احداث البصرة ما بين الواقع الخدمي والبعد السياسي

تتزامن الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في مدينة البصرة مع التطورات السياسية والاقليمية المتسارعة ولا يمكن تفسير ما حصل دون المرور بها ، فبداية الاحتجاجات كانت خدمية وهذا ما شهدناه في مرحلة ما بعد الانتخابات من تظاهرات واحتجاجات في مدن وسط وجنوب العراق للمطالبة بتحسين واقع الكهرباء ، الا انها شيئاً فشيئاً قلت حدتها ما بعد مرحلة العد والفرز اليدوي لتعاود الظهور مجدداً ما بعد التصديق على الانتخابات وتصاعد وتيرة الكتلة الاكبر حتى وصلت ذروتها ما بعد جلسة البرلمان الاولى وما شهدناه من احراق لمجلس محافظة البصرة واغلب مقرات الاحزاب السياسية ومقر هيئة الحشد الشعبي والقنصلية الايرانية في البصرة وهذا الامر تطور خطير في مسار التظاهرات وخروجها من السلمية وهو ما يبرره البعض في غليان الشارع العراقي وغياب القيادة الموحدة والموجهة لتلك المظاهرات اضافة الى وجود جهات سياسية تحاول خرق سلميتها مع وجود تقصير حكومي في الاستجابة السريعة لتلك المطالبات وبالرغم من ان المشاكل الخدمية وعلى راسها موضوع المياه لم تكن وليدة اليوم وانما هي مشكلة تراكمية استمرت منذ 2003 الا ان زيادة ملوحة المياه مع تقليل تركيا لحصص العراق المائية يصاحبها قطع ايران لبعض الروافد وتحويل مياه بعض المبازل باتجاه البصرة زاد من تراكم تلك المشكلة .

فالأمر اعلاه لا يخلو من البعد السياسي مع تصاعد وتيرة الخلاف ما بين محورين كلاهما يملك ثقلاُ على المستوى الشعبي ولا يستبعد ان بعض الاطراف قد حاولت او وظفت فعلاً تلك التظاهرات لصالح ايجاد ضغط او ورقة تفاوضية وهذا ما رأيناه عندما دعت قيادات من تحالف البناء السيد العبادي لتقديم استقالته فوراً وان يتحمل ما الت اليه الاوضاع ، في المقابل هناك محاولة  لمحور الاصلاح لإيجاد حل للمشكلة لا سيما بعد دعوة الصدر لجلسة طارئة للبرلمان الجديد سرعان ما وجدت ارضية مرحبة من قبل السيد العبادي الذي سارع لإطلاق التخصيصات المالية للمدينة في محاولة لتعزيز اواصر تحالف الاصلاح واحتواء الازمة ، وعلى المستوى الاقليمي تتسارع وتتصاعد الاحداث فتزايد العقوبات الامريكية على ايران والتي سبق للعراق وان اعلن الالتزام بها في انتظار دخول حزمة العقوبات في مرحلتها الثانية لتشمل البضائع وفي طريقها نحو ايقاف او تقليل تصدير النفط الايراني وهو ما لا ترضاه ايران ومن المحتمل ان تساهم ازمة البصرة اذا ما استمرت بالتصاعد قد توقف تصدير النفط وهو ما يسهم بخلق توتر عالمي في مستوى اسعار النفط قد يتيح لإيران سد الفراغ ، الشيء الاخر يتصاعد التوتر الايراني الامريكي في جبهات عدة فكلا الطرفين يدعم محوراً في الداخل العراقي ويعمل على تسنمه للحكم هناك ، لذلك فأوضاع البصرة ربما الاخطر منذ 2003 من حيث التوقيت والهدف والصراع لا سيما بعد دخول اطراف سياسية عملت على الحرق المتبادل للمقرات والدوائر وهوما اكدته تنسيقية التظاهرات في البصرة التي علقت عملها بعد دخول مندسين لحرف مسار التظاهر عن وجهته الحقيقية ، ولا يخفى على احد فأن الامور تحتاج لتدخل عقلاء القوم لاحتوائها والا فالتصعيد والصدام سيكون سيد الموقف لكون اغلب الاحزاب هناك هي مسلحة واذا ما نزلت للشارع او حشدت انصارها وقد يقابلها الطرف الاخر المنافس بنفس الوتيرة فضلاً عن وجود العشائر المسلحة التي ربما تحاول فرض رؤيتها او تشكيل مجلس العشائر الذي دعت اليه بعض الاطراف ، فانتشار السلاح والتلويح به وسقوط ضحايا والمؤثر الخارجي جميعها معطيات على احتمالية خروج الاوضاع عن السيطرة ، وبطبيعة الحال فلا توجد حلول جذرية بالمدى القريب وانما بإمكان الحكومة معالجة اكبر قدر من المشاكل كسحب يد اعضاء مجلس المحافظة والمحافظ واحالة المسؤولين عن ملف البصرة للتحقيق ، والحذر كل الحذر وكما وجهت المرجعية من اعادة العمل بالمحاصصة واهمال متطلبات الشعب مجدداً والتهاون في محاسبة المفسدين وهي ادق رسالة امام انظار الحكومة القادمة.

التعليقات