السيستاني مع المحتجين في حتمية التغيير

في لحظات من الشعور الجماهيري بالمسؤولية الوطنية تكرر مرجعية السيد السيستاني الدينية تأكيدها على مساندة المتظاهرين وحركة الاحتجاج الجارية منذ بداية تشرين الاول الماضي وضرورة الاستجابة لمطالب الجماهير، وذلك عبر خطبتين جمعة (8 و15 تشرين الثاني/2019)، فضلا عما نقلته جينين بلاسخارت رئيس بعثة الامم المتحدة (يونامي) عن السيد السيستاني بعد لقائها به يوم 11/ تشرين الثاني الجاري. 

خلال اسبوع ثلاثة تأكيدات اصرت على ان الاوضاع ما بعد الاحتجاجات لن تعود الى ما قبلها بأي حال من الاحوال، ولا مناص من الاصلاح الحقيقي وان المماطلة والتسويف لن يجدي نفعا، وجاء في الخطبة "إذا كان من بيدهم السلطة يظنون أنّ بإمكانهم التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون، إذ لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا الى ذلك". وبذلك تضع المرجعية مسار واحد امام السلطات و"القوى السياسية"، الا وهو الاصلاح الحقيقي وتحقيق الانتقالة النوعية في النظام السياسي. كذلك سيقود موقفها هذا الى زيادة زخم الاحتجاجات الشعبية، اذ نقلت السيدة بلاسخارت عن المرجع السيستاني " ان المتظاهرين لن يعودوا قبل تنفيذ الاصلاحات وتحقيق مطالبهم". وهي دعوة غير مباشرة لإدامة زخم الاحتجاج.

هذا التأييد من المرجعية الدينية يأتي في وقت تكسب الاحتجاجات دعما وتأييدا دوليا متواصلا من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والدول الفاعلة في النظام العالمي. الامر الذي سيضمن الدعم الدولي لمسار التغيير ونتائجه.

خلال ثلاثة مواقف في غضون اسبوع، عملت المرجعية على افشال التكتيكات المستخدمة من قبل السلطة و" القوى السياسية"، بعد كشفها وبيان عدم مقبوليتها امام تلك "القوى" والجهات والفئات والافراد الداعمين للسلطات الفاسدة والمنظومة الحالية. وهذا يعني انها (المرجعية) افشلت اساليب مثل القمع والخطف، والمراهنة على الوقت والتسويف والمماطلة، واسلوب انكار الاحتجاجات عبر التعتيم الاعلامي وغيرها.

كذلك تكرر تشكيك المرجعية بقدرة السلطات و"القوى السياسية" على تحقيق الاصلاح وفق الطموحات الجماهيرية وحذرت خلال الخطبتين بأن هناك طريق آخر سيتم اتباعه في حال فشل تلك السلطات و"القوى" في تنفيذ الاصلاح.

يمكن القول، انه وللمرة الاولى اظهرت المرجعية تشكيكها بشرعية الحكومة وبهذا الوضوح الكبير وارادت ان تذكر السلطات الحاكمة بأنها لم تعد تتمتع بالشرعية اللازمة لإدارة الحكم. وحتى إذا ما سلمنا بنزاهة الانتخابات التشريعية في آيار/2018 وان هناك مشاركة الواسعة فيها، وهو ما تتبجح به السلطات و"القوى السياسية" في انها تستمد شرعيتها من تلك الانتخابات، فأن الشعب العراقي بهذا الاحتجاج الواسع انما يسحب شرعيته من الحكومة وبالتالي عليها الاستقالة والتغيير نحو خارطة الطريق المعلنة من قبل ساحات الاحتجاج ومن قبل المرجعية الدينية.

اخيرا تكرر المرجعية ان ما يحصل في العراق شأن داخلي ولا يمكن لقوى خارجية التدخل وجعل العراق ساحة لتصفية حساباتها على الاراضي العراقية، واصفة ذلك بأنه معركة اصلاح وطنية يتصدى لها الشعب العراقي، واوردت ذلك في خطبتها ليوم الجمعة 15 تشرين الثاني" إنّ معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون اعباءها الثقيلة، ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي بأي اتجاه، مع أنّ التدخلات الخارجية المتقابلة تنذر بمخاطر كبيرة، بتحويل البلد الى ساحة للصراع وتصفية الحسابات بين قوى دولية واقليمية يكون الخاسر الاكبر فيها هو الشعب".

على السلطات و"القوى السياسية" المتحكمة بالقرار السياسي ان تدرك خطورة المرحلة وان لا تغامر بالدولة العراقية وتعرضها لخطر محدق من خلال السعي وراء مصالحها الحزبية الفئوية الضيقة. فالعراق ليس الدولة الوحيدة ولا الاخيرة تُقال فيها الحكومة ويُحل فيها مجلس النواب وتصير الامور الى انتخابات مبكرة، لاسيما اذا ما تذكرنا اننا في ظل نظام تدعي تلك السلطات والقوى المتحكمة مرارا وتكرارا انه نظام ديمقراطي. 

التعليقات