الرجوع للعدد الخامس
حفظ هذا المقال فقط
الآفاق التحليلية لمسودة قانون النفط والغاز
احمد المطيري
محامي في مركز الدراسات والتطوير حركة الرفاه والحرية
في الوقت الذي يشهد فيه الشعب العراقي حالة من الفقر والبطالة وتردي الخدمات بجميع أنواعها، تتجه الأنظار إلى ممثلين الشعب في البرلمان والحكومة لاتخاذ المناسب من القرارات التي من شأنها أن تأخذ بيد المجتمع والنهوض به من حالة التردي إلى التقدم والازدهار. وبما أن جميع الأوضاع التي يمر بها العراق والتي تشهدها الساحة العراقية هي أوضاع استثنائية وغير طبيعية لابد من التأني والتأمل بأتخاذ القرارات وخاصة المصيرية منها وإلقاء الضوء عليها ومعرفة حقيقة وأبعاد تلك القرارات.

وما دامت الثروة النفطية في العراق هي الذخر الأساسي الذي يأمل المواطن العراقي الاعتماد عليه في اقتصاده، لابد من عدم التفريط بتلك الثروة ودراسة كل ما من شأنه أن يتعلق بها بصورة مستفيضة ومتأنية، وبذلك كان لابد لمركز الدراسات والتطوير التابع لحركة الرفاه والحرية أن يتناول هذا المشروع بشيء من الدقة بدافع الحرص على الصالح العام. ومن خلال إطلاعنا على مسودة المشروع الذي اقر من قبل الحكومة

العراقية الحالية والذي من المؤمل أن يعرض على مجلس النواب للتصويت عليه، لاحظنا ما يلي:-


أولاً: من الناحية القانونية:

1- المتتبع لهذا القانون يرى إن مسودة المشروع قد صيغت باللغة الإنكليزية، ومن الملاحظ أن هناك اختلاف في الترجمة إلى اللغة العربية، وهنا يثار التساؤل، أي النصين يعتمد في حال وجود خلاف بين الشركات المستثمرة للنفط والغاز وبين المجلس الاتحادي للنفط والغاز، أو حصول اختلاف بين النخب السياسية؟ ومن هي الجهة التي يتم الاحتكام إليها؟.

2- ما ورد في الفقرة (17) من المادة الرابعة في تعريف "الشخص العراقي" هو تعريف يشوبه كثير من الغموض وقد يستغل من أشخاص يحملون أكثر من جنسية وبالتالي فان هذا الشخص قد يستخدم جنسيته الأجنبية في حال حصول أي إشكال مع حكومة الإقليم أو الحكومة الاتحادية، للتخلص من التبعات القانونية.( "الشخص العراقي" - أي مواطن يحمل الجنسية العراقية أو أي شركة أو مؤسسة بشخصية قانونية قائمة ومسجلة تبعا للتشريعات العراقية مع وجود مركزها الرئيسي في العراق ولها ما يزيد عن 50% من أسهم رأسمالها مملوكة من مواطنين عراقيين أو من قبل مؤسسات أو شركات عامة أو خاصة عراقية).

3- ما ورد في الفقرة (23) من المادة السابقة "المشغل"، من الممكن أن تسبب مشكلة ناتجة من تحويل العقد الأصلي إلى سلسلة من العقود مع شركات ثانوية لا تتوفر فيها الكفاءة المطلوبة كما حدث في إعادة أعمار العراق، والمشاكل القانونية التي صاحبته.( "المُشَغِلْ" - الهيئة المعينة من قبل الهيئة المختصة بالتشاور مع مالك حق التنقيب والإنتاج للقيام بالعمليات النفطية بالنيابة عن الأخير).

4- ما ورد في الفقرة (24) من نفس المادة، في "تعريف المحافظة المنتجة" نعتقد انه لا داعي لتحديد كمية الإنتاج لأنه قد يجر إلى مشاكل قانونية وسياسية ناتجة من عدم شمول بعض المحافظات بهذا التعريف مستغلين تحديد كمية الإنتاج النفطي. مثال على ذلك محافظتي دهوك والسليمانية.(المحافظات التي يقل إنتاجها عن 150 ألف برميل يومياً). ( "المحافظة المنتجة"- أي من محافظات جمهورية العراق التي يتحقق فيها إنتاج للنفط والغاز بصورة مستديمة وبمعدلات تجارية لا تقل عن (150) ألف برميل / يوم).

5- ما ورد في الفقرة (29) من نفس المادة، في تعريف "الناقل" وهذا التعريف يجعل الحكومة تتحمل المسؤولية في نقل المنتج من النفط لوحدها دون أن تضع على الشركات أي مسؤولية.( "الناقل" - الكيان المعين من قبل مجلس الوزراء لاستلام النفط الخام أو الغاز من مالك حق التنقيب والإنتاج عند نقطة التحويل وتسليم النفط الخام أو الغاز للتصدير إلى مالك حق التنقيب والإنتاج عند نقطة التسليم).

6- المادة الخامسة فقرة (احد عشر) هنالك خلل واضح في صياغة هذه الفقرة وذلك لورود كلمة "أعضاءه الحاضرين" مما يدلل على انه من الممكن اتخاذ القرار بحضور ثلاث أعضاء يصوت اثنان منهم لصالح القرار، وكذلك المادة العاشرة الفقرة ثانياً. (للمجلس الاتحادي للنفط والغاز أن يضع نظاما" داخليا" لتنظيم عمله على أن يتخذ قراراته بأغلبية ثلثي أعضائه الحاضرين فيما يتعلق بوضع السياسات النفطية والخطط ونماذج العقود وتعليمات التفاوض والتعاقد).

7- المادة العاشرة، ث. ثالثا، في "الموافقة على العقد"، ففيها يعتبر العقد نافذ ما لم يتم التصويت علية بالرفض خلال(60 يوما) وهذا ما من شأنه أن يمرر الكثير من العقود بحجة انتهاء الشهرين بعدم اتخاذ قرار بالرفض من قبل المجلس الاتحادي للنفط والغاز، وان هذه الطريقة في نفاذ العقود غير معمول بها في القوانين العراقية.(تبلغ الوزارة أو شركة النفط الوطنية العراقية أو الهيئة الإقليمية بقرار الممانعة على العقد الأولي والأسباب الموجبة لذلك خلال (60) ستين يوما من استلام العقد الأولي من قبل المجلس الاتحادي للنفط والغاز، ويعتبر العقد الأولي موافق عليه في حالة عدم صدور قرار من المجلس بعد مضي الفترة المذكورة. وفي حالة تعذر عقد اجتماع المجلس الاتحادي للنفط والغاز خلال (60) ستين يوما من استلامه للعقد الأولي، فعلى المجلس أن يتخذ قراره بشأن العقد خلال ألـ(45) الخمسة والأربعين يوما" التالية بإستخدام مختلف وسائل الاتصال المتاحة ، و سيعتبر العقد نافذا" في حالة عدم صدور القرار بعد إنقضاء المدة المذكورة).

8- ما ورد في المادة (39) والمتعلقة "بحل النزاعات" يفترض فيها أن يكون القانون العراقي هو المرجع الأول ويجب أن تحل تلك النزاعات عن طريق القضاء العراقي بين الأطراف المتعاقدة ولا يجوز اللجوء فيها إلى لجان تحكيم أو محاكم خارج العراق، لذلك نجد انه يوجد خلل في الفقرة "ث" على (1) من المادة أعلاه،لكون القضاء العراقي لدية الولاية العامة على كافة الأشخاص العامة والخاصة إضافة إلى إن الاحتكام إلى اتفاقيات دولية بهذا الخصوص يتطلب وجود مصادقة لدولة العراق على تلك الاتفاقيات.(يتم إجراء التحكيم بين جمهورية العراق والمستثمرين الأجانب حسب ما يلي:

1. أنظمة إجراءات التحكيم لغرفة التجارة الدولية في باريس، جنيف أو القاهرة لتسوية النزاعات بين الدول ومواطني دول أخرى أو تبعا لمعاهدة تسوية النزاعات بين الدول ومواطني دول أخرى وعلى أساس القانون العراقي).

ثانياً: الناحية الاقتصادية: 1- يركز القانون في اغلب جوانبه على الإنتاج دون ذكر التكرير والحاجة الداخلية من المشتقات النفطية.

2- لم يأخذ القانون بنظر الاعتبار الفترات الزمنية لتجهيز الناقلات النفطية والتأخير الذي قد تنتج من المشاكل الفنية والسياسية والتي قد تؤدي إلى وقف الإنتاج والتي من المتوقع حصولها بعد المباشرة بالعمل، وهذا ما يسبب فرض غرامات تاخيرية على القطاع النفطي تدفع إلى الناقلات الراسية في ميناء البصرة والتي وصلت إلى مائة مليون دولار نتيجة التوقف في بعض الخطوط الناقلة للإنتاج.

3- ورد في الفقرة (د) من المادة 14والتي فيها تلتزم الدولة بتعويض الشركة المستثمرة عن أي خسارة بدون تحديد نوع الخسارة، وعليه يجب أن توضع صياغة جديدة لهذه الفقرة واضعين بالحسبان احتمالية انهيار سوق النفط لأي ظرف طارئ. (تعوض الأطراف المتضررة عن أية خسارة أو ضرر ناتج عن القيام بالعمليات النفطية حسب ما يقتضيه القانون).

4- الفقرة (ب) من المادة 32 تبدو في ظاهرها غير خاضعة لقانون الاستثمار العراقي والذي ينص على عدم تعويض أي جهة من الجهات بعد الفترة الزمنية من انتهاء الاستثمار والفقرة أعلاه مخالفة لهذا القانون. (جميع كلف استعادة الموقع والكلف المرافقة تصبح مستحقة عند التحويل فيما يتعلق بأية أعمال ومرافق يتم دفعها من قبل شركة النفط الوطنية العراقية ومالكي تراخيص الإنتاج الآخرين بموجب خطة إنهاء التكليف).

5- النسب المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة(34) بخصوص حق الملكية "الريع" هي نسب قليلة، والمفروض أن ينص على نسب أعلى من الفقرة أعلاه(تدفع شركة النفط الوطنية العراقية و حاملو تراخيص التنقيب والإنتاج الآخرون الريع على النفط المنتج من مناطق التطوير والإنتاج بواقع "12,5%" من الإنتاج الإجمالي محسوب من مدخل شفة الربط إلى المدخل الرئيسي).

6- الفقرة (أ) من المادة( 35) الخاصة "بمسك السجلات" ذات إشكال مالي كبير تكون فيه الدولة في موضع ضعف مقابل الشركات المنتجة حيث إن تحويل الأرباح الصافية العائدة لصالح الشركات المستثمرة إلى خارج العراق مباشرة لا يكون في مصلحة الاقتصاد العراقي، حيث من المفروض أن تستفيد المحافظة المنتجة(بالخصوص) من هذه الأرباح في مشاريع أخرى تسهم في تطويرها(يحق لمالكي التراخيص تحويل الأرباح الصافية المتأتية من العمليات النفطية إلى خارج العراق بعد دفع الضرائب المستحقة عليهم).

7- ما ورد في هذه الملاحظة مقتبس من دراسة لأحد الاقتصاديين وإذا صحت النسب الموجودة في هذه المعادلة فسوف تكون خسارة العراق المادية حوالي(18مليون دولار زائداً مليون برميل من النفط الخام يومياً) والمعادلة هي:- ((ما هو منتج حالياً للنفط من النفط العراقي وما متوقع للإنتاج بعد الاستثمار، يلاحظ إن خسارة البلد سوف تكون ما يقرب من 32مليار، وربع المليار سنويا فيما لو بقي القانون بصيغته الحالية، وكما يلي:. o العراق ينتج الآن ما يقارب 2 مليون برميل في اليوم. *متوسط سعر البرميل 55 دولار. * المردود المالي في اليوم الواحد من نفط العراق 110 مليون دولار.(يومياً)* بعد تطبيق قانون النفط والغاز متوقع أن يزيد إنتاج العراق في الفترة القريبة إلى 3 مليون برميل.(يومياً). o نفرض إن متوسط سعر البرميل الواحد لا يزال 55 دولار. o المردود المالي في اليوم الواحد 165 مليون دولار يتم تقسيمها كما يلي: o 12.5% ريع الإنتاج حسب ما ينص القانون أي ما يعادل 20.5 مليون دولار (عشرون ونصف مليون دولار) هذا المبلغ يدور إلى الحكومة العراقية. o كلفة الإنتاج في حدود 3 دولار للبرميل الواحد يعادل 9 مليون دولار يدور هذا المبلغ للشركات المنتجة. o المبلغ المتبقي في حدود 135.5 مليون دولار (مائة وخمسة وثلاثون ونصف مليون دولار) o يقسم هذا المبلغ على 2 بين الحكومة العراقية والشركة المشاركة في الإنتاج 67.750 مليون دولار ( سبعة وستون وثلاثة أرباع مليون دولار)، حصة كل طرف. o المردود المالي الكلي للحكومة العراقية يتم بجمع ريع الإنتاج مع نصف الأرباح لنحصل على 88.250 مليون دولار ( أي ثمانية وثمانون وربع مليون دولار).
الخلاصة . عندما ينتج العراق بكوادره الوطنية 2 مليون برميل يكون المردود المالي 110 مليون دولار بفرض متوسط سعر البرميل 55 دولار. * وعندما ينتج العراق 3 مليون برميل في اليوم بمساعدة الشركات حسب ما هو وارد في مسودة قانون النفط والغاز ينخفض المردود المالي للحكومة العراقية إلى حوالي 88 مليون دولار في اليوم الواحد.



ثالثا: الناحية السياسية :

1- من خلال قراءة التاريخ نلاحظ إن أغلب القرارات المهمة والخطيرة تتخذ في أوقات حرجة واستثنائية من حياة الشعوب، والتي من شأنها أن تؤثر سلبا في حياتها إذا تم اتخاذها بصورة مستعجلة، وعلى هذا الأساس فإننا نرى توخي الدقة العالية جدا في اتخاذ القرارات في هذه الفترة كونها ستكون ملزمة لفترات قادمة وقد تتطلب الكثير من المصاعب لتفادي أخطاءها.

2- إن المواقف السياسية المتباينة للكتل السياسية للبرلمان والتي تظهر فقدان الثقة الشبه التام بين المكونات قد يجعل هذا القانون بصيغته الحالية وفي وقته الحالي قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة وتكون الطائفة النفطية فيها أول المستهدفين، حيث قد تتحول أي مشكلة بين كتلتين سياسيتين في باب الاستثمار إلى معركة تدور رحاها على جغرافية الآبار النفطية.

3- نعتقد وحسب فهمنا للواقع إن القرارات التاريخية ذات الأمد الطويل يجب أن لا تتخذ في ظروف استثنائية وعلى عجالة من الوقت وفي ظرف وجود الاحتلال مما يجعل للمحتل بصمات واضحة في تمرير القانون.

4- نعتقد إن الأرضية الصلبة التي يجب أن يُنشأ عليها القانون هي المصداقية وحسن النية، لدى أغلب الأطراف، والثقة المتبادلة والتي تكاد تكون مفقودة حاليا بين الكتل السياسية.

5- هنالك بعض الفقرات التي ضمنها القانون والتي تكاد تكون موضع اضطهاد للكثير من الطوائف حيث تشير إحدى الفقرات في القانون إلى تشكيل المجلس الاتحادي من المكونات الأساسية للشعب العراقي، وفيها تهميش واضح لباقي الأقليات من أبناء الشعب، مما يرسخ المحاصصة الطائفية الواضحة.

6- إن السرعة في اتخاذ القرار وتمريره بهذه الطريقة دون التعريف به يظهر بصمات واضحة لضغوط صندوق النقد الدولي والجنرالات النفطية بهذا المجال.

7- هنالك غموض كثير حول قضية المستشارين الاقتصاديين، وماهية هويتهم! وهذا ما يسهل دخول الكثير من عشاق المناصب والجاه وبالتالي يوجب الاستغلال ويؤدي إلى إقحام العمل السياسي بالعمل المهني.

8- عدم تفهم مجالس المحافظات لصلاحياتهم الإدارية والقانونية، قد يخلق تقاطع في حركة العمل مع حكومة المركز وربما يتحول الصراع في بعض المحافظات التي تسيطر عليها بعض الأحزاب سيطرة شبه تامة إلى نشوء مناطق ساخنة تهدد بالانفجار في أي لحظة.

9- قد تكون لدى الدولة أو حكومة المركز الآن فكرة التصدي لكل من يحاول الخروج عن سيطرتها فيما أوردنا في أعلاه باستخدام القوة العسكرية، وهنا يكون الحل في أسوء الطرق (عسكريا)، ونكون بذلك قد أهدرنا الأرواح قبل والأموال في معركة من الممكن تجنبها بصياغة قوانين ملزمة تمتلك الواجبات وتضمن الحقوق .

إننا إذ نشخص تلك الملاحظات على قانون النفط والغاز المزمع التصويت عليه في الجمعية الوطنية فإننا نرحب بأي قرار تكون الغاية منه المصلحة العليا للبلد، وما هدفنا من تشخيص تلك الثغرات إلا لغرض معالجتها والارتقاء به بحيث لا يدع مجال للتفريط بحقوق المواطن العراقي. وفيما إذا طبق القانون بشكل صحيح وبنية صادقة للعمل الجاد فإننا نرى في المستقبل القريب إنجازات كبيرة على المستوى الاقتصادي والذي سوف يلقي بظلاله على المستويات الأخرى.