تأثير غياب قدرة انفاذ القانون على الامن الوطني العراقي

تقرير أعده

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بمشاركة نخبة من الخبراء والمهتمين بالشأن العراقي والعلاقات الدولية

 

توطئة:

يمكن النظر الى عملية انفاذ القانون على انها مجموعة من الأنشطة المرتبطة بتعزيز الامتثال والطاعة للقواعد والانظمة الملزمة في دولة ما والحفاظ على النظام العام، خاصة فيما يتعلق بمنع الاشخاص والمجموعات المشتبه بانتهاكهم هذه القواعد أو المدانين بذلك، أو التحقيق معهم أو القبض عليهم أو اعتقالهم. وكل هذه الاجراءات هدفها الحفاظ على الامن الوطني. والامن الوطني يرتبط – من ضمن مفاهيمه المتعددة -بقدرة الدولة على حماية أراضيها وشعبها ومصالحها وعقائدها وثقافتها واقتصادها من أي عدوان خارجي، فضلا عن قدرتها على التصدي لكل المشاكل الداخلية والعمل على حلها واتباع سياسة متوازنة تمنع الاستقطاب وتزيد من وحدة الكلمة وتجذير الولاء والانتماء للوطن والقيادة. 

ان التطور التاريخي والمادي والتقني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري قد وسع من مفهوم الأمن الوطني لكي يشمل كل تلك الفعاليات وغيرها لأن كل واحد منها أصبح جزءاً لا يتجزأ من العناصر الأخرى وهذا يعني ان الأمن الروحي والأمن الغذائي والأمن المائي من أهم مقومات الأمن الوطني خصوصاً في عصر أصبح يشهد متغيرات كثيرة كسرت الأعراف السائدة في التعامل مع الدول والمجتمعات حيث أصبح الحصار والمقاطعة والاحتكار والتدخل المباشر والبحث عن الأعذار والمبررات لممارسة الضغوط بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية والمخرجات الصناعية الأخرى. وكل ذلك يحتاج إلى حراك دائم على المستوى المحلي والخارجي قوامه الدراسات الاستراتيجية المبنية على استقراء الماضي ومراجعة الحاضر واستشراف المستقبل.

وفقا لهذه المقدمة، معروف لدى الجميع ان الامن الوطني العراقي تعرض الى هزات عنيفة صنفت كأخطار وجودية لنظام الدولة في العراق. والحكومة العراقية الحالية تعهدت في برنامجها الحكومي على تعزيز حماية الامن الوطني عبر حصر السلاح بيد الدولة، والاستمرار في التصدي لخلايا داعش الارهابي، وتم ترجمة تلك الاهداف بعمليات عسكرية وامنية استهدفت تنظيم داعش الارهابي، فضلا عن محاولات للوقوف بوجه جماعات مسلحة تريد السطوة واستدامة تأثيرها ونفوذها على الدولة ومؤسساتها، وفرض سيطرة الدولة واجهزتها الامنية على المنافذ الحدودية عدا اقليم كردستان. وان كانت تلك المحاولات خجولة الى الآن، الا انها يمكن وصفها بأنها ممكنة. ولذلك شرعنا في المركز بأعداد هذا التقرير عبر جمع آراء مجموعة من الخبراء والمختصين ومن ثم تبويبها بهذا التقرير الذي يحدد لصانع القرار حجم المشكلة ومدى انعكاسها على مصالح العراق العليا

المحور الاول: اجراءات فرض القانون التي شرعت بها الحكومة العراقية الحالية:

تم في هذا المحور طرح السؤال الآتي:

س1/ كيف تُقيم اجراءات فرض القانون التي شرعت بها الحكومة العراقية الحالية، وما هي التحديات التي تقف بالضد منها؟

- الدكتور عبد الوهاب كريم حميد/ برنامج الدراسات الاستراتيجية للأمن والدفاع الوطني/ كلية الآداب/ جامعة السلطان قابوس – سلطنة عُمان.

تشكلت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي بعد صعوبة في التوافق داخل البيت السياسي الشيعي بعد احداث امنية وتطورات سياسية تمثلت باستقالة الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي بفعل ضغط الحراك الاحتجاجي واغتيال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس. ونتج عن هذا الانقسام تكليف محمد توفيق علاوي وفشل في الحصول على ثقة مجلس النواب، ثم تم تكليف عدنان الزرفي وانسحب قبل ايام من انتهاء المهلة الدستورية المخصصة، ثم كُلف مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة المؤقتة وحصل التوافق على منحه وحكومته وبرنامجه الحكومي الثقة.

واجهت حكومة الكاظمي ملفات ساخنة أهمها استمرار التظاهرات الشعبية ضد الفساد وسوء الاوضاع الامنية والاقتصادية والخدمية. ثم جاءت جائحة فايروس كوفيد-19 التاجي لتزيد من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة الجديدة بالتوازي مع الانخفاض الشديد في أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وفي ظل كل ذلك، الحكومة مطالبة بتوفير الامن وحماية الامن الوطني ومواجهة اية أخطار تهدده. فبعد القضاء على تنظيم داعش وهزيمته في العراق وملاحقة بقاياه، واجهت حكومة الكاظمي مطلب الكشف عن قتلة المتظاهرين المطالبة وتقديمهم للقضاء لنيل جزائهم العادل، مع استمرار اغتيال واعتقال ناشطين وشخصيات ثقافية وأكاديمية ومنهم الباحث الامني والسياسي الدكتور هاشم الهاشمي. والملاحظ ان حكومة الكاظمي تواجه خطر الدولة العميقة التي رسختها بعض الفصائل المسلحة المنطوية تحت هيئة الحشد الشعبي والتي يرتبط الكثير من قياداتها بولائهم لايران، وهو ما يشكل خطر حقيقي على الامن الوطني العراقي من خلال فرض سطوتها على الوضع الأمني مع محاولة تهميش المؤسسات الأمنية والعسكرية.

ومن اهم المهمات لإنفاذ القانون والتحديات التي تواجهها حكومة الكاظمي ولوضع الخطط الاستراتيجية لمواجهتها هي:

1- حصر السلاح بيد الدولة وهي المهمة الأصعب في ظل تمادي وتغول المليشيات والفصائل المسلحة، وهذا لن يتم الا بعدا إعادة بناء الدولة ومؤسساتها وهي الخطوات التي تقوم بها حكومة الكاظمي.

2- حل هيئة الحشد الشعبي وهو القرار الأصعب كونه سيلاقي برفض القيادات الشيعية وقيادة المليشيات على حد سواء لأنها تجد وجودها ونفوذها وسلطة المال به وحله يعني ذهاب كل ذلك ادراج الرياح، لذا يجب التوافق مع المرجعية العليا ممثلة بالسيد علي السيستاني بان يكرم الشهداء لتضحياتهم الوطنية في مواجهة ودحر تنظيم داعش الإرهابي وترفع القبعات لكل المقاتلين الوطنيين فيه وان مهمة الحشد الان انتهت وان يتحول الى منظمة مدنية وتصدر فتوى بذلك لتعود مكانة الدولة وسلطتها القانونية هي العليا.

3- إنعاش الاقتصاد العراقي المتدهور، ومحاربة الفساد المالي والإداري والقضاء عليه. وإرساء أسس الحوكمة، وتطوير القطاع الخاص كمرتكز أساسي للنهوض والتنمية المستدامة، اي تنويع مصادر الدخل. وتحقيق مطالب المتظاهرين، عبر التوظيف من خلال فتح الاستثمارات وإعادة عمل وتأهيل المعامل والمصانع...الخ.

4- إخضاع وتطويق المنافذ الحدودية لتعود الى سيطرة الدولة، وسحب يد المتحكمين بها (احزاب وجماعات مسلحة) منها.

5- إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية، بتطهيرها من عناصر الدمج والموالين "للأحزاب السياسية" والمليشيات. 

6- إعادة مكانة المؤسسة الامنية والعسكرية العراقية (الجيش النظامي)، من خلال إعادة الخدمة الإلزامية بجدولة خدمة سنة للخريجين و18 شهر لغير الخريجين و6 أشهر لحملة الشهادات العليا، لما لها من فوائد في اعادة ضبط الهوية الوطنية وتحمل المسؤولية وغرس الولاء للوطن.

7- تعدد الأجهزة الأمنية والعسكرية وترهلها وتشتت القيادة المركزية لها، يضعف دورها، لذا وجب حصرها بين اهم المؤسسات (وزارتي الدفاع والداخلية) حصرا.

8- سن التشريعات والقوانين، واجراء تعديل على كثير منها وفي مقدمتها التعديلات للدستور، وقانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون المفوضية العليا للانتخابات وقوانين الخدمة وغيرها بما يصب في مصلحة الدولة والشعب. 

9- إرساء المصالحة الوطنية الحقيقية، وإعادة اللحمة الوطنية لمكونات المجتمع العراقي.

10- إعادة الثقة بين التيارات السياسية والمجتمعية (شيعية-كردية-سنية-باقي المكونات) لخدمة العراق الواحد الموحد.

11- الاهتمام بالتربية والتعليم من الدراسة الابتدائية الى التعليم العالي بما يتناسب واهميته في تطوير المجتمع ويعزز مكانته الدولية.

12- الاهتمام بتطوير القطاع الصحي من خلال إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية بجميع المحافظات ورفع كفاءة الكوادر الطبية والصحية.

13- الاهتمام بتطوير القطاع الصناعي والزراعي وخاصة تأهيل قطاع الكهرباء وديمومته، واستصلاح الأراضي الزراعية لإنعاش المحاصيل الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي. 

- الدكتور خالد عليوي العرداوي/ باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

ان قدرة الدولة الحديثة على انفاذ القانون فوق اراضيها لا يدل فقط على اكتمال وكفاءة عمل مؤسساتها الدستورية، بل يدل ايضا على قوة الحكومة فيها، وعدم تجرأ الغير على انتهاك سيادتها سواء كانوا أطراف محلية متمردة او أطراف خارجية طامعة. لقد باتت سلطة انفاذ القانون في الدولة مؤشر مهم على جدوى تشريع القوانين، اذ لا قيمة لأي قانون، ومهما كانت درجة رقيه إذا بقي حبر على ورق، نتيجة خرقه من قبل الافراد او القوى النافذة، وربما يدفع هذا الحال الى نتيجتين مهمتين: الاولى تعطيل دور السلطة التشريعية وترددها في القيام بدورها التشريعي. والثانية فقدان الثقة بين الشعب والحكومة واتجاه الطرفين الى النفور من بعضهما، وربما مواجهة كل طرف للطرف الآخر، كما حصل ويحصل في تجارب دولية عديدة.

وبالنسبة للوضع في العراق، فإن هذا البلد منذ عام ٢٠٠٣ عانى من غياب كارثي في سلطة انفاذ القانون، حتى صارت الانتقائية في التطبيق حالة مألوفة للشارع العراقي، بل ومظهر من مظاهر ضعف الحكومة وفقدان سيادة الدولة الكاملة. وترتب على ذلك مخاطر كثيرة للغاية. 

وبدون الدخول في تفاصيل ذلك، وفيما يتعلق بالجواب عن السؤال الأول ، نرى ان حكومة السيد الكاظمي لا زالت في بدايتها، نعم هي قد احسنت عندما جعلت العمل على انفاذ سلطة القانون جزء من برنامجها الرسمي، الا ان خطواتها في هذا الطريق طويلة، وبداياتها لا زالت خجولة، ولم ترقى الى مستوى انفاذ القانون على الحيتان الكبار الذين يرون انفسهم فوق الحكومة والدولة والقانون، فالتحديات التي تعترض تحرك الحكومة كبيرة للغاية ، في مقدمتها تقف القوى الموازية ذات التنظيمات العسكرية غير الخاضعة لسيطرة الحكومة، والتي يمثل بعضها ذراعا لقوى إقليمية او دولية قوية، فالخطر الذي تشكله هذه القوى ذو طبيعة مزدوجة: ضغطها المحلي المعزز بقوة السلاح، وضغط داعميها الخارجيين المعزز بالقدرة على خلق المشاكل التي تهدد استقرار واستمرار الحكومة. فضلا عن خطر هذه القوى، هناك خطر آخر قد يشكل امتدادا للخطر السابق او يتخادم معه بشكل او آخر، ونقصد به خطر مافيات الفساد، التي تحولت من شكلها الفردي الى شكلها المؤسسي الاكثر خطورة وتمددا. كما يشكل الصراع بين القوى السياسية وتقاطع مصالحها سواء في العلاقة فيما بينها او بينها وبين الحكومة، ومشكلة العلاقة بين المركز واقليم كردستان العراق تحديات اضافية تشجع على اضعاف قدرة الحكومة على ترسيخ سلطتها في انفاذ القانون. كما ان تعدد مراكز صنع القرار الرسمي، وغياب الوضوح في تحمل المسؤولية، وقلة كفاءة الاجهزة الرقابية والقضائية، وحدة المشاكل الاجتماعية الملحة (الفقر البطالة، الاحتجاجات المستمرة...)، وضعف الوعي الاجتماعي، وتضخم دور القوى الاجتماعية (العشيرة، القبيلة، الطائفة، المؤسسة الدينية) وغيرها كلها تشكل تحديات اضافية تعرقل عمل الحكومة في تحقيق هدفها. لذا فأن نجاح الحكومة في تحقيق هذا الهدف يتطلب جهود استثنائية، وتماسك حكومي منقطع النظير. 

- الدكتور قحطان حسين اللاوندي/ باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، وتدريسي في جامعة بابل.

تواجه الحكومة العراقية عقبة تحول بينها وبين النجاح في حل الازمات التي تواجه العراق. وهي عدم القدرة على انفاذ القانون وتطبيقه بشكل حازم. ففي ظل الفوضى التي تشهدها الساحة العراقية تبرز مشكلة ضعف آليات الحكومة لضبط الاوضاع والسيطرة عليها مقابل هيمنة واضحة لمافيات الفساد والجماعات الخارجة عن القانون على مؤسسات الدولة الاقتصادية وحتى الامنية منها. ولا يخفى وجود صراع ما بين الحكومة بمؤسساتها المنضبطة وبين أطراف اخرى محسوبة على الدولة لكنها متمردة عليها تعمل بأجندات خاصة قسم منها خارجية. ولا شك ان فقدان قدرة الحكومة على اخضاع الجميع للقانون له تداعيات خطيرة على الامن الوطني العراقي الذي أصبح مهددا من جهات وجماعات تُمَول من الحكومة ولكنها لا تخضع لأوامرها مما يحمل مخاطر الصدام والمواجهة بين مؤسسات أمنية وطنية واخرى غير وطنية، خصوصا في ظل استمرار تنفيذ هجمات صاروخية على اهداف امريكية داخل العراق مما وضع الحكومة في موقف حرج اظهر ضعفها وهوانها امام تنظيمات عسكرية لا تأتمر بأوامر الحكومة.

أما في الجانب الاقتصادي فاستمرار هدر الاموال العامة وشيوع الفساد المالي والاداري وسيطرة جهات معروفة على المنافذ الحدودية ومزاد بيع العملة. قد حرم الحكومة من موارد مالية كبيرة قد تساهم في التخفيف من ازمة العراق الاقتصادية، ومازالت محاولات افشال حكومة الكاظمي مستمرة خصوصا بأن البعض يدعي بأنها حكومة مؤقتة لا تمتلك من الصلاحيات سوى الاعداد للانتخابات المبكرة. في ظل هذا التعقيد يبدو ان حكومة الكاظمي سوف لن تكون قادرة على تحقيق تطلعات الشعب لفقدانها القدرة على انفاذ القانون.

د. جواد كاظم الشمري/ جهاز الامن الوطني

تعد المؤسسات الامنية عماد سلطة المجتمع لأنه مهما تباينت النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية فمن المسلم به انها تمثل التجسيد الطبيعي لسلطة المجتمع في القيام بواجباتها الامنية للحفاظ على الامن والاستقرار، وذلك من خلال عديد من المؤسسات التي تضطلع بواجبات معينة ومحددة واجراءات مرسومة من قبل الحكومة وفق برنامج ورؤيا شاملة.. ولان الحكومة العراقية الحالية حكومة انتقالية ولدت نتيجة ازمات متداخلة معقدة في تفاصيلها بعظها امنية فما كان منها الا ان تباشر باتخاذ خطوات ايجابية لفرض هيبة الدولة والقانون وتصون البلاد وتحافظ على سلامة مواطنيه من الخروقات الامنية التي اخذت تشكلها فلول تنظيم داعش الارهابي على بعض المناطق القريبة لبعض المضافات التي تتخذ منها تلك التنظيمات نقطة انطلاق للمساس بأمن المواطن ومصالحه كما هو الحال في بعض المحافظات منها ديالى وصلاح الدين والانبار والموصل وحدود محافظة بغداد.. فحققت الاجهزة الامنية انتصارات واضحة حدت من نشاط تلك التنظيمات...

    يضاف الى ذلك النجاح الواضح للاجهزة الاستخبارية الامنية في الكشف عن بعض التنظيمات التي لا تريد للبلد الاستقرار وتحسين علاقاته ببعض الدول الاقليمية والدولية فتحاول ان تعتاش على ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والامني. فتصدت الاجهزة الامنية لبعض الفصائل المسلحة التي تحاول استهداف مقرات السفارات الاجنبية والبعثات الدبلوماسية والقت القبض على البعض منهم وعرت الجهات التي تقف خلفهم.. الامر الذي شكل نقطة تحول كبير في الحد من نشاط تلك المجاميع..

واذا اما اعتبرنا ذلك انجاز فعلي للاجهزة الامنية والاستخبارية، فأن توجه الحكومة برؤيا ان الأمن الوطني العراقي مفهوم شامل بأبعاده السياسية والامنية والاقتصادية ولان البلد يعاني من ازمة اقتصادية معروفة ابعادها واسبابها وتداعياتها. فقد مثل توجه الحكومة بفرض اجراءات عسكرية على بعض المنافذ الحدودية للسيطرة على مقدرات البلد من تلك العائدات( نظراً لحجم الفساد المستشري فيها)، يعتبر التحول الاكثر اهمية والانجاز الافضل على مستوى الحكومات المتعاقبة.

لكن لا يعني ذلك ان اجراءات فرض القانون كانت مثالية او بمستوى طموح بعض الشرائح الاجتماعية الداعمة للحكومة الحالية..؟

    وذلك لغياب الاجراءات الامنية والقضائية بحق بعض رموز الفساد ممن تسبب في السيطرة على مقدرات بعض الوزارات واستغل منصبه الرسمي للإثراء على حساب الوظيفة العامة ومؤكد انهم كثر كما ساهمت هذه الطبقة في اهدار المال العام وضياع فرص التنمية والتقدم او على الاقل فرص تقديم الخدمات لأبناء البلد، مما شكل عامل ازمة ثقة بين المواطن والطبقات السياسية وانعكس على النظام السياسي والقانوني وساهم في تراجع الاحساس بالهوية الوطنية وتداخل مفاهيم كثيرة ادت الى ملابسات وتعقيدات في المشهد الامني اثر التظاهرات الاخيرة المنادية بالإصلاح والخدمات والقصاص من المفسدين والمطالبة بفرص متساوية او شبه عادلة في الوظائف العامة...

اما التحديات التي تقف بالضد منها فيمكن ايجازها بالاتي:-

1. وجود تأثير لبعض القوى السياسية المشاركة في الحكومة على القرار الامني(هذه القوى السياسة مثلت جزاً من المشكلة فلا يمكن ان تمثل الان جزاً من الحل).

2. المحاصصة الطائفية والعرقية لا زالت تلقي بضلالها على المؤسسات الامنية من حيث المشاركة في صياغة وتنفيذ السياسة العامة الامنية(فتكاد الاجراءات الامنية والقانونية تخضع للمشاركة والمساومات).

3. الفساد الاداري والمالي لازال ينخر بالمؤسسات الامنية، حيث بيع التعيينات والمناصب والترقيات خاضعة للمحسوبية والمنسوبية.

4. وجود ولاءات جانبية داخل صفوف الاجهزة الامنية بعضها حزبية، وبعضها الاخر مذهبية وعرقية وبعضها خارجية.

- الدكتور حسين أحمد السرحان/ باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

ينظر الكثير الى البرنامج الحكومي في باب فرض القانون على انه برنامج طموح جدا، وعدوه على انه صعب المنال في ظل بيئة معقدة تتداخل المتغيرات المحلية السياسية والامنية والاقتصادية، وتعدد الاطراف الفاعلة فيها محليا وخارجيا.

ولكن الحكومة العراقية اتخذت اجراءات مهمة غر مسبوقة، الا انها، وبمقابل التحديات الجودية للدولة العراقية، تبدوا اجراءات خجولة ولا ترتقي الى مستوى الاصلاح الامني والسياسي ومواجهة الفساد وأربابه، والي يأمله الشعب العراقي.

تبقى هناك اشكاليات عديدة مؤكد انها تلعب دور المعرقل لأية اجراءات بأتجاه فرض القانون وتعزيز الامن الوطني العراقي، ومنها ارادة سياسية فاسدة لا تسعى خلف بناء الدولة وسيادة القانون لأنها ستكون اول المتضررين بفعل فقدان مكاسبهم المتحصلة يوميا، واخضاعهم للمساءلة. كذلك انعدام حالة التكامل المؤسساتي بين المؤسستان الامينة. والاشكالية الاخرى هو التركي على موضوعات الامن التقليدي وعناصره، وهذا الامر يجعل باقي مؤسسات الدولة في حل من المسؤولية في تعزيز الامن الوطني. وهنا تغيب فرضية هدف الدولة التي تتمحور حول رفاهية افرادها عبر تدعيم امنا التقليدي وامنها غير التقليدي (الانساني).

المحور الثاني: نحو تعزيز القدرة على انفاذ القانون لضمان الامن الوطني العراقي

تحت هذا المحور تم طرح السؤال الآتي:

س2/ بماذا توصي لتعزيز القدرة على انفاذ القانون لضمان الامن الوطني العراقي في المستقبل المنظور؟

-الدكتور عبد الوهاب كريم حميد/ برنامج الدراسات الاستراتيجية للأمن والدفاع الوطني/ كلية الآداب-جامعة السلطان قابوس – سلطنة عُمان. 

الأمن الوطني هو قدرة الدولة على حماية أمنها الداخلي وحماية المواطن معا، أي حماية أراضيها وشعبها ومصالحها وعقائدها وثقافتها واقتصادها من أي عدوان خارجي، فضلا عن قدرتها على التصدي لكل المشاكل الداخلية والعمل على حلها واتباع سياسة متوازنة تمنع الاستقطاب وتزيد من وحدة الكلمة وتجذير الولاء والانتماء للوطن والدولة.

إن الحديث أولا عن الأمن الوطني الذي هو بالأساس الأمن الداخلي والذي يتحقق عبر حماية المواطن من خلال الأمن المجتمعي بالقضاء على الجريمة التي تهدد أمنه واستقراره بوجود مؤسسات أمنية وعسكرية وطنية قادرة على ضبط الأمن الداخلي وبوجود قوى مساعدة تحقق سلطة القانون والقضاء والادعاء العام ومؤسسات مجتمع مدني مساندة وحس أمني وطني يعي تلك المخاطر.

ولتحقيق الامن الوطني يجب ان تتحكم الحكومة بمقوماتها وقدراتها من خلال سيادة القانون والنفاذ للعدالة. وان تسود سلطة القانون (سلطة الدولة) عبر مؤسساتها القانونية الرئيسة كوزارة الداخلية ووزارة الدفاع والأجهزة التابعة لها، ولا توجد قوى أخرى تنافس او تتعارض معها. كما تدعوا الحاجة الى تقليص وترشيد كثرة تعدد الأجهزة الأمنية لأنه يضعف مهمة القيادة والتحكم بها هنا. ويبرز دور القيادة السياسية لان ما مِنْ دولة انهارت، لسببٍ أو لأكثر من الأسباب، إلّا وتولّدت في الواقع، ومن رحِم الانهيار نفسِه، ديناميّة البحث عن وسائل إعادة بناء الدولة. وحالة العراق لا تختلف عنها فيكون للفرد القائد (الكاظمي مثالا) او مؤسسة الدولة التي يقودها دورا مؤثرٍ في بناء الدولة أو في إعادة البناء. وإعادة بناء الانسان العراقي الذي هو حجر الأساس للإعادة بناء الدولة، وإخراج العراق من خانة الدول الفاشلة.

ومن اهم شروط هذا البناء هو:

- تقوية سلطة الدولة من خلال الإمساك بقوة في وزارتي الدفاع والداخلية باعتبارهما الحجر الأساس لقوة الدولة مع تكاتف الشعب حين يستطيع تحقيق مطالبه وتوفير خدماته وصون كرامته وتلبية احتياجاته وحماية حقوقه.

- السيطرة على الامن الوطني من خلال هذه المؤسسات ومنع أي قوة تتعارض مع هذا النهج او اضعاف سلطة الدولة مهما كانت مكانتها ودورها ومنع الأحزاب من تكوين مليشيات مسلحة والقضاء على التخندق الطائفي، وإبراز الهوية الوطنية الجامعة، والخطوات الأولى الغاء المحاصصة الطائفية. 

- الاعتماد على الكفاءات الوطنية المخلصة وابعاد الولاءات الخارجية عن المشهد السياسي ممن اشاع الفساد وصنع المافيات التي استملكت قوت الشعب وخيراته، ومحاسبتها والضرب بيد من حديد على كل من تسول له تهديد امن الدولة والمواطن.

- إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية (البرية والجوية والبحرية) والأمنية من خلال التدريب والتجهيز بأحدث التقنيات العسكرية والتسليحية والتدريب على الحفاظ على القيم الوطنية وتعزيز ثقافة المواطنة وحقوق الانسان.

- ترسيخ القانون من خلال احترام الدستور والوعي بالحقوق والواجبات لكل مواطن وان الدولة هي الحاضنة والبودقة لتوفير تلك الحقوق من العيش الكريم وصون الكرامة بكافة اشكالها، وتحقيق العدالة الاجتماعية بتوفير الفرص لكل المواطنين بكافة مكوناتهم الاجتماعية.

- مسك الأرض وحماية حدود الدولة عبر مؤسسات الدولة ضمن الاختصاص (تقوية قوات حرس الحدود) والقوات المساندة لمنع تسلل الإرهاب وتهريب المخدرات ومنع الجريمة المنظمة ...الخ.

- تعزيز مبادئ العدل والانصاف وفرض سلطة القانون واستقلاليته.

- حماية الاعلام الحر وحرية الصحافة والرأي والتعبير كلها تساهم بوحدة الصف مع الدولة لحماية مكتسبات الامن والاستقرار المنشود.

- صياغة سياسة خارجية متوازنة ودبلوماسية فعالة في تطوير علاقات العراق الدولية مبنية على المصالح العليا للدولة.

لذا فالأمن الوطني لا يتحقق الا بتوافق كل مقومات الدولة وامكانياتها وقدراتها في تحقيق استراتيجية الامن والاستقرار والامن الغذائي والامن البيئي والامن الصحي والامن المائي والامن العسكري والأمن السياسي، والأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن الإداري، والأمن المعلوماتي "الأمن السيبراني" ... أي الامن الوطني الشامل ويتوافق ذلك مع انسجام مؤسسات الدولة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) على الالتزام على الحفاظ وحماية تلك الاستراتيجية الشاملة.

- الدكتور خالد عليوي العرداوي/ باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

على الحكومة التوجه نحو تجفيف المصادر الداعمة لغياب سلطة انفاذ القانون، وفي مقدمتها العامل الخارجي، فالحكومة مطالبة ببذل جهد استثنائي في عواصم القرار الاقليمي والدولي لإقناعها بقطع دعمها وتمويلها للقوى المحلية الموازية، فهذه القوى تستقوي على الحكومة والمواطن بداعميها الاجانب، لذا على الحكومة اقناع هؤلاء الداعمين على تحويل بوصلة الدعم من تلك القوى الى حكومة بغداد، وسيكون لذلك نتائج ايجابية كبيرة للغاية في تقوية مركز الحكومة وقدرتها على الفعل والتأثير، وقد يكون التأكيد على حيادية بغداد وعدم تدخل الاخرين بالشأن العراقي واحدا من الثوابت التي يجب ان تعمل عليها السياسة الخارجية العراقية.

فضلا على ما تقدم، تحتاج الحكومة الى قطع تمويل القوى الموازية من خلال سيطرتها ووضع يدها على مصادر قوتها المالية: المنافذ الحدودية، الموانئ، عقارات الدولة، ومزاد العملة، وغيرها، وقوتها العسكرية: الافراد والسلاح المنفلت، وضرب مافيات الفساد الحكومي وغير الحكومي، وتبديل جميع القيادات الامنية والعسكرية والادارية المشاركة في دعم الفساد او غير الكفوءة في التصدي له. ومحاولة كسب ثقة الشارع العراقي وجعله ظهير قوي للحكومة في دعمها لخصومها غير الدولتيين. فجعل الشارع بعيدا عن المواجهة بين الحكومة وقوى خرق القانون استراتيجية فاشلة وخيار غير صحيح، ويتطلب اقناع الشارع واشعاره بالفرق بين حكومة الكاظمي والحكومات السابقة لها، وعدم التورط بإطلاق وعود او سياسات أكبر من قدرة الحكومة على تنفيذها. كما يتطلب الامر ايضا تفعيل دور المؤسسات ذات العلاقة بمحاربة الفساد والخروج على القانون، كالمدعي العام، والقضاء، وهيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية وغيرها، واعطائها القدرات والصلاحيات المطلقة للقيام بمهامها.

ويبقى نجاح الحكومة في مهمتها مرتبطا بقدرتها على توحيد خطابها السياسي والإعلامي، ووحدة قرارها وسيطرتها على تشكيلاتها الرسمية، وعدم خضوعها للابتزاز او التورط بمصالح انتخابية ضيقة. وقطعا ذلك يتطلب وجود فريق حكومي منسجم ومتماسك، كما يتطلب وجود فريق استشاري عالي الكفاءة.

صفوة القول: ان توجه الحكومة نحو اثبات قدرتها على انفاذ القانون فوق الارض العراقية ليس ترفا اطلاقا، بل هو حاجة وطنية ملحة للغاية؛ لأن استمرار الوضع الحالي الذي تغيب او تضعف فيه سلطة انفاذ القانون يشكل خطرا محدقا بالأمن الوطني العراقي لا يقل عن أكبر خطر واجهته الدولة العراقية بعد عام ٢٠٠٣.

د. جواد كاظم الشمري/ جهاز الامن الوطني

لتعزيز القدرة على انفاذ القانون لضمان الامن الوطني العراقي في المستقبل المنظور، نوصي بالاتي:-

1. ابعاد الاجهزة الامنية والعسكرية عن أي تأثير سياسي جانبي وتوفير البيئة الامنية المهنية لكافة الاجراءات الامنية.

2. كسب ثقة المواطن العراقي فهو المصدر الاول للمعلومة وبه يمكن تفويت الفرصة على كل المتربصين من خلال اجراءات مهنية امنية وقانونية في محاسبة بعض رموز الفساد والافساد.

3. احالة بعض القادة العسكريين ممن تسبب في تراجع هيبة السلطة والقانون على القضاء العراقي وتفعيل مبدأ من اين لك هذا.

4. توفير الموارد والمعدات الفنية والتقنية الحديثة للمساهمة في انضاج كافة القرارات والاجراءات الامنية.

5. ضرورة الوصول الى توافقات سياسية ان القرار السياسي والامني العراقي غير خاضع لأي مساومة او ابتزاز من أي جهة كانت وبعيد عن سياسة المحاور.

6. بناء استراتيجيات امن وطني شاملة من خلال ايجاد فريق من المختصين في المجال الامني والعسكري ممن يتمتعون بالكفاءة والتخصص مع ضرورة الاستعانة بالمؤسسات الداعمة من مراكز بحثية وجامعات مختصة في الشأن السياسي والأمني.

- ا. م. د. قحطان حسين اللاوندي/ باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية

الحكومة مطالبة بالمضي قدما في قراراتها التي لاقت استحسانا جماهيريا، خصوصا فيما يتعلق بضبط الانفاق والسيطرة على المنافذ الحكومية والعمل على اخضاع الجميع للقانون والسعي لمكافحة الفساد الاداري والمالي والاستعانة بالكفاءات المستقلة لإدارة الازمة بما يضمن معالجتها بوسائل ناجحة.

- الدكتور حسين أحمد السرحان/ باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

شرط التكامل المؤسساتي في تحقيق الامن الشامل (غير التقليدي) والمستدام أمرا حاسما. وهنا لابد من توافر إدراك لدى الحكومة والسلطتين التشريعية والقضائية بأن الامن غير التقليدي هو مهمة جميع السلطات والمؤسسات. كذلك لا يقتصر الامن عل جهد سلطات ومؤسسات الدولة، فالأفراد ومؤسسات المجتمع الاخرى هي ايضا شريك مهم في حماية النظام العام والتنبيه لمديات الخطورة في الداخل. ولضمان ذلك، هناك حاجة الى تأسيس الثقة بين الافراد من جانب وسلطات ومؤسسات الدولة من جانب آخر، وعندها سيتعزز الشعور لدى الافراد ان الدولة ومؤسساتها هي ممثلة له وتعمل لرعاية مصالحهِ وضمان حقوقهِ والدفاع عنها في الداخل والخارج. وهنا تبرز مهمة السلطات والمؤسسات في وضوح الرؤية وشفافية الاجراءات التي تدعم الامن الشامل في البلاد وجدية تلك الاجراءات.

التعليقات