الرجوع للعدد الخامس
حفظ هذا المقال فقط
مسودة قانون النفط والغاز (رؤية قانونية)
ضياء الجابر
رئيس قسم القانون العام في كلية القانون - جامعة كربلاء
تعد مسودة قانون النفط والغاز التي تقدم بها مجلس الوزراء وتم عرضها على مجلس النواب وقراءتها قراءة أولية خلال الشهر الماضي(آذار/2007) خطوة جريئة ومهمة من قبل الحكومة وهذه المسودة شأنها شأن بقية المشاريع الخاصة بالقوانين، لا بد لها من دراسة وافية ومناقشة كافية قبل إصدارها من قبل السلطة التشريعية لاسيما في ظل الفترة الحاضرة التي يعيشها العراق.

وبعد الاطلاع على هذه المسودة وقراءتها كان لنا بعض الملاحظات عليها وكما يأتي:



اولاً: الانتقادات

1-نبدأ بالملاحظات على هذا القانون من التسمية التي أطلقت على مشروع هذا القانون ( قانون النفط والغاز) ولنا أن نتساءل ما هو مصير الثروات الأخرى الموجودة في العراق ولاسيما إن هناك

دلائل كثيرة تشير إلى وجود معادن وثروات معدنية أخرى كالفوسفات والكبريت، والزئبق الأحمر وهذه الثروات منها ما هو مكتشف ومنتج، ومنها ما هو في طور الاستكشاف.

فهل المشروع العراقي كان قاصداً قصر الأمر على هاتين الثروتين النفط والغاز وسوف يقوم بعد ذلك بإصدار قانون أخر لتنظيم بقية الثروات الطبيعية، أم انه اغفل هذه الأمور، نعم إن النفط والغاز من أهم الثروات الموجودة في العراق، ولكن هناك ثروات مهمة أخرى ايضاً ( كالزئبق الاحمر).
   أن القارئ لهذا القانون يستخلص منه ان المشرع كان قاصداً قصر الامر على النفط والغاز والمواد الهيدروكاربونية الاخرى المشتقة منها دون بقية الثروات، مما يعني ضرورة اصدار تشريع اخر يعني بتنظيم بقية الثروات.

2-ورد ذكر مصطلح البترول في المادة( 4/7) والمتعلقة بالتعاريف ويعني " وجميع النفوط الخام او الغاز وأي هيدروكاربونات فينتجه او يمكن إنتاجه من النفط الخام أو الغاز أو الزيت الصخري أو الرمال الغبرية ".

نستطيع إذا سلمنا جدلاً باقتصار المسودة على النفط والغاز إن نقترح تسمية أخرى لهذا القانون وهي( قانون البترول العراقي) على اعتبار إن القانون قد حدد المقصود به وهو يشمل النفط والغاز فمن باب أولى إن يسمى الجزء بالكل أما إذا أردنا لهذا القانون إن ينظم الثروات الطبيعية في العراق ككل فنفضل إطلاق تسميات أخرى(قانون الثروات الطبيعية، او قانون الثروات النفطية والمعدنية).

3- جاءت المسودة بتمهيد أو مقدمة مسبوقة بالأسباب الموجبة للتشريع، دون إن تحمل عنوان يشير إلى ذلك، علماً إن الأسباب الموجبة للتشريع نرى إن مكانها الأفضل والأنسب خاتمة القانون إذ يتم وضعها في نهاية القانون بعد الانتهاء من المواد أو النصوص أو البنود القانونية. وهو ما تعودنا عليه في الصياغات القانونية في الكثير من القوانين. ثم إن الديباجة أو المقدمة جاءت خالية من عنوان كما اسلفنا وهو أمر غير دقيق من حيث الصياغات الشكلية للقانون، لاسيما وأن الديباجة أو المقدمة تتمتع بقيمة قانونية شأنها في ذلك شأن بقية النصوص القانونية الواردة في القانون.

4- ورد مصطلح ( المحافظة المنتجة ) في المادة (4/24)  إذ عرفت بأنها  "أي من محافظات جمهورية العراق التي يتحقق فيها إنتاج للنفط والغاز بصورة مستديمة وبمعدلات تجارية لا تقل عن 150  ألف برميل/ يومياً"

ولنا أن نتساءل ما هو الحكم لو إن المحافظة كانت تنتج اقل من هذه الكمية بقليل على سبيل المثال لو ان المحافظة (س) تنتج (140 أو 145 أو 149 ألف برميل يومياً) فهل تعد منتجة ام لا؟ فوفقاً للقانون لا تعد منتجة لان إنتاجها اقل من المعدل المعتمد، ولكن الا يعد ذلك غير منطقي ومجافي للعقل والمنطق، ثم ان هذه النسبة  ( 150 الف برميل يومياً ) كيف يتم اعتمادها ووفقاً لأي معيار؟ هل هو معيار دولي ام اقليمي؟ ام هو اجتهاد من واضعي ومقترحي المسودة، أم أريد من وراءه غاية مقصودة وهي استبعاد بعض المحافظات التي يقل إنتاجها عن ذلك حتى لا تكون خاضعة لصلاحيات وسلطات الهيئات المنشئة بموجب هذا القانون.
5- تحت المادة( 5/ ت ) على تشكيله المجلس الاتحادي للنفط والغاز الذي يؤسسه مجلس الوزراء يكون برئاسة رئيس الوزراء أو من ينيبه لرئاسته، ويضم في عضويته ثلاثة وزراء هم كل من وزير النفط، المالية، التخطيط والتعاون الإنمائي في الحكومة الاتحادية.

ونحن نرى ضرورة إشراك وزراء آخرين في عضوية المجلس وذلك لعلاقتهم المباشرة بالقانون منهم وزير التجارة، وزير النقل والمواصلات، وزير الكهرباء، وزير البيئة، ولاسيما ان القانون يشير في أكثر من مورد لأهمية هذه الثروات في الاستثمار وتوفير الطاقة التي يعد النفط والغاز من أهم مصادرها. ويؤكد على أن لا تؤثر هذه الاستثمارات النفطية على البيئة العراقية بشكل يضر بها.

6- جاء في عجز الفقرة (ت/اولاً) ما يأتي "ويراعى في تشكيل المجلس الاتحادي للنفط والغاز تمثيله للمكونات الأساسية للشعب العراقي". إن مثل هكذا صياغات تؤدي إلى تعزيز الطائفية والمحاصصة السياسية وتكريسها وهذا بدوره ينعكس سلباً على دور المجلس في اتخاذ القرارات للمسائل المهمة التي ينظرها. عليه نرى إعادة النظر في هذه الفقرة ورفعها من القانون.

7- نصت المادة(5/ ت/ سادساً) على استعانة المجلس الاتحادي للنفط والغاز بمكتب يسمى(مكتب المستشارين المستقلين) يضم خبراء النفط والغاز من العراقيين او أجانب، يقرر المجلس عددهم من المشهود لهم بالكفاءة والسمعة الحميدة، والذين يتمتعون بخبرة عملية طويلة في عمليات  التنقيب والإنتاج والعقود النفطية ويتم اختيارهم بالإجماع من قبل المجلس ويتم التعاقد معهم لمدة عام قابلة للتمديد، ويقدم المكتب المشورة  والتوصيات للمجلس بناء على إحالة من المجلس الاتحادي للنفط والغاز.


ولنا ملاحظات مهمة على هذه الفقرة منها:

أ‌- ذكرت الفقرة إن الخبراء يمكن أن يكونوا عراقيين أو أجانب مما يعني إمكانية المجلس في اختيار خبراء أجانب فقط، أو عراقيين فقط وهذا ما نفضله نحن، وهذا الأمر يتضح من خلال (أو) التخيير، ولذلك نرى رفع أداة التخيير ووضع (الواو) حرف العطف حتى يمكن الجمع بين الخبراء العراقيين والأجانب في آن واحد وان كنا نفضل ان تكون الغلبة للخبراء العراقيين.

ب- نرى ضرورة تحديد عدد الخبراء كحد ادنى وأعلى ولا يترك الأمر جزافاً فالنص يشير إلى إمكانية التعاقد مع 1000 أو أكثر من الخبراء وهذا الأمر يتطلب نفقات كبيرة جداً.

جـ- شرط الكفاءة والسمعة الحميدة والخبرة العالية شرط مرن وهناك مؤثرات كثيرة يمكن إن تتدخل في وضعه موضع التنفيذ وقد يستغل لغايات سياسية أو مالية أو غيرها، لذا نرى ضرورة توضيحه بدقة وتفصيل أكثر.

د- إن التعاقد مع الخبراء يتم بإجماع أعضاء المجلس الاتحادي للنفط والغاز وهذا أمر غاية في الصعوبة إذا لم نقل مستحيل، مما يضعف من دوره، ويضع العراقيل كاختيار الخبراء والتعاقد معهم ويفتح المجال أمام المساواة والمحاصصة في الاختيار. لذا نرى اعتماد نظام الأغلبية في الاختيار والتعاقد بدلاً من الإجماع.

هـ- إن مدة التعاقد السنوية قليلة جداً أو غير كافية لذا نقترح رفع هذه المدة إلى 4 أو 5 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة أو أكثر.

و- إن دور المكتب في الاستشارة ليس إجباري وإنما اختياري يعود للمجلس الاتحادي للنفط والغاز، كما انه ليس شامل أو عام وإنما يقتصر على ما يحال إليه من قبل المجلس الاتحادي للنفط والغاز، وفي هذا تهميش وإضعاف بدور المكتب لذا نقترح جعل ولاية المكتب عامة ومطلقة واستشارية ذاتية بناءاً على مبادرة او طلب منه وان لا يتوقف مباشرةً دوره على إحالة من المجلس الاتحادية للنفط والغاز.

8- نصت المادة (5/ ت/ احد عشر) على جواز وضع نظام داخلي من قبل المجلس الاتحادي للنفط والغاز وهذا الأمر يتضح من خلال الصياغة اللفظية للفقرة والتي تقول "للمجلس الاتحادي... ان يضع"  وكان من المفروض جعل الأمر وجوبي وذلك من خلال صياغة تدلل على ذلك كأن تكون" على المجلس الاتحادي... أن يضع نظاماً داخلياً لتنظيم عمله" أو بصياغة أخرى" يضع المجلس الاتحادي للنفط والغاز نظاماً داخلياً لتنظيم عمله"  فالنظام الداخلي لعمل المجلس امر وجوبي وحتمي (لابد منه) والا كيف يسير عمل المجلس واتخاذ قراراته.

9- نص المشروع على تفاذ العقد الاولي في حالة مرور مدة معينة 60 يوماً من استلام العقد من قبل المجلس الاتحادي للنفط والغاز، وبأضافة مدة 45 يوم اضافية في حالة عدم اجتماع المجلس الاتحادي، في حالة عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة بصدد العقد الاولى المستلم. ان في وضع هذه الفترة الزمنية تقييد لحرية عمل المجلس الاتحادي واجباره على اتخاذ قرار خلالها قد يكون متسرع او خاطئ وبالتالي يضر بمصلحة البلد. عليه نقترح رفع هذا القيد الزمني وعدم اشتراط البت في هذا العقد خلال فترة زمنية محددة.

10- قررت المادة (11) انشاء او تأسيس صندوقين الاول يسمى (صندوق الموارد النفطية) وتودع فيه الواردات الناتجة عن بيع النفط والغاز، ورفع مكافأة التوقيع، ومكافآت الإنتاج عن العقود النفطية مع الشركات الأجنبية والمحلية. وصندوق اخر هو (صندوق المستقبل) تودع فيه نسبه من الموارد النفطية وينظم بقانون. ونحن نتساءل ما هي الغاية من أنشاء الصندوق الثاني والداعي له ألا يكفي صندوق واحد فقط، ثم المقصود بصندوق المستقبل ومن يؤسسه هل المجلس الاتحادي للنفط والغاز أم جهة أخرى عليه نرى ضرورة الاقتصار على (صندوق المواد النفطية) والذي توضع فيه كل الواردات والعوائد النفطية والغازية.

11- نص المشروع في المادة (35) على مسك السجلات باللغة العربية وهذا أمر يخالف نص الدستور (م4) التي أكدت على اللغة العربية واللغة الكردية هي اللغتان الرسميتان. لذا يجب إضافة اللغة الكردية إلى نص المادة المذكورة.

12- تعاني بعض النصوص القانونية من نقص في الصياغة أو عيب في كيفية الصياغة فالمادة (28/ت) على سبيل الذكر لا الحصر تنص على ((... تعويض مالكي الموجودات والأشخاص الذين تم ترحيلهم)) في حين كان من المفروض ان يكون النص كما يأتي ((تعويض مالكي الموجودات والأشخاص الذين تم ترحيلهم تعويضا عادلا وفقا للقانون وبالسرعة الممكنة)) لاسيماوان الدستور العراقي لعام 2005 بنص في المادة (23/أولا ) على أن الملكية الخاصة مصونة... ثانيا يجوز نزع الملكية لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل وينظم ذلك بقانون))


ثانياً: الإيجابيات 

1. يعد قانون النفط والغاز خطوة جريئة وصحيحة نحو تعزيز الاستثمارات في قطاع النفط الذي لم يكن بالدرجة المطلوبة لحد هذه اللحظة لأسباب عديدة.

2. جاءت المسودة مطابقة مع نص الدستور في تأكيدها على إن ]النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات[.

3. جاءت المادة (39) مؤكدة على إن جميع القيود المبرمة والاتفاقيات النفطية من قبل الأقاليم والمحافظات قبل نفاذ القانون قابلة للمراجعة من أجل جعلها منسجمة مع أهداف وأحكام القانون ويتم ذلك من قبل المجلس الاتحادي للنفط والغاز.

4. جعل السلطات المختصة برسم السياسية النفطية وإدارتها وتنظيمها ومتابعتها متعددة وهي مجلس الوزراء ومجلس النواب والمجلس الاتحادي للنفط والغاز والشركة العراقية الوطنية، وزارة النفط والهيأة الإقليمية.

5. نص المشروع على إعادة هيكلية وزارة النفط بما يتلاءم مع القانون الجديد.

6. حسنا فعل المشروع (المسودة) عندما نص طرحه على سرية المعلومات والبيانات المتعلقة بالاستمارات والعقود النفطية، وذلك من خلال معاقبة من يفشي الأسرار المتعلقة بها وفقاً للقانون.

7. نعتقد إن المسودة قد نصت على الطرق الصحيحة في كيفية معالجة وحل النزاعات والخلافات النفطية والغازية بين الأطراف المتعاقدة وذلك بالتدرج في اللجوء إلى الأساليب الموصلة إلى الحلول كالتفاوض ثم اللجوء إلى وزير النفط ثم التحكيم ثم اللجوء إلى السلطة المختصة (السلطة القضائية) ويمكن الاستعانة بالجزاء لحل الإشكاليات.

8. تصت المواد على آلية التنافس في كيفية الحصول على العقود والتراخيص.

وأخيراً نظم صوتنا للأصوات المطالبة ببعض الأمور بصدد إصدار هذا القانون ومنها:

1. بالنظر للمرحلة الصعبة والحرجة التي يمر بها العراق ولاسيما كون العراق مقبل على مرحلة التعديلات الدستورية والتي باشر بها مجلس النواب، ولأهمية وخطورة قانون مثل قانون النفط كونه بمس أهم ثروات البلد وخشية من التسرع في إصدار هكذا قانون نرى ضرورة تأجيل إصدار هذا القانون لما بعد الانتهاء من التعديلات الدستورية المرتقبة، لان من بين المواد المطروحة للتعديل المواد المتعلقة بالثروات النفطية.

2. طرح مسودة القانون للمناقشة وتبادل الآراء والاستماع للمقترحات من خلال تبني الحكومة ومجلس النواب لهذا الأمر من خلال الندوات والمؤتمرات والاعلام المرئي والمسموع والمقروء، ويتم ذلك من خلال تخصيص فترة  زمنية أطول للوقوف على الايجابيات والسلبيات المطروحة على هذه المسودة.

3. إن الوضع الأمني قد يقف حائل دون تنفيذ أو تطبيق القانون خاصة وإن هذا القانون يشجع على جلب الاستثمارات الأجنبية وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق دون استقرار الوضع الأمني مما يعني إمكانية عدم تطبيق القانون في المناطق غير المستقرة أمنياً على خلاف مناطق أخرى مستقرة وآمنة أكثر من غيرها كإقليم كردستان.