الرجوع للعدد السادس
حفظ هذا المقال فقط
    تطرح قضية إدارة الحكم بقوة اليوم في الأدبيات السياسية والاقتصادية باعتبارها مفهوما واصطلاحا جديدا من الممكن أن يتصدى إلى الكثير من المتغيرات ويحاول تبوبها وتحليلها تحليلا علميا أصيلا بعيدا عن الانحياز، وتأتي عملية قياس مدى إمكانية نجاح أو عدم نجاح إدارة الحكم في التأثير في التنمية في عموم البلدان العربية امرأ ليس بعيدا عن ما يحصل في العالم من متغيرات وتطورات أدت بطبيعة الحال إلى تسليط الضوء على العديد من المعوقات والمشاكل التي تقف حائلا عن تحقيق التنمية المنشودة في البلدان النامية والعربية منها على وجه الخصوص.
إدارة الحكم

أولاً: المفهوم

    إدارة الحكم من المؤشرات الحديثة التي ترصد أثر المتغيرات السياسية في المتغيرات الأخرى ومنها التنمية والأمن الاقتصاديين، حيث يأخذ دلالات مختلفة، ويقيس كل ما يتعلق بالحكم وإدارته،
وبالرغم من بعض الاختلافات في تسمية هذا الاصطلاح بين المراكز والمؤسسات الأكاديمية التي تهتم بهذه القضايا، إلا أن المحصلة واحدة، وحيث إن إدارة الحكم (Governance) هو تعبير استخدمه بيت الحرية (Freedom house) في العديد من دراساته وتقاريره السنوية([1])، إلا إن تقرير التنمية الإنسانية العربية استخدم اصطلاح (الحكم الصالح) حيث عرفه بأنه ذلك الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان ويقوم على توسيع قدرات البشر و خيارا تهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية([2])، فهو إذن (نسق من المؤسسات المجتمعية المعبرة عن الناس تعبيرا سليما تربط بينها شبكة متينة من علاقات الضبط والمسائلة بواسطة المؤسسات وفي النهاية بواسطة الناس([3]) حيث يوصف الحكم الجيد أو الصالح بأنه يتسم بالشفافية والمساءلة والمشاركة ويكون عادلا وفعالا ويعمل على تعزيز سيادة القانون.



ثانيا: إدارة الحكم في البلدان العربية

    إذا كان الحكم الجيد أو الصالح يتسم بالشفافية والمشاركة والمساءلة، فانه ينظر إليه على انه ممارسة للسلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون بلد ما على جميع المستويات، ويتم ذلك عبر آليات وعمليات ومؤسسات يتم التعبير بواسطتها من قبل المواطنين عن مصالحهم ويمارسون من خلالها حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم، إذن الحكم ينحصر في جوانب ثلاث هي([4]):
1.    العملية التي بواسطتها يتم اختيار الحكومات ومراقبتها واستبدالها.

2.    قدرة الحكومة على صياغة سياسات سليمة ومن ثم تنفيذها بفعالية.

3.    احترام المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعل الاقتصادي والاجتماعي.     
  وتنقسم الأبعاد الأنفة الذكر إلى ستة مؤشرات تمثل كل منها متغيرا أساسيا، حيث يتضمن كل جانب أو بعد من الأبعاد الثلاثة مؤشرين رئيسين، وكل هذه المؤشرات تتكون من مجموعة من المؤشرات الفرعية، ولذلك يمكن تناول إدارة الحكم من خلال تلك الأبعاد أو الجوانب الثلاثة:


البعد الأول

   ويتضمن متغيرين رئيسين هما التعبير والمساءلة(Voice and Accountability) ، والثاني الاستقرار السياسي (Political Stability)، وهذان المتغيران يقيسان العملية التي يتم بواسطتها اختيار الحكومات ومراقبتها واستبدالها، حيث يشمل المتغير الأول مجموعة من المؤشرات ذات العلاقة بالعملية السياسية والحريات المدنية والحقوق السياسية ومدى استقلالية وسائل الإعلام ودورها في مراقبة القائمين على السلطة، فهو إذن يعبر عن مدى قدرة المواطنين في المشاركة لاختيار حكوماتهم ومراقبتها ومساءلتها وفقا لأسس موضوعية وظروف تستدعي ذلك([5])، أما المتغير الثاني فهو يعبر عن حالة الاستقرار السياسي أو عدمه، أي احتمالية وقوع العنف السياسي واهتزاز مكانة الحكومة ومدى تعرضها للتغير بالقوة وليس عن طريق الإجراءات الدستورية أو مدى قدرة الأفراد على تغير الحكومة بشكل سلمي([6])، وبالرغم من الأهمية الكبيرة التي تتمتع بها جميع أبعاد إدارة الحكم إلا أن أهمية هذا البعد من خلال المتغيرين آنفي الذكر تتجسد في انه يكشف بوضوح عن مدى الاستبداد السياسي الذي تتمتع به الأنظمة السياسية العربية الحاكمة([7])، على اختلاف أشكالها سواء كانت ملكية أم جمهورية، بالرغم من التفاوت النسبي ببعض الممارسات الديمقراطية هنا أو هناك والتي غالبا ما تكون مقيدة إلى حد كبير، وحتى البلدان العربية التي حققت معدلات عالية في مؤشرات التنمية البشرية مثل البلدان الخليجية الستة لم تكن بحال أفضل من باقي البلدان العربية في هذا الجانب, وبالنظر إلى الجــدول(1) نجد أن مؤشر التعبير والمساءلة قد حصل على درجة سالبة من بين جميع مؤشرات إدارة الحكم حيث بلغ (-0.73) في عام (2000/2001) بعد أن كان (-0.84) في عام (1997/1998).

الجدول رقم(1)
مؤشرات قياس إدارة الحكم في البلدان العربية(*) (1997- 1998- 2000-2001)
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
إدارة الحكم والتنمية في البلدان العربية
المصدر: البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002(نيويورك: الأمم المتحدة)، ص107.

________________________________________
([1]) لمزيد من التفاصيل انظر:http://www.freedomhouse.org 

([2]) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002،ص18.

([3]) نفس المصدر السابق، ص106.

([4]) علي توفيق الصادق آخرون, الاقتصاد العربي بين الواقع والآمال,مجلة المستقبل العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد299 ,2004 ) ص34.

([5]) لمزيد من التفاصيل انظر:-
1.    ماهر اليوسف، ممارسة الديمقراطية، مجلة البصائر( بيروت: مركز الدراسات والبحوث الإسلامية,السنة التاسعة ,العدد 20، صيف1996) ص115-ص119.
2.    فالح عبد الجبار، الديمقراطية المستحيلة والديمقراطية الممكنة ( دمشق، المدى للثقافة والنشر والتوزيع، ط1، 1998) ص10- ص15.
3.    رو برت دال، الديمقراطية ونقادها، ترجمة نمير عباس مظفر ( دمشق: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1995).

([6]) لطفي حاتم، التداول السلمي للسلطة السياسية، مجلة النهج ( دمشق :مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي , العدد ,صيف 2001) ص158- ص176.

([7]) حول الاستبداد السياسي في البلدان العربية انظر:
-    مالك حسين، في الديمقراطية، من الدول التعبوية إلى الدول التسلطية، مجلة النهج( دمشق : مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي, العدد 19 ,صيف 1999 )ص18-ص32.
-    محمد جمال طحان، بدائل الاستبداد في فكر الكواكبي، مجلة الاجتهاد (0 بيروت : دار الاجتهاد للأبحاث والترجمة والنشر, السنة 15, العدد 55-56 , صيف وخريف 2002) ص205-ص234.

([8]) حول العنف السياسي في الجزائر انظر:سرحان بن دبيل العتيبي، ظاهرة العنف السياسي في الجزائر, دراسة تحليلية مقارنة1976/1998, مجلة العلوم الاجتماعية (الكويت: جامعة الكويت, المجلد28, عدد شتاء 2000) ص23-ص36.

([9]) لمزيد من التفاصيل انظر:
1-  د. حسن بكر، أسباب العنف السياسي ودوافعه، مجلة الكلمة ( منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث, السنة التاسعة عشر,العدد 93، صيف 1998) ص24.
2-    عبد الإله بلقزيز، العنف والديمقراطية ( الرباط : منشورات الزمن، 1999).
3-    عبد الإله بلقزيز، في الديمقراطية والمجتمع المدني ( الدار البيضاء : دار أفريقيا الشرق، 2001).

([10]) انظر: ناجي أبى عاد وميشيل جرينون، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط( الناس، النفط, التهديدات الأمنية)   ( عمان : الأهلية للنشر والتوزيع، 1999) ص35.

([11]) لمزيد من التفاصيل انظر:-
1-  د.فيصل دراج، التطرف الأصلي والتطرف الثانوي ,مجلة النهج(دمشق: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي, العدد20,خريف 1999) ص116-125.
2-    د. احمد برقاوي ،التطرف يبدأ فكرا، المصدر السابق ، ص126- ص134.
3-    د. احمد برقاوي، التطرف متعدد الأوجه ومرتبط بتعيين الثقافة ,نفس المصدر السابق، ص136- ص139.
4-    السيد يسين، أزمة المشروع الإسلامي المعاصر، المصدر السابق، ص159- ص169.
5-      محمد سيد رصاص، السلطة السياسية والتطرف الديني، المصدر السابق، ص151- ص159.

([12]) علي توفيق الصادق وآخرون،مصدر سبق ذكره، ص54.

([13]) لمزيد من التفاصيل انظر: المرسي السيد مجازي، التكاليف الاجتماعية للفساد، مجلة المستقبل العربي ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية , العدد 226، 2001)  ص17- 37.

[14])) د.علي الدين هلال ود. نيفين مسعد، الأنظمة السياسية العربية: قضايا الاستمرار والتغيير( بيروت: مركز الوحدة العربية, 2000)  ص161- 167.



مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/ كربلاء
* تدريسي المعهد التقني/ كربلاء
* المعهد التقني كربلاء
* ديوان هيئة التعلم التقني/ قسم شؤون الطلبة

المصدر:علي الصادق وعلي بلبل ومحمد عمران، الاقتصاد العربي بين الواقع والآمال، مجلة المستقبل العربي (بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 299، 1/2004)ص58.

*تتراوح مؤشرات إدارة الحكم بين -2.5 و 2.5 وكلما ازدادت القيمة عكس ذلك جودة إدارة الحكم.

  وهذا ما يؤكد حقيقة عدم قدرة الأفراد في التعبير عن آرائهم بالنظام السياسي والسلطة التي تمثله بسبب الممارسات القسرية، وإذا ما نظرنا إلى البلدان العربية بشكل منفرد، نجد إن الأردن حسب هذا المعيار قد احتلت المرتبة الأولى بقيمة موجبة مقدارها (0.10) في عام (2000/2001) وهي أعلى من المتوسط العالمي، تلتها الكويت بمقدار (0.08) ثم الجزائر (0.000) ولنفس العام المذكور وهو الأمر الذي يتضح منه وجود بعض التجارب الديمقراطية في هذه البلدان وهو واقع موجود فيها، أما باقي البلدان العربية فقد كانت علاماتها سالبة، وقد حصل العراق على أعلى علامة سالبة وهي (1.930) في عام (2000/2001)، إن هذا المؤشر يؤكد حالة كبت الحريات وبالذات السياسية منها.

     أما فيما يتعلق بمؤشر الاستقرار السياسي فان البلدان العربية تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي نسبيا، وتتباين الأسباب من بلد لآخر فالنزاعات العرقية والحرب الأهلية تعصف ببعضها مثل السودان والى حد ما الجزائر([8]) التي تعاني من ممارسات الحركات المتطرفة ومشكلة القبائل، يضاف لذلك تأجج حالة الصراع الديني والطائفي والقومي في العديد من البلدان العربية، مثل مصر- سوريا- دول الخليج العربي فضلا عن ما يجتاح المنطقة برمتها موجه من الإرهاب واستهداف المؤسسات المدنية، وأضحت التهديدات الأمنية تعبر عن إشكالية كبيرة تواجهها البلدان العربية، كما إن الرغبة في إشاعة الممارسات الديمقراطية لدى المواطنين في جميع البلدان العربية سبب ضغطا على بنية الأنظمة السياسية فيها، مما دفع باتجاه المزيد من الإجراءات القسرية والاستبدادية، كما إن وجود ظاهرة العنف الرسمي قد عمل على بروز ظاهرة العنف غير الرسمي كرد فعل، وحيث أن العنف الرسمي يمتلك وسائل وأساليب القمع التقليدية والمتطورة فقد أدى إلى تعدد أساليب العنف غير الرسمي في الوقت ذاته([9])، وهذه الحالة لا تفضي إلى الاستقرار الذي هو مهم جدا للتنمية والأمن الاقتصاديين([10]). وعند الحديث عن العنف السياسي غير الرسمي يتبين أن له أسبابا متعددة تتعلق بشكل كبير بأسلوب وإدارة الحكم، حيث تتراوح هذه الأسباب بين سياسية مثل (محدودية المشاركة السياسية وضعف الوجود الحزبي وانتشار الأساليب الأمنية وشيوع الفساد بأنواعه)، وأخرى اقتصادية مثل (البطالة وتدهور الأحوال المعيشية والفوارق بين الأفراد والجماعات وعدم وجود العدل في توزيع الدخل)، وأخرى فكرية ثقافية مثل (الفراغ الفكري والسياسي وانتشار عقيدة الثار وتسلط المؤسسات الدينية).

     يضاف إلى ذلك إن المعاناة الناجمة عن الاحتلال في كل من العراق وفلسطين والذي سبب تصدعا خطيرا في جدار الاستقرار السياسي والاجتماعي، ناهيك عن الصراعات الأيديولوجية التي تتمثل بالكثير من التيارات المتطرفة سواء كانت دينية أم غير دينية([11]). ومن خلال الجدول(1) نجد إن المتوسط العام لمؤشر الاستقرار السياسي لجميع البلدان العربية كان سالبا بمقدار (0.19) لعام (2000/2001) بعد أن كان (0.35) لعام (1997/1998)، وهو اقل من المتوسط العالمي، وقد حققت تسعة من البلدان العربية علامات موجبة، حيث جاءت قطر في الصدارة بمقدار (1.40) عام (2000/2001) فيما احتل السودان أعلى علامة سالبة بمقدار (2.10) لنفس العام، وتراوحت علامات باقي البلدان العربية بين هذين المقدارين، مما يعني أن هنالك تباينا واضحا بين البلدان العربية في الاستقرار السياسي، لكن ذلك قد لا يعني بطبيعة الحال أن البلدان العربية التي حصلت على علامات موجبة تتمتع بقدر عال من الاستقرار السياسي بل انه قد يعكس طبيعة النظم السياسية الحاكمة فيها والتي تتميز بقدر من الاستبداد في السلطة.


البعد الثاني

   وهو يتعلق بقدرة الحكومة على صياغة قرارات سليمة وكفؤة والقدرة على تنفيذها، ويتضمن هذا البعد متغيرين رئيسيين هما فعالية الحكومة (Government Effectiveness) والجودة التنظيمية (Regulatory Quality)، ويتضمن المتغير الأول مجموعة من المقاييس مثل كفاءة أو جودة النظام الإداري (البيروقراطية) المتبع في المؤسسات العامة، وكذلك مدى ارتباط الخدمات العامة بالقرارات السياسية التي تشكل بدورها ضغوطا سياسية على استقلالية تلك الخدمات في العديد من البلدان، وهذا المتغير يعبر عن أهم المدخلات التي يجب توفرها لتكون الحكومة قادرة على تصميم وتنفيذ سياسات جيدة وتقديم خدمات عامة للمجتمع ذات جودة عالية، المتغير الثاني يتعلق بتلك السياسات المتخذة في المتغير الأول حيث يركز تركيزا مكثفا مثل سياسات الأسعار في السوق، مدى وجود إشراف كاف على النظام المصرفي، هيكل المنافسة، كذلك يشتمل على مدى التعقيد الإداري الذي يحكم النشاط الاقتصادي([12]). وبتطبيق هذين المؤشرين فانه يتبين من خلال الجدول(4) إن المتوسط العام لمؤشر فعالية الحكومة لجميع البلدان العربية قد بلغ علامة سالبة مقدارها (0.22) عام (2000/2001) بعد أن كان يساوي (0.37) عام (1997/1998). كما حصلت تسعة بلدان عربية على علامات موجبة حيث جاءت تونس بالصدارة بمقدار (0.30) عام (2000/2001) بعد إن كانت (0.63) عام (1997/1998). 

فيما احتلت الصومال الترتيب الأخير بمقدار سالب قدره (2.34) عام ( 2000/2001 ) بعد أن كانت مقداراً سالباً (1.70) لعام (1997/1998)، أما بالنسبة للمؤشر الثاني (الجودة التنظيمية) فان المتوسط العام لهذا المؤشر ولجميع البلدان العربية فقد كان سالبا بمقدار (0.23) في عام (2000/2001). بعد أن كان (0.47) عام (1997/1998). وحصلت تسعة بلدان عربية على علامات موجبة حيث جاءت تونس أيضا بالترتيب الأول بمقدار (0.81) لعام (2000/2001) بعد أن كان ( 0.43) في عــام (1997/1998)، بينما جاء العراق بالمركز الأخير بمقدار (2.78) لعام (2000/2001) بعد أن كـــان (3.14) في عام (1997/1998). أن ذلك يوضح إن البلدان العربية(ومن خلال هذين المؤشرين) بحاجة إلى جهد كبير فيما يتعلق باختيار حكومات قادرة على أداء أفضل وذات قدرات تنفيذية كفوءة مما ينعكس على مسيرة التنمية العربية بشكل عام.


البعد الثالث

    وهذا البعد يتعلق باحترام المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعل الاقتصادي والاجتماعي فانه يتكون أيضا من متغيرين اثنين، أولهما سيادة القانون (Rule of Law) والذي يقصد به مدى الثقة الممنوحة لتلك القواعد من قبل المتعاملين والتي تحكم نظم العمل والتعامل داخل المجتمع، ويشمل مجموعة من المؤشرات مثل فعالية النظام القضائي ومدى وجود أو وقوع الجرائم (شيوع الجريمة)، ومدى الالتزام بتنفيذ التعاقدات، وهذه المؤشرات تعطي انطباعا عن مدى النجاح الذي يحقق المجتمع في خلق بيئة مناسبة تتميز بالعدل وإقرار الحق وبالتالي زيادة الانسجام والتفاعل الاجتماعي والاقتصادي بين الأفراد بعضهم البعض، وبينهم وبين الحكومة، أما المتغير الثاني فهو السيطرة على الفسادControl of Corruption) ) حيث يتضمن الفساد هنا مقدار الدفع الإضافي اللازم من الأموال لإتمام المعاملات وتأثير الفساد على البيئة الاقتصادية([13]) والاجتماعية وبالذات بيئة الأعمال، وكذلك الفساد الكبير الذي يتمثل في فساد الدولة أي فساد النظام السياسي الحاكم.

   وبتطبيق هذين المؤشرين على البلدان العربية يتضح إن المتوسط العام للمؤشر الأول كان سالبا بمقدار (- 0.06) عام (2000/2001) بعد إن كان (- 0.04) عام 1997- 1998، وجاءت علامات عشر دول عربية موجبة إذ احتلت الإمارات المرتبة الأولى بمقدار (1.12) عام (2000/2001) بعد إن كانت (0.77) عام (1997/1998)، فيما جاء العراق بالتسلسل الأخير بين البلدان العربية جميعا بمقدار سالب (- 1.64) في عام (2000/2001)، بعد إن كان (- 1.84) عام ( 1997/1998).

    أما المؤشر الثاني الذي يتعلق بالسيطرة على الفساد فقد كان المتوسط العام لجميع البلدان العربية سالبا بمقدار (- 0.29) عام (2000/2001) بعد أن كـان (- 0.35) عـام ( 1997/ 1998).

    بينما حصلت ثمان دول عربية على علامات موجبة حيث جاءت تونس بالمرتبة الأولى بمقدار (0.86) لعام (2000/ 2001) بعد أن كانت ( 0.30) عام(1997/1998)، أما التسلسل الأخير فقد كان من حصة السودان بمقدار (- 1.24) عام (2000/2001) بعد أن كان (- 1.26) عام ( 1997/1998)، ولذلك فان هذين المؤشرين يعطيان صورة غير مشجعة عن سيادة القانون أو السيطرة على الفساد في البلدان العربية، إن عدم سيادة القانون على جميع الأفراد والمؤسسات سيكون له تأثيرا سلبيا كبيرا في الإبداع وبالتالي ضعف المشاركة في التنمية، حيث من شان ذلك أن يعمل على خفض الابتكار وبالتالي تراجع المستوى التكنولوجي والعلمي، فضلا عما يخلق ذلك من عدم حماية للحقوق الفكرية، أما شيوع الفساد الذي لا يقتصر على الأفراد والمؤسسات الخاصة والذي يمتد إلى المؤسسات الحكومية إضافة إلى فساد الدولة والنخب السياسية المتباينة في البلدان العربية([14]) حيث يلقي بضلاله على كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية مما كانت له نتائج وخيمة على المجتمع بأسره.


ثالثا: إدارة الحكم والتنمية

   لقد أظهرت هذه المؤشرات عمق المشكلة الموجودة في البلدان العربية والمتمثلة بعدم القدرة على اختيار الحكومات ومساءلتها ومراقبتها، كذلك تؤكد الترابط الوثيق بين إدارة الحكم ومستويات التنمية الأمر الذي يفسر تراجع التنمية في البلدان العربية إلى نوعية إدارة الحكم بها أي تردي نوعية المؤسسات، وفي دراسة قدمها تقرير التنمية الإنسانية العربية عن نوعية المؤسسات من خلال استخدامه المؤشرات الستة المشار إليها (انظر جدول (5)) وتقسيم البلدان العربية إلى ثلاث مستويات حسب التنمية البشرية (عالية- متوسطة- متدنية)، ومن ثم مقارنة هذه المستويات مع نوعية المؤسسات، فقد أظهرت النتائج وجود علاقة طر دية بين نوعية المؤسسات وإنجازات التنمية البشرية، وحيث انه كلما ارتفع أداء إدارة الحكم فان ذلك يعني اعتماد سياسات وبرامج توفر للسكان فرص العمل من خلال تعليمهم وتدريبهم وتطوير قدراتهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال الدولة التي تعمل على تحقيق العدالة في التوزيع، ولا يقتصر هذا الهدف من خلال الحكومة بل  يجب أن تشترك فيه كل المراكز الفاعلة في المجتمع مثل منظمات المجتمع المدني والتي يتطلب وجودها إطلاق الحريات والقيود على نشاط هذه المنظمات، إن ذلك كله سيؤدي بالتأكيد إلى القضاء على المشاكل الاجتماعية مثل الفقر والبطالة وبالتالي زيادة المشاركة في التنمية من جهة، وتعزيزها من جهة أخرى، من هنا يتضح أن إدارة الحكم باعتبارها المسؤول عن التنمية في البلدان العربية قد أخفقت في العديد من حلقات التنمية، كونها قد تأثرت كثيرا بالدوافع والغايات السياسية مما عمق من مشكلة إمكانية تحقيق أمن اقتصادي عربي.


جدول (5)
نوعية المؤسسات في البلدان العربية( مؤشرات موحدة)