالبان مسؤوليتها عن مقتل جندي أميركي وإصابة أحد عشر آخرين بكابل في سبتمبر/أيلول الماضي، أوقف الرئيس ترامب مفاوضات السلام مع طالبان ، وبعد توقف لثلاثة اشهر عادت المفاوضات من جديد في كانون الاول 2020 وجرى التركيز على وضع اللمسات الأخيرة على مسودة إحلال السلام في أفغانستان .
وبعد كل تلك السنوات وتزامناً مع البدء بمفاوضات جديدة بعد تولي الرئيس جو بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة، بدأت جولة من المفاوضات بين حركة طالبان من جهة وقوات التحالف والحكومة من جهة اخرى في العاصمة القطرية، رافق ذلك اعلان الرئيس بايدن البدء بسحب القوات من أفغانستان، لتقابله الحركة بشن هجوم كبير للسيطرة على البلاد وسط انهيار وانسحاب القوات الحكومية وبالرغم من اعلان بايدن بانه يثق بقدرات الجيش الافغاني الا ان الامر يبدو عكس ذلك، فقد توقعت بعض الاوساط الامريكية ان سيطرة الحركة على البلاد في اعقاب الانسحاب الامريكي قد تكون في اقل من عام الا ان الواقع يشير الى اسرع من ذلك بكثير.
فحركة طالبات لجأت لتكتيك او استراتيجية الكماشة والتي تشير إلى قيام الطرف المدافع بمهاجمة جناحي الطرف المهاجم في نفس الوقت الذي يهاجم فيه المهاجمون قلب الجيش المدافع، الذي بدوره يتراجع بانتظام حتى يتمكن جناحاه من تطويق المهاجمين وقد كان المفكر الصيني صن تزو قذ ذكر هذا التكتيك في كتابه فن الحرب، ولكنه نصح بعدم استخدامها، فقد يتمكن الجيش المهاجم من تدمير قلب الجيش المدافع قبل أن يستطيع الجناحان تطويق المهاجمين، وقد استخدم هذا التكتيك في عدة معارك سابقاً وان تنظيم داعش كان قد استخدم مثل هذه الاستراتيجية في بعض معاركه في سوريا والعراق، كذلك لجأ الحوثيون الى هذا التكتيك عند سيطرتهم على بعض المدن في اليمن، وخلال المعارك الجارية في افغانستان لجأت طالبان لتكتيك الكماشة في اعقاب سيطرتها على المعابر الحدودية، وتطويق القوات الحكومية التي فر اغلب عناصرها، فحتى الان سيطرت الحركة على جميع المعابر مع ايران وطاجيكستان وسط مخاوف تلك الدول، اضافة الى توجهها الى بقية المعابر املاً في احكام قبضتها عليها. وتشير مصادر الحركة الى انها احكمت قبضتها على أكثر من70% من افغانستان ويبدو انها لا تنوي التوجه لعواصم الولايات الكبرى ربما تنتظر ملف المفاوضات كورقة ضغط، وفي الوقت ذاته قد تخشى من ردة فعل دولية روسية او هندية او حتى صينية فيما حاولت الحركة اعطاء تطمينات لتلك الدول بأنها لا تنوي مهاجمة مصالحها او العبور لداخل حدودها، وهذا ما رد عليه وزير الخارجية الروسي بقوله لا ننوي التدخل العسكري في افغانستان ما دام القتال داخل اراضيها.
ولا يخفى على أحد حجم المخاوف الدولية من عودة حركة طالبان للواجهة في حالة نجاحها بالسيطرة على الاراضي الأفغانية، فربما تمثل تهديدا لدول الجوار، كذلك قد توفر ملاذات امنة للحركات الاسلامية المتطرفة وربما عودة تنظيم القاعدة للواجهة من جديد. ايضاَ فأن الولايات المتحدة الامريكية بإدارة جو بايدن قد واجهت جملة من الانتقادات الداخلية والخارجية، فخطوة الانسحاب عدها البعض هزيمة وبأن القوات الافغانية ليست مؤهلة لتأخذ دورها، وقد دعت عدة أطراف للتريث في الانسحاب او تحقيق خطوات جدية في ملف التفاوض مع الحركة التي تسعى للسيطرة على أكبر قدر من الاراضي الافغانية لدعم موقفها التفاوضي، وهذا ما قد يعجل من الوصول لحل مرضي للطرفين وزج الحركة بالعملية السياسية من جديد.
اضافةتعليق