إيران تدفع ثمن سياستها غير المشروعة في العراق..!

لم تخلوا تظاهرات العراقيين منذ عام 2011 وحتى انطلاق التظاهرات الحالية أو ما تسمى تظاهرات أكتوبر أو تشرين الأول من الشعارات السياسية المناهضة للسياسة الإيرانية في العراق؛ وذلك بعد أن أيقن الشعب بأن إيران لها دور كبير جداً في تدهور الاوضاع السياسية والاقتصادية في العراق بعد عام 2003، فضلاً  عن دورها السياسي والاجتماعي المستفز لكثير من طبقات ومكونات المجتمع العراقي. 

الشعارات التي رافقت الثورة الشعبية العراقية الحالية أو ما تسمى بثورة أكتوبر كثيرة جداً، ومنها ما كان موجهاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولعل الهتاف الذي يكرره المتظاهرين على مدى تظاهراتهم المستمرة هو شعار (ايران برا برا..)، هذا الشعار وغيره اصبح محل نقاش وجدل واسعين بين الاوساط السياسية والشعبية والإعلامية. فالشعب العراقي يفسره بمبرراته الواقعية من خلال تجربته السياسية على مدار اكثر من 16 عام، ودول الخليج توظفه بالشكل الذي يتناسب مع صراعها الازلي ضد إيران.  

ارى، كما الكثيرون بأن الشعب العراقي، لا يعارض أو يرفض توّسع العلاقات السياسية والدبلوماسية والشعبية بين بغداد وطهران، العلاقات التي تقوم على اساس حسن الجوار والاحترام المتبادل بين الطرفين، بقدر ما يُدين ويعارض السياسة الإيرانية بعد عام 2003؛ لكونها تسببت في كثير من الاحيان في تعقيد الوضع السياسي بالضد من مصالح الشعب العراقي، لصالح الاحزاب والقوى السياسية الحاكمة.

فقد اعطت طهران الحصانة للطبقة السياسية الحالية ورموزها التقليدية، ومثلت الدرع الحصين لها في عراق ما بعد 2003، وإن طهران على يقين تام بأن الطبقة التي تدعمها على مدار الـ 16عام متهمة بالفساد من قبل شعبها، وغير مرحب بها، وأن بقاءها في السلطة طيلة السنوات الماضية هو نتيجة للظروف السياسية والآليات الانتخابية المشبوهة، فضلا عن  ذلك، فأن إيران لها دور سلبي كبير في تعطيل اغلب القطاعات العراقية كـقطاع (الصناعة والزراعة)، واضعاف المؤسسة العسكرية الرسمية، والعمل على تأسيس جماعات مسلحة غير مرتبطة بالدولة، من خلال دعمها  اللامتناهي للفصائل المسلحة بعيدا عن سيطرة الحكومة العراقية ومفاهيم العلاقات الدولية بين الدول، مستغلة بذلك، بعض المفاهيم الدينية والمذهبية والايديولوجية. بالإضافة الى ذلك، فأن طهران عمدت الى شق وحدة الصف الشيعي بسياستها وتعاملها مع بعض رجال الدين والطبقة السياسية الحالية بانتقائية واضحة؛ وهنا قد تكمن واحدة من نقاط الاختلاف الجوهرية بين مرجعية النجف ومرجعية قم.

بموازاة ذلك، على العرب أن يدكوا بأن العراق بلد عربي وعمقه عربي ولن يكون تابع إلى أي دولة، بقدر ما يتطلع الى بناء علاقات سياسية ودبلوماسية مع كل دول العالم والمنطقة بما يحفظ مكانته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالعراق يعد بمثابة محور التوازن بين دول الشرق الاوسط، وعلى العرب ايضاً أن يبادروا الى مساندة الدولة العراقية بعيدا عن السياسات الطائفية والمذهبية؛ لان استقرار العراق هو استقرار للشرق الاوسط والمنطقة برمتها. فالعراق بعد عام 2003 عانى من السياسة العربية بسبب التغيير السياسي الذي حصل بعد ازاحة النظام السابق والغير مرحب به بين جيرانه وأشقائه، مما دفع به إلى أن ينحاز إلى طرف دون آخر أو لدولة دون أخرى. 

ان المرحلة التي يعيشها العراق اليوم، ربما تكون مرحلة حاسمة، تتطلب من جميع الدول المنطقة والعالم الوقوف مع الشعب العراقي بشفافية عالية دون تنصل أو تضليل؛ لأن تجربة العراق الضعيف على مدار الـ 16 الماضية، كانت قاسية على المنطقة والعالم، ولم يدفع ثمنها العراق فقط، وإنما عاشتها المنطقة برمتها، فحالة عدم الاستقرار السياسي، كانت السمة البارزة التي تمّيز  بها الشرق الأوسط في المرحلة الماضية.

ختاماً اقول على الإدارة الإيرانية ان تدرك جيداً بأن رهانها على القوى السياسية الحالية، هو رهان خاسر اجلاً ام عاجلاً، وعليها ان تبادر "وبالسرعة الممكنة" الى الوقوف مع الشعب العراقي وتطلعاته المشروعة، بدون تصريحات وخطب استفزازية، وأن تبدي حسن نيتها من خلال التعامل الرسمي مع الدولة العراقية كشريك وليس كتابع بعيداً عن القوى السياسية التقليدية والفصائل المسلحة وتجيير المذهب كقوة ناعمة؛ لضرب النسيج الاجتماعي العراقي. فالعراق لم ولن يكون حديقة خلفية لأي دولة مهما كان موقفه وظرفه السياسي. واذا ما ارادت ‎إيران ان تصحح مسار العلاقة بين بغداد وطهران، عليها ان تدرك النقاط اعلاه. 

خلاصة الكلام، اقول على كل دول المنطقة أن تعي جيدا بأن العراق لا يمكن ان يكون منصة لأي دولة من دول العالم ومنها الدول الاقليمية.  ربما سنحت الفرصة لذلك الدور بعد عام 2003 لكن يبقى موقف الشعب العراقي هو من يحدد طبيعة النظام السياسي وتفاعلاته الإقليمية والدولية، طبقاً لمصلحة الدولة العراقية والشعب العراقي. 

التعليقات