الامن في العراق: تغير توازنات القوة المحلية يتطلب دورًا مغايراً

شارك الموضوع :

الحكومة العراقية امام صعوبات امنية جدية تتجاوز فرض الامن فقط، بل تتجاوزها الى ضرورة التأسيس لدور أمنى وسياسي حكومي (دولتي) كبير يمكنه تأطير توزان القوة بين الجماعات المسلحة والتحكم به والسيطرة عليه

شهدت المدة القليلة الماضية احداثا امنية متسارعة تراوحت بين عمليات استهداف ارتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي، وقصف السفارة الاميركية وسط بغداد، اذ عدت عمليات الاستهداف الاخيرة بالصواريخ انها الاعنف حيث الحقت اضرار ببعض المباني والمنشآت الملحقة بالسفارة وانباء عن بعض الاصابات البشرية. وعلى أثرها اجتمع مجلس الامن القومي الاميركي لبحث الرد المناسب على إيران عقب الهجوم الصاروخي. وعلى أثر تلك التطورات، قامت مديرية الامن في هيئة الحشد الشعبي باعتقال قيادات فصيل سرايا الخرساني واغلاق مقاره في بغداد وكربلاء وبابل. كما اعتقلت اجهزة امنية حكومية مسؤول القوة الصاروخية في فصيل عصائب اهل الحق والتي هددت بعد يومين من الاعتقال الحكومة العراقية بإطلاق سراحه خلال 48 ساعة وانتشرت في بعض مناطق العاصمة مهددةً بالانتشار والسيطرة على العاصمة بغداد، الامر الذي دعا السيد مقتدى الصدر الى الدعوة الى فرض خطة طوارئ تحرك على أثرها فوجي للمهمات الخاصة في سرايا السلام الى بغداد.

طبيعة المواقف الإيرانية (الحرس الثوري، والحكومة الإيرانية) ومواقف وبيانات قيادات بعض الفصائل الموالية لإيران تدلل على ان هناك ثمة اختلاف بين توجهين: الاول باتجاه تخفيف التوتر والتهدئة خلال هذه المرحلة لئلا تقوم ادارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب باي عمل عسكري ضد إيران، واستعدادا لفسح المجال امام الرئيس الاميركي المنتخب لإعادة التفاوض حول اتفاق نووي جديد ينقذ إيران من العقوبات القاسية. وهذا الموقف عبرت عنه وزارة الخارجية الإيرانية عبر المتحدث باسمها سعيد خطيب زادة في مؤتمر صحفي " أرسلنا رسائل للولايات المتحدة عبر قنوات مختلفة لتخفيف التوتر في المنطقة". وهذا الموقف هو موقف الحكومة ووزارة الاستخبارات والامن الوطني او ما يسمى (الاطلاعات).

الثاني، هو موقف متشدد يتبع للحرس الثوري لازال يهدد بالثأر من الولايات المتحدة، والاخيرة ترد بالاستعداد لأي هجوم إيراني ضد مصالحها في العراق والمنطقة بعد ورود معلومات وصفتها وسائل اعلام بأنها استخباراتية اميركية تفيد بان الحرس الثوري قد يستثمر الذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني والهجوم على المصالح الاميركية في المنطقة.

هذه التطورات الامنية وهذا الاختلاف في الداخل الإيراني يرسل رسائل الى الجماعات الموالية لإيران في العراق وغيرها، وكذلك الى الحكومة العراقية. فالأخيرة تريد ايضا تجنب الاحراج مع الولايات المتحدة الاميركية وتسعى بطرق مختلفة نحو عدم تعرض المصالح الاميركية في العراق الى الضرر. وهي بذلك تشترك مع الحكومة الإيرانية (إيران الدولة) في ضرورة تهدئة التوتر بين الولايات المتحدة لهدفين: الاول، عدم ابتزاز الادارة الاميركية الحالية بقيادة دونالد ترامب لتجنيب إيران ضبة قد تكون قاصمة للمنظومة الامنية والمنشآت النووية الإيرانية. والثاني، هو ارسال رسائل ايجابية الى الادارة الاميركية القادمة برئاسة جو بايدن الذي غير مرة امكانية التفاوض مع إيران للوصول الى اتفاق جديد، والحكومة الإيرانية ترى في ذلك فرصة للتخلص من العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد الإيراني وساهمت في تعميق الفجوة بينها (اي الحكومة الإيرانية) والشعب الإيراني.

ازاء ذلك، فأن الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق، والاطراف التي تملك حضورا سياسيا والموالية لإيران والتي تخشى ردة الفعل الاميركي العسكرية والسياسية، تخشى امكانية حصول تحول كبير في الموقف الإيراني نحو التهدئة مع الولايات المتحدة، الامر الذي يضعها في حرج امام انصارها ومؤيديها في الداخل بعد دعواتها وتهديداتها بطرد ما تطلق عليه " الاحتلال الاميركي"، كما انها ستواجه غياب المتحكم في توازن القوة  والموزع للمصالح والمكاسب بينها ، وبالتالي ستوجه انظارها نحو الجماعات الاخرى ومراقبة من يمكنه لعب دور الموازن بينها جميعا في ظل اجهزة امنية حكومية غير قادرة على ضبط ذلك التوازن.

وفقا لذلك، فأن دعوات قيادة التيار الصدري الى المشاركة الواسعة في الانتخابات، والحصول على اغلبية مجلس النواب لتقرير ان يكون رئيس الوزراء القادم صدريا، ودعوة السيد مقتدى الصدر لضبط الامن في العاصمة وعدم استهداف البعثات الدبلوماسية، ربما يُنظر له على انه سعي طموح نحو السيطرة على توازن القوة داخليا والتحكم به. وهو امر يبعث على الخشية عند الجماعات المسلحة الاخرى والتي تملك حضورا سياسيا وامنيا.

ولذلك نرى ان الحكومة العراقية امام صعوبات امنية جدية تتجاوز فرض الامن فقط، بل تتجاوزها الى ضرورة التأسيس لدور أمنى وسياسي حكومي (دولتي) كبير يمكنه تأطير توزان القوة بين الجماعات المسلحة والتحكم به والسيطرة عليه طالما انها غير قادرة في المرحلة الحالية على احتواء تلك الجماعات ونزع سلاحها وحصر صلاحية الاكراه الشرعي واستخدام القوة بها. بعبارة اخرى، الاجهزة الامنية مطالبة لان تزيد من تفوقها الامني والعسكري خلال الاشهر القادمة قبل وبعد الانتخابات المقررة في حزيران القادم.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية